كواحدة من أخر الدول الخليجية تنفيذاً لضريبة القيمة المضافة المتفق فرضها في دول مجلس التعاون الخليجي، تعاني الحكومة العمانية من ضبابيةٍ في الرؤية الإستشرافية لإقرار ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم الحكومي وفق رؤية برنامج توازن عمان القصير المدى 2020 – 2024، حيث تتضارب الإعلانات بين الفينة والأخرى حول قرارات التنفيذ بين المؤسسات الرسمية المختلفة.
الضريبة تم تأجيلها لأكثر من مرةٍ لدواعٍ إقتصادية وخلافٍ بين المؤسسات حول شمولية الضريبة وتداعياتها على ذوي الدخل المحدود والطبقة الفقيرة أو استثناء السلع الأساسية منها.
وزارة المالية أجلت إقرار الضريبة ثلاث مراتٍ في العام الماضي والحالي، فيما عجزت الحكومة عن تقديم رؤيةٍ إقتصاديةٍ واضحة حول تطبيق الضريبة وأثاراها وإدارة مواردها في الأعوام القادمة حسب تعبير برلمانيين عمانيين.
الجديد في الأمر هو أن مشاكل تطبيق الضريبة الجديدة والشكوك الدائرة حول خطط الإصلاحات كشفت النقاب عن مشكلةٍ أخرى تحتاج أن تكون على سلم أولويات الإصلاح في عمان، وهي تطبيق مبدأ فصل السلطات الثلاث وتنفيذها لدورها.
عقب إقرار مجلس الشورى تأجيل فرض الضريبة للعام 2022 بعدما عانته سلطنة عمان من العجز الإقتصادي عقب انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب عليه بسبب جائحة كورونا منذ مطلع العام 2020، خرجت الحكومة مفاجئةً مجلس الشورى بإعلانها بدء تنفيذ الضريبة مطلع العام 2021.
أعضاء مجلس الشورى العماني أبدوا انزعاجهم من تجاوز الحكومة لصلاحياتها ومخالفة توصيات مجلس الشورى، فيما اعتبره البعض تهميشاً لدور مجلس الشورى وتضييقاً أكثر للمساحة الديمقراطية الضيقة في السلطنة.
نقلت مؤسسات صحفية عمانية كوكالة واف تصريحات أعضاء مجلس الشورى العماني المستاءة والساخطة تجاه التجاوزات الحكومية المجهولة دون مراعاةٍ للتوصيات البرلمانية وعدم وجود رؤى إقتصادية حكومية تدفع للتخفيف من وطأة رفع الدعم وإقرار الضرائب على فئات ذوي الدخل المحدد في السلطنة.
هذا ويرى النائب محمد الهنائي أن من ضمن أدوار المجلس الرقابية المبادرة للتحقيق في التضارب في رؤى الحكومة وما عرضته حول جدول رفع الدعم الحكومي.
الحكومة لديها ما تخفيه
الحكومة أيضاً أعلنت في جلستها السرية إقرار العام 2021 كعامٍ تمهيديٍ لرفع الدعم الحكومي عن السلع وتحريرها ضمن برنامج توازن عمان الهادف لتنويع الإقتصاد العماني والإعتماد على موارد إقتصادية أخرى تفضي لتراجع الإعتماد على القطاع النفطي كموردٍ رئيسي للإقتصاد العماني.
النائبة البرلمانية طاهرة اللواتي انتقدت غياب الشفافية في العلاقة مع الحكومة قائلةً ” إذا أرادتنا الحكومة كشركاء، نطلب أن يكون هناك تفصيل في الإفصاح عن خططها، لا الإكتفاء بعباراتٍ عام”
حفظ ماء وجه البرلمان
معضلة احتكار السلطات وشكليتها تظهر أكثر كواحدةٍ من أهم المشاكل التي تعاني فيها بنية المؤسسات العمانية الرسمية في طريقها لتحقيق الإصلاح، حيث يحتكر السلطان تعيين أحد غرف مجلس عمان وهي غرفة مجلس الدولة، بينما يمارس النظام الحاكم سطوته للسيطرة على نوعية الأعضاء المنتخبين في الدوائر الإنتخابية عبر أجهزته الأمنية.
تعتبر السلطة التشريعية هي أكثر السلطات الثلاث شرعيةً دستوريةً على المستوى العالمي باعتبارها الممثل الرئيس للشعب والمنتخب منه، كما يناط بها أداء الدور الرقابي على السلطة التنفيذية ودراسة جدوى وقانونية قراراتها وموازناتها السنوية، إلا أن هذا ليس في عمان.
بدلاً من الإستجواب، يطالب البرلمانيون استضافة المسؤول الحكومي الذي ليس مجبوراً على الإستجابة للإستضافة أو تنفيذ التوصيات البرلمانية، فأقصى أمال البرلمانيين هو حفظ ماء وجههم أمام الأصوات الإنتخابية التي اختارتهم.
لذا يعتب جمال العبري، نائبٌ برلماني، على التجاهل الحكومي للبرلمان وعدم إشراك الحكومة لمجلس الشورى، ليبقى الأعضاء هم من يتلقون الإنتقادات أمام الشعب العماني قائلاً ” ثم يكون الأعضاء في وجه المدفع”
لا يهش ولا ينش
برلمانيون عمانيون في جلستهم الأخيرة أبدوا امتعاضهم من سلطة الحكومة وانفرادها بالقرار، حيث يقول النائب عبد الله مشهور “كان يقال عن المجلس كومبارس، لا يهش ولا ينش، والأدوات الرقابية المتاحة تسيطر عليها الحكومة”
هذا ودعا رئيس مجلس الشورى المعين لمقترح استضافة المشرف على برنامج توازن عمان لتقديم عرضٍ تفصيليٍ عن خطة البرنامج بعد اعتراض النائبة طاهرة اللواتية ومطالبتها بعرض تفصيلٍ أكثر بعيداً عن العبارات العامة التي تزودهم بها الحكومة.
شاهد ما شفش حاجة
في الجلسة ذاتها قال النائب سلطان الحوسني ” لا نريد للمجلس أن يكون شاهد ما شفش حاجة” مشيراً إلى قرارات الحكومة الفردية وتهميشها لدور مجلس الشورى.
فيما قال النائب حسن كشبوب أن النواب في حاجةٍ للتعامل مع الشعب العماني بشفافيةٍ والتحدث إليهم بصراحة حول صلاحيات مجلسهم ومدى قدرة أعضاء البرلمان محاسبة المسؤولين التنفيذين والإشراف والرقابة على الأداء الحكومي قائلاً ” يجب أن نقول للمجتمع وبصراحة، نحن مجلس بدون صلاحيات، دون أن نكذب عليهم، والقرارات نسمعها في التلفزيون، وأعضاء المجلس مستعدين للعمل حين يسمح لهم”
فسادٌ دون رقيب
هذا وقد بلغت مديونية الشركات الحكومية ما يقارب التسعة مليارات ريال عماني في العام 2020، دون وجود دورٍ رقابيٍ حقيقي للسلطة التشريعية المقيدة والمحدودة الصلاحيات، فيما يحتفظ منصب السلطان بالقرار الأعلى فوق كل السلطات.
إلى جانب ذلك يعيش الشباب العمانيون واحدةً من أعلى نسب البطالة في الخليج، ويتوقع مواجهة السلطنة لأزماتٍ إقتصادية ستضعف القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود بعد إقرار الضرائب ورفع الدعم دون وجود رؤية إقتصادية علمية ودور رقابي مؤثر لتجاوز ذلك وإدارة موارد الإقتصاد.