ترتفع مؤخراً وخصوصاً مع التحولات السياسية والإجتماعية والثقافية التي عقبت تحولات الربيع العربي في المنطقة العربية أصوات الدعوات القومية والقومية القُطريّة والعرقية في قبالة حركات الإسلام السياسي التي استطاعت تصدر المشهد السياسي ومازالت تؤثر في تحولاته.
المثقفون العرب بدأوا التركيز على الظاهرة الشعبوية بوصفها أحد أهم معوقات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية وعاملاً مؤثراً في استمرار سيطرة التيارات السياسية الدينية واليسارية الشعبوية على المشهد الثقاقي والإجتماعي للمجتمعات العربية.
حول الظاهرة الشعبوية والدعوات القومية القُطرية والعرقية في المنطقة العربية واليمن، تستضيف “مواطن” الكاتب اليمني حسين الوادعي للحديث حول هذه المواضيع.
- الشعبوية لها عدة أشكال، هناك الشكل السياسي للشعبوية وهذا الشكل يتم ملاحظته أو تحقيقه في صورة حزب غالباً لا يؤمن بالديمقراطية أو التداول السلمي للسلطة.
- أما بالنسبة للشعبوية الإجتماعية، فتلاحظ في التبجيل المبالغ فيه للظواهر السيئة، مثل ظاهرة تعاطي القات وظاهرة العشوائية في الحياة اليومية، وظاهرة السلوكيات المتخلفة التي يتم الدفاع عنها باعتبارها سلوكيات شعبية بسيطة.
- الدعوات القومية ليست واحدة في مستواها ولا في خطابها، فبعضها يتبنى خطاباً عقلانياً وسياسياً وله وجاهته، بينما ينحدر بعضها لمستوى الشتائم وترويج المقولات العنصرية غير المدققة.
- دعوة القومية اليمنية هي رد فعل لعنصرية هاشمية سيطرت على وظائف الدولة العليا والوسطى والدنيا أيضاً
- لو شاهدنا تجربتي تركيا وتونس، فقد كانتا من نوعية العلمانية الصلبة لأنهما ظهرتا في مواجهة الإسلام كأيديولوجية شمولية.
حسين الوادعي، كاتب يمني مهتم بقضايا الحريات والتفكير العلمي والعلمانية، يكتب في عدة مواقع عربية مثل درج ومرايانا، وله عدة ابحاث حول القضايا الراهنة نُشرت في مراكز بحثية عربية وعالمية.
حاوره: فاروق محافظ
نص الحوار:
1- المفكر والكاتب حسين الوادعي، أثرت مؤخراً الجدل حول مواضيع مرتبطة بالشعبوية العربية واليمنية على وجه الخصوص، والتي لاقيت في مقابل نقدك إنتقاد أنصار الجماعات الدينية والقومية، هل يمكن أن نعرف أكثر حول قرائتك للشعبوية العربية واليمنية؟
الشعبوية ظاهرة منتشرة بكثرة في كل مناطق العالم، وليست حكراً على منطقة معينة، حتى أوروبا الديمقراطية وصاحبة التجربة الديمقراطية العريقة جداً في الديمقراطية وحرية التعبير والتنافس السياسي على برامج خدماتية، نلاحظ أن هنالك صعود واضح جداً للأحزاب الشعبوية سواءً كانت يمينية أو يسارية.
والشعبوية لها عدة أشكال، هناك الشكل السياسي للشعبوية وهذا الشكل يتم ملاحظته أو تحقيقه في صورة حزب غالباً لا يؤمن بالديمقراطية أو التداول السلمي للسلطة، ويستخدم العنف في ممارسته السياسية، وأيضاً يدعي تمثيله للشعب، ودائماً ما تبدأ خطاباته بإسم إرادة الشعب أو شعبي العزيز أو الشعب العظيم، وهذا النمط الشعبوي نشاهده ونعانيه في اليمن من خلال مليشيات وحركات تخلط بين الشعبوية اليمينية والفاشية الدينية إلى حد كبير جداً.
أما بالنسبة للشعبوية الإجتماعية، فتلاحظ في التبجيل المبالغ فيه للظواهر السيئة، مثل ظاهرة تعاطي القات وظاهرة العشوائية في الحياة اليومية، وظاهرة السلوكيات المتخلفة التي يتم الدفاع عنها باعتبارها سلوكيات شعبية بسيطة، وهي تنطلق من مبدأ أو وجهة نظر غير صحيحة، وهي أن كل ما هو شعبي فهو إيجابي ويجب الدفاع عنه، وأن كل ما هو نخبوي أو ثقافي فهو شيء مصطنع ويجب أن نرفضه أو على الأقل أن نتحفظ عليه، وهذه وجهة نظر خاطئة جداً وخطيرة أدت فيما أدت عليه على المستوى اليمني مثالاً إلى التبجيل والدفاع عن مظاهر كثيرة من السوقية والبذاءة والتخلف الإجتماعي والثقافي كما شاهدناه في التفاعل الجماهيري العريض مع مجموعة من المؤثرين على السوشيال ميديا، والذين لا يمتلكون أي خطاب بل على العكس من ذلك يروجون لخطاب متخلف وهمجي يركز على ترويج الظواهر السلبية أو الظواهر غير الحضارية.
