في عالم سريع التطور، تسيطر فيه التكنولوجيا يوما بعد يوم على دقائق حياتنا، وعبر تطبيقات حديثة بدءا من وسائل تواصل واتصال أرخص وأسرع من سابقتها، مرورا بتنظيم أفضل لعمليات النقل وحركة البضائع وانتقال البشر وغيرها من التكنولوجيات النافعة، وعلى الجانب الآخر، تلك الأدوات التكنولوجية نفسها تُمكن السلطات من رقابة أقوى وتحكم وسيطرة على البشر وحرياتهم، بين هذا وذاك نتساءل حول الصحافة في العصر الرقمي، حدودها وطموحاتها، هل تكسر التكنولوجيا الرقمية احتكار السلطات للصحافة التقليدية؟ أم تلعب دورا في ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية، هل تزيد من حرياتنا أم تعطي السلطة سيطرة أكبر علينا وعلى حرياتنا؟
- الصحافة الرقمية لم تكسر احتكار السلطة ولكن تنخر في عظامها.
- قطار الحداثة فات البلدان العربية وهي تبحث عن هويتها.
- الناشرون لا ينظرون لمحركات البحث أو جوجل وفيسبوك بوصفها أدوات مضرة.
- الشباب العربي طموح ولم يعد يتقبّل الصحافة المؤدلجة والرسمية.
حاوره: محمد هلال
كيف ترى دور الصحافة في ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية في العالم العربي؟
كلمة “العالم العربي” على إطلاقها كلمة مربكة وغير دقيقة، لأن كل منطقة في هذا المحيط العربي لها خلفيتها التاريخية والاجتماعية ونظام حكمها الخاص ووضعها الاقتصادي الذي يتحكم بالناس وتطلعاتهم وطموحاتهم وتصوراتهم المستقبلية والتي بدورها تفرض عليهم معايير الحرية المطلوبة والديمقراطية المرجوة في النظام.
هناك بلدان لا تتمتع بحريات سياسية أو نظام ديمقراطي لكن شعبها راضٍ عن أوضاعه، وبلاد أخرى شعبها شبه راضٍ، وثالثة شهدت الكثير من الثورات.
البلدان العربية واكبت أنظمة إقطاعية واستبدادية كحال أغلب دول العالم، الفارق أن بلادنا بعد استقلالها انشغلت طوال عقدين أو يزيد في محاولة خلق هوية ما، لأن تلك البلدان ظهرت على الخريطة نتيجة تقطيعات وترسيمات مصطنعة، ففاتها في تلك الفترة قطار الحداثة والذي لم يكن يتعارض مع الفكر السائد وقتها مثلما يتعارض مع الفكر السائد اليوم في مختلف الأقطار العربية.
النكبة الفلسطينية أيضا أثرت في حال الحريات في بلادنا، فكل من يطالب أو يفكر في الحرية يُخوّن لأن الأولوية لمحاربة الإمبريالية. وبالتأكيد النفوذ السوفييتي أيضا له أثره السلبي في بلادنا خاصة فيما يتعلق بالمسار الديمقراطي وحرية التعبير.
كل هذا انعكس على الصحافة العربية، فالصحافة المؤدلجة التابعة للحكومة الآن باتت جوقة للحكام، وهذا واضح في غياب أثر الصحف الكبرى كالشرق الأوسط والأهرام والنهار ونشأة الصحافة الجديدة في الخليج والتي تهتم بأخبار العالم كله دون التطرق لمساءلة السلطات الثلاث المحلية في بلادها.
من جهة أخيرة، الرجل والمرأة العربية يعون تماما أين هي الصحافة الحقيقية وأين صحافة التطبيل، لذلك يلجأ الكثيرون للصحافة الأجنبية، مما يزيد من تأزم حال الصحافة العربية لانفضاض القراء عنها.
هل كسرت الصحافة الرقمية احتكار السلطات العربية لأدوات الميديا التقليدية؟
الصحافة الرقمية لم تكسر احتكار السلطة ولكن تنخر في عظامها، لأسباب عدة؛ منها القارئ الذي لا يريد سماع ما يعاكس الرواية الرسمية سواء لحزبه أو طائفته أو لقائده الملك أو الرئيس. وأيضا للأخبار المزورة دور في التضليل الإعلامي وزعزعة الثقة في كل ما يقرؤه المرء. تلك الأسباب تمد في عمر الميديا الرسمية وفاعليتها.
