”آه لو لعبت يا زهر“
أغنية شعبية
من الخطر جدًا على حياة الزوجة إذا لعب الزهر مع زوجها، فكثيرًا ما يبدأ الرجل حياته بالزواج التقليدي ومع ما هو متاح -المرأة المقبولة من أهله- والتي تناسب قدراته المالية ووضعه الاجتماعي وتقبل به. ولكن إذا لعب الزهر فكثيرًا ما يحدث نوع من اللامعيارية الاجتماعية التي تحدَّث عنها ” إميل دور كايم” في حال تحول مفاجئ للأوضاع الاجتماعية لفرد أو جماعة.
فسرعان ما نجد الرجل الذى بدا لسنوات راضيًا جدًا بزوجته ويمدح أصالتها ويسرد مواقف تحملت فيها عثرات حياته، أصيب بنوع من فقدان الذاكرة المؤقت وعطل كل روابط الألفة التي تشكلت على مدار سنوات، ويبحث عن زوجة شابة تعوضه عن أيام شقائه، وسوف أحاول جديًا الوقوف على الأسباب التي تدفع الرجل إلى زواج ثان.
دوافع الزواج الثاني
إن الزواج الأول في حياة الرجل يكون مدفوعًا برغبة مختلطة ما بين حب الجنس في الحلال، والحصول على أبناء، ودرجات من القبول الاجتماعي بعد التخلي عن العزوبية، يقولون إن الزواج نصف الدين وهذا لا يعني أن العازب نصف كافر، وأعتقد أن كلمة دين تعني في الحقيقة القبول الاجتماعي.
ما بعد كل هذا التحقق بفتح البيت والزوجة والأولاد، يصدم المرء أمام حياة مملة مرهقة قد تكون ضاعت في العمل وأشياء في جوهرها لا تعنيه، وبمجرد إيجاد إمكانية ما (وهنا أقصد إمكانيات مادية) يبحث الزوج الذي أضاع سنوات عمره -في العمل- عن زوجة شابة تدلك في روحه تعب السنوات، وهنا استبعد من يطفشون دون أسباب واضحة هربًا من تحمل المسؤوليات، ولا أعتبر الرجل مضطرًا ولا أدافع عن زواجه الثاني (الجنسي) بقدر ما أحاول أن أقف على الأسباب، كما وجب عليَّ أن أنوّه أن بعض الرجال يتخذون التعدد كأيديولوجية دينية أو “هارونية رشيدية” بمعنى آخر، وهو لأسباب جنسية بحتة. وهنا أستبعد الدوافع الشرعية (كالمرض وعدم الإنجاب) عن الزواج الثاني، والجدير بالذكر أنه لم يكن تعدد الزوجات شائعا بالأخص في المناطق الشعبية والمدن في مصر عامة).
وقع الزواج الثاني
إن الزواج الثاني غير المبني على الدوافع الأيديولوجية يشعر بعض الرجال بالحرج لفضاحته الجنسية، لدرجة أن بعضهم يفضلون الزواج سرًا خشية مواجهة الزوجة والأبناء والأهل أو شق الصف داخل المنزل الذي بني استقراره في سنين، كما أن المجتمع القاسي مع المرأة في حال وجود دوافع شرعية كالعقر أو المرض، يكون أكثر تعاطفًا معها في حال غياب تلك الأسباب، ويعتبر الزواج الثاني في تلك الحالة كأنه أبغض الحلال!
وفي الزواج الثاني عامة يقع الظلم على المرأة التي ترى في الزواج عليها إهانة كرامة، وبالأخص مع ربة المنزل التي أفنت حياتها في أعمال البيت والرضاعة والحمل وتربية الأولاد، فأصبحت مهددة تمامًا في الحصول على إعالة زوجها التي كانت مكفولة كليًا بحكم تلك الأعمال، أو على أقل تقدير إن الخير الزائد عن الحاجة في حياة الرجل من مال بدلاً من أن يتقاسمه معها أخذ يبحث عن أخرى تشاركها فيه، ليست وحدها بل وأبناءها القادمين أيضًا.
