أصوات طائرات التحالف في أجواء المدن اليمنية، والمدافع على ضفاف الجبهات، الصمت الشعبي المطبق على المشهد في السطح، وأرقامٌ تنشرها الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية. مئات الآلاف قضوا، الملايين يتضورون جوعاً، وحروب الطوائف والأحزاب والمصالح الإقليمية. للوهلة الأولى قد تبدو هذه واجهة الحرب المنسية في اليمن.. لكن للقصة أيضاً تتمة.
الحياة ليست سهلة، الحياة في ظل الحرب أيضاً لا تحتمل. مع اقترابها من دخول عامها السابع، المشهد على السطح لا يظهر شيئاً سوى الصمت أو أصوات لا تسمع. مواطن وفي تحقيقٍ صحفي، تحاول نقل نماذج من قصص نساءٍ يمينياتٍ يعشن في ظل الحرب.
فجأةً دون عائل
مع انخراط الرجال في صفوف المقاتلين على جبهات الحرب، أُجبِرَت الكثير من النساء اليمنيات للخروج والبحث عن عمل، فيما تفتقر غالبيتهن لأي مهاراتٍ تؤهلهن للمنافسة على فرص العمل المحدودة أو القدرة على مواجهة التمييز الاجتماعي بحق المرأة العاملة.
سمية قائد، شابةٌ في نهاية عقدها الثالث، إحدى النساء اللاتي أُجبِرنَ على الدخول لسوق العمل للإنفاق على أسرهن. كانت تسكن سمية مع والديها وأخوَيْها الاثنين العاصمة صنعاء قبل أن ينتقل أخوها الأصغر للقتال في صفوف قوات الشرعية في مأرب وإرسال رواتبه الشهرية لسد احتياجاتهم الأساسية في صنعاء.
تقول سمية إن مقتل أخيها الأصغر في جبهات مأرب ترك عبئاً ثقيلاً على كاهل أسرتها لسد احتياجاتهم المعيشية، أو بالأحرى على كاهلها هي، فأخوها الأكبر ووالدها -كما الكثير من اليمنيين- مدمنون لمضغ عشبة القات.
قصة سمية قائد لا تنتهي هنا، فالكثير من المآسي في الانتظار لتحكيها.
صفاء عبدالله، أمٌ لطفلين وتسكن العاصمة صنعاء كانت تشكو غياب زوجها الطويل عنها وأبنائها وتركهم دون مال، لتفاجَأ بخبر مقتله في إحدى المعارك في بداية الحرب.
فقدت صفاء زوجها بعد التحاقه بصفوف مقاتلي جماعة أنصار الله الحوثيين، سلطة الأمر الواقع في صنعاء، لتزداد مصيبتها بأن أصبحت أرملةً وعاراً على أسرتها، إذا رفض إخوتها عيشها في بيتٍ لوحدها، لتعود للعيش وأطفالها في منزل إخوتها الضيق.
البيت ضيقٌ جداً، وأنا أم لطفلين ولا يوجد شيءٌ يسمى خصوصية في منزلٍ كهذا...
تصف صفاء حياتها في منزل إخوتها بالبائسة وتقول “البيت ضيقٌ جداً، وأنا أم لطفلين ولا يوجد شيءٌ يسمى خصوصية في منزلٍ كهذا.. والحياة صعبة جداً..”
تعاني صفاء عبدالله من انزلاقٍ في عمودها الفقري، فيما يحتم عليها الخروج يومياً لجلب المياه من خزانات مياه الصدقة العمومية.
تقول صفاء “حين أريد أن أغسل أبنائي فأنا مضطرةٌ لقطع مسافة نصف ساعة للحصول على عشرة لتراتٍ من المياه بعد جهدٍ مضنٍ من الانتظار بين زحمة النساء الواقفات على خزان الصدقة”.
تعيش صفاء وأطفالها على الطعام الذي ينفق عليه إخوتها، ولا تملك أي مصدر دخلٍ يعينها على توفير احتياجاتها الخاصة وهي ممنوعةٌ من العمل أو مغادرة المنزل، فيما تتعرض للتعنيف والإهانة دائماً.
تتحدث صفاء عما يحدث معها بقولها “لدي أختٌ مطلقة، وأنا أرملة، وكلنا موضع شكٍ بالنسبة لشرف العائلة في عيون إخوتنا، ولذا فهم يراقبوننا على الدوام”.
