يبدو أن المخرج “عمرو سلامة” كان يحاول بشدة إنجاح مسلسل “ما وراء الطبيعة” المستوحى من سلسلة الدكتور أحمد خالد توفيق والتي تحمل الاسم نفسه، ربما هذا هو السبب الأساسي في الشعور بالتشتت الذي يشعر به المتفرج وهو يشاهد حلقات المسلسل.
كان اختيار “أحمد أمين” لتجسيد دور “رفعت إسماعيل” بطل السلسلة اختيارا موفقا ويحسب للمخرج، فأداء “أحمد أمين” طابق خيال قراء السلسلة وخطف قلوب المشاهدين للمسلسل، لكن يبدو أن “أمين” هو الضلع الأكبر فى نجاح المسلسل إن سلمنا جميعا بنجاحه، ولولا نجاحه في تجسيد شخصية “رفعت إسماعيل” ما كنا لنبدي اهتماما كبيرا بمتابعة أحداث الحلقات.
في الحلقة الأولى ننبهر برؤية “أمين” يجسد “رفعت إسماعيل” وتفاصيل حياته والحوارات مثل المشاهد التي لعب فيها دور الراوي للأحداث فى حياته وذلك العمق الإنساني البديع في تفاصيل بلوغه سن الأربعين ووحدته والمشاهد البسيطة التي يشرح فيها قوانين مهندس يدعى “ميرفي” وكيف تنطبق على حياته كأن يكون “نحس”، ثم تظهر حب حياته “ماجي” وتعاطفنا طوال الوقت مع عدم استطاعته التعبير عن حبه أمامها وارتباكه وربما أيضا رفضه للتسليم ببساطة لما في قلبه والتطرف للعقل الذي يملي عليه كل فعل مثل استسلامه لخطبة “هويدا” وسؤاله العفوي “هو لو انت عاوز تخلص من علاقة فى حياتك تعمل ايه؟”
ويملي عليه أيضا كل كلمة يقولها ويختارها بعناية بعيدا عن أي عفوية كما تؤكد “ماجي” في حوارها معه: انت ليه بتقول عكس اللى جواك؟
أداء تمثيلي مبهر وحبكات ضعيفة
من الغريب أن أكثر شيء جميل في المسلسل هو أكثر شيء مؤسف فيه وهي معادلة جديدة قد نضعها ضمن قوانين “ميرفي” أو يتم طرحها على “رفعت إسماعيل نفسه”، ما نحبه ونتعلق به بشدة هو “رفعت إسماعيل” وشخصيته، ما يجعلنا نختار أن نشاهد حلقة أخرى هو حبنا لرؤيته وفقط، وهنا نأسف جميعا على أننا لم نندمج تماما في الحدث ونتعلق به كما تعلقنا بالبطل وبأداء “أمين” الذي بدا وكأنه شخص من عالم آخر وهو يجسد شخصية من خيال أحمد خالد توفيق والقارئ معا من المدهش حقاً مدى براعته وتوفيقه فى أداء الدور، أظن أن “أمين” فقد جزءا من هويته في تجسيد هذه الشخصية ومن هذه اللحظة سنراه فقط “رفعت إسماعيل” حتى لو خلع ملابسه.
آداء الممثلين أيضا كان موفقا خاصة “ريم عبدالقادر” في دور “شيراز” التي تبدأ معنا من الحلقة الأولى فى رحلة أسطورة “بيت الخضراوي” وتنتهي معنا فى آخر الحلقات والتي تعتبر من أكثر الحلقات توفيقا فى المسلسل، حيث إيقاع المشاهد متوافق مع الحدث وغرقنا فى تفاصيل مشاهد “رفعت” وهو يحاول إنقاذ شبح “شيراز” أو جثتها حتى إنه يحاول أن يلعب “الاستغماية” وهي اللعبة التي كان يفشل فيها دائما وهو صغير كفشله فى لعبة الحب بعد سنين فى حياته فشله مع “شيراز” وفشله مع “ماجي” وكانت “شيراز” تلعب دور المرشد والمنقذ له وقت اللعب وطوال الحلقات
“أنا حاولت أساعدك كتير بس انت اللي غبي!”