الزواج علاقة تشاركية أم جنسية؟
دائمًا ما تضع السلطة التي تشرع ما تراه مناسبًا للمعاني التي تحملها عن الأشياء، وهنا يمكننا أن نطرح سؤالاً كبيرًا، هل الزواج علاقة تشاركية أم علاقة جنسية؟ وحين نقارن القانون الأمريكي مثلاً الذي يلزم باقتسام ثروة الرجل والمرأة بعد الطلاق، وبين القانون المصري الذي يلزم بنفقة المتعة، يمكننا أن نحصل على إجابة فاضحة، بالأخص أن وقوف علاقة الرجل والمرأة على العامل الجنسي وعدم تطويره يجعل الرجل في حاجة إلى استبدال شريكته في الجنس بعد استنفادها أو الملل منها بنفس مفاهيم عصور الجواري.
من ثقافة النكاح إلى ثقافة الزواج
”في لسان العرب نكح فلان امرأة: باضعها، وكذلك دحمها وخجأها ويطؤها، وقال الأعشى في (نكح) بمعنى تزوج، أما زوج: الزوج خلاف الفرد:أي يقرنهم. وكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر: فهما زوجان“. – ابن منظور
حين نقارن بين كلمتين مترادفتين فى اللغة العربية كالنكاح والزواج، نجد أن لفظ النكاح دائمًا ما ارتبط بمعانٍ جنسية، على عكس الزواج الذي يدل دائمًا على الاقتران، وهنا سأستخدم النكاح كمفهوم قديم وتراثي في مقابل الزواج كمفهوم حديث، وقد اعتمدت في هذه التفرقة على أن المدونات الفقهية تستخدم لفظ النكاح والمدونات القانونية تستخدم لفظ الزواج، كما أن اللفظ الأول في المذاهب الأربع الكبرى لدى أهل السنة هو عقد انتفاع جنسي، على عكس المدونات القانونية الحديثة التي تعرف الزواج في الغالب على أنه عقد تأسيس أسرة، كما يمكنني أن أقف على كلمة النكاح كمعنى تراثي وأضيف إليها التزام الرجل بإعالة المرأة، بينما يتخذ الزواج معنى أكثر تطورا يعمل فيه كل من المرأة والرجل لتلبية احتياجاتهم المعيشية. ولفك هذا التشابك سأتنازل عن تلك المصطلحات وأخلق مصطلحين جديدين تماما ينبثقان من كلمة واحدة: وهما الزواج كنمط استهلاك (ذكوري) والزواج كنمط إنتاج (ما بعد ذكوري)
- الزواج كنمط استهلاك (ذكوري): وفيه يختار الرجل امرأة لا يعرفها يدفع لها ويصرف عليها مقابل الجنس وأعمال المنزل والإنجاب والتربية.
- الزواج كنمط إنتاج (ما بعد ذكوري):رجل وامرأة يقتسمان مصاريف الزواج ويعمل كل منهما للقدرة على المعيشة والحياة.
وهنا وجب التنوية على أنواع بين بين، فقد ينشأ عن زواج بدأ باختلاط زواج استهلاك بحت فيه رجل “إيه تي إم” وامرأة “ربة منزل”، كما يمكن أن ينشأ عن زواج صالونات حياة مقتسمة بين الطرفين، كما أنه في بعض الأحيان “يطفش” الرجل وتتحمل المرأة كل شيء، أو يبقى الرجل على هامش الأسرة رغم وجوده وتبقى المرأة هي العائل!
إن المفاهيم التراثية عن الزواج تلزم الرجل بالدفع والصرف والإعالة، ولكننا نجد كل هذا يتساقط أمام طبيعة متطلبات الحياة الاقتصادية والمعيشية في أيامنا، إن البنية الاقتصادية هنا تجبر الناس على تبني مواقف تحررية إلزامية بنوع من تطور جبري مفروض يسقط شرط أصيل من تراث الفقهاء.