على وقع القصف
تتعرض محافظة صعدة، المعقل الأول لنشوء حركة جماعة أنصار الله الحوثيين وسلطة الأمر الواقع الحالية في محافظة صنعاء، لأشد عمليات القصف الجوي الذي نفذها التحالف على المدينة ومديريات ريف صعدة.
الأمر تسبب في مقتل ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين في هذه المدينة على وجه الخصوص.
تعرضت مزرعة سميرة وبيتها الذي كانت تعيش فيه مع زوجها وأبنائها للقصف من قِبَلِ طائرات التحالف في بداية الحرب، وعلى وقع القصف كانت تفر سميرة.
عانت سميرة من فقر الدم عقب نزيفها في ولادتها ومعاناتها مع سوء التغذية، الأمر الذي جعلها تدخل في حالةٍ نفسيةٍ سيئةٍ لاحقاً.
قُصِفَت المزرعة والمنزل، وفرّت سميرة حاملةً طفلها الرضيع بين يديها. سقطت سميرة وهي تفر من القصف، وأوقعت رضيعها على الأرض، حملته من جديد واستمرت بالجري أملاً في إيجاد ملاذٍ آمنٍ من نيران طيران التحالف الذي أحرق مزرعتها وهدّ منزلها، حتى استطاعت إيجاد منزلٍ آمنٍ بعد انتهاء القصف لتلك الليلة، لتتحسس طفلها الرضيع.
امرأةٌ منتهية الصلاحية
نادية محمد، شابةٌ من محافظة مأرب تعيش حالياً في العاصمة صنعاء مع والديها المسنين وأختها الأصغر نور. تعرضت نادية لانفجار لغمٍ أرضيٍ، وهي ترعى الأغنام في أحد قرى محافظة الضالع جنوب اليمن العام 2016م، أصابها بالإعاقة الدائمة بعد فقدان أحد أقدامها. زوجها قام بتطليقها بعد اعتبارها امرأةً ناقصة لا يمكنها تقديم الرعاية لزوجها وفي حاجةٍ لمن يقدم لها الرعاية هي.
تقول نادية إنها أيضاً فقدت ابنتها ذات العشر سنوات بعد أن أخذها زوجها منها عقب تطليقه إياها، لتنزح مع والدها وأختها نور للعاصمة صنعاء، وتعيش بطرفٍ صناعي.
تصف نادية محمد الحياة في العاصمة بالصعبة اقتصادياً، في الوقت الذي أصبحت فيه فتاةً عاجزة عن العمل بعد إعاقتها، بالإضافة لحاجة والدها المسن للرعاية، فيما التحق أخوها الوحيد بصفوف المقاتلين في مأرب وغير قادرٍ على دخول صنعاء خوفاً من الاعتقال على يد سلطات الأمر الواقع هناك، لتتحمل أختها الصغرى نور أعباء العائلة، ولكن لم تكن الحياة وردية، فكيف كانت تجربة نور الصغيرة الحديثة العهد بالعاصمة مع هذه المسؤوليات على عاتقها؟
ليس هناك من نهاياتٍ سعيدة
كان زوج سميرة قد فر من القصف في تلك الليلة ومعه أبناؤه، فيما كانت سميرة تجري لوحدها بحثاً عن الملاذ لرضيعها.
كان زوجها قد استطاع أن يجد طريقاً آمناً للفرار لمحافظة عمران بأبنائه، في الوقت الذي كانت زوجته قد وجدت منزلاً لم يتعرض للقصف بعد تلوذ به وطفلها الرضيع. لكن وللأسف، كان ذلك الرضيع قد فارق الحياة مبكراً بعد سقوطه على الأرض. لم تستطع سميرة إنقاذ طفلها الجديد في هذا العالم ولكنها نجت بنفسها.
زيجاتٌ فاشلة
“تزوجت وأنا قاصرة دون أن أكمل تعليمي الثانوي أو الجامعي الذي كانت ترى فيه عائلتي أن عاراً سيلحق بهم إذا ما كانت لديهم فتاةٌ تذهب للمدرسة الثانوية أو الجامعة، فوجدت نفسي زوجةً ثم أماً لأربعة فتيات، وفي الأخير مطلقة”.
