نعيد نشر هذا المقال بالتعاون مع موقع ”رصيفـ22“
لا أتذكر الكثير عن اليوم الذي أجريت لي فيه عملية الختان ، ولا ما سبقه من أيام، هي آلية دفاع نفسية بائسة لمحاولة نسيان الألم، لكنني أتذكر آثاره جيداً، فهذا ما أعيشه كل يوم.
لم أكن أسعد حظاً من فتيات قريتي، ولكنني بالتأكيد كنت أسوأ حظاً من أختي الأصغر وفتيات العائلة، فعائلتي هي رأس قريتنا، أو كما نقول “عُمد البلد”، ما أتاح لأفرادها تعليماً وثقافة بقدر جيد، وجزءاً من الانفتاح، حتى أنهم يتناقلون أن أول امرأة ذهبت إلى الجامعة في القرية من عائلتنا. لكن من أنجبتني- وهي بالمناسبة أتمت تعليمها- استمعت إلى إحدى الجارات، وخطت خطاها في سلب فتياتها الحياة وقتلهن صغاراً.
لا أتذكر كيف أبلغتني بالموضوع أو أقنعتني به، كل ما أتذكره أنه في إحدى الليالي شديدة الظلمة، في العطلة الصيفية بآخر المرحلة الابتدائية، وبعد أن نامت القرية، صحبتني هي وتلك الجارة بسيارة زوجها إلى عيادة مغلقة، وبعد أن دخلنا أضاء الطبيب مصباحاً خافتاً، استلقيت على سرير المرضى وقام بتخديري، بعدها لم أدر بنفسي إلا وأنا في سريري صباحاً، ونصفي الأسفل عارٍ وملفوف بالضمادات والألم. كانت تعد لي بشكل يومي الماء الدافئ بالبيتادين لأجلس فيه لفترة، وظللت حبيسة البيت.
بعد أسبوعين أو أكثر، تمكنت من الحركة وخرجت للعب مع بنات عمي، لكنني تفاجأت أن الألم يمنعني من اللعب فجلست أشاهدهن. سألنني باستغراب: لماذا لا ألعب معهن؟ فأخبرتهن: “عشان عاملة عملية”، فأخذن يتهامسن ويضحكن فيما بينهن. شعرت بالخجل الشديد وبأنني أقلّ منهن، فلماذا لم يجر لهن نفس العملية التي أخبرتني من أنجبتني أنها للفتيات في سني، لماذا أجريت لي أنا فقط إذن؟ منذ ذلك اليوم توقفت تماما عن اللعب، واكتفيت بالخروج مرة بالأسبوع لمقابلتهن ومشاهدتهن أثناء لعبهن، أما هن فظللن يلعبن كل يوم ويتمتعن بطفولتهن حتى آخر المرحلة الإعدادية.
أصبح الجنس بالنسبة لي ألم لا يحتمل وبكاء شديد. صرت أندهش وأعتقد أن البشر أغبياء، فكيف يدّعون أن هذا العذاب هو ألذ شعور؟ لكنني حين أدركت أن ما أعانيه بسبب الختان، وددت الانتقام من التي قررت تشويهي وحكمت على طفولتي وأنوثتي بالموت
أهذا ما تدّعون أنه أجمل الأشياء ونقطة ضعف البشر؟
تمر الأيام وتُنسيني تلك الحادثة، لكن آثارها تشتد في الظهور كلما صرت أكبر. قررت بعمر الحادية والعشرين أن أفقد عذريتي مع الرجل الذي أحببت، كنت أعلم أنها لن تكون عملية سهلة، وستكون محفوفة بالآلام، خصوصاً وأنها أول تجربة، ولكنني كنت أتوقع شيئاً من المتعة مع هذا الألم، كما يحكي الناس.
كنت أشعر برهبة كبيرة لكنني أصررت على إتمام العملية، لأتفاجأ أنني لم أشعر بأي شيء سوى الألم الشديد، برغم كل محاولات شريكي لإمتاعي، فقد كان هناك جفاف في المهبل نتيجة للختان، إضافة لضيقه الشديد، ولم يكن هناك مستقبلات حسية تضمن لي الشعور بالمتعة. كان وقتاً من الألم الخالص، صرت أبكي من شدته.
ومنذ ذلك اليوم، ومع اختلاف العمر أو الشريك، أصبح هذا هو الجنس بالنسبة لي: ألم لا يحتمل وبكاء شديد. صرت أندهش وأعتقد أن البشر أغبياء، فكيف يدّعون أن هذا العذاب هو ألذ شعور؟ لكنني حين أدركت أن ما أعانيه بسبب الختان، وددت الانتقام من التي قررت تشويهي وحكمت على طفولتي وأنوثتي بالموت، واستمريت بممارسة الجنس مع شريكي عدة مرات برغم الألم، همست في داخلي: “مش إنتي عملتي فيا كدا عشان تحافظي على شرفكم، طب أنا همرمطهولك في الطين”.
