“يوسع جسدها ضرباً حتى الموت، يهشم رأسها بالطوب أو يفتحه برصاصة كلاشنكوف، ثم يكمل عشاءه أو ينتهي من شرب الشاي” مشاهد عربية أصبحت إعتيادية للعنف الذكوري الممارس بحق النساء تحت عناوين قانونية، مصدرها الشريعة، تبرئ ساحة الجاني وتخذل ضحاياه من النساء.
في النصف الثاني من يوليو/تموز الماضي، أقدم أبٌ أردني على تهشيم رأس ابنته الثلاثينية على رصيف أحد الأحياء الأردنية ليكمل بعدها شرب الشاي على جثتها. الجريمة هزت الشارع الأردني والعربي وحولتها لقضية رأيٍ عام تداول مجرياتها الناشطون على وسائل التواصل تحت وسم “صرخة أحلام” فيما رافق الجميع مشاعر اليأس من عدم نيل الأب عقوبةً مجزيةً لقاء جنايته.
سبقها في العام 2019 قضيةٌ أخرى حول إلحاق زوجٍ الضرر بزوجته، حيث أسفر اعتداؤه عليها عن فقدان عينيها أمام مرأى أطفالها، ما أدى لتفاعل الكثير من وسائل الإعلام والمنظمات والشخصيات الحقوقية والنسوية على مستوى الوطن العربي، فيما تبقى مخاوف من ضياع حق المرأة المجني عليها.
الجدير ذكره أن قضيةً أخرى شغلت أنشطة العالم النسوي العربي تتحدث عن قتل شابٍ يمنيٍ لشقيقته في محافظة إب اليمنية الأسبوع الماضي بدمٍ بارد بحجة رفضها خدمته، فيما اطلعت “مواطن” اليوم على وثيقةٍ تنازلٍ تفيد أن أم الضحية وإخوتها وأخواتها تنازلوا عن دم المجني عليها وأفرجوا عن الشقيق القاتل، فيما يقف الناشطون الحقوقيون دون حيلةٍ للوقوف على هذا النوع من القضايا التي تشمل العنف الأسري وجرائم قتل بحق فتياتٍ ونسوةٍ ضمن أسرهن، خصوصاً في ظل وجود التشريعات التي تبرر هذه الجرائم وتوفر لها الغطاء القانوني.
القانون في صف الجلاد
لا يقاد الأصل بفرعه، قاعدةٌ شرعيةٌ (دينية) وفرت غطاءً قانونياً عبر الكثير من القوانين التي ترجمت مضمون القاعدة الفقهية السابقة الذكر لتعفي الأب من عواقب ارتكابه جرماً بحق أبنائه الذكور أو الإناث، فيما يتوفر له غطاءٌ شرعيٌ أخر يرفع عنه في معظم الأحيان حتى الدية ( تعويضٌ مادق تقره الشريعة الإسلامية مقابل إزهاق روح الضحية يدفع للورثة ) وهي الإقدام على قتل إناث العائلة تحت دعوى الدفاع عن الشرف، وما يسمى قانوناً بجرائم الشرف.
في القانون السعودي وفق حديثٍ سابقٍ للدكتور اللحيدان، المستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية لدول الخليج والشرق الأوسط، أدلى به لصحيفة عكاظ حول ذات الموضوع، ما مفاده أن القانون السعودي يحدد سبع حالاتٍ لجرائم الأصل بالفرع (قتل الأب ابنه أو ابنته) لا يدان فيها الأب في أيٍ منها سوى بالدية، فيما يقتل في واحدة، وهي حين يكون الإبن أو الإبنة مسلماً والأب الجاني كافر.
في القوانين السورية، المصرية، اللبنانية واليمنية، يحصل الجاني الذكر في ما يسمى بقضايا جرائم الشرف التي تمس أحد أصوله (أي والديه) أو فروعه (أبنائه وأحفاده) أو أخته على عقوبةٍ مخففة إذا ما ارتكب بحق أحدٍ من هؤلاء جريمة القتل.
الجدير بالذكر أن معظم قوانين بلدان العالم العربي وفق استنادها للشريعة تتفق في إقرار هذا النوع من القوانين التي تتسامح مع قضايا العائل بحق من يعولهم، بالإضافة لاشتهارها بقوانين جرائم الشرف التي تمنح الجاني عقوبةً مخففة أو عفواً في بعض الحالات، ما يجعل من القانون مساهماً في استمرار هذا النوع من الجرائم وفرار الجناة من العقوبة.
ويرى حقوقيون أن حماية المرأة يجب أن تبدأ من الساحة التشريعية القانونية لتحدث تغييراً في التعامل معها في القضاء والمجتمع، مشيرين إلى أنه ما دامت القوانين العربية تستند للشريعة الإسلامية فإنه لا يمكن حماية المرأة وإحداث تغييرٍ إنسانيٍ حقيقيٍ على طبيعة القوانين العربية، حيث تفيد تقاريرٌ للأمم المتحدة أن 37% من النساء العربيات تعرضن للعنف المنزلي.
تعتبر الجرائم المرتكبة بحق النساء العربيات راجعةً لأسبابٍ دينيةٍ وثقافية تحدد موقع المرأة الإجتماعي وطبيعة التعامل معها وتمنح الذكور المبررات الشرعية لارتكاب العنف وإلحاق الأذى بهن، وخصوصاً تحت حماية القوانين التي تتسامح معه كجانٍ ذكر، لتبقى النساء العربيات مجردةً عن أي وسيلة حمايةٍ من العنف والتسلط الذكوري في الوضع الحالي.