تضيف سمية قائد في حديثها هذا لمواطن بأنها استطاعت أخذ أطفالها الأربعة لمنزل عائلتها بعد طلاقها، ولكن الوضع الاقتصادي الصعب حال بينها وبين قدرتها على توفير الطعام لهن، لتضطر لاحقاً لإعادة بناتها لحضانة والدهن.
ترى عائلتي أن عاراً سيلحق بهم إذا ما كانت لديهم فتاةٌ تذهب للمدرسة
سمية التي لم تكن تجيد أي مؤهلاتٍ دراسية أو مهاراتٍ تؤهلها للحصول على عملٍ سوى قدرتها على القيام بالمهام المنزلية، استطاعت أن تجد لها عملاً، ولكن ذلك أيضاً لم يتح لها القدرة على توفير طعام فتياتها، إذ أصبحت العائل الوحيد لأسرتها التي ترفض خروجها للعمل لولا توفيرها معظم أجرتها اليومية لشراء القات لأخيها ووالدها وتوفير الاحتياجات المعيشية البسيطة للأسرة.
هذا وارتفعت نسب زواج القاصرات بسبب الأزمة الاقتصادية والمجاعة في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات، فيما تغيب أي إحصائياتٍ واقعيةٍ وشاملة بسبب عدم توثيق الأسر لمعاملات الزواج والطلاق في اليمن، إلا من قصصٍ أصبحت تنتشر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير بعض الحركات النسوية والمنظمات الحقوقية.
نوال عبدالرحمن، فتاةٌ من صعدة كانت إحدى ضحايا زواج القاصرات، إذ أُجبِرَ والدها الذي ساءت أحواله الاقتصادية بعد الحرب على تزويجها من رجلٍ سعودي بمبلغٍ مغرٍ، تقول أختها إن ذلك الزواج كان أشبه بالصفقة التجارية.
بالتأكيد لم تنجح زيجة نوال التجارية، بل كانت مليئةً بالبؤس والمعاناة التي تحكيها لنا في هذا التقرير.
أسرةٌ في مهب الريح وخياراتٌ أحلاها المرّ
تقول سيمة “أنا أعمل في أحد أفران الخبز طوال النهار، وهذا كان يضطرني لترك بناتي في المنزل مع أخي الذي يعنفهن، في حين أبقى مشغولة البال.. أخاف أيضاً من عنف والدهن معهن، لكن أظنني اخترت عنف والدهن على عنف أخي معهن في غيابي عنهن، هكذا قد أكون مرتاحة البال مما قد يفعله أخي بهن، لذا قررت حينها إعادتهن لحضانة والدهن”.
في السنة الماضية، نشب شجارٌ بين أخيها وأحد الشباب لأسبابٍ غير معروفة، انتهى هذا الشجار بمقتل أخيها. والدها أيضاً توفي بعد بضعة أسابيع، لتبقى وحيدةً مع أمها بعد أن تلاشت أسرةٌ كاملةٌ من الوجود بهذه البساطة.
تتحدث سمية عما حدث لها بعد ذلك: “فقدت كل أسرتي، ولكنني ظننت حينها أن بإمكاني إعادة بناتي لحضانتي والسكن في بيتنا وإنفاق دخلي اليومي لتوفير احتياجاتهن المعيشية.. لكن للأسف، فقد أفقت على صدمة!….”
سميرة، وبعد فقدانها لطفلها الرضيع وهي تفر من قصف طيران التحالف في صعدة، كانت تبحث عن زوجها وأطفالها، لتكتشف لاحقاً بأنهم قد نجوا ونزحوا لمحافظة عمران. نجحت في التواصل معهم ولحقت بهم إلى هناك.
كانت سميرة قد أصبحت حاملاً وهو الأمر الذي رفضه زوجها واعتبرها بأنها قد خانته وارتكبت جريمة الزنا مع رجلٍ غيره بعد أن تركها لوحدها لينجو بنفسه وأبنائه. زوج سميرة لم يقبلها عنده وقام بتطليقها، ولذا فقد عادت إلى أهلها، الذين لم تخبرهم بسبب الطلاق خوفاً من أن يقتلوا والد أبنائها أو أن يقتلوها إذا ما صدقوا روايته، مؤكدةً بأنها لا تظن بأن إخوتها سيصدقون ببرائتها.
