في منتصف القرن الثامن عشر، كان الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو معجباً بنظام فصل السلطات الإنجليزي ورأى أنه النظام الأمثل لمنع إساءة استخدام السلطة بتوزيع الأدوار بين مؤسسات الدولة الثلاث.
من جهةٍ أخرى فمبدأ فصل السلطات أكثر قدماً مما يتخيل، حيث طبقته الجمهورية الرومانية في جزءها الأول كما كان موضوع جدلٍ فلسفي عميق في الفلسفة السياسية اليونانية القديمة.
في مطلع العام الحالي وبالتحديد في ذكرى تنصيب السلطان هيثم بن طارق، أعلن السلطان عن مراسيم جديدة ونظامٍ أساسيٍ جديدٍ للحكم، تضمن مجموعةً من التغييرات القانونية والدستورية، لكن كيف كانت هذه التغييرات؟
مواطن في هذا التقرير تسلط الضوء على الوضع القانوني لمجلس عمان كمجلسٍ تشريعي في التغييرات الجديدة وفق دراسةٍ لنصوص القانون الجديد ومتابعاتٍ للأخبار والآراء الدائرة حول التغييرات الجديدة المتعلقة بما سمي قانون مجلس عمان.
أعلن السلطان العماني مرسومه الذي أزاح الستار عن نظامٍ أساسيٍ جديدٍ لحكم البلاد عوضاً عن النظام الصادر في تسعينات القرن الماضي.
طريقة إعلان وإقرار النظام الجديد أظهر خيبة أمل الكثير من العمانيين الذين رأوا في طريقة الإعلان التي لم تأخذ بحق الشعب في إقرار نظام حكمه كما هو متعارف عالمياً عبر استفتاءاتٍ دستورية يقرر الشعب فيها مصيره، بأنها تكريسٌ لمبدأ “الشعب الرعية والحاكم الراعي”
وزير الإعلام عبد الله الحراصي في تعليقٍ سابقٍ له على الحياة الدستورية في عمان والنظام الأساسي في البلاد، قبل توليه منصباً وزارياً تم تعيينه فيه إثر الحراك الإحتجاجي في العام 2011، أعادت مواطن نشره، قال ” لنضمن استقرار البلاد لا بد من أن يوجد دستور للبلد يشترك في إعداده الشعب العماني مع الدولة العمانية” كما قال بأن النظام الأساسي للحكم في البلاد ليس كافياً لأسبابٍ عديدةٍ أهمها عدم إشراك المجتمع العماني في إعداده.
كما اعتبر الحراصي مشاركة الشعب العماني في إعداد الدستور حقٌ أصيلٌ لأي شعب كان، مؤكداً أن دستوراً يقره الشعب ويشارك في إعداده هو ما يضمن الأمان.
المرسوم السلطاني من جهةٍ أخرى أقرّ استحداث منصب ولي العهد، في خطوةٍ وصفتها بعض وسائل الإعلام بالخطوة الجيدة في دعم استقرار الحكم وطمأنة الإستثمارات الأجنبية.
السلطة التشريعية هي واحدة من أهم السلطات الثلاث في الأنظمة السياسية، وهو المؤسسة التي يقع على عاتقها تمثيل الشعب ومسؤولية تشريع القوانين وأداء دور الرقيب على السلطة التنفيذية، الحكومة.
هذه الأدوار التي تقوم بها السلطة التشريعية تمثل أهميةً من حيث تعبيرها عن الأداء الديمقراطي في البلدان المختلفة، كما أنها تسمح للشعب في تحقيق مشاركةٍ أوسع في الحكم، وبالنتيجة استقراراً سياسياً.
من جهةٍ أخرى، تطبيق مبدأ فصل السلطات وأداء البرلمان لدوره الرقابي على السلطة التنفيذية يعتبر أحد أهم الأدوات الشعبية في المشاركة السياسية ومكافحة الفساد الحكومي.
لكن ما هي حقيقة تطبيق هذا المبدأ في دولةٍ ريعيةٍ تواجه أزمةً اقتصادية في نظام حكمٍ سلطانيٍ مستبد طامحٍ لتحقيق رؤاه المستقبلية في الإصلاحات الإقتصادية؟
يمثل مجلس عمان بوجهٍ ما السلطة التشريعية في البلاد، ويتألف من غرفتين هما مجلس الشورى، وهو مجلسٌ منتخب من قبل الشعب وفق نظامٍ إنتخابيٍ تتمتع السلطات فيه بصلاحياتٍ تشمل رفض المترشحين وتحديد عدد الدوائر الإنتخابية، ومجلس الدولة، وهو مجلسٌ يساوي عدد أعضاء مجلس الشورى ويقوم السلطان بتعيينهم.
بالإضافة إلى سيطرة الحكومة إلى حدٍ ما على المشهد الإنتخابي لمجلس الشورى ومخرجات الإنتخابات الشعبية الدورية، فإن غرفة مجلس الدولة المعين أعضائه من قبل السلطان، تمنح السلطان العماني سيطرةً أوسع على دور المجلس التشريعي، حيث يمثل عدد أعضاء مجلس الدولة النصف في مجلس عمان.
علاوةً على ذلك، النصوص القانونية تقيد صلاحيات المجلس التشريعي وتجعله جزءاً من العملية التشريعية لا سلطةً تشريعية كما يقول نائب رئيس مجلس الشورى الحالي يعقوب الحارثي، والقرار النهائي يعود للسلطة التنفيذية، وبالتحديد السلطان.
