نعيد نشر هذا التقرير بالتعاون مع موقع ”رصيف 22“
اعتبر تقرير حقوقي بريطاني أن العار سيلاحق قادة دول مجموعة العشرين إذا شاركوا في القمة التي تستضيفها السعودية في وقت لاحق من هذا الشهر قبل أن تفرج المملكة عن جميع نشطاء حقوق المرأة المعتقلين، كاشفاً عن شهادات تفصيلية جديدة حول التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضت له الناشطات الحقوقيات المعتقلات.
في تقرير بعنوان: “وصمة عار على قادة العالم ومجموعة العشرين… القمة في السعودية: الاعتقال المخزي والتعذيب لنساء سعوديات”، فصّلت المحامية الدولية هيلينا كينيدي الانتهاكات التي تعرضت لها الناشطات الحقوقيات في السعودية منذ حملات الاعتقال عام 2018.
أوضح التقرير أنه في أيار/ مايو عام 2018، جرى اعتقال نحو 10 ممن اصطلح على تسميتهم “نشطاء حقوق المرأة” في المملكة، أبرزهم: لجين الهذلول وهتون الفاسي وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف، فيما لحق بهم نحو تسعة آخرين بين حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو من العام نفسه، بينهم مياء الزهراني ونوف عبد العزيز وسمر بدوي ونسيمة السادة.
اعتقل في هذه الحملات عدد من الرجال المدافعين عن حقوق المرأة، أفرج عن بعضهم لاحقاً، بينهم: إبراهيم المديمغ ومحمد البجادي ومحمد الربيع. وأشارت كينيدي إلى أن خطأهم جميعاً كان المطالبة بتحسين مكانة المرأة في المجتمع السعودي عبر السماح لها بممارسة حقوقها الديمقراطية.
في حضور خالد بن سلمان والقحطاني أحياناً… تقرير حقوقي بريطاني يسرد شهادات جديدة عن تفاصيل تعذيب الناشطات الحقوقيات المعتقلات في السعودية، بينها ”الركل واللكم على صدورهن“ و”الإجبار على مشاهدة مواد إباحية أو أداء أفعال جنسية للمحققين“
واستندت في تقريرها إلى مقابلات مع ذوي الناشطات والمعتقلات السابقات في المملكة والتقارير الحقوقية الدولية، بما في ذلك التقارير التابعة للأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش والمنظمات الحقوقية السعودية، مثل القسط، علاوةً على الإطلاع على القوانين والاتفاقات المحلية والدولية ذات الصلة.
تعذيب نفسي وجسدي وجنسي
ولفتت كينيدي إلى خطورة استمرار اعتقال العديد منهم وسط ادعاءات بالغة الخطورة بتعرضهم لـ”التعذيب وظروف الاحتجاز غير الإنسانية والمهينة والحبس الانفرادي والمحاكمات غير العادلة”.
من الانتهاكات التي تعرضت لها الناشطات الحقوقيات المعتقلات، وفصلها التقرير، نقلاً عن “شاهدة” وصفت بأنها كانت “مصدراً قيماً” لأنها كانت معتقلة مع بعض الناشطات الحقوقيات بين أيار/ مايو وتموز/ يوليو 2018، وسمعت منهن مباشرةً ما عانينه في منشأة احتجاز غير رسمية بالرياض يقال إنها “فيلا” أو “فندق” تديره المباحث وجرى نقل الناشطات منه إلى سجن الذهبان. يتسق هذا مع ما أبلغت به لجين الهذلول أسرتها من قبل.
قالت “الشاهدة” إن الناشطات كن يجبرن على الوقوف ومشاهدة بعضهن بعضاً وهنّ يتعرضن للضرب والتعذيب، لا سيما أمام عايدة الغامدي التي كانت أكبرهن سناً وأضعفهن جسداً ولا تحتمل الضرب. اعتقلت عايدة في آذار/ مارس عام 2018، وهي في الـ62 من العمر، مع اثنين من أبنائها، سلطان وعادل، انتقاماً من ابنها المعارض البارز عبد الله الغامدي الذي فر من السعودية عام 2004 وحصل لاحقاً على اللجوء في الولايات المتحدة. أبلغ عبد الله الغامدي كاتبة التقرير أن والدته وشقيقيه تعرضوا للتعذيب بما في ذلك الضرب وإطفاء السجائر على الجلد.
بشكل عام، وثق التقرير تعرض الناشطات للتعذيب خلال جلسات التحقيق والاستجواب، بما في ذلك الصدمات الكهربائية، والضرب (الركل واللكم) لا سيما على وجوه النساء وصدورهن والضرب بالعصا على الظهر والأرداف، وإبقاء الناشطات في أوضاع مجهدة مثل التعليق في السقف، والضرب المبرح لعدد من السجناء الذكور المعصوبي العيون أمام الناشطات الحقوقيات ولا يتوقف الضرب حتى تجيب الناشطات عن الأسئلة أو يرضى عنهن المحققون، والتهديد بالاغتصاب والتعذيب والاعتقال لأفراد آخرين بأسرهن، وتم تضليل بعضهن بإبلاغهن أن أحد الأقرباء الضعفاء تعرض للاعتقال والتعذيب أو الموت لإرهابهن وتعذيبهن نفسياً.
