يترقب العالم ومنطقة الخليج اتفاقاً قريباً لحل الأزمة الخليجية بعد إعلان الكويت في بيانٍ رسمي نجاح مساعيها في حل الأزمة، ثم تبعتها تصريحات قطرية وسعودية رسمية عن اقترابهما من توقيع اتفاقٍ لحل القضايا العالقة بين البلدان المقاطعة وقطر، فيما أعلن وزير الخارجية السعودي في وقت لاحق بأن حلفاء الرياض يشاركونها الموقف ذاته في مساعي حل الأزمة.
في هذا التقرير نحاول إلقاء نظرةٍ أقرب حول اتفاق المصالحة الخليجية والإجابة عن تساؤلاتٍ تدور حول أسباب المصالحة والأزمة، ومدى جدية الإتفاق في حل المشاكل العالقة بين بلدان رباعية المقاطعة وقطر وقدرته على البقاء، وهل سينجح في حل أسباب المشكلة؟
في منتصف العام 2017 أعلنت كلاً من السعودية، الإمارات، البحرين وجمهورية مصر مقاطعتها دولة قطر على خلفية تقاطع المصالح والمشاريع الإقليمية التي يتبناها كلٌ من هذه الدول، بالإضافة للعلاقة المتينة التي تربط قطر بتركيا وجماعة الإخوان المسلمين.
تبع هذه الرباعية مجموعةً من البلدان العربية والإسلامية التي قد لا تحمل تأثيراً أكثر من كونها تثير تضامناً إعلامياً ودبلوماسياً في تقوية الموقف الرباعي المقاطع لقطر، والذي وضع سقفاً عالياً لإنهاء المقاطعة وعودة العلاقات.
تطورت الأزمة وألقت بظلالها على المستوى الخليجي والعربي والعالمي، ووصلت لدراسة الخيارات العسكرية حسب ادعاء قنواتٍ تابعة لقطر، إذ أعلنت مؤخراً أن السعودية والإمارات درست الحل العسكري للأزمة مع الدوحة في مرحلةٍ من مراحل الأزمة.
العلاقات بين طهران والدوحة أصبحت أقرب من ذي قبل، بعد أن أصبحت إيران الملاذ الوحيد والأكثر ترحاباً بفتح مجاله الجوي أمام الطيران القطري وإعلانه مد يد المساعدة التي كانت تتعاطى معها قطر بإيجابيةٍ وحذر في نفس الوقت.
في الأسبوع الأخير أعلنت الكويت إلى جانب الإدارة الأميركية الإقتراب من توقيع اتفاق مصالحةٍ خليجية ينهي الأزمة، عقبها تصريحاتٌ سعودية وقطرية إيجابية، فيما بقي الصمت مخيماً على بقية دول المقاطعة، لتعلن الرياض تمثيل موقفها بقية حلفائها.
كرهاً في إيران لا حباً في قطر
تقدر الرسوم السنوية التي تدفعها قطر لإيران مقابل مرور رحلاتها من المجال الجوي الإيراني بـ 100 مليون دولار، وهي التي ستتوقف ما إن أعادت السعودية فتح مجالها الجوي أمامها.
هذا ويحاول فريق جاريد كوشنر بإلزام قطر للعودة لاستخدام المجال الجوي السعودي حسب تقريرٍ للبي بي سي، في ضربةٍ أخيرة يحاول ترامب توجيهها للإقتصاد الإيراني قبل رحيله عن البيت الأبيض يناير كانون الثاني المقبل.
الرئيس التنفيذي لشركة المطارات والملاحات الجوية الإيرانية صرح معلقاً على أخبار المصالحة الخليجية بأن طهران ستخسر نحو 70 رحلةً قطرية كل 24 ساعة إذا ما فتحت الرياض مجالها الجوي أمام الطيران القطري من جديد.
فتحت الأزمة الخليجية الباب أمام تحسين العلاقات القطرية الإيرانية، حيث أعلن نظام طهران ومنذ اليوم الأول للمقاطعة عن مساندته لقطر واستعداده لتوفير احتياجاتها ومد يد العون، وهو الأمر الذي استجابت له قطر أيضاً وقدمت المساعدة لطهران لاحقاً في بداية أزمة جائحة كورونا إبريل الماضي.
عقب ذلك محاولة تقريب الرؤى في الملفات الشائكة والمصالح المتقاطعة في المنطقة بين المحور الإيراني والتركي، وبتحفيزٍ قطري، حيث ظهرت تجليات ذلك في الملف اليمني الذي حولت فيه قطر لغة خطابها الإعلامي بشأنه وقدمت مساعداتٍ إنسانية عبر الحوثيين.
توقيت المصالحة
في بداية الأزمة الخليجية التي أعلنت فيها دول المقاطعة منتصف 2017 قطر كدولةٍ راعيةٍ للإرهاب، كان رهان أطراف الأزمة الخليجية واضحاً على الإدارة الأميركية التي بدأ فيها الرئيس ترامب بالتلميح للدور السلبي لقطر في المنطقة عقب زيارته التاريخية للمملكة العربية السعودية، وفي نفس الوقت استمرت قطر تدفع لاستمالة الموقف الأميركي وتحييده.
كسبت قطر رهانها في الإنتخابات الأميركية، وخسرته رباعية المقاطعة، الأمر الذي جعل من السعودية تعيد ترتيب وضعها في مجموعةٍ من الملفات الإقليمية، كالأزمة الخليجية وموقفها من الإتفاق النووي الإيراني الذي صرح فيها وزير الخارجية السعودي مؤخراً أن السعودية لا تمانع وصول واشنطن لاتفاقٍ يضمن سلمية برنامج إيران النووي.