محاولات زائفة للتعافي وأنوثة بلا جدوى
لم أكن متصالحة مع هذا الوضع، لم أرد التصديق أنني أنثى غير كاملة، سأعيش وأموت دون المرور بتجربة النشوة أو حتى الاستمتاع بعملية الجنس. بدأت القراءة والبحث في الموضوع، وجدت المصادر العلمية تقول إن الرغبة الجنسية محلها العقل، وليس الأعضاء التناسلية، وأنه رغم الختان من الممكن أن أكون شبقة أو أستمتع قليلاً، فقط سيكون الوصول للنشوة أصعب.
قلت: لا يهم، نصف العمى ولا العمى كله. وبدأت أقتنع بهذا الكلام وكنت في أحيان قليلة أشعر برغبة جنسية، لكن دون طائل، فمع أول تجربة واقعية تبدد هذا التعافي الزائف، وبمرور الوقت تلاشت تلك الرغبة تماماً.
لم يكتف الختان بتدمير حياتي العاطفية والنفسية فقط.
أصبحت حانقة على أنوثتي. في المرآة أنظر بحسرة: أهذا الوجه الصبوح والشعر الأسود الناعم وتلك الرموش الكحيلة بلا جدوى؟ صرت أكره هذا العضو غير المجدي في جسدي، وأكره كل مظاهر أنوثتي، وأحاول إخفاءها طوال الوقت، أتبع حميات غذائية قاسية بالرغم أنه ليس لدي أي وزن زائد، لعلي أصبح “فلات”.
لا أحب أن أصفف شعري أو أضع مساحيق الزينة، فأنوثتي الحقيقة فارغة ولن تجدي تلك المظاهر شيئاً سوى أنها ستجلب لي الألم. أعامل الرجال بخشونة، وأضحك ساخرة بداخلي من أي رجل يلمح لي بالإعجاب، أو يخبرني أنني جميلة: “آه لو تعرف اللي ورا الجمال دا، ولا حاجة”.
أبتعد عن كل شيء يذكرني بأنوثتي، فحين أجلس مع صديقاتي ويتحدثن في الجنس وتجاربهن معه والملابس المثيرة، ألوذ بالصمت، حتى صرن يعتقدن أنني شخص متحفظ وغير ودود. هكذا أصبحت أكثر وحدة يوماً بعد الآخر، ولا أملك الدفاع عن نفسي إلا بوصم نفسي بالنقصان. حتى شريكي الحالي لا أستطيع أن أبوح له بكل هذا، يكفي أنه وافق على الارتباط بي بعد أن أخبرته أنني مختونة، يكفي أنه متحمل نصف امرأة مثلي، لا تمنحه جسدها إلا مرات بعدد أصابع اليد خلال السنة، تنتهي بالبكاء.
ذات مرة سمعت صوت جارتي أثناء ممارسة الجنس فقد كان صوتها عالياً والوقت ليلاً، تساءلت حاقدة: يا ترى بما تشعر الآن تلك المرأة الكاملة؟
في علاقتي السابقة والأولى، وفي إحدى المشاجرات، أراد أن ينعتني شريكي حينها بالكلمة التي ينعت بها مجتمعنا جميع النساء، ثم استدرك قائلاً: “حتى دي كمان مش هتعرفي تبقيها”، مشيراً إلى أنني لا أستطيع ممارسة الجنس. كنت أتحمل منه الإساءة، فقط لأنه قَبِل أن يكون في علاقة مع “امرأة معطوبة” مثلي.
لم أرتد “لانجيري” أبداً في حياتي، لا أريد الزواج أو الإنجاب. أكره كل شيء يشير من بعيد أو قريب للجنس. القبلات والأحضان ومشاهد الجنس، لا أتحمل مشاهدتها في الأعمال الفنية والسينمائية. أصبح كل شيء له علاقة بالجنس أو بالأنوثة يثير في نفسي الحنق.
في إحدى المشاجرات، أراد أن ينعتني شريكي بالكلمة التي ينعت بها مجتمعنا جميع النساء، ثم استدرك قائلاً: "حتى دي كمان مش هتعرفي تبقيها"، مشيراً إلى أنني لا أستطيع ممارسة الجنس. كنت أتحمل منه الإساءة، فقط لأنه قَبِل أن يكون في علاقة مع "امرأة معطوبة" مثلي
وأمراض أيضاً
لم يكتف الختان بتدمير حياتي العاطفية والنفسية فقط، فمنذ فترة شعرت بآلام شديدة في الرحم. ذهبت للطبيبة، وبعد أن سألتني عن حياتي الجنسية وفحصتني بالسونار، اكتشفت أنني أعاني من متلازمة الأكياس المتعددة على المبيض، ومن بعض الأكياس على المبيض الآخر، وبعض الأورام الحميدة- إلى الآن- بسبب خلل في الهرمونات، فكما أخبرتني، أصبح عمري ثلاثين، أي ذروة أنوثتي، ويجب أن أكون في علاقة جنسية مستقرة وأن أنجب، ولما لم يتوفر ذلك، حدث ذلك الخلل.
أعلم أن العديد من النساء يعانين نفس معاناتي لكنهن يؤثرن الصمت، لأنهن لن يجدن دعماً، لا من المجتمع ولا من نظام يفرض عقوبات هزلية في دولة تُغتال 91% من نسائها، جسدياً ومعنوياً.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عمليات ