الثلاثاء، الساعة الحادية عشرة صباحاً، صباح السابع من يناير 2015م، باريس ، يقتحم ملثمان مقر صحيفة شارلي إيبدو الساخرة، يدخلان لقاعة الإجتماعات حيث يجتمع طاقم الصحيفة ويفرغان رصاص أسلحتهما ليوقعا 12 قتيلاً.
إحدى الهجمات الإرهابية التي تبعتها ثلاث هجماتٍ إرهابيةٌ أخرى في نفس السياق بعد الحادثة السابقة بيومين إثنين، يتوقع ضحايا لم يشهدها الفرنسيون على مدى عقودٍ مضت.
الجدير ذكره أن أكبر الأقليات الإسلامية تتواجد في فرنسا في مجتمعاتٍ إسلاميةٍ متشددة ومحافظة، تمارس طقوسها وعاداتها الإسلامية في مجتمعاتٍ منعزلة عن المجتمع الفرنسي.
حامد عبد الصمد، مفكرٌ ومختصٌ بالشأن الإسلامي ألمانيٌ مصري، في سلسلة محاضراتٍ قدمها على قناته في اليوتيوب يتحدث عن مشكلة الإسلاميين في أوروبا، حيث يتحدث عن تجربته في زيارة مجتمعاتٍ إسلاميةٍ مغلقة في النرويج واصفاً إياها بالفكرة المرعبة.
عبد الصمد يضيف أن الشرطة في النرويج لا يمكنها دخول الأحياء المسلمة خوفاً من ردود فعلٍ مسلحة، حيث تبني هذه التجمعات الإسلامية مجتمعاتٍ وأنظمةٍ موازية داخل المجتمعات والدول الأوروبية، فهم لا يلتزمون بقوانين ومبادئ البلدان التي يعيشون فيها ويمارسون القضاء العرفي الإسلامي فيما بينهم، ويستمرون في تنشئة أجيالهم على معاداة المجتمعات الأوروبية المستضيفة بوصفها مجتمعاتٍ كافرة يتوجب على المسلمين جهادها.
حادثةٌ أخرى مثلت فاجعةً للفرنسيين في احتفالهم بيوم الباستيل فيما عرف بهجوم نيس، في الرابع عشر من يوليو تموز 2016، حيث قام أحد المسلمين من أصولٍ تونسية بعملية دهسٍ واسعة في منتزهٍ في نيس، حيث أسفرت الحادثة عن مقتل 84 شخصاً بينهم أطفال، وجرح أكثر من 100 أخرين.
الخميس 25 سبتمبر أيلول 2020م، حادثة طعن تصيب شخصان بجروح وإيقاف المشتبه به، باكستاني مسلم مقيم في فرنسا منذ ثلاث سنوات ويبلغ من العمر 18 عام، واعترافه بجريمته مبرراً أنه لم يتحمل إعادة نشر شارلي إيبدو رسومها الساخرة من الإسلام.
الأديب والصحفي العربي علي المقري، المقيم في فرنسا، أعاد نشر صورةً لصحيفة شارلي إيبدو معلقاً ومستنكراً على الحادثة في صفحته في الفيسبوك ” ألم يكن أمام الشاب الباكستاني المسلم أي طريقة أخرى للاحتجاج على إعادة صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية نشر كاريكاتيرات تسخر من نبي الإسلام وتعيد إليه النزعة المتطرفة لدى التنظيمات الإسلامية الإرهابية؟! ألم يكن لهذا الشاب الذي جاء إلى أوروبا للبحث عن فرص عيش أفضل أن يقوم بممارسة احتجاج آخر غير تلك التي استهدفت قتل أشخاص في الشارع؟! ألم يكن بإمكانه أن يرفع، في ساحة الريبوبليك أو بجوار برج إيفل، يافطة، أو كرتونة احتجاج، يكتب عليها اعتراضاته الغاضبة على ما نُشر، كان بإمكانه أن يفعل ذلك ليلتف حوله الآلاف من العابرين، كان بإمكانه الحديث معهم، وشرح سبب احتجاجه…”
حسب فرنس 24، أدت سلسلة الهجمات الإرهابية في فرنسا منذ مطلع يناير 2015م إلى مقتل أكثر من 258 شخصاً حتى الهجوم الأخير على شارلي إيبدو، كانت مصدرها جميعها من أبناء الجاليات والمجتمعات الإسلامية في فرنسا.
في خطابٍ يوم الـثاني من أكتوبر تشرين الأول للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن صراحةً فيه بأن الإسلام يعتبر مشكلةً عالمية وأنه يعاني مشاكل حول العالم من حيث جموده وانعزاله، مضيفاً أن الأقليات المسلمة في أوروبا وفرنسا تعمل عكس قيم الجمهورية وتنشئ مجتمعاتٍ معزولةٍ وموازية للدولة، فيما تبقى مؤسساتها ودور عبادتها تتلقى أموالاً من الخارج وترفض الإعتراف بمبادئ العلمانية.
يذكر أن السلطات السويدية والفرنسية اكتشفت شبكات تمويلٍ لداعش الإرهابية يجمعها المسلمون في أوروبا ويمولون بها الجماعة في عام 2013، فيما تورط الكثيرون في تزويد الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط بالمقاتلين كما هو حال “سعيد كواشي، أحد المشاركين في هجوم شارلي إيبدو 2015” في حين تحافظ هذه المجتمعات على نمط حياةٍ مدني منعزل عن المجتمع الفرنسي، بما يشمل المدارس والمناهج الدينية، الأمر الذي عنى به الرئيس الفرنسي ببناء نظامٍ موازٍ ومعادٍ للجمهورية والعلمانية داخل فرنسا، حيث نعتهم بالإنفصاليين.
الرئيس الفرنسي أشار إلى تبني حكومته استراتيجيةً جديدة لمواجهات الإسلام السياسي والحد من ممارسات الإنفصاليين وبقائهم كتهديدٍ لقيم وأمن فرنسا، حيث تفرض الإستراتيجية رقابةً على المساجد والجمعيات الإسلامية والمدارس الأجنبية الخاصة وتمويلها، فيما ستمنع إنشاء أي منظماتٍ لا تعترف بالقيم العلمانية.
إلى جانب ذلك، فقد وسعت الحكومة الفرنسية من إجراءاتها الخاصة بقوانين منع الرموز الدينية في الأماكن العامة لتشمل حظر الحجاب في القطاع الخاص بالنسبة للموظفين الذين يتعاملون مع العملاء. ويرى مراقبون بأن هذه الخطوة قد تكون متأخرة، حيث أصبحت المجتمعات الإسلامية الراديكالية في فرنسا وأوروبا تشكل هاجساً أمنياً متواصلاً في الحين الذي تكتفي السلطات بالتعامل مع القضايا ذات الطابع الجنائي دون التدخل للحد من استمرار توريث ونقل الأفكار الإرهابية ضمن المؤسسات الإسلامية المقيمة هناك، فيما يتخوف أخرون من ردود فعلٍ عبر هجماتٍ إرهابيةٍ جديدةٍ ترتكبها الجماعات الإسلامية.