2- حول الدعوات القومية، تنتشر دعواتٌ حول قوميات عرقية وقطرية مصغرة في المنطقة العربية، ما هي أصول هذه الدعوات؟
الدعوات القومية وبالذات القومية اليمنية هي ظاهرة معقدة، وبالتالي لها جذور معروفة في التاريخ العربي الحديث، مثل دعوات القومية الفرعونية في مصر ودعوات الكنعانية والفينيقية في الشام ودعوات الأمازيغية في المغرب العربي حالياً، وهذه الدعوات القومية ليست واحدة في مستواها ولا في خطابها، فبعضها يتبنى خطاباً عقلانياً وسياسياً وله وجاهته، بينما ينحدر بعضها لمستوى الشتائم وترويج المقولات العنصرية غير المدققة.
3- ظهرت دعوات وتنظيرات لأيديولوجيا يمنية على الساحة السياسية تحت مسمى الأقيال والعباهلة نسبة للأسود العنسي الذي ثار على سلطة قريش إبان الحكم الإسلامي، أو ما يسمى بالقومية الحميرية كردود فعلٍ أمام المشروع الحوثي.. الأيديولوجية تقدم خطاباً عنصرياً تجاه الأعراق الأخرى التي لا يعتبرونها ذات أصولٍ يمنية..هل يمكن أن نعرف أكثر حول هذه الدعوات القومية اليمنية وقرائتك لها؟
بالنسبة للقومية اليمنية هي أيضاً ليست تياراً واحداً، بل تحولت إلى عدة تيارات، وأستطيع أن أقول بأن لدينا ثلاثة تيارات على الأقل ضمن القومية اليمنية حالياً.
التيار الأول هو التيار الذي يمشي في إطار القحطانية التقليدية، بمعنى التفاخر بالهوية والذات اليمنية والحضارة اليمنية العريقة، والدفاع عن حق اليمنيين في حكم بلدانهم دون اللجوء إلى أي عنصريات تحاول سلبهم هذا الحق وبالذات العنصرية الهاشمية أو عنصرية أل البيت، وهذا التيار القحطاني هو تيار قديم بدأ منذ العصر الأموي، ثم تطور وتجذر في التربة اليمنية منذ دخول الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن، وبداية النزاع القحطاني العدناني على السلطة في اليمن.
التيار الثاني هو التيار الذي ينظر لليمن على أنه قومية مستقلة ومنفصلة لا علاقة لها بالقومية العربية، أو بالأصح ينظر لليمن كعرق مستقل لا علاقة له بالعرق العربي، وهذه الدعوة ليس لها أي دليل علمي، كما أنها تنطلق من وجهة نظر لم يعد أحد يدافع عنها، وهي وجهة النظر التي تقول بنقاء الأعراق، أي وجود عرق نقي لم يختلط ببقية الأعراق، وهذه الدعوة سقطت منذ فترة طويلة في عقر دارها حين راجعت أوروبا كل ميراث الدعوات العنصرية حول نقاء الأعراق ورفضتها.
لكن حتى بالنسبة لدعوة القومية اليمنية هذه، فهي مقسومة إلى قسمين، نستطيع أن نقول أن هناك قسم لا يريد الإصطدام مع الدين ولا الهوية الدينية لليمن، بينما القسم الأخر المشهور بالعباهلة ويلجأ نوعاً ما إلى نوع من الإلحاد ورفض أي ارتباط ديني إسلامي لليمن، ويرفض مسألة دخول الإسلام لليمن ويعتبرها نوعاً من الإحتلال الذي يحب أن ينتهي، وطبعاً هي دعوة جريئة لا أساس لها من الواقع ولا يمكن تحويلها إلى حزب سياسي لأنه لا يوجد أساس إجتماعي أو ثقافي قوي لمثل هذه الدعوى.
4- برأيك ما السبب خلف نشاط هذه الدعوات القومية في اليمن حالياً؟
دعوة القومية اليمنية هي رد فعل لعنصرية هاشمية سيطرت على وظائف الدولة العليا والوسطى والدنيا أيضاً، وبدأت محاولتها السيطرة على الحكم في اليمن، واحتكار السلطة والثروة تحت دعاوى ال البيت وأعلام الهدى وغيرها من الشعارات العنصرية التي لم يعد لها مجال.
