الخامس والعشرون من فبراير 2011، كان يوماً فارقاً في تاريخ عمان ومستقبلها سيظل يشكل طبيعة صراعاتها الداخلية على مدى عقودٍ قادمة. كانت حركة الربيع العماني كظاهرة سياسية فارقة في التاريخ العماني الحديث أجبرت النظام على الإلتفات لضرورة البدء في إصلاحات إقتصادية وسياسية جذرية لتفادي الثورة الشعبية.
على مدى عقدٍ مضى أقدم النظام العماني بحملة إصلاحاتٍ، وإن كانت خجولةً ودون التطلعات، كرد فعلٍ طبيعيٍ على الظاهرة وتفادياً للفعل الثوري، لكن هل يتعامل النظام العماني بواقعيةٍ مع الظاهرة والحراك الإجتماعي المتصاعد؟ فبعد حملة اعتقالات وقصص تعذيبٍ ومحاكماتٍ غير قانونية، يعيش معظم ناشطي فبراير العمانيين إما تحت رقابة أجهزة القمع الداخلية أو فارين على أمل العودة يوماً في بلدٍ لا يضطرون فيه لبلع ألسنتهم ووضع أطواق العبودية.
وضع النظام اليوم وظروفه ليست هي في 2011، وكذلك هو وضع الشعب العماني ومستوى وعيه، فما خلفته التغيرات في المنطقة الخليجية والعربية من حوله والحراك السياسي المتوسع في الداخل العماني وخارجه يؤثر إيجاباً في الوعي الشعبي ويحصر النظام في خياراتٍ أقل في تجاهله للأصوات المعارضة.
تحدياتٌ إقتصادية هي الأشد في تاريخ النظام العماني مع أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط وتراجع الإعتماد عليه على المدى البعيد مستقبلاً يفرض على النظام المضي في إصلاحاتٍ إقتصادية والتي بالتأكيد لن تخلو من الإنتقادات في ظل ضبابية السياسات الحكومية والتعتيم الرسمي على المواطن العماني.
بين الشعبوية والنخبة
قد لا تتجلى الأبعاد الثورية كاملةً في ظاهرة الربيع العمانية، لكن ذلك جعل منها متجردةً من عيوب الحركة الثورية، فقد غاب عنها الطابع الشعبوي لتحرك جماهير الثورة، إذ كان أكثر ما يميزها هو تصدر النخب المثقفة في غالب جمهور حركة الربيع في عمان.
في الـ 25 من فبراير انطلقت احتجاجات في جنوب عمان صلالة، لتتبعها في اليوم التالي الـ 26 من فبراير سلسلة احتجاجاتٍ أوسع في صحار ثم العاصمة مسقط والتي كانت هي أبرزها كحراكٍ يمكن ربطه بظاهرة الربيع العربي. الشباب العماني ونخبه المثقفة كانت هي من تتصدر هذا الحراك الذي أصاب النظام بالصدمة.
تغيير مجتمع لا تغيير سلطة
إن تحقيق التغيرات في شكل المؤسسات الحاكمة وإبدال النخبة السياسية هي أحد المظاهر التي يتم تقييم حركة التناقضات بها في ما يمكن أن يسمى بالثورة ويحدد ثورية فعل التغيير من عدم ثوريته وفق الرؤى الإجتماعية المختلفة، إذ لا توجد مدرسةٌ إجتماعية سياسية قد تستثني هذا البعد الثوري من نماذج الثورة لديها.
وهذا البعد بالتحديد كان غائباً عن الربيع العماني، الأمر الذي قد يجرد حراك الربيع العماني من صفته الثورية، لكن هذا البعد تحديداً قد يكون عيباً من عيوب الثورة التي تكون سبباً لانهيار الإستقرار السياسي والإجتماعي لمدىً طويل قد ينتهي بها في نظامٍ شموليٍ بحت.
