“هل يمكن لك أن تعيش تجربة لا تراها إلا في قصصٍ خيالية في أعمال السينما؟.. أنا عشت ذلك، الصدمة لوحدها ليست كافيةً لوصف ذلك الشعور، لقد انتابني إحساسٌ بغيضٌ أريد أن أدمر به العالم بالمعنى الحرفي في تلك اللحظة.. حياتي بأكملها كانت مبنيةً على الوهم حتى في أبسط جزئياتها” محمد، لا ديني، يحكي لـ “مواطن” عن تجربته مع الإسلام وتركه له بعد اكتشافه أنه كان في وهم حسب تعبيره.
يعيش اللادينيون العرب، وخصوصاً بعد أحداث الربيع العربي، في جوٍ جديدٍ من الصراع مع الدين والمجتمع بعد خيبة الأمال التي تركتهم فيها أحداث الربيع وركوب جماعات الإٍسلام السياسي موجتها وخطف الثورة من أيدي الشباب العربي.
مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت أكثر ساحات التعبير حريةً للشباب اللادينيين، حيث تضمهم مجموعاتٌ على الفيسبوك وقنوات في اليوتيوب تناقش مسائل تتعلق بنقد الفكر الديني والتعبير عن وجهة نظرهم حول مسائل تتعلق بالدين والمرأة والسياسة.
خروج اللادينيين للعلن يزيد من مخاطر استهدافهم من قبل الجماعات الدينية والعامة، حيث شهدت بلدان كمصر تسجيل العديد من انتهاكات السلطات بحقهم عبر ما يسمى بقانون ازدراء الأديان، والذي يتحدث عنه المفكر المصري أحمد سعد زايد بأنه قانون متحيز ولا يمكن أن تكون هناك قضية تحت هذا العنوان يمكن معاقبة أحد، فهي حسب تعبيره تقييدٌ للحريات، كما أن كل الأديان تزدري بعضها.
أما في بلدان عربية أخرى كالعراق واليمن، فقد تعرض الكثير من النشطاء اللادينيين المشهورين للتصفية الجسدية من قبل الجماعات الإرهابية بدعوى محاربتهم الله ورسوله، فيما لا تقتصر هذه الممارسات على النشطاء اللادينيين وإنما تتعداهم لتسجيل حوادث تصفية لأناسٍ عاديين تحت تهمة دعوتهم لعلمانية الدولة.
“مواطن” تواصلت مع بعض الشباب اللادينيين وتحدثت معهم حول تجربتهم الفكرية والأسباب التي قادتهم لسلوك هذا المسار في حياتهم، وهل كانت لها دوافع خارجية تتمثل بالأوضاع السياسية المحيطة لتدفعهم لسلوك مسارات أخرى خارج إطار ومألوف المجتمع.
محمد السريحي، إسم مستعار، يتحدث عن تجربته بقوله ” حين حدثني صديقي في الغرفة حول الموضوع وبدأنا نقاشاتنا حوله، كان الأمر بمثابة إيجاد أجوبة لأسئلةٍ دائماً ما أرقتني، فأنا قادمٌ من مجتمعٍ خليجيٍ محافظ ومتدين، فيما كنت أستغرب كيف لأصدقائي وصديقاتي الطيبين أن يكون كفاراً ويدخلون النار، بينما مستواهم الأخلاقي قد يكون أفضل من المكان الذي أتيت منه..” ويضيف أنه في الماضي كان دوماً ما يشعر بتأنيب الضمير والخوف من العاقبة التي تعده بها عقيدته التي قدم منها عند بقائه مع أصدقائه وصديقاته وإقامته لعلاقاتٍ معهم.
محمد أضاف أن للأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة دور، ولكن لا يظن بأ، لها تأثيراً مباشراً عليه بقدر ما هي وسائل التواصل الإجتماعي وتطور وسائل الإتصالات والإنترنت حالياً، حيث أشار إلى أنه والشباب العربي لم يعودوا رهائن العادات والتقاليد واحتكار السلطة لفكرهم، وأنهم أصبحوا أكثر انفتاحاً على العالم.
سهير، زوجة وأم، تتحدث حول تجربتها التي عاشتها على أنها تجربةٌ صعبة، الأولى حين علمت أن زوجها أصبح لا دينياً، والثانية في فقدانها هي لإيمانها رغم رفضها لذلك ” كنت أرفض المنزلة الإجتماعية التي يضعني فيها الدين الإسلامي ولذا كنت متمردةً في علاقتي الزوجية وأكثر استقلاليةً في شخصيتي مع زوجي، ولكن أمراً كتغيير الدين أو تركه كان بالنسبة لي أمرٌ لا يمكن التفكير به أو أنه يخطر لي يوماً على بال.. وخصوصاً حين يكون زوجي هو من يقوم بذلك” وتضيف تعليقاً على ذلك ” لقد عشت لفترةٍ ما صدمة، ولكننا تجاوزنا ذلك معاً.. في البداية اتفقنا على حرية اعتقاد كلٍ منا، ولكنني فقدت إيماني أمام التناقضات التي بدأت تظهر لي في ديني الإٍسلام للحد الذي أصبحت أعلم فيه أنني حين أدعوا الله في الصلاة أعلم أنه لا جدوى من ذلك..”
وبشأن المؤثرات التي قادتها لسلوك هذا المسار الفكري، تقول سهير بأنه ليس من شيءٍ محدد وإنما مجموعة من التجارب والخبرات والأفكار التراكمية التي كانت تعترض فيها على واقعها كامرأة في المجتمع وعلى نظرة الشريعة والعادات والتقاليد وفروق التعامل معها ومع الذكور في الأسرة والقانون والمجتمع، حيث تختم ذلك بقولها ” كنت فقط أخاف الكشف عن الحقيقة، أو أنني أنتظر الجواب الحقيقي لنظرية كل شيء، جواب هذه التناقضات التي تشغلني، وقد وجدتها أخيراً”.
أخرون لا دينيون يرون أن اللادينية أصالةً هي الإنسانية، مرجعين سبب الصراعات البشرية الأول وسبب معظم ما يحدث من مأسي حول العالم هو الدين، وأنه لو كانت المجتمعات العربية المتناحرة بلا دين لما كانت في حاجةٍ لهذا التناحر القائم على العقيدة والعقيدة فقط، حسب تعبيرهم.
هذا وقد شهدت المنطقة العربية تزايد أعداد اللادينين في بلدان المنطقة منذ أحداث الربيع العربي وصعود تيارت الإسلام السياسي وظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) كممثل حصري للدين والشريعة، فيما تزداد المخاطر التي قد تلحق بهم أمام تراجع مستوى الحريات في المنطقة.