ظهرت القومية اليمنية كرد فعل على هذه العنصرية، لكن لا أعتقد أنه رد فعل موفق، خصوصاً أنه يعطي نوعاً من العذر للعنصرية الهاشمية لكي تلعب على وتر المظلومية، وتحول نفسها إلى ضحية لخطاب عنصري يمارسه الأقيال ضدهم.
5- هل ترى أن الحوثيين قادرين على النجاح في صناعة دولة الخدمات وفق النهج الثيوقراطي الذي يشكل دولتهم في الشمال اليمني الأن؟
أنا أعتقد أن هنالك تناقض كبير بين دولة الخدمات والدولة الدينية السلطانية التي يجري تأسيسها حالياً في شمال الوطن، لأن الدولة الدينية السلطانية لا تقوم على تقديم الخدمات للشعب ولا على مسؤولية الدولة أمام الشعب، وإنما تقوم على أساس أن للوالي أو للسلطان أو للإمام حقوقاً دينية يجب أن يلتزم بأدائها له جميع المواطنين دون أن يكون هناك أي اعتراض، وهذه الحقوق هي دفع الضريبة والأموال والجبايات للسلطان أو للولي، إضافةً لدفع ضريبة الدم عبر القتال في حروب الولي أو الإمام وتقديم أنفسهم وأولادهم ضحايا لحروب الإمام وتطلعاته التوسعية، ومن هذا المنطلق لا أعتقد أن هنالك أي تقارب بين الدولة الدينية السلطانية في شكل الإمامة أو في شكل الولاية وبين دولة الخدمات أو الرفاه في شكلها الحديث الذي يقوم على أساس حقوق الإنسان.
6- كمفكر علماني، تقسم في إحدى مقالاتك العلمانية لصلبة ولينة، الأولى تقف متشددةً تجاه الدين والثانية تنبثق من فكرة الإصلاح الديني، كيف يمكنك أن توضح هذه المسألة؟
العلمانية لها أسس ثابتة، لكن هذه الأسس الثابتة تختلف تطبيقاتها من بلد إلى أخر، فعلى سبيل المثال في البلدان ذات الكنيسة البروتستانتية ظهرت هناك نوع من العلمانية تدعى في الدراسات بالعلمانية اللينة، وهي علمانية تفصل بين الدين والدولة وتحمي حرية الضمير، لكنها تسمح بنوع من الظهور العلني للدين في المجال العام، وفي بعض مجالات الوظيفة والتعليم، وهذه العلمانية لينة لأن المذهب البروتستانتي كان أقل عنفاً في مواجهة ورفض العلمانية مقارنة بالمذهب الكاثوليكي.
في الدول التي كانت تسيطر فيها الكنيسة الكاثوليكية، ومن ضمنها فرنسا، كان الصراع العنيف بين الكاثوليكية وبين العلمانية كفيلاً بأن يخلق علمانيةً صلبة ترفض أي تواجد للدين في المجال العام وبالذات في مؤسسات التعليم ومؤسسات الإعلام والوظيفة العامة.
7- في المنطقة العربية، أي نوعٍ من العلمانية يمكن أن يتناسب مع دول المنطقة برأيك؟
لو شاهدنا تجربتي تركيا وتونس، فقد كانتا من نوعية العلمانية الصلبة لأنهما ظهرتا في مواجهة الإسلام كأيديولوجية شمولية، تدعي أنها دين ودولة وأنها يجب أن تسيطر على كل مجالات الحياة العامة والخاصة، ولذا كان بورقيبة وأتاتورك مجبرين على استخدام نوع من العلمانية الصلبة التي فصلت بين الدين والدولة بشكل قوي جداً وأيضاً حاصرت أشكال تواجد الدين في المجال العام من أجل تحقيق العلمانية على مستوى الثقافة أو على المستوى الإجتماعي.
في الحقيقة العلمانية المطلوبة للمجتمعات العربية يجب أن تكون نتيجة نقاش وحوار في المجتمع وإجماع من أغلب التيارات، بحيث لا تكون مفروضة على أي تيار، لكن أعتقد في الظروف الحالية وفي ظل صعود الإسلام السياسي، فإن العلمانية المطلوبة هي قريبة جداً من العلمانية الصلبة، وإن كان هذا سيكون صعباً تحقيقه في البلدان العربية التي مازال الخطاب الديني مسيطراً حتى على عقول النخبة الليبرالية، لهذا أعتقد أن نوعاً من العلمانية التوافقية قد يكون هو الخيار الأسلم في بلدان العالم العربي.