الجانب المشرق في ربيع عمان 2011 قد يكون غياب هذا البعد، الأمر الذي مهد لتغييرٍ من نوعٍ آخر، وهو فتح عيون الشباب العماني على حقوقه السياسية وحقه الأصيل في الحرية وجور التمييز الطبقي الذي يعيشه.
في نظامٍ يكاد يكون شعبه معزولاً عن العالم، استطاعت نخبةٌ من شباب ومثقفي عمان الخروج والوقوف بوجهه وإعلان مطالبه. كان هذا الحراك بمثابة رسالةٍ للشعب العماني بأنهم قادرون على التغيير، وأنهم يمتلكون هذا البلد وليسوا رعايا فيه.
يظهر هذا التغيير في انفتاح الشعب العماني مع محيطه وظهور مشاريع سياسية مستقلة ومعارضة، وفي طريقة تعاطي الشعب العماني على وسائل التواصل الاجتماعي مع مختلف القضايا الإجتماعية والسياسية وطرحهم ارائهم بشأن القرارات والسياسات الحكومية.
هل فهم النظام الرسالة؟
بعد مرور عقدٍ من حراك الربيع العماني، مازال النظام العماني يتجاهل وضع إصلاحاتٍ حقيقية للتخلص من الدوافع الثورية المتوفرة بكثرة في البيئة السياسية العمانية.
يصف مريدو المدرسة السيكولوجية العامة للثورة، الثورة بأنها فعلٌ جمعيٌ صادرٌ عن الجماهير التي تشعر بأنها تستحق أكثر مما تحصل عليه في قبال طبقةٍ أو جماعةٍ إجتماعية مساوية لها وتحتكر السلطة والثورة فيها و تتعامل بفوقية مع بقية مكونات وطبقات المجتمع.
من جهةٍ أخرى، يحاول النظام العماني تحقيق إصلاحاتٍ إقتصادية واسعة في شكل النظام الاقتصادي الوطني وموارده، ولكنه في نفس الوقت مازال يتجاهل الأصوات المعارضة ويحجم عن مواكبة الإصلاحات الإقتصادية بتنميةٍ سياسية تحقق مشاركةً شعبية أوسع في صنع القرار السياسي الداخلي والخارجي.
بعد عقدٍ من المطالبات التي كانت أحد أهم عناوين حراك الربيع العماني، وهي مطالب صياغة دستورٍ للبلاد التي يتم قيادتها لما يقرب من ثلاثة عقود بما يسمى بالنظام الأساسي، إذ ترقب العمانيون هذا التغيير بعد مرور عامٍ على تنصيب السلطان الجديد هيثم بن طارق.
تمخض الجبل فولد فأراً، كان هذا وضع التغيير السلطاني الجديد بإعلان نظامٍ أساسيٍ جديدٍ خيب تطلعات العمانيين وشباب الربيع الذين ترقبوا دستوراً يساهم في استقرار البلاد ويشارك المواطن العماني في إعداده وإقراره.
وصف ناشطون عمانيون طريقة إقرار النظام الأساسي الجديد مطلع يناير 2021 بتجاهل الشعب وإهانته بالتعامل معه كرعية وليس صاحب الحق في الوطن وسلطته السياسية.
خطوةٌ كهذه لن تساهم في تفادي الحراك الثوري الذي يتوخاه النظام، إنما تزيد من دوافع ومحفزات نشاط هذا الحراك، فعمان اليوم وعالم اليوم ليست عمان التسعينات، والشباب العماني ليسوا أبناء السلطة السياسية في هذا العصر وإنما أبناء المقارنات التي يرونها في العالم من حولهم في عصر الإنفتاح الحضاري.
وفي جوارٍ غير مستقر ومنطقة مهددة بنشوب أكبر صراعات المنطقة، لن تغيب متلازمة التأثير الثوري في عقدٍ أكثر انفتاحٍ من سابقه الذي كانت بدأت فيه شرارة الربيع في تونس انتهاءً بالبحرين.