في عش الزوجية
تزوجت نوال عبدالرحمن من الرجل السعودي وهي في سن الرابعة عشرة، لكن عش الزوجية الذي كانت تتخيله لم يكن ما حلمت به.
في حديث نوال عن زواجها تقول “لا أعرف لماذا كان يتعامل معي بذلك العنف، حتى علاقتنا الحميمية كانت عنيفة، وكان يقول لي بأن ذلك يجعل علاقتنا أكثر متعة، بينما أنا طفلةٌ صغيرة لا أعرف شيئاً عن العلاقات الجنسية”.
وفي ذات يوم وبعد أن أكمل زوجها السعودي شهرين من عمر زواجه من الطفلة نوال، أخبرها بأنه سيأخذها لزيارة أهلها، لتجد نفسها وحيدةً تائهةً على الحدود اليمنية بعد فرار زوجها باحثةً عن مأوًى ليومٍ كاملٍ حتى وجدها أحد رعاة الأغنام وأعادها لأسرتها.
لم تنتهِ معاناة نوال بعد عودتها لمنزل أهلها، فالكثير لا زال أمامها لتواجهه كفتاةٍ لم تعد عذراء.
هذا البلد ليس مكاناً آمناً لأحلامك يا فتاة
في العام العشرين من عمرها، زينة حبيب، طالبةٌ جامعيةٌ في عامها الأول تحاول التوفيق بين دراستها وعملها، وتأمل أن تكمل دراستها الجامعية، استطاعت أن تلتحق بالجامعة بعد بدئها العمل في أحد مطاعم العاصمة صنعاء مطلع العام، لكن حتى الأقدار لا تقف بصف زينة.
تداولت أخبارٌ في مواقع التواصل الاجتماعي منع سلطات الأمر الواقع في صنعاء للنساء من العمل في المطاعم، كما أغلقت مجموعةً من الكافيهات النسائية في العاصمة تحت دعوى حماية الهوية الإيمانية للشعب اليمني.
يذكر أيضاً فرضها قيوداً على مظاهر الحياة الجامعية لمنع ما أسمي بالاختلاط، والتضييق على الفتيات الجامعيات في طريقة لبسهن واختلاطهن مع الشباب في الحرم الجامعي في أي أنشطة.
منظمة العفو الدولية أكدّت هذه الأخبار، بعد تعليقها على إجراءات التضييق على النساء اليمنيات في سوق العمل، مغردةً على حسابها الرسمي في تويتر “إن قرار السلطات الحوثية بمنع النساء من العمل في المطاعم هو مخزٍ وتمييزي. نقف مع كل النساء في كفاحهن ونضالهن من أجل حقوقهن في اليمن”.
زينة تخلفت عن حضور امتحانات الفصل الأول بعد طردها من المطعم الذي كانت تعمل فيه وعجزها عن سداد بقية أقساط الفصل الدراسي الأول.
تقول زينة يائسةً “لن أستطيع الحصول على فرصة عملٍ أخرى بسهولة، ولا أعلم أي مجالٍ مازال يسمح لي بالعمل فيه كفتاة، لقد اضطررت لترك الجامعة..”.
صدمة
كانت تأمل سميةُ أن تستعيد بناتها الأربع لحضانتها في بيت والدها الذي تركه بعد رحيله وأخويها عن الدنيا، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فآمال سمية تحطمت أمام واقع أنها امرأة، إذ اتضح أن الشرع يقر لأعمامها النصف في المنزل كورثةٍ لوالدها مادام لم يعد هنالك ذكورٌ في العائلة.
أجبرها أعمامها على بيع البيت، فيما أعطوها مبلغ مليوني ريالٍ فقط، ما يقارب ثلاثة آلاف دولار، في حين أن الشريعة الإسلامية تقر لها بنصف ثمن المنزل الذي باعه أعمامها بمبلغ ثلاثين مليون ريالاً، إلا أن سمية قالت بأن أعمامها بقوا يماطلونها ويتلكأون عن إعطائها بقية نصيبها من ميراث أبيها.
“أنا امرأة، ولا قدرة لي على مقاضاتهم أو تحمل تكاليف القضاء، في الوقت الذي أستطيع بالكاد تحقيق الكفاف من العيش من عملي في المخبز طوال اليوم لأسد رمقي وأوفر الدواء لأمي المصابة بالفشل الكلوي.. تركتهم إلى الله”.