رئيس تحرير البيت الخليجي، عادل مرزوق، يتحدث لـ “مواطن” حول أِسباب توقيت الإتفاق الذي سبق وغرد حوله سابقاً بقوله أنه ليست إدارة ترامب من طلبت إنهاء الأزمة الخليجية وإنما هنالك من طلب من إدارة ترامب القيام بذلك، في إشارةٍ منه للسعودية.
يقول مرزوق حول هذا الشأن لـ “مواطن” ” أعتقد أن التوقيت يرتبط بدول الخليج ذاتها لا الولايات المتحدة. وعليه، دول خليجية هي من طلبت دخول الوساطة الأميركية على خط المبادرة الكويتية والضغط من أجل إتمام المصالحة في أسرع وقت”
ويضيف ” يبدو أن التغيير القادم في البيت الأبيض هو محور، وربما سبب أغلب المستجدات في المنطقة”
ثمار خلف اتفاق المصالحة
تناقلت وكالات أنباءٍ دولية تسريباتٍ لبعض التفاهمات السرية حول حل الأزمة الخليجية، والتي بالتأكيد لم تتضمن أياً من أهداف المقاطعة الثلاثة التي طالبت بها رباعية المقاطعة قطر كشرطٍ أساسيٍ لعودة العلاقات، السعودية، الإمارات، البحرين ومصر.
من بين هذه التفاهمات هو التنازل عن قضية التعويض القطرية المرفوعة ضد السعودية، والتي ستكلف الأخيرة خمسة مليارات دولار كتعويضٍ لقاء حظرها الرحلات الجوية القطرية.
من جهةٍ أخرى تظهر المصلحة القطرية في الإتفاق بإنهاء الحصار من حولها والتعامل بإيجابية معها، وسيقف أمام الخسائر التي تكبدتها شركة الطيران القطرية التي قدرت بعشرات ملايين الدولارات سنوياً.
يقول عادل مرزوق في إجابته عن سؤالٍ يتعلق بمصالح أطراف الأزمة من الإتفاق ” نعم هناك مصلحة لقطر في التعامل بإيجابية وهي أمام سنةٍ ونيف من تنظيم كأس العالم، وتتطلع لوضعٍ إقليميٍ مستقر، وهناك أيضاً مصلحةُ لمحور السعودية والإمارات في إيقاف ماكينة الإعلام القطرية عن ملاحقتهما وتبريد ملفات الصراع المشتعلة مع قدوم إدارةٍ جديدة في البيت الأبيض.
هدنةٌ أكثر منها مصالحة
الأزمة والمقاطعة التي استمرت لسنين دون أفقٍ واضحٍ لنهايتها التي كانت أكثر من مستحيلة، وصلت فجأةً لرغبةٍ سريعة في إنهائها بين ليلةٍ وضحاها.
العوامل التي سببت في تسريع حل الأزمة الخليجية وتغير طبيعة التعامل مع ملفاتٍ شائكة في المنطقة كانت الإدارة الأميركية أهمها دفعت للإعلان السريع حول الرغبة المشتركة لحل الأزمة الخليجية والمصالحة، ولكن هل هي مصالحةٌ حقيقية؟
الكاتب الكويتي عزيز القناعي يتحدث لمواطن حول ذلك بأنه ليس أوانه الحديث عن ذلك كما أن الأمال المعلقة على اتفاق المصالحة ليست كبيرة ” أنا أعتقد أن النفوس ما زالت مشحونة ونوايا المصالحة ليست جادة، لكنني أعتقد أنها مقدمة للمصالحة إذا ما أثبتت حسن النية من الجانبين، ففي النهاية العمق الخليجي والشعوب الخليجية أقرب لبعضها”
إعلان الإقتراب من المصالحة ليس واقعياً أيضاً بمقدار التفاؤل الذي تعبر عنه الدول الوسيطة كعمان والكويت، والظن أنها تعرف ذلك، ولذا يصفها الكاتب والصحفي عادل مرزوق بأنها هدنةٌ أكثر منها مصالحة.
يقول مرزوق ” …. رغم ذلك، لا يبدو لي أن أياً من من هذه الدول على استعدادٍ لتقديم تنازلات وازنة، وهو ما يحيل إلى أن ما يحدث أشبه ما يكون بالهدنة لا المصالحة”
ويضيف ” شخصياً لا يبدو لي أن ما تم التوصل له هي مصالحةٌ حقيقية يمكن الاطمئنان لها بقدر ما هي تبريدٌ للأزمة وخطوةٌ في إتجاه المصالحة التي قد تأتي وقد لا تأتي إلا بعد أمدٍ بعيد، نظراً لما خلفته هذه الأزمة من تبعات وحسابات معقدة، لا على مستوى دول الخليج وحسب ، بل وإقليمياً أيضاً”
هل حققت المقاطعة أهدافها؟
إغلاق قناة الجزيرة، إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، كانت شروط رباعية المقاطعة في الأزمة الخليجية العربية لعودة العلاقات مع قطر.
سقفٌ مرتفعٌ من الأهداف والشروط التي لا يمكن لقطر القبول بها في الحقيقة، وهو ما يبدو عليه أيضاَ أن هذه المقاطعة انتهت شكلياً دون تحقيق هذه الأهداف أو خضوع الدوحة لشروط المقاطعة الرباعية، لكنها بالتأكيد ستستمر في صورٍ أخرى من صراع التلميحات، وتصفية الحسابات على ساحات وكلاء الصراعات خارج حدود البلدان الخليجية.
بعبارةٍ أخرى، ما يمكن الخروج به من مستجدات الأزمة الخليجية هو أنها لم تنتهي، ولكنها أعادت ترتيب أوراق اللعب.