الشعور بالخوف في المنزل والشارع أصبح على حدٍ سواء، إنعدم حسُ الأمان لديهن وأصبحن الحلقة الأضعف في المجتمع ، فإما ينشدن أماناً حين الخروج من عتبة المنزل، أو ينتظرن زوجاً يعود في صندوقٍ من أرض المعركة، ويودعن عائلاً كل صباحٍ على أمل العودة حياً من سعيه لكسب معيشتهم.
تزداد معاناة نساء مناطق الصراع في المنطقة العربية من حيث دورها الإجتماعي الذي تمارسه في حياتها اليومية، فانقطاع الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية جراء الصراع المسلح منذ 2011م في سوريا، العراق واليمن يزيد من سوء ظروف أعمالهن اليومية، حيث يجبرن على الخروج لتوفير احتياجات الأعمال المنزلية من مياه وحطب بعد توقف إمداد مناطق الصراع بالخدمات الأساسية للمعيشة.
تترك الحرب حساً بانعدام الأمان لدى النساء، حيث يتعرضن لانتهاكات أطراف الصراع من جهة، وانتهاكات الذكور من حولهن من جهةٍ أخرى، في الوقت الذي تزداد شدة هذه الإنتهاكات مع إجبار السكان على النزوح واللجوء لمناطق خارج رقعة الصراع، للعيش ضمن مخيمات المنظمات الإنسانية.
نزوحٌ وتهجير
خلال الحرب منذ 2011م نزح ما يقارب الخمسة ملايين مواطنٍ سوريٍ من مناطق الصراع للبلدان المجاورة، 48% منهم نساء، الأمر الذي يعرضهن لانتهاكات جسيمة والعنف والاستغلال الجنسي من قبل أزواجهن ومن الأخرين في مخيمات اللاجئين ومناطق النزوح، فيما تزداد معدلات الزوزاج المبكر في المخيمات املاً في توفير الفتيات لقمة العيش لأسرهن.
في اليمن، تقدر مفوضية اللاجئين عدد النازحين بما يقارب 4 ملايين نازحٍ ونازحة، ما يقارب النصف منهم من النساء، ما يجعلهن عرضةً لظروفٍ معيشيةٍ أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب، مع عدم إمكانية تحديد رقمٍ دقيقٍ بخصوص الإنتهاكات الجنسية التي يتعرضن لها بسبب طبيعة المجتمع المتحفظ والذي غالباً ما تنتهي فيه هذه الحالات بما يسمى جرائم الشرف.
خوفٌ من المجتمع
“كنت متشككة ان العباية ليست مضبوطة وانا استلمها من الخياط في المحل رغم اني جلبت له عباية يقيس عليها، فلما رآني هكذا مترددة اقترح علي ان ادخل واقيسها في الغرفة المخصصة لذلك، وبسرعة البرق خطرت ببالي قصة الاغبري”، قضية رأي عام لتعذيب أحد الأشخاص حتى الموت وتصويره في غرفةٍ خلفيةٍ لأحد محلات الهواتف في صنعاء، “والغرفة الداخلية والكاميرا فرفضت ان افعل ذلك وقلت له سأقيسها في المنزل ولو تحتاج تعديل سأعيدها لك….. المراة التي جلست بجانبي في الحديقة أخبرتني بذلك!” تسرد “هدى علي”، ناشطةً يمنية على وسائل التواصل، في صفحتها على فيسبوك حديث أحد النساء معها في الحديقة حول خوفها وانعدام إحساسها بالأمان كامرأة مع ما تراه من جرائم يوميةٍ في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس / أذار 2015م.
وتتحدث الناشطة النسوية السورية دارين حليمة على صفحتها في مواقع التواصل الإجتماعي عن عدم تسامح المجتمع مع النسوة اللاتي يتعرضن للإنتهاكات والإٍستغلال الجنسي في سوريا ومناطق الصراع في العالم العربي كسوريا، العراق، اليمن وفلسطين، حيث تتحدث معها الكثير من الضحايا عن وضعهن النفسي والإجتماعي جراء تعرضهن للإنتهاكات وخوف الغالبية من النساء من إيذاء المجتمع لهن، وخصوصاً مع ما يشهدنه من قضايا عنفٍ وانتهاكاتٍ من حولهن وعلى وسائل الإعلام.
