إن استطعتم الفرار من جحيم بلدانكم العربية، فلا تشعروا بالسعادة سريعاً، ستلاحقكم مقصات السلطة التي ستنفق الأموال التي حرمت منها شعوبها لتسحب كتبكم من المعارض وترشي الناشرين وتمنعكم حتى من الكتابة والنشر في بلدانٍ أخرى.
هل كان يمكن لجبران أو نعيمة وأبي ماضي الحديث بتلك الحرية إذا لم يكونوا في الغرب؟ هل تكتبون؟ كيف تكتبون؟ وهل تخافون من الحديث حول موضوعٍ ما؟ أو الكتابة بطريقةٍ مختلفة؟
إذا كنتم تخافون من الحديث والاقتراب من السلطة، القداسة، المحظور، المحرم، الأخلاقي والخيالي، فهل ترون أنكم أحرار؟
“مواطن” التقت مع كُتّاب ومترجمين عرب تحدثوا عن تجاربهم مع الكتابة والنشر في العالم العربي واستطلعت آرائهم حول حريات الصحافة والنشر والتعبير، نشارككم ذلك في هذا التقرير.
خطوط حمراء
يصف الناقد والمترجم رياض نسيم عوائق الكتاب في العالم العربي بالسلطات الثلاث، حيث يتحدث عن الأسباب التي تعيق الكاتب من التعبير بحرية ومناقشته لأفكار جديدة خارجة عن المألوف بقوله ” يمكن تلخيص الأسباب في ثلاثة عناوين: سياسية ودينية واجتماعية. وفي كل هذه الحالات يخاف الكاتب على حياته أو على مصدر رزقه فيتجه إما لتكريس قلمه ورأيه لصالح هذه السلطات الثلاث، أو يضطر للصمت والابتعاد عن كل ما يزعجها..”
بعد مكالمةٍ طويلة، أخبره بأنه سيتلف كل النسخ التي طبعت لكتابه قائلاً له ” لا أريد وجع راس، ولدي موظفين كثر”
كان هذا ما حصل مع الكاتب العماني محمد الفزاري، بعد نشره لكتابه حول حرية المعلومات في عمان في إحدى دور النشر اللبنانية، إذ اعتذرت الدار له عن نشر الكتاب بعد أن قامت بطباعته.
قد يكون هذا مثالاً لما يعانيه الكثير من الكتاب ويعيد التفكير فيه قبل أن يقرر كتابة كتابٍ أو مناقشة قضيةٍ ما، فلا مفر من السلطة في جميع الأحوال ولا مجال كذلك أمام ما يخالف أراء المُسلّمات السياسية والإجتماعية والدينية في البلد العربي.
مؤسسات النشر هي الأخرى لا يمكنها التمرد على واقعٍ كهذا وحدها، يقول عبد الرحمن الخضر ” الناشر يبيع مايطبعه، ولن يضحي في سبيلك بمكاسبه لينشر لك غير المألوف، وفي هذا فالناشر يراعي شرطين أساسيين يكادان أن يكونا وجهين لذات العملة، فهو لن يغامر بالدخول في مواجهة مع السلطة أولاً، أو بنشر غير ما اعتاد عليه جمهور القرّاء من كتاباتٍ تقليدية”
إجمالاً، الساحة الثقافية والمعرفية محاطةٌ بخطوطٍ حمراء تحشر الكاتب والناشر في مساحةٍ ضيقةٍ تمارس فيها سلطات رياض نسيم الثلاث ” السياسية، الدينية والإجتماعية”
يضيف نسيم متحدثاً حول المخاطرة التي يخوضها الكاتب في العالم العربي ” قلةٌ هم من يحاولون الكتابة بشجاعة أو بلغة مخاتلة يبتعدون بها عن مقصات الرقابة السابق ذكرها”
الفكر المحلي محظور
مع ثورة وسائل التواصل الإجتماعي أصبح الوصول لمختلف المنتجات الأدبية والفكرية المحظورة في البلدان العربية أكثر سهولةً وتداولاً في أوساط المجتمع، لكن ورغم ذلك، لا تزال السلطات والمجتمعات العربية تعتبر توليد مثل تلك الأفكار غير المألوفة محلياً أمراً محظوراً.
يقول الكاتب والروائي اليمني عبد الرحمن الخضر بأن كثير من الكتب الأجنبية التي تحمل في طياتها أفكاراً وقيماً مخالفة لتلك التي تعتنقها المجتمعات العربية أصبحت تتداول في المكتبات العربية وفي أوساط القراء العرب، ولكن كتابة كاتبٍ مواطن لمثل تلك المواد قد يكلفه حياته في بعض الأحيان.