ونكتشف ذلك فى الحلقة الأخيرة كما يكتشفه هو عندما تتجسد روح “شيراز” في شخصية “ماجي”.
المتاهة التي صنعها “عمرو سلامة”
أما باقي الحلقات بدءا من الحلقة الثانية ندخل فى متاهة أخرى صنعها “عمرو سلامة” نفسه بدافع من خوفه أو تشتته أو من رؤية خاطئة لمتاهة “رفعت إسماعيل” التي تحاول “شيراز” أن تساعده في الخروج منها، بدأنا في “أسطورة البيت” مرورا فجأة في الحلقة الثانية بأسطورة “لعنة الفرعون” والتي يحاول فيها “رفعت” إنقاذ “هويدا” من لعنة جثة الفرعون الأسود التي شارك زملاءه فى تشريحها وبدأت هنا الأحداث تأخذ إيقاعا سريعا لا يليق بسرد حدث غامض أو مثيرا للرعب، ثم “أسطورة حارس الكهف” والتي بدت مشاهدها مشتتة فى محاولة رسم شخصية “العساس” وأيضا جاءت مشاهدها حتى على مستوى المؤثرات البصرية متواضعة.
ولم تكن نصائح المخرج بضرورة المشاهدة على شاشات كبيرة أو في إضاءة مظلمة كافية لنشعر بالتأثر من المشاهد، والتي نشرها فى بوست على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي قبل عرض المسلسل مباشرة، ومع ذلك نجح الموسيقار الشاب “خالد الكمار” في صنع موسيقى تصويرية بديعة للمسلسل وكانت عاملا مميزا ساعدنا على المشاهدة، أما داخل أسطورة حارس الكهف مررنا أيضا مرور الكرام على لغز “ورق التاروت” وتمت الإشارة إلى شخصية الشيطان “لوسيفر” قارئ التاروت بملاحظة بسيطة جداً وسط صحراء ليبيا عندما سمعنا صوت شخصية “رفعت” معلقا: هو ازاى قادر يحافظ على هندامه طول الوقت كده؟!
ثم ننتقل فجأة إلى “أسطورة النداهة” وهي الحلقة التي نرى فيها العلاقة الإنسانية ما بين “رفعت” وأخوه “رضا” وهي المشاهد التي كانت تطغى على تفاصيل الرعب أو اللغز داخل الحكايات، ثم أسطورة الجاثوم والأحلام، ربما لو حافظ المخرج على إيقاع أحداث السلسلة نفسها بالتعمق ولو قليلا في كل لغز أو أسطورة أو إذا كان عدد الحلقات يسمح بمساحات أكبر للحدث، لكنا تمكنا من رؤية شيء أكثر إمتاعا من ذلك، لكن يشعر المتفرج بالانتقال السريع الخفيف ما بين كل أسطورة وحتى في أسطورة العودة إلى البيت لم تنجح الحبكة تماما في إقناعنا بالرحلة التي مررنا بها مع دكتور”رفعت” عبر الست حلقات في ربط تفاصيل كل الأساطير وصولا إلى البيت مرة أخرى وإلى شبح “شيراز” التي تودع “رفعت” في آخر الحلقات مسلمة بعدم استطاعتها إنقاذه بعد الآن، وبعدها يسلم “دكتور رفعت” بفرضية وجود عالم ما وراء الطبيعة.
نحترم بالطبع مجهود كل صناع العمل خاصة وأنه أول عمل أصلي مصري يعرض على منصة “نتفليكس” مترجما إلى أكثر من 32 لغة في 190 دولة حول العالم ومدبلجا إلى 9 لغات، ونحترم أيضا الديكور والتصوير وأداء الممثلين ونمتن كثيرا للبهجة التي منحنا إياها وجود “أمين” في زي “رفعت إسماعيل” وطلته المميزة حتى في تعليقاته الخفيفة وقفشاته ضمن الحوارات، لكننا فقط نتمنى ما هو أفضل من ذلك فى المواسم القادمة.