ضمن المراسيم السلطانية الجديدة باعتماد نظامٍ أساسيٍ جديدٍ للبلاد، أُعلِنَ عن صدور قانون مجلس عمان الذي ينظم وضع المجلس القانوني المتعلقة بصلاحيات المجلس والوضع القانوني لغرفتيه المنتخبة والمعينة.
القانون الجديد أصاب الكثير بالخيبة، حيث صرح نائب رئيس مجلس الشورى لإذاعة هلا إف إم، بأن القانون الجديد ألغى النصوص في النظام الأساسي الخاصة بمجلس عمان، ما يعني أنه جعل من الحق التشريعي والرقابي للمجلس حقاً قانونياً بعد أن كان دستورياً سابقاً حد وصفه.
تضمن القانون الجديد الخاص بمجلس عمان نصوصاً قانونيةً ترسخ سلطات السلطان على المجلس، حيث يمنح السلطان الحق في حل المجلس في أي وقتٍ حسب تقديره الشخصي، حيث نصت المادة ( 24 ) من القانون الجديد على أن للسلطان في الحالات التي يقدرها هو حل مجلس الشورى المنتحب من الشعب والدعوة لإنتخاباتٍ جديدةٍ خلال أربعة أشهرٍ من تاريخ إعلانه حل المجلس.
القانون الجديد أبقى على حق السلطان باعتباره المُصدِر الوحيد في كل السلطات للقوانين، فيما يحق له إعادة القانون لمجلس عمان إذا ما أجرى المجلس تعديلاتٍ على القوانين المقدمة من الحكومة، في صورةٍ يصبح السلطان فيها بالنتيجة هو المشرع الوحيد.
المادة السابعة والأربعون من القانون الجديد عبرت عن ذلك بما نصه ” … وفي حال إجراء تعديلات من قبل مجلس عمان على مشروع القانون يكون للسلطان رده إلى المجلس لإعادة النظر في تلك التعديلات، ثم رفعه للسلطان”
الجدير ذكره أن جدلاً دار مؤخراً في مجلس عمان بعد رفض الحكومة تقديم معلومات واضحة وكافية حول قرارات برنامج توازن، الأمر الذي جعل برلمانيين يصرحون بأنهم مجلسٌ بلا صلاحيات، حيث قال النائب حسن كشوب ” يجب أن نقول للمجتمع، نحن مجلسٌ بلا صلاحيات، دون أن نكذب عليهم، والقرارات نسمعها في التلفزيون..”
نائب رئيس مجلس الشورى وفي حواره مع إذاعة هلا إف إم، وصف القانون الجديد بأنه تجريدٌ للمجلس من دوره الرقابي كسلطةٍ تشريعية، حيث وأن النظام الأساسي السابق وصف الأمر بالرقابي، بينما قانون مجلس عمان الجديد وصفها بأدوات المتابعة لا الرقابة.
ظهر الفصل السادس من القانون تحت عنوان أدوات المتابعة المقررة لمجلس الشورى، والذي قيدت المواد المتضمنة فرص تنفيذ حق الاستجواب وأطرته في شروطٍ تعجيزية، فيما سلب الأعضاء حق الاستجواب الممنوح لهم سابقاً وحوله لاقتراح الاستجواب حسب تصريح يعقوب الحارثي، نائب الشورى.
اقتراح الاستجواب مشروطٌ بموافقة الأغلبية بعد اقتراحه من خمسة عشر عضواً، فيما حق المناقشة أيضاً أصبح مقتصراً فقط على موافقة الأغلبية أيضاً.
هذا وقد أقرّت المادة السابعة والثلاثون من القانون سقوط الاستجواب إذا ما سقطت صفة العضوية الحكومية من الوزير المستجوب، ما يعني فرارهم من المساءلة إذا ما تم تغييرهم بعد فضائح فساد.
القانون الجديد أيضاً يزيد من القيود أمام وصول أفراد المجتمع للمعلومة، حيث يمنع وسائل الإعلام من حضور جلسات الإستجواب، كما يحظر على الأعضاء نقل وقائع الجلسة أو تسريبها، وبالتالي فإنه يمكن تبعية سقوط العضوية إذا ما قام عضوٌ بتسريب وقائع الجلسة لمخالفته القانون.
حيث نصت المادة السادسة والسبعون على أن جلسة الاستجواب سرية، ولا يحضرها سوى رئيس المجلس ونائباه والأمين العام والأعضاء، فيما لا يجوز نقل وقائعها لوسائل الإعلام أو وسائل التواصل الإجتماعي.
هذا ويستقبل العمانيون العام 2021 في ظل استمرار ترسيخ سلطة الفرد الحاكم، ودراما الإصلاح السياسي السطحية بخيبة أملٍ كبيرةٍ بعد المراسيم السلطانية الأخيرة.
Muwatin Media Network
Beyond Red Lines
United Kingdom – London
Contact us: contact@muwatin.net
Executive Director and Editor-in-Chief:
Mohammed Al Fazari
mkalfazari@muwatin.net
Muwatin Media Network
Beyond the Red Lines
United Kingdom – London
Contact us:
Executive Director and Editor-in-Chief:
Mohammed Al Fazari
All rights reserved to Muwatin Media Network ©
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: contact@muwatin.net
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري mkalfazari@muwatin.net
لتصلك نشرتنا الشهرية إلى بريدك الإلكتروني
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: contact@muwatin.net
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري mkalfazari@muwatin.net
جميع الحقوق محفوظة لشبكة مواطن الإعلامية©