ما الموقف العماني من التطبيع العربي الرسمي للعلاقات مع إسرائيل ، هل ستلتحق سلطنة عمان بركب التطبيع وما يسمى باتفاقيات إبراهيم وتتخلى عن القرب المحايد مع طهران؟ أم أنه يمكن للفرقاء تفهم أهمية الطريقة العمانية في إدارة ملف السياسة الخارجية للحفاظ على السلام؟ أو إجبارها على الانحياز في ظل أزماتٍ اقتصادية تعيشها منذ سنين؟
في مقالٍ صادر عن معهد الشرق الأوسط، تنقل “مواطن” ترجمته، يقدم الكاتبان كرستيان كوتس أولريشسن، زميل للشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس، وجورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة Gulf State Analytics، رؤيةً للامتحان الصعب الذي تمر به الاستراتيجية العمانية المعتادة في إدارة ملف السياسة الخارجية أمام الضغوط الاقتصادية وأزمة كورونا، والأهم من ذلك السياسة الأمريكية الجديدة بشأن القضية الفلسطينية واتفاق إبراهيم.
ترجمة: فاروق محافظ
منذ أغسطس سادت تكهنات بأن سلطنة عمان ستتبع قريبًا قيادة الإمارات العربية المتحدة في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل بشكلٍ كامل. مع ذلك، على الأقل حتى الآن، رفضت مسقط الانضمام إلى الإمارات والبحرين والآن السودان في تطبيع العلاقات مع تل أبيب. كدولة عربية معتدلة، حيث التسامح جزء لا يتجزأ من الروح الوطنية والمذهب الإباضي من الإسلام، تظهر عمان محافظةً على موقف متوازن من الاتجاه العربي العام نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
رد فعل مسقط الإيجابي بخصوص اتفاق “إبراهيم” ليس تغيرًا كبيرًا في استراتيجية عمان، وهو أكثر توضيحًا لموقف عمان الطويل الأمد من التطبيع. عمان كانت واحدة من ثلاثة أعضاء فقط في الجامعة العربية الذين رفضوا اتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد مصر بعد معاهدة كامب ديفيد للسلام عام 1979. على عكس دول الخليج العربية الأخرى، احترمت عُمان دوماً حق مصر في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الكاملة مع إسرائيل.
التوازن العماني
يعمل الدبلوماسيون العمانيون باستمرار لمساعدة الجهات الفاعلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط على إيجاد حلول سلمية للأزمات الإقليمية. لطالما كان موقع السلطنة كأرضٍ محايدة في المنطقة المضطربة يجعل من مسقط جسراً دبلوماسياً موثوقاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الولايات المتحدة وإيران والدول العربية إيران. في نهاية المطاف، من أجل الاستمرار في لعب هذا الدور البناء في صنع السلام، يجب على عُمان أن تحقق توازنًا دقيقًا، وتوقيع اتفاقية مع إسرائيل يمكن أن يمنعها من تحقيق ذلك بطرق مختلفة، وبشكل رئيسي عن طريق هدم الجسور مع بعض الفصائل الفلسطينية. بينما تواجه عمان العديد من التحديات الإقليمية والمحلية، من المرجح أن تنتظر مسقط فترة أطول قبل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع الدولة اليهودية.
في البداية، العامل الإيراني هو المفتاح. لطالما كانت عُمان دولة مجلس التعاون الخليجي الأكثر حساسية لمصالح إيران الأمنية. بصفتها العضو الوحيد المحايد في مجلس التعاون الخليجي في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والدولة الخليجية الوحيدة التي تشارك في مناوراتٍ عسكرية مشتركةٍ مع إيران، قامت عمان بموازنة نفسها جيوسياسيًا بعناية بين طهران والرياض. على مدى سنوات عديدة، قامت العلاقات العمانية الإيرانية على أساس الاحترام والثقة المتبادلين. يحرص الزعيم العماني الجديد، السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، على الحفاظ على علاقة عُمان الممتازة مع إيران، والتي يمكن أن يضرّها اتفاق دبلوماسي بين عُمان وإسرائيل.
تدرك مسقط أن طهران تنظر لاتفاقيات “إبراهيم” كتهديدٍ لأمن إيران القومي. الاتفاق العماني الإسرائيلي لن يؤدي إلا إلى تعميق مثل هذه المخاوف الإيرانية، وعُمان لا تسعى إلى زيادة شعور الجمهورية الإسلامية بالضعف. طهران قلقة بالفعل من العلاقة غير الرسمية بين عُمان وإسرائيل لعقود طويلة، حيث يتجلى ذلك في حالة نادرة من الانتقاد العلني لعمان من قبل الحكومة الإيرانية بعد زيارة رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو لمسقط في أكتوبر 2018.
نهج مسقط المبدئي والصبور
يعالج المسؤولون العمانيون معضلات السياسة الخارجية من خلال التفكير بعيد المدى. تتجنب مسقط التحركات المفاجئة والمندفعة الهادفة إلى جذب الانتباه والضجة المؤقتة. عوَضاً عن ذلك، تركز عُمان على العمل بثبات نحو سلام دائم، وهي عملية غالبًا ما تكون محبطة ومؤلمة تتطلب الصبر وسنوات عديدة من الدبلوماسية الهادئة. كانت خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015 مثالاً بارزًا على دبلوماسية القناة الخلفية العمانية الناجحة حيث سهلت مسقط المحادثات الأولية بين الولايات المتحدة وإيران في 2012-2013.
