كما في الظواهر الطبيعية، كذلك في الظواهر الاجتماعية لا يوجد نفي عدمي بين جيل وجيل وطور وطور. يقوم قانون “نفي النفي” الجدلي، على أن كل مادة وظاهرة حين تنتقل إلى طور أعلى تأخذ من الطور السابق السمات والخصائص التي مازلت فاعلة، وتنفي السمات والخصائص التي لم تعد فاعلة.
وإذا كانت الظواهر الطبيعة محكومة بروابط شرطية، ففي الظواهر الاجتماعية هناك متاح نسبي للتمرد على القانون، فبمقدور الإرادة البشرية اليوم أن تعود إلى ممارسات كانت ملازمة لنظم اجتماعية قد اندثرت.
حروب الجيل الخامس ينطبق عليها قانون نفي النفي، فهذا الجيل الجديد من الحروب لا يمثل قطيعة مع الاجيال السابقة بل امتداداً متطوراً لها، وسمات هذا الجيل من الحروب، هي ذاتها سمات الجيل الرابع للحروب مضافًا إليها سمات جديدة، أي أن سمات الجيل الرابع للحرب طاغية على الجيل الخامس لحروب إلا أن حروب هذا الجيل الجديد لها سمات خاصة جديدة لم تكن موجودة من قبل كالشركات الأمنية التي لم تكن موجودة في حروب الجيل الأول والثاني والثالث وكانعدام المؤسسية للفواعل المسلحة أي في التقاء وتعاون أطراف وجماعات محلية ودولية لا يجمعها سوء العداء لهذه الدولة وغاية هدمها.
في الجيل الخامس من الحروب هناك إضافات على سمات حروب الأجيال السابقة، وعلى سبيل المثال فإن حرب العصابات التي هي من سمات الجيل الرابع للحروب، حروب العصابات مازالت موجودة في الجيل الخامس، بل إن من سمات حروب الجيل الخامس تطور طبيعة حروب العصابات وأساليبها مقارنة بما كانت عليه في الجيل الرابع، إذ أصبحت على سبيل المثال ذات قدرة أكبر على اتخاذ القرار لا مركزيا واستخدم أسلحة متطورة كطائرات الدرونز، وهناك قدرة على استخدامها أسلحةً كيماوية وبيولوجية كما عملت عصابات داعش في سوريا،
كما طورت العصابات من وسائل اتصالها ورسالتها، فعلى سبيل المثال كانت الدعاية الحربية السياسية في حروب الجيل الخامس كما في التجربتين الفيتنامية أو الماوية كانت هذه الرسالة موجهة نحو المجتمع ككل لجذب الدعم السياسي، أما في هذا الجيل فإن العصابات وخاصة الداعشية الارهابية أصبحت عبر وسائل التواصل الاجتماعية توجه خطابها نحو الاستقطاب الفردي لأشخاص وفئات معينة، وبناء على ما سبق فإن سمات الجيل الرابع هي السائدة في الجيل الخامس لكنها متطورة وفي حالة حركة وقادرة على التطور بشكل أسرع تحت ضغط الحاجة العملية وبالتوازي مع التطورات التقنية وتوحش نظام العولمة الرأسمالية الاحتكارية العدوانية (الإمبريالية).
دخلت دول التحالف في الحرب على اليمن مستفيدة من خبرتها في الاشتراك في حروب الجيل الخامس والتخطيط لها ودعمها وتأليف أطرافها وتحفيز العوامل الاجتماعية التي تساعد على انتشارها، وهي خبرة طويلة تجسدت في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، وقبل ذلك مارسها الغرب ضد روسيا ودول المعسكر الشرقية القديمة، وضد الحكومات والأحزاب اليسارية في دول أمريكا اللاتينية.
تعتبر محافظة صعدة من أكثر المحافظات التي شن عليها تحالف العدوان هجمات صاروخية استهدفت التربة والمزارع ومصادر المياه
تخريب البيئة اليمنية كأحد مجالات الاستهداف في حروب الجيل الخامس
يقصد بالحرب البيئية إحداث دمار بالبيئة أو تغيير فيها بما يؤدي إلى عجز الإنسان عن الاستفادة منها، وتبرز هذه الحرب امتدادا للحرب الاقتصادية، وجاء في اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة في العام 1977 توضيح عبارة “تقنيات التغيير في البيئة” كما هي مستعملة في المادة الأولى، “أية تقنية لإحداث تغيير –عن طريق التأثير المتعمد في العمليات الطبيعية– في دينامية الكرة الأرضية أو تركيبها أو تشكيلها، بما في ذلك مجموعات أحيائها المحلية (البيوتا) وغلافها الصخري وغلافها المائي وغلافها الجوي، أو في دينامية الفضاء الخارجي أو تركيبه أو تشكيله”.