”الزواج في مصر جميل جدا، يكفي أن تجلس وتطلب من زوجتك كوباية شاي، ولكنها أغلى كوباية شاي تدفع ثمنها في حياتك“ – صامولي شيلكه
كان ذلك رد باحث الأنثروبولوجي الفنلندي صامولي شيلكه حين سألته عن الزواج في مصر، وبشكل شخصي أسأل نفسي دائما: ما الدافع لكل هذه الأعباء وتحملها؟
أشعر فيها بكثير من العبثية والتقييد. إن الأولى بالشاب أن يحب ويتزوج من تشاركه حياته، لا من يعولها أو يسحبها خلفه أو يكون فوقها في سرير ليملأ بطنها بمولود. إن كل هذه الأفكار أكثر سلاسة وسهولة من أجل حياة أبسط وأقل تعذيبا وقيودا، كما إنني أعتقد أن الأهالي في الغالب يستجيبون للضغوط عليهم من أجل الزواج عن حب، وشخصيا كثيرا ما أروي قصة فتاة تسكن بحي شعبي أصرت أمام والدها على من تحب، وأخبرت والدها أنها تعمل معه ويجمعان المال منذ فترة وسوف يتقاسمان كل شيء وسيبدآن حياتهما بأبسط الأشياء.. وقف والدها مذهولا لا يستطيع النطق، وسريعا ما أطلق أخواتها الزغاريد، وهما الآن متزوجان ينعمان بحياة مستقرة هادئة.
يجب أن نعترف أن الزواج أصبح تجارة مربحة لبعض الأسر وبعض الفتيات، وحين تتقدم الفتيات المتحررات من ضغوط الموروث (بالأخص الاقتصادية المتعلقة بتكاليف وإعالة الرجال في الزواج) يضعن نسبة كاملة للنجاح، ومع أي فشل ينقلبن كليا، وإننا على مستوى الأفراد وحتى المجتمع نحتاج لثقافة تقبل الخطأ والفشل. إن زواج الصالونات لا يقدم الكثير والغالبية تستمر فيه قهرا. وهكذا زواج الحب، من الوارد جدا أن يفشل كزواج أو حتى في الخطوبة، وهذا أمر عادي. كثيرا ما أشعر أن المشكلة ليست في الاختيار (عن حب أم صالونات بدون معرفة) بقدر ما تكمن المشكلة في عدم تقبل الانفصال والبدء من جديد. قد يكون ذلك مقبولا نوعا وبدرجة ما للرجال بفرصة في حياة وزواج جديد، إلا أن فرص المرأة شبه مستحيلة أو نادرة جدا، ودائما ما تقع بعد الطلاق اختيارا لرجال كبار السن ولديهم أولاد ومتزوجون.
أعتقد أن المرأة تلعب دورا هاما جدا، وقد يلزمنا الكثير والكثير من السنوات حتى نحيا في مجتمع يتقبل ثقافة الحياة بعد الانفصال، ولكن في ظل تلك المنظومة الديناميتية القابلة دائمًا لانفجار صامت أو إحداث موت بنزيف من الداخل.. يبقى ترك الحبل على الغارب في زواج ثان ظلما كبيرا للمرأة التي تشعر في ذلك بنوع من الخيانة والامتهان لكرامتها كأكابر السيدات في التراث الإسلامي (خديجة بنت خويلد – فاطمة الزهراء – سكينة بنت الحسين) – كانت السيدة سكينة بنت الحسين تشترط في عقود زواجها الاحتفاظ بكامل حريتها وحق تطليق نفسها-
وأعتقد أنه من الأولى تصعيب عملية الزواج الثاني؛ في ظل ما يوقعه من مشاعر سالبة في نفس المرأة التي صبرت وتحملت وبنت مع زوجها أسرة على مدار سنوات، وكثيرا ما نرى الشيوخ حين يواجهون بمآسي النساء من الزواج الثاني يقولون بالله هذا سوء استخدام للشرع.. إذن لم لا يتطلب الزواج الثاني موافقة وحكم محكمة؟ بعد وجود الأسباب الشرعية وعرضها على القاضي؛ حتى لا تقتل النساء بسوء استخدام الشرع من قبل الرجال؛ وحتى تشعر النساء بقدر أعلى من الأمان يدفعها لتقديم مجازفات ما بعد ذكورية تتخلى فيها عن الامتيازات المادية المعلقة في رقبة الرجل في ظل الزواج الصرف الذكوري الذي يجعل من مؤسسة الزواج نوع من التجارة الرديئة التي لا ترتقي بالفرد ولا المجتمع أبدا.