من وجهة نظر عمان، فإن تطبيع العلاقات مع إسرائيل – حتى لو كان مرغوبًا فيه من وجهات نظر التجارة والسياحة والاستثمار وما إلى ذلك – سيكون سابقًا لأوانه. موقف مسقط هو أن الاتفاق مع إسرائيل يتطلب موافقة تل أبيب على مبادرة السلام العربية.
من المرجح أن توقيت تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع تل أبيب مرتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. مع تحقيق دونالد ترامب انتصارات دبلوماسية قليلة نسبيًا في الشرق الأوسط خلال فترة توليه منصبه، منحته قرارات أبوظبي والمنامة انتصارًا في السياسة الخارجية أشاد به المشرعون من كلا جانبي الانقسام الحزبي، وهو أمر نادر الحدوث بالنسبة لترامب. ومع ذلك، وكما أن عمان حساسة بشأن تدخل الدول الأجنبية في شؤونها الداخلية، فإن مسقط تبذل قصارى جهدها لتجنب اتخاذ أي جانب في السياسة الداخلية للولايات المتحدة. يخدم هذا الحياد مصالح عمان في القدرة على العمل بشكل وثيق مع أي إدارة، بغض النظر عن الحزب. وهذا يعني أن قرار السلطنة بشأن إسرائيل لن يكون موجهاً للتأثير في نتيجة أي انتخابات أمريكية.
استمرار السياسة الخارجية لسلطنة عمان بعد قابوس
من خلال تأجيل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، تحافظ قيادة السلطان هيثم على استمرارية السياسة الخارجية العمانية. على الرغم من أن هذا العام شهد تغييرات كبيرة في الحكم، مع وفاة السلطان قابوس وتنحي يوسف بن علوي عن منصبه كوزيرٍ للشؤون الخارجية منذ لأكثر من ثلاثين عاماً، ظلت أساسيات نهج مسقط في السياسة الدولية راسخة. دُعِمَت مبادرة السلام العربية من قِبَل عُمان منذ أن وضعها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله قبل 18 عامًا في بيروت، والزعيم العماني الجديد لا يغير هذا الموقف المبدئي.
وزير الخارجية الجديد (المنصب الذي تكلفه السلطان قابوس، على الورق، خلال فترة حكمه الطويلة)، السيد بدر بن حمد البوسعيدي، كان نائب ابن علوي منذ فترة طويلة، وهو ضليع في الموازنة الدقيقة التي استمرت لعقود كالسمة المميزة لسياسة عمان الخارجية. خدم كل من السيد بدر ويوسف بن علوي في وزارة الخارجية العمانية في عهد السلطان الحالي هيثم، الذي كان أمينها العام بين عامي 1994 و2002. في محاضرة ألقاها عام 2003 أمام مركز فكري في بروكسل، لخص السيد بدر “الطريقة العمانية” للدبلوماسية عندما قال “نحاول الاستفادة من موقعنا الوسيط بين القوى الأكبر لتقليل احتمالية الصراع في جوارنا المباشر (…) يمكننا خلق مساحة لأفعالنا. علاوة على ذلك، ويبدو لي أن هذا أمر بالغ الأهمية، في تلك المساحة بالتحديد، أي الدول الصغيرة، قد نكون قادرين على التصرف بطرق لا يستطيع الآخرون القيام بها”.
بيانٌ حكوميٌ عماني صدر بعد إعلان الحادي عشر من سبتمبر المتعلق بإعلان البحرين وإسرائيل عن فتح علاقات كاملة بينهما، مثّل نهج عمان الحذر: “… هذا المسار الإستراتيجي الجديد الذي اتخذته بعض الدول العربية سيُسهم في تحقيق السلام على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وعلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
إن رسالة الاستمرارية هذه أكثر صلة بالموضوع بالنظر إلى الوباء المستمر والأزمة الاقتصادية في عمان، مما يجعل من المهم للسلطنة أن تظهر صورة هادئة و”العمل كالمعتاد”. بعبارة أخرى، لا تعتقد مسقط أن هذا هو الوقت المناسب لبدء مشاريع سياسية خارجية جديدة محفوفة بالمخاطر في منطقة مجهولة. من المرجح أن تتحوط عُمان في رهاناتها على المدى القصير للانتظار لترى ما سيحدث في واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكيف ستنتهي اتفاقات إبراهيم والصفقة السودانية الإسرائيلية اللاحقة.
في المستقبل، هل يمكن أن تقع ضغوط خارجية على مسقط لتحذو حذو أبوظبي والمنامة والخرطوم في فتح علاقات رسمية مع إسرائيل؟ نعم. هناك سبب للاعتقاد بأن الولايات المتحدة والإمارات ستلعبان أوراقًا لتحفيز عُمان ما بعد قابوس على تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية. إذا تفاقمت المشاكل الاقتصادية في السلطنة، فقد يكون من الصعب على مسقط الالتفاف على مثل هذا الضغط. ومع ذلك، إذا كان المسؤولون في الولايات المتحدة يرغبون في الوقوف إلى جانب شريكهم الدائم وسط فترة صعبة تميزت بـ COVID-19 وانخفاض أسعار النفط، فسيتعين على واشنطن دعم مسقط في التعامل مع إسرائيل بشروطها الخاصة.