المشاركة في سوق العمل
في حديثٍ سابقٍ مع وكالة أخبار الأمم المتحدة للدكتورة هينيا دقاق، منسقة البرامج والمستشارة الفنية في صندوق الأمم المتحدة للسكان، تؤكد على أن أثار الحرب لا تقتصر على تعرض المرأة للعنف من قبل أطراف الصراع وإنما يمتد لأبعد من ذلك، وخصوصاً في مجتمعات الشتات، مناطق النزوح، حيث تقول أن الوضع الإقتصادي السيء في هذه المجتمعات يحمل عبئاً أكبر على كاهل المرأة، فيما تكاد تنعدم الفرص أمامها في تحسين الوضع المعيشي، حيث يعيش معظم النازحين إما في مخيمات اللاجئين أو المناطق الفقيرة في البلدان والمناطق المضيفة، حيث تنعدم الخدمات في هذه المناطق ويكون مستوى المعيشة أكثر ردائةً فيها.
ومن جهةٍ أخرى، لا تستطيع المرأة المشاركة في سوق العمل، حيث يزيد النزوح والصراع من العقبات التي تواجهها في سوق العمل إلى جانب تقلص الفرص المتاحة أمامها، وانعدام المساواة في الأجور بينها وبين الذكر في حال توفر العمل لها وقدرتها على ذلك، حيث تعتبر إلتزاماتها الأسرية عائقاً كبيراً لها للإلتزام بنمط عملٍ معين، فيما تعيش حالةً من الخوف من التعرض للإبتزاز والتحرش والإستغلال الجنسي في بيئة العمل الجديدة.
العنف الأسري
يونيو / حزيران 2019م، سجلت العاصمة اليمنية حادثة قتل أب لبناته الثلاث غرقاً في المنزل، فيما تكررت أحداث عنفٍ تجاه المرأة، حيث أقدم شابٌ في محافظة إب اليمنية قبل أيام على قتل أخته، فيما يتداول على مواقع التواصل الإجتماعي مشاهد من قضايا عنفٍ أسري تجاه فتياتٍ ونساء على خلفية أزماتٍ نفسيةٍ يعاني منها عائلوهن.
يشكل تردي الوضع الإقتصادي وانعدام العمل ضغطاً نفسياً على الرجال إلى جانب إحساسهم بالعجز، ما ينعكس على معاملتهم مع أسرهم وممارسة العنف تجاههم، حيث يشير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، في دراسةٍ مطولة حول أثر الحرب على الصحة النفسية، إلى أن اليمن تشهد تدهوراً في مجال الصحة النفسية المنعدمة أصلاً، حيث لا توجد في اليمن إلا أربع مراكز للصحة النفسية قبل الحرب حسب أطلس الصحة النفسية لمنظمة الصحة العالمية، فيما تعتبر خدماتها سيئةً جداً كما تقول الدراسة، إلى جانب وجود 400 طبيبٍ نفسيٍ فقط في اليمن حسب معلومات ما قبل الحرب، في الوقت الذي لا يستطيع الغالبية الوصول لمراكز الرعاية.
يعاني الكثير من السوريين والعراقيين الذين شهدوا الصراع اضطرابات ما بعد الصدمة، والكثير من الأمراض النفسية الناتجة عن أثار الحرب عليهم كالذهان والفيبرومالجيا، متلازمة الألم العضلي المتفشي، حيث تشير دراسة على مركز حرمون للدراسات المعاصرة بعنوان الأثار النفسية للحرب على الشباب السوريين إلى أن الحرب أصابت البنية الإجتماعية بكثير من التحولات، كتأخر سن الزواج لدى الذكور وارتفاع نسبة الطلاق والترمل بسبب الحرب من اعتقالٍ وقصفٍ وتردي الوضع المعيشي.
ويستمر وضع المرأة العربية بالتدهور بشكلٍ مأساويٍ في مناطق الصراع الدائر منذ بداية أحداث الربيع العربي واشتعال المنطقة بصراعاتٍ إقليمية ودولية، وبين الشقاء والنزوح والإستغلال، يبدوالأفق معتماً دونما أمالٍ تعلقها المرأة العربية في انفراجةٍ لوضعها.