عايدة الغامدي ذات الـ64 عاماً ضُربت وأطفئت السجائر في جسدها أمام اثنين من أبنائها بسبب نشاط نجلها عبد الله الغامدي المعارض. لوهن جسدها، كانت تجبر على مشاهدة مواد إباحية ورؤية بقية الناشطات وهن يُعذبن.
ونقل عن مصدر واحد على الأقل أن الغامدي أجبرت على مشاهدة مواد إباحية، فيما كررت مصادر عدة أن لجين الهذلول وإيمان النفجان أُجبرتا على “تقبيل المحققين وأداء أفعال جنسية أخرى لهم”.
وبيّن التقرير كل هذه الانتهاكات تعززها الحالة المريعة من الصدمة العقلية والجسدية التي كانت الناشطات يبدَوْن بها لدى عودتهن إلى “ذهبان”، ومن بينها الندوب والكدمات وفقدان الشهية والاستحمام المفرط. وشدد التقرير على إشراف القحطاني على التعذيب وقوله لإحدى الناشطات المعتقلات: “سأفعل ما يحلو لي بكِ وبعد ذلك سأذوبكِ وألقي بكِ في المرحاض”.
وأكدت النزيلة السابقة في “ذهبان” أن إحدى الناشطات أخبرتها أن القحطاني كان موجوداً معظم الوقت في منشأة الاحتجاز غير الرسمية، وأدار جلسات التعذيب الفردية والجماعية، وهددها بالاغتصاب واعتدى عليها جنسياً. وأكدت الناشطة للنزيلة السابقة أنها رأت القحطاني “يعتدي جنسياً على العديد من الناشطات الحقوقيات في غرفهن، بمن فيهن لجين الهذلول وإيمان النفجان”.
علاوةً على ذلك، أكدت الشاهدة أن خالد بن سلمان نفسه كان أحياناً في منشأة الاحتجاز، وأنه حضر جلسات التحقيق مع بعض الناشطات. وذكرت أن إحدى الناشطات أخبرتها أنه هددها بالاغتصاب والقتل خلال الاستجواب متفاخراً بمنصبه بالقول: “أتعرفين من أنا؟ أنا الأمير خالد بن سلمان، سفير المملكة لدى الولايات المتحدة، ويمكنني أن أفعل أي شيء بكِ”.
وخلصت المحامية الدولية إلى عدة نتائج، أهمها أن اعتقال الناشطات تعسفي وغير قانوني، وأن جميع حقوقهن المنصوص عليها في القانون الدولي الخاصة بالاعتقال واشتراط ظروف احتجاز آدمية جرى انتهاكها. ورأت أن جلسات محاكماتهن الجارية تفتقر إلى معايير الإنصاف.
واستنتجت: “بناءً على الأدلة المتوفرة لدي، من غير المعقول أن ولي العهد محمد بن سلمان لم يكن على علم بتعذيب نشطاء حقوق المرأة”، كاشفة عن عدة دعائم لهذا الطرح، أبرزها أن الأمير الشاب “يحافظ على مستوى عالٍ من السيطرة على المملكة”.
نزيلة سابقة بسجن “ذهبان”، قالت إن ناشطات حقوقيات أكدن لها تعرضهن -ومشاهدتهن ناشطات أخريات يتعرضن- للاعتداء الجنسي من قبل القحطاني في منشأة احتجاز غير رسمية بالرياض. كانت الناشطات يعدن إلى السجن في حالة صدمة عقلية وجسدية.
فرصة فريدة للضغط على المملكة
ورمت كينيدي من إعدادها التقرير إلى “تسليط الضوء على محنة أولئك الناشطين الذين ما يزالون في السجون” و”عرض كل ما هو متاح عما تعرضوا له من انتهاكات جسيمة”، إذ وجدت في قمة العشرين المرتقبة “فرصة فريدة” للاتحاد الأوروبي وحكومة المملكة المتحدة لتأكيد رفضهما معاملة السعودية لنشطاء حقوق الإنسان وتجنب التطبيع مع الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها سلطات المملكة لا سيما ضد الناشطات المعتقلات.
ودعت إلى محاسبة كل المتورطين في الانتهاكات ضد ناشطي/ات حقوق المرأة المعتقلين/ات بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وشقيقه الأمير خالد والقحطاني. وشددت على أنه لا ينبغي لقادة مجموعة العشرين حضور القمة إلا بعد الإفراج عن النشطاء.
وضمت أبرز توصيات التقرير: إفراج المملكة فوراً وبشكل غير مشروط عن نشطاء حقوق المرأة، والسماح لهم خلال وجودهم في السجون بحرية التواصل مع ذويهم ومحاميهم، ومنح المراقبين الدوليين وصولاً غير مقيد إلى جميع النشطاء الحقوقيين المعتقلين لتقييم ظروف احتجازهم، وفتح تحقيقات فورية وشفافة في جميع الانتهاكات التي تعرضوا لها.
في غضون ذلك، ناشدت كينيدي أيضاً حكومة المملكة المتحدة ودول العالم التي تدعم حقوق الإنسان إدانة الانتهاكات السعودية “علناً” ومطالبتها بالإفراج عن نشطاء حقوق المرأة. وحثت هذه الحكومات على الضغط لتحقيق ذلك، وإن تطلب الأمر تعليق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.