استخدم “التحالف” الحرب ضد البيئة كأحد مجالات عدوانه الذي ينتمي لحروب الجيل الخامس، وتعتبر محافظة صعدة من أكثر المحافظات التي شن عليها تحالف العدوان هجمات صاروخية استهدفت التربة والمزارع ومصادر المياه، ورغم أن النتائج المباشرة لهذه الهجمات تنتمي إلى المجال الاقتصادي إلا أن طبيعة العمليات تؤدي على تغيير في البيئة ذاتها، مما يجعل هذه الهجمات العدوانية مخالفة للقانون الدولي الإنساني وما جاء في برتوكوله، ومخالفة لاتفاقية “حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة”.
امتد تخريب دول العدوان عبر نشاطهم الاستعماري في نهب الثروة البحرية اليمنية إلى الإضرار بالبيئة البحرية اليمنية، مهددا بخطر تصحرها، حيث دُمِّرت البيئة الخصبة لنمو العوالق المائية التي تتغذى عليها صغار الأسماك، واستُنْزِفَ المخزون السمكي في التركيز على الاصطياد من مواقع معينة، وكذا استُخدِمَت وسائل اصطياد ضارة بالبيئة ومخالفة للقانون مثل الإضاءة والمؤثرات الصوتية والديناميت لتفجير مناطق العيش وتكاثر الأسماك، وإفراغ الفضلات النفطية والإشعاعية، وهو ما يؤدي إلى قتل الأحياء المائية وتدمير البيئة البحرية منها الشِعاب المرجانية.
يؤكد تقرير أعدته وزارة الثروة السمكية عن قطاع الأسماك “أن هناك الآن عمليات منظمة لسرقة وتجريف الأسماك والشعب المرجانية والثروة الطبيعية الموجودة في البيئة البحرية اليمنية والتي تقوم بها مئات السفن التابعة لتحالف العدوان على اليمن وبحماية دولية.. وينوه التقرير إلى أن حجم الأضرار بالأرقام وصل إلى 4 مليارات و850 مليون دولار ما تم تدميره من بنية تحتية واستنزاف للثروات”.
في جزيرة سقطرى برز بشكل واضح عملية التدمير التي تقوم بها قوات الاحتلال الإماراتية، وفي تصريح لموقع العربي في تحقيق أعده زكريا حزام في 14 ديسمبر 2017م يخشى الدكتور خالد عبدالله الثور، رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن، من عواقب تأثير عمليات التجريف المتواصل للبيئة البرية والبحرية والموارد الطبيعية لجزيرة سقطرى، منذ سيطرة قوات دولة الإمارات عليها، ما أدى إلى مشاكل واختلالات في التنوّع الحيوي، ونفوق للكائنات البحرية والبرية والإضرار بمقومات الحياة الطبيعية النادرة.
وأشار التحقيق إلى التقرير الميداني الخاص بـ”تقييم الشُعب المرجانية في شواطئ الجزيرة” الذي أجراه خبراء من هيئة حماية البيئة بسقطرى في 27 إبريل/ نيسان 2017، بعد جولات من العاصمة حديبو شرقي سقطرى حتى منطقة رأس أراسل التي تبعد عنها 100 كيلومتر، إذ كشف التقرير عن تجميع 2800 طن من أحجار المرجان التي تم استخراجها من شواطئ سقطرى بعد إعصاري تشابالا وميغ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ليتم تصديرها إلى الإمارات، بحسب إفادات أهالي الجزيرة لمعدّي التقرير.
دعت وزارة السياحة اليمنية – صنعاء ومجلس الترويج السياحي، الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سرعة استصدار قرار دولي عاجل يمنع القوات الإماراتية المحتلة من العبث بأراضي محافظة أرخبيل سقطرى وتدمير إمكانياتها الطبيعية ونظامها البيئي.
كما طالبت الوزارة ومجلس الترويج في بيان الأمم المتحدة ومجلس الأمن بوضع حد لتصرفات الإمارات العدوانية والمستفزة على صعيد المساس بالسيادة اليمنية عبر الاعتداء والتدخل السافر في جزيرة سقطرى.
تستمر قوى التحالف في الحرب على اليمن بتطبيق مختلف مجالات حروب الجيل الخامس، وما قبلها، متنصلة عن كل مسؤولية تجاه البيئة والإنسان اليمني، الذي يشهد أسوأ مأساة من صنع الإنسان في العالم.