للسوشيال ميديا أيضا دور إيجابي في خلخلة احتكار السلطات العربية لأدوات الإعلام التقليدية، فكثير من الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، من حقوقيين وغيرهم صاروا مصادر للمعلومات مثلهم مثل الصحافة، وهذا بدوره يشكل خطرا عليهم، كونهم فاعلين، مما يعرضهم للتهديد أو السجن.
كيف ترى مستقبل الصحافة الرقمية؟
لا يمكن الرجوع للخلف أبدا، والرهان على المصادر المفتوحة وعالم المعلومة المتاحة هو الضامن رغم ما يتعرض له الصحافيون من قمع وتضييق شديدين في بلدان عربية عديدة، خاصة وقت الانتخابات والانتقالات الديمقراطية.
هل تتحول محركات البحث وآليات الـSEO إلى رقيب وموجه جديد في العالم الرقمي؟
يمكن اعتبار الـSEO محرك النجاح الحديث، لأنه وسيلة الناس للتعرف عليك في عالم الفضاء الإلكتروني. بالتأكيد لكل شركة سياساتها العامة وجوجل بالطبع لديها سياساتها العامة العالمية إلا أن تأثير البيئة الحاضنة للمكاتب الإقليمية في تلك السياسات العامة حاضر وبقوة، ففي بعض الدول العربية لو بحثت عن “صناعة الخمر في المنزل” فستُفاجَأ من تحيز النتائج. اعتقادي الشخصي أن هناك تدخلًا في بعض الموضوعات الترفيهية، كموضوعات عبادة الشيطان أو الجنس في التصنيف.
أيضا مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر تمارس بعض الفلترة على المحتوى المنشور، كما حدث في تحقيقات مقتل خاشقجي وتصريحات ترامب وقت الانتخابات الأمريكية. من الضروري أيضا الانتباه لدور الـAI “الذكاء الاصطناعي” وتدخلاته الغبية أحيانا في المنع، أو في دور موظف متحيز لجانب ما.
الناشرون لا ينظرون لمحركات البحث أو جوجل وفيسبوك بوصفها أدوات مضرة، ربما تتعرض مادة من بين كل مِئتي مادة، أي نصف في المائة، تتعرض للإبلاغ من قبل القراء أو لشيء من المساءلة من قبل منصة فيسبوك أو تويتر، غير ذلك هي أدوات جيدة تمكننا من الوصول للقراء.
من خلال تجربة رصيف 22، كيف ترى التغير في الصحافة الرقمية بين سبع سنوات والآن؟
بحكم كوننا في رصيف22 من الأوائل المستمرين حتى الآن، يمكنني القول بأن التغيير طال الجميع، وهو مستمر بشكل كبير. نحن مثلا بدأنا كموقع “إنفو تاينمينت” إخباري-تسلية ومع الوقت تحولنا لموقع حقوقي أكثر من أي شيء آخر فبلادنا تعاني الكثير من المشكلات وكلنا نأمل في مستقبل أفضل. وتلك المواضيع الحقوقية هي التي يمكن من أجلها بناء فريق عمل جدي متكاتف يعمل بعزم حول الساعة.
التحدي المالي أيضا يظل تحديًا راهنًا، باستمرار نبحث كيف نغطي نفقاتنا. القارئ العربي، بعكس القارئ الأوروبي مثلا، غير معتاد على أن يدفع نظير ما يقرؤه خاصة إلكترونيا، نأمل أن تروج تلك الثقافة في المجتمعات العربية.
أما على مستوى الشكل، فعالم الانترنت عالم حديث نسبيا، تقنيا، نحاول أن نحذو حذو الرواد العالميين في المجال وهم بدورهم يواجهون التحديات باستمرار وبالتجريب يتوصلون لحلول للمشكلات التقنية الجديدة ونحن بدورنا نستفيد من تجاربهم.
هل أنت متفائل من مستقبل الصحافة الرقمية في العالم العربي؟
أنا متفائل، فالعمل الجيد والكتابة الجيدة تفرض نفسها وتلقى الرواج. والشباب العربي طموح ولم يعد يتقبّل الصحافة المؤدلجة والرسمية، فهم يرون مباشرة المصالح التي تكتب ويميزون بسهولة بين الأخبار الصحيحة والمضللة، يعرفون تماما من يحترم ذكاءهم ومن يعاملهم كرعايا عليهم السمع والطاعة. أنا متفائل بمستقبل أفضل حول البلاد العربية الـ22، نمرّ بحقبة صعبة لكنها ستنجلي حتما.