بعد نشره لكتابه الأول في الكويت حول “نقد الإعجاز العلمي” تعرض عطبوش لمحاولة اغتيال في اليمن في 29 ديسمبر 2016. بعدها تلقت المكتبات تهديدات بالحرق ما لم تتوقف عن بيع الكتاب مما اضطر عطبوش إلى السفر، والتوجه نحو دراسة العلاقات الدولية في جورجيا.
محمد علي عطبوش، هو مدوّن وكاتب يمني شاب. عرف من خلال كتاباته عن أزمة الإسلام مع العلوم، وعلاقة الإسلام بالسحر، وهو أحد الناجين القلائل من حوادث الاغتيال السياسية والفكرية التي انتشرت في مدينة عدن عقب حرب 2015، وراح ضحيتها عدد من الشباب العلمانيين. صدر له من الكتاب: نقد الإعجاز العلمي – أزمة الدين والعلم 2016. الفكر السحري في الإسلام – جذور الدين والعلم 2019. بالإضافة للعديد من المقالات المنشورة. التقت مواطن بالكاتب اليمنى الشاب وكان معه هذا الحوار:
حاوره: محمد سميح
- في الواقع لم أتخيل أن يثير كتاب -نقد الإعجاز العلمي- أي نوع من الضجة.
- بالتأكيد أشعر بالقلق حيال أفراد أسرتي، ولا أريد أن أتسبب لهم يوما بمتاعب بسبب ما أكتب.
- لاحظت تبسيطا مخلًّا في الرواية الرسمية لطريقة دخول الإسلام إلى اليمن.
- لا يمكن الحكم على الشخصيات التاريخية من جانب واحد خاصة وصفها بمصطلحات حديثة.
- أفكر جدياً ببدء مشروع طويل لإعادة قراءة الإسلام.
- هناك ازدواجية واضحة في موقف الإسلام من موضوع السحر.
- الفضل في ظهور العلوم الإسلامية يعود إلى رعاية الخلفاء للعلوم السحرية وولعهم بتطبيقاتها.
نص الحوار:
1- منذ سنوات -تقريبا سنتين- أو أكثر تم إثارة ضجة بسبب كتابك، عن الإعجاز العلمي في القرآن، ما أهم الأفكار التي كنت تحاول طرحها من خلال كتابك “المثير للجدل” وكيف كانت مواقف الرفض التي تعرضت لها أنت وكتابك؟
في الواقع لم أتخيل أن يثير كتاب -نقد الإعجاز العلمي- أي نوع من الضجة، ربما بعض النقاشات الحادة في محيطي الصغير على أحسن الأحوال، ولم تكن نيتي نشره ككتاب في البداية، كانت فكرته مجرد مقالات تنشر تباعا في صحيفة محلية، ولكن طول المقالات وأسلوبها دفعني لخوض تجربة النشر. ولأن الفئة المستهدفة منه محلية في الأصل فقد تناولت فيه مناهج اليمن التعليمية بالنقد والنقاش لما تحتويه من خلط بين موضوعات العلوم الطبيعية والنصوص الدينية. ثم ألحقت عليه مقالات أخرى حول أصول هذه الظاهرة في التاريخ الإسلامي ونتائجها السلبية.
2- هل تشعر بالقلق حول قدرتك على حرية التعبير بعد حملة الهجوم الأولى ضدك على أثر كتابك الأول، أم لازلت تعمل من منطلق كونك صوت ضمير بحثي حر؟
منذ مغادرتي لليمن لم يعد هناك خطر يتهددني، لكن بالتأكيد أشعر بالقلق حيال أفراد أسرتي، ولا أريد أن أتسبب لهم يوما بمتاعب بسبب ما أكتب. الوضع الأمني في اليمن كما تعرف ليس في أفضل حالاته، ولذلك هناك الكثير من القيود.
3- لك تدوينة بعنوان نقد فرضية إسلام اليمن، ما الفرضية التقليدية؟ ولماذا تعترض عليها؟
نقد رواية إسلام اليمن” هي تدوينة نشرتها العام الماضي بعدما لاحظت تبسيطا مخلًّا في الرواية الرسمية لطريقة دخول الإسلام إلى اليمن، لأن التناول الإسلامي لقضايا اليمن عموما يعاني من إهمال وتزييف للحقائق والبديهيات. وآمل أن أنشغل في دراسة هذا الجانب في قادم الأيام.
4- من تدويناتك أيضا، تعتبر عمر بن الخطاب علمانيا، بينما تعد أبا بكر سلفيا، ما سبب وجهة نظرك تلك حول هؤلاء الأيقونات الإسلامية؟
طبعاً هناك تبسيط في هذا الحكم ولا يمكن الحكم على الشخصيات التاريخية من جانب واحد خاصة وصفها بمصطلحات حديثة وإسقاط مفاهيم معاصرة عليهم بأثر رجعي، ولكن السلوك العام لهاتين الشخصيتين يجوّز لنا تصنيفهم بشكل مشابه.