يضيف الخضر في حديثه قوله بأن هنالك ربما بضع حالات يتمكن فيها الكاتب أو الفكرة من النشر ” ربما تفلت بعض المحاولات في حالتين بالتحديد، وأكرر ربما، الأولى هي النشر من قبل دار نشر تقع خارج وطن الكاتب، والثانية هي نشر بعض الكتب المترجمة لكتاب أجانب”
الكاتب الكردي جان دوست يتحدث عن تجربته في النشر ” ..شخصياً كنت أطبع كتبي بشكل سري في مطابع دمشق مقابل مبالغ كبيرة وعن طريق السماسرة، وكان لزاماً علينا أن نضع على الكتاب المطبوع في دمشق أنه طبعة بيروت تلافياً للملاحقة والتحقيقات الكثيرة”
لا مكان للإبداع
هي ذاتها المواضيع في السينما، المسرح، القصة والرواية التي تكرر ذات المشاكل الإجتماعية، أو تخرج قصة غير واقعيةٍ البتة أو قابلة للتحقق في قالبٍ واقعي.
يتحدث عن ذلك عبد الرحمن الخضر بما وصفه بمحفزات الإبداع “.. كيف ستتحدث عن الحب في روايتك؟ في مجتمعٍ يُغلِّف المرأة، يزوج الأربع مرة واحدة في الدار الأولى، وينكح سبعين في ” نكأة ” واحدة في الدار الآخرة، أن تكتب قصة حب بين مسافرين في عربة قطارٍ لاتتوفر في بلادي، كما هي السباحة في الشاطئ، عن تلك النهود المشرعة هناك، عن قبلةٍ يصفق لها كل الشاطئ، عن أمسية حبٍ شبقة، أن تنقل معلومة لا تتفق في سياقها، أو أغراضها، أو النتائج المرتقبة منها مع أيدلوجية السلطة وثقافة المجتمع”
سلطة في زي الصحافة
عن الصحافة العربية في الداخل أيضاً، يتهمها الكثير من الكُتّاب بأنها فارغة المحتوى وبأنها سواءً كانت رسميةً أو أهلية فهي فقط تعيد تدوير خطاب السلطة وتمارس دورها في مساندة السلطات لتظليل المجتمع.
رياض يصفها ” لا توجد صحافة عربية حرة، الصحف إما مملوكة للدولة أو للأحزاب والجماعات الدينية، أو مدعومة من قبل جهات داخلية أو خارجية تفرض سلطتها بشكل أو بآخر. أما حرية النشر فمرتبطة كذلك بالمناخ العام، المقيد للحريات بكل أشكالها، وبمرجعيات الناشرين الدينية والاجتماعية على وجه الخصوص والتي تقيد حرية التعبير بوازع ديني أو اجتماعي، بمعنى أن الرقابة الذاتية تشتغل في هذا الشأن ربما أكثر من الرقابة السياسية”
” أستطيع القول وبكل ثقة بأنها تشتغل على البروباجندا. عليك أن تتابع الخبر ذاته على شاشتي قناتي العربية والجزيرة مثلاً، كلاهما تعرض الخبر ذاته، أو المعلومة ذاتها، والاستطلاع ذاته، ولكن وفق السياسة التي تنتهجها الجهة الممولة، وهي إما السلطة ذاتها، وإما شخص أو منظمة أو هيئة تابعة لهذه السلطة .” يضيف عبد الرحمن الخضر “أقول بروباجندا لأنك ستفقد الحقيقة هنا، لأننا نتعرض خلال هذه المؤسسات الصحفية إلى التضليل والاستغفال بشكلٍ منظم، وجهدٍ دؤوب”
خطاب الصحف المحلية هو ذاته إعادة تدوير خطاب السلطة المظلل للحقائق، في الوقت الذي تأتي الدول العربية على مؤخرة مؤشرات حرية الصحافة العالمي، باستثناء تونس التي حلت في المرتبة 72، حلت الدول العربية في مراتب متقاربة ابتدأتها لبنان من المركز 102 وحتى المركز 174 لسوريا.
يقول جان ” تخضع دور النشر للسلطات ورغبات الشارع لكي تستمر. إذ لولا ذلك فلن تستطيع كمؤسسات ربحية أن تعيش”