في محافظة الحديدة، أفنت زهرة وزوجها أحد عشر عاماً من الكفاح وشظف العيش مع زوجها لبناء بيتهم البسيط الذي أفاقوا عليه يوماً أنقاضاً تحت قصف طائرات التحالف، تقول زهرة “كانت ثواني فقط لتتحول أحد عشر عاماً إلى أنقاض، صاروخ طائرةٍ واحد كان كافياً بإنهاء كل أحلامنا”.
تقول زهرة إن زوجها اضطر للدخول للمملكة العربية السعودية بصورةٍ غير شرعية للحصول على عملٍ يمكنه من توفير إيجار منزلٍ لزوجته والإنفاق عليها وأسرته، لكن وللأسف فقد تم ترحيله من المملكة بعد ذلك ليقررا النزوح للعاصمة صنعاء بعدما فقدوا كل أسباب البقاء في محافظة الحديدة.
تصف زهرة سكنها الجديد الذي تستأجره وزوجها في العاصمة صنعاء بأنه أشبه بحظيرة الحيوانات، وتعمل كمزينة للنساء رغم ما تواجهه من ازدراء الكثيرين من حولها لعملها في هذه المهنة، فيما يعمل زوجها عاملاً بالأجر اليومي.
تضيف زهرة “المؤجر يعاملنا بطريقةٍ سيئة أيضاً، كما أنه يتحرش بي يومياً، ولكنني لا أجرؤ على إخبار زوجي بذلك خوفاً من حدوث مشاكل، ثم إننا لن نجد مكاناً نذهب إليه”.
الزواج سِترُ من لا ستر له!
نور ومع أعبائها الجديدة تعمل مندوبة مبيعات بدوامٍ كامل، تخرج صباحاً وتعود ليلاً إلى المنزل، يترك هذا الكثير على عاتقها كفتاةٍ حديثة العهد بالاختلاط مع الرجال في مجتمعٍ محافظ وخروجها ليلاً في طريق عودتها للمنزل.
تقول نادية إنهن كن يتعرضن للمضايقات من الجيران كنساءٍ يعشن وحيداتٍ مع رجلٍ عجوزٍ وعاجز ودون زوجٍ أو أخٍ يسترهن، بعضهم يتحرش بهن كذلك. فيما تقول نور بأنها بقيت تتعرض للتحرش بشكلٍ متواصل عند عودتها ليلاً من العمل للمنزل.
اضطرت نور لشراء سيارةٍ لقضاء أعمالها وتوفير احتياجات أختها وأبيها، ولكن ذلك لم يرحمها أيضاً من سياط الحي وكلام الناس، الأمر الذي اضطرها في آخر المطاف للزواج طلباً للستر وحفظاً لسمعة عائلتها.
في بداية المطاف، استمرت نور في عملها لإعالة والدها وأختها، لكن زوجها كان يرفض قيادتها للسيارة وطلب منها مراراً بيعها بعد ذلك، ثم طلب منها أن تترك العمل.
تقول نور “قال لي لا أريد أن يقول الناس عني بأني ديوثٌ حين أترك زوجتي لتذهب للعمل وتقود سيارة وتختلط بالرجال، أنت مخيرة بين العمل والسيارة وبين زواجنا”.
اضطرت نور لترك عملها وبيع سيارتها للحفاظ على زواجها، تاركةً والدها المسن وأختها المعاقة نادية دون مصدر دخل.
نادية تقول بأنها كانت محظوظةً كامرأةٍ بطرفٍ صناعي لتجد عملاً في مقصفٍ في إحدى مدارس العاصمة، لكن ذلك العمل يوفر لها بالكاد إيجار منزلها ووالدها، الأمر الذي يضطرها لجمع القناني البلاستيكية من مكبات القمامة بعد الدوام الدراسي لتوفير الطعام.
سمية قائد وبعد صدمتها في ضياع إرث أبيها وضياع حلم عودة بناتها لحضانتها، قبلت الزواج من رجلٍ مسنٍ شرط توفير سكنٍ لها ولوالدتها المريضة بعد أن أصبحتا مرمياتٍ في الشارع، لا خيار آخر أمامها.
الأحاديث كثيرة والقصص تطول، ولكن من النادر أن نجد من تجرؤ على الحديث. هذه ملحمة البؤس النسائية الخالدة في اليمن.