5- مؤخرا لديك اهتمام قوي، بالنقوش الأثرية في اليمن القديم، ما سر ذلك الشغف، وهل توصلت لأطراف خيوط جديدة معرفيا من مثل ذلك الاهتمام؟
اهتمامي بالنقوش السبئية جديد، وكان دافعه الحاجة لتعميق بعض المباحث التي تناولتها في كتابي الأخير “الفكر السحري في الإسلام” وسرعان ما لاحظت أنني درجت مسلكا خصيبا يمكن الاستمرار فيه لحل الكثير من ألغاز الفكر الديني عند العرب، وبالفعل تجد أنني توسعت في كتابي حول هذا الجانب.
6- هل ننتظر منك قريبا عملا بحثيا، حول النقوش القديمة، أم أن ذلك ليس في خططك؟
أفكر جديا ببدء مشروع طويل لإعادة قراءة الإسلام على ضوء هذه النقوش، والمساهمة في إثراء الدراسات حول تاريخ اليمن والثقافة اليمنية.
7- من بعد مسألة الإعجاز العلمي في القرآن اتخذت وجهة مميزة وجديدة بعض الشيء، حول أنثروبولوجيا السحر في العالم القديم، ما دوافعك البحثية التي قادتك إلى هذا المجال المعرفي؟
الحقيقة هي ليست وجهة جديدة، بقدر ما هي استكمال منطقي للخط الذي بدأته في بحث صراع الدين بالعلم، فالسحر هو المشترك بين هذين المفهومين، لقد ارتبط السحر ببدايات الدين ولم يفارقه في جميع أطواره، كما أسهمت العلوم السحرية في نشأة العلوم التجريبية، وما نشاهده من صراع بين الدين والعلم يعود كثير منه إلى تضارب بين تلك الجذور المخفية في العمق.
8- ما الجديد الذي يفترض أن تقدم أبحاثك حول مواضيع السحر وجذور الخرافة؟
رغم تحرزي من اجتراح الجديد دون تدعيم آرائي بالأدلة الكافية، وما أصعب ذلك، إلا أنني عرضت عددا من الفرضيات حول أصول العقائد الإسلامية وإعادة قراءة لبعض الآيات وتفسير لعدد من السلوكيات والموقف في السيرة النبوية على ضوء الفكر السحري، وسواء أوجدت تلك الفرضيات قبولاً عند الباحثين، أم لا، سأكون سعيدا لو أنها حركت المياه الراكدة حول هذا الموضوع.
9- كيف ترى علاقة كل من العلم والسحر بالإسلام؟
هي علاقة ملتبسة ومعقدة وليس من السهل تحديد حجمها فضلا عن حسمها، ولكن من الضروري تسليط الضوء عليها ودراستها من جميع الجوانب.
10- هل تعتقد موقف الإسلام بشكل ما يحمل نوعا من الازدواجية؟
نعم هناك ازدواجية واضحة في موقف الإسلام من موضوع السحر ومعظم تطبيقاته مثل الاعتراف بالعدوى من إنكارها، وكراهية الرقية أواستحبابها، وكراهية العلاج بالكيّ، وهي ظاهرة شرحت أن أصلها يعود إلى الجذور العربية السحرية لكثير من أفكار الإسلام، فالدين الإسلامي يقدم نفسه كتقويم لأخلاق العرب ودينهم وليس نقضا تاما له وإنكارا لممارساته، وكتبُ الإخباريين والمفسرين ممتلئة بذكر ممارسات جاهلية أقرها الإسلام مع تعديل يسير عليها، لكن هذا التعديل لم يمس جوهرها، بل بقيت أصولها السحرية ملقية بظلالها على الإسلام في صورة تناقضات تشي بجذوره.
11- لقد اعتبرت العلوم كالطب والكيمياء علوما سحرية، ومع ذلك شهدت الحضارة الإسلامية تفوقا بارزا، كيف يمكن أن يمرر ذلك الالتباس ما بين العلم والسحر ؟
ليس الطب والكيمياء على إطلاقهما علوما سحرية، ولكن بدايتهما -كما هي بداية معظم العلوم الطبيعية- كانت في أحضان السحر، كما قال ويل ديورانت “ولئن بدأ السحر بالخرافة فإنه -يا للمفارقات- ينتهي بالعلوم”، ما يجادل بشأنه الكتاب هو أن الفضل في ظهور العلوم الإسلامية يعود إلى رعاية الخلفاء للعلوم السحرية وولعهم بتطبيقاتها، وهي من أن نهضة علمية بهذا الحجم كانت عرضا جانبيا للخرافة. وما أكثر المفارقات في تاريخ البشرية!
12- ما هي مشاريعك القادمة؟
أحضر نفسي -كما ذكرت لك- للعمل على دراسة الثقافة اليمنية وتاريخها وآثارها، كما أحاول جاهدا المساهمة في بعض المبادرات الثقافية والتوثيقية لتراث اليمن، وآمل أن أوفق في ذلك وأن أجد أقلاما وأفرادا وجهاتٍ نتشارك معها الهمّ الثقافي لعل ذلك يكون المخرج الوحيد لما تعانيه بلادنا منذ سنوات.