عبر اثني عشر بوابةً تمثل ساعات الليل يقطعها الميت في طريقه للأبدية، يصل محكمة الموتى أمام أوزوريس واثنان وأربعون إلهاً آخرين، فيما يقف ست على الميزان الذي يحمل في إحدى كفتيه ريشة وفي الكفة الأخرى قلب الميت، فإن رجحت كفة الريشة وارتفع القلب تتأكد للمحكمة أن المتوفى كان طيباً وخيراً في حياته وسيعيش في العالم الأخر بشكل جيد، أما إن مالت كفة القلب على الميزان وارتفعت الريشة المتوفى شخص ارتكب الآثام في حياته، لذا سيأكل الوحش عمعموت ( الألهة ماعت ) قلبه وسيفنى أو تتعذب روحه التائهة للأبد.
هذه القصة هي إحدى قصص العالم الآخر في أقدم قصص معاريج الحكماء في التاريخ التي رويت يوماً. سنوزيريس وهو يعظ والده ساتني، يعرج به لعالم الموتى ويريه مشهداً لمحكمة الحساب وطبيعة العالم الأخر ويحضر محاكمة إثنين من الموتى الذين زفوا أمامه في الدنيا لمراقدهم، غنيٌ تحفه موسيقى الموت وموكب المشيعين وفقيرٌ يمضي أولاده برفاته دون أن ينتبه لها أحد.
في مصر، أغنى بلاد العالم حضارياً، مازالت الفراعنة تدهش العالم كل يوم، فمن بين كل لعنات الفراعنة التي لاحقت العالم، كان حد المجد والرقي الإجتماعي الذي بلغه قدماء المصريين غرورهم الذي لم يكتف فيه بحياةٍ واحدة تنتهي على الأرض، وإنما ابتكر المصريون القدماء فكرة الحياة الأبدية الأخرى ما بعد الموت.
كشف أثريٌ جديدٌ في منطقة الأهرامات سقارة يبهر العالم من جديدٍ، يعود ليؤكد أن أسرار وكنوز حضارة وادي النيل وتاريخ قدماء المصريين حكاية لا تنتهي.
في أواخر أغسطس 2020م، وزارة السياحة المصرية أعلنت اكتشافها لبئرٍ يحوي مقبرةً فيها أربعة عشر تابوتاً تكتشف لأول مرةٍ بعد مضي 2500 عاما منذ دفنها.
توابيت المومياوات المكتشفة وجدت بجوارها مجموعةٌ من التماثيل والأثار المختلفة التي تعوّد المصريون القدماء على دفنها مع الموتى في مقابر الدفن إلى جوار تعاليم كتاب الموتى وإرشادات قطع الطريق إلى العالم الأخر وعيش الأبدية.
الاكتشاف تبعه اكتشاف بئرٍ أخرى بها أعدادٌ أخرى من توابيت المومياوات التي أعدت نفسها للأبدية في العالم الآخر. الألوان، النقوش، التماثيل والأمتعة التي وجدت بجوار التوابيت، كوسائل كان يستخدمها قدماء المصريون لتساعدهم على اجتياز امتحانات الانتقال للعالم الأخر، كانت هي الأخرى أكثر إثارةً للغرابة والدهشة في عيون العالم، حيث بقيت الألوان ثابتةً كما هي عليه حين عملية الدفن.
الكشف الأثري الجديد في منطقة الأهرامات بسقارة تبعه اكتشاف بئرٍ ثالثةٍ ليبلغ عدد التوابيت تسعة وخمسين تابوتاً حتى إعلان وزارة السياحة أكتوبر الجاري في مؤتمرٍ صحفيٍ عن أكبر كشفٍ أثريٍ في سقارة، الاكتشاف الذي يخبرنا المزيد عن أسرار وخفايا حضارة وادي النيل والمصريين القدماء.
بعد هذه الإكتشافات مازال التنقيب في منطقة الأهرامات بسقارة جارياً، حيث أفادت وزارة السياحة المصرية ومجلس الأثار المصريين بأن هنالك المزيد من التوابيت والمقابر في المنطقة، وهي في طور الكشف والاستخراج حالياً.
كشف أثري آخر في سقارة زاره رئيس الوزراء المصري، وفي طور الدراسة، فيما تبين حسب وزارة السياحة أن المقابر المكتشفة تعود لكهنةٍ ونافذين من قدماء المصريين عاشوا قبل 2600 عام، العام السادس قبل الميلاد، أي في فترة الأسرة السادسة والعشرين،والتي كانت آخر الأسر المصرية القومية المتأخرة الحاكمة قبل الغزو الفارسي الذي لم يدم أكثر من عشر سنين، حيث لم يتفق علماء الآثار بعد على عمق تاريخ الحضارة المصرية، فيما يقدر حسب الدلائل الحالية وفق جامعة لندن بأنها تتجاوز الستة ألاف عام.
علماء آثار، عبّروا عن أهمية الكشف الأثري بسقارة من حيث كونه اكتشافاً لمقابر وأثار لم يمسسها أحد منذ دفنها، وهي باقيةٌ على ما هي عليه دون تغييرٍ على مدى ألفين وخمسمائة سنة منذ الدفن ليكون العلماء الحاليون هم أول من يفتحها، ما يعني إمكانية تعرفهم أكثر على أسرار وتاريخ حضارة المصريين القدماء.
عالم الأثار المصري، زاهي حواس، في فيديو ترويجيٍ لوزارة السياحة المصرية يتحدث فيه عن أهمية ما يمكن لكشف سقارة أن يكشف الروابط بين المواريث الدينية والإنسانية لمناطق متباعدة في مصر القديمة وفي فتراتٍ زمنيةٍ مختلفة، خصوصاً مع ما وجده من تماثيل لألهاتٍ كانت توضع مع الموتى في مناطق أخرى من مصر غير سقارة.