في ختام العام 2020 أطلت الرئاسة اليمنية من العاصمة السعودية الرياض بإعلان توصل الأطراف الموقعة على اتفاق الرياض لأسماء الحكومة الجديدة تحت عنوان حكومة الكفاءات من الشمال والجنوب، في خطوةٍ اعتبرها البعض مهمةً لعملية السلام واستعادة الدولة من الطرف الأخر في صنعاء، الحوثيين.
الحكومة الجديدة المسماة بـ حكومة الكفاءات والتي للسخرية كانت خاليةً من أي كفاءاتٍ علمية وتضمنت أسماء أعضاء سابقين في تنظيم القاعدة الإرهابي وغابت عنها المرأة اليمنية، يمكن الخروج من صيغتها الجديدة بنتيجةٍ تقول قبل كل شيءٍ بفقدانها للكفاءة.
بعيداً عن ذلك، ما يجدر ملاحظته هو مهام هذه الحكومة والأمال المعلقة عليها، والتي بقي تشكيلها معلقاً لما يزيد عن عام بعد توقيع اتفاق الرياض القاضي بإيقاف الصراعات المسلحة بين قوات حزب الإصلاح، إخوان اليمن، والمجلس الإنتقالي الجنوبي في الجنوب والدخول في حكومة شراكة، في حين بقيت الصراعات المسلحة على أشدها في الجنوب حتى الساعات الأخيرة لتشكيل الحكومة.
ما يجري على الأرض في الحقيقة خلاف ما تحاول الرياض إظهاره في رأب الصدع داخل زعامة التحالف من جهة، وحل المشكلة الجنوبية مع طموحات الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على مفاصل حكومة هادي ويستولون على تشكيلات جيشه بتحاصص الحكومة بين الأطراف المتصارعة داخل صفوف التحالف العربي من جهةٍ أخرى.
ماذا عن بقية الأطراف؟
احتكار الإخوان المسلمين وهادي للحكومة وتشكيلات الجيش والمناصب القيادية فيه حفز الإمارات لصناعة تشكيلاتٍ مسلحة أخرى خارج صفوف الجيش الوطني التابع لهادي، لتستطيع استغلال الحاضنة الجنوبية واستثمار قضية الجنوب لطرد حزب الإصلاح وحكومة هادي من الجنوب.
إتفاق الرياض قد يهدئ الأوضاع قليلاً ولكن الصيغة الحكومية التي أنتجها لا تشكل جميع الأطراف المؤثرة في صفوف التحالف، فالكثير من التكتلات والقوى المؤثرة على الأرض مازالت مستثناةً من هذا الإتفاق.
تمثيل حزب المؤتمر، الحزب الأكبر في اليمن، في الحكومة الجديدة شمل شخصياتٍ تمثل الرئيس هادي ولا تمثل إرادة القيادات المؤتمرية في الخارج أو الداخل، في حين تضمر القيادات التي في الخارج إعلان الإعتراف الضمني برئاسة الحزب في صنعاء لتفويت الفرصة على هادي في تزعم الحزب.
على الطرف الأخر ما تزال قوات طارق صالح في الساحل الغربي دون تمثيلٍ حقيقيٍ في الحكومة أو اعترافٍ بها كقوى مسلحة شرعية تخدم ذات الأهداف، حيث تقترب من الدخول في صراعٍ مسلحٍ أخر مع جماعة الإخوان تم تأجيله طويلاً.
فقدان الحاضنة الشعبية…
إن حكومة هادي كحكومةٍ معترفٌ بها دولياً وتدعي الشرعية يجعل منها ملزمةً بتقديم الخدمات والدعم الحكومي لكافة المواطنين شمالاً وجنوباً، سواءً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم أو سيطرة الحوثيين شمالاً.
تخلف حكومة هادي منذ بداية الحرب ونقل البنك المركزي لعدن عن دفع رواتب الموظفين في المناطق غير الخاضعة لسيطرتهم أو تقديم أبسط خدمات الدعم الحكومي للمواطنين في مناطق الحوثيين، أفقدها الحاضنة الشعبية المؤيدة لها، في الوقت الذي جعلت فيه الوفاء بحقوق المواطنين مشروطاً بفتح جبهات صراعٍ مع الحوثيين في المناطق الشمالية.
من جهةٍ أخرى، يبدو أن أخر المؤسسات الشرعية التشريعية المتمثلة في مجلس النواب قد سقطت نهائياً بعد تفكك المجلس وتوزعه في الشمال والجنوب ووفاة عددٍ كبيرٍ من أعضائه، وفيما تفتقر حكومة هادي وقراراتها لثقة السلطة التشريعية، لا يفوت الحوثيون السلطة التشريعية في صنعاء لإضفاء طابعٍ شرعيٍ دستوري على حكومتهم وقراراتها.
صفقات نجاة..
ما بدأت معظم القوى السياسية إدراكه هو أن لغة لقوة والموقع الذي ستجلس فيه أي قوةٍ سياسية في مفاوضاتٍ مستقبلية هو ما سيحدد مستقبلها السياسي وليس العمل المشترك ضمن حكومة هادي.
حزب الإصلاح الذي تصدر مشهد الحرب ضد الحوثيين منذ البداية يرى أنه أصبح الخاسر الأكبر في صفوف التحالف العربي الذي جمع شتات القوى السياسية المعارضة للحوثيين المنفردين بالسلطة في صنعاء، لذا فالسعي لصفقةٍ نديةٍ مع الحوثيين شمالاً يمكن أن يشكل تعويضاً منصفاً لهم، ولكن كيف يستطيعون فرض صفقةٍ نديةٍ مع الحوثيين؟.. شواهد كثيرة قد تجيب عن ذلك.
والحوثيون يدكون أسوار مدينة مأرب ويقتربون منها كل يوم، يدفع حزب الإصلاح بقواته في الإتجاه الآخر جنوباً للصراع مع قوات المجلس الإنتقالي الموالي للإمارات.
تحوم الشكوك حول مسؤولية حزب الإصلاح عن اغتيال العميد الركن عدنان الحمادي، قائد اللواء 35 مدرع، والموالي للناصريين في محافظة تعز، بالإضافة لاستيلاء قوات الإخوان على قوات اللواء ومناطق سيطرته فيما بعد، بعد ان استطاعوا طرد قوات لواء أبو العباس الموالية للإمارات من المدينة قبل ذلك.
وأخيراً، بقيت قوات العدو الأقدم، طارق صالح، والموالي أيضاً للإمارات، هي حجر العثرة الأخيرة والعقبة التي يبشرون بها أنصارهم أنها الأسهل في طريق إحرازهم لمقعد تفاوضٍ نديٍ مع الحوثيين في الشمال، إذ تعمل وسائل إعلام الحزب على مدى أعوامٍ للتمهيد لمعركةٍ أخرى في الساحل الغربي تحت دعاوى مناطقية وحفاظاً على تماسك الشرعية.
تعرضت قياداتٌ عسكرية تابعة لقوات طارق صالح للإختطاف على يد قواتٍ تابعة لحزب الإصلاح، فيما تم اغتيال قياداتٍ أخرى في مناطق مختلفة، وبالتأكيد يعرف الضحايا قاتليهم.
يمكن لهذه الشواهد ترك إجابةٍ واضحة للتساؤل حول رؤية حزب الإصلاح لكيفية إحرازه مقعد مساومةٍ نديٍ مع الحوثيين في المستقبل. وبصيغةٍ أخرى، ما تفسده الطموحات، لا تصلحه اتفاقات الرياض.
حكومات حربٍ أم سلام..
يعلق البعض الأمال على الحكومة الجديدة التي وصلت عدن مؤخراً في المضي لفتح أفاقٍ جديدة للحل السياسي للأزمة في البلاد والمضي في عملية سلام، وهو ما يسميه البعض بطلب المعاجز من حكومةٍ لا حول لها ولا قوة.
في الشمال، يقف الحوثيون كطرفٍ وحيدٍ يمثل الطرف الأخر من الحرب، بفريق مفاوضاتٍ واحد وقيادةٍ موحدة، فيما على الطرف الأخر تقف الشرعية بمكونات مختلفة تعترف بها ولا تعترف بها، وأجندةٍ ورغبااتٍ مختلفة في طاولة المفاوضات.
هذا يجعل من الصعوبة بأمرٍ الخروج برؤيةٍ موحدة، من وجهةٍ وطنية، لبقية الأطراف في صفوف التحالف قبالة الفريق الحوثي، الأمر الذي يزيد الحوثيين يقيناً في حلم بناء دولتهم الخاصة بهم واستغلال الصراعات في صفوف التحالف، ويوضح حقيقة قدرات حكومة عدن الجديدة في رسم سياستها على طاولة المفاوضات.
حكومة عدن أيضاً وعبر رئيس وزرائها أعلنت مسبقاً أن مهمتها تكمن في زيادة الضغط على الحوثيين ومحاولة تحسين الأوضاع الخدمية والأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات التحالف، وبعبارةٍ أخرى يمكن القول بأن الخوض في مسألة السلام ليس من صلاحيات هذه الحكومة أيضاً كما هو ليس من صلاحية حكومة الإنقاذ في صنعاء.
هذا يوكل مهمة الخوض في عملية السلام للقوى الخارجية الفاعلة في التحالف، ومن تحتهم الطموحات المتمردة في صفوف هذا التحالف، وأبرزها طموحات حزب الإصلاح في سعيه لضمان صفقةٍ سياسية أفضل لدوره المستقبلي.
حكومة ولدت ميتة..
ما أفرزته الحرب المستمرة منذ ستة أعوام هو ظهور سلطات أمرٍ واقع معلنة وغير معلنة على امتداد الخارطة اليمنية، الحوثيون في معظم مناطق الشمال، الإخوان في مأرب وشبوة ومدينة تعز، قوات حراس الجمهورية وطارق صالح في الساحل الغربي والمجلس الإنتقالي في الجنوب.
هذه قد تكون أكثر مجموعات سلطات الأمر الواقع ظهوراً على الساحة اليمنية، حيث تمارس كلٌ من هذه القوى صلاحياتٍ إدارية وعسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي بالتأكيد لم تخضع لسلطات الحكومة السابقة ولن تخضع لسلطات الحكومة الجديدة.
مأرب ستبقى حكراً على الإخوان وستفشل الحكومة مباشرةً في أي محاولة تغييرٍ في جهازها التنفيذي أو تشكيلات القوى العسكرية المتواجدة فيها، كما ستستمر في ممانعتها رفد البنك المركزي في عدن بأي إيراداتٍ تجنيها المحافظة النفطية.
الأمر سيانٌ أيضاً على بقية مناطق الصراع الخاضعة لسيطرة بقية الأطراف، الأمر الذي سيترك حكومةً مشلولة غير قادرة على أداء أبسط المهام الموكلة إليها قانونياً كسلطةٍ تنفيذيةٍ حتى على المستوى الخدمي المتردي في مناطق سيطرة التحالف والقوات الموالية له.
في ختام كل هذا، وفي انتظار معركة الإخوان القادمة، يمكن القول عن هذه الحكومة الجديدة أيضاً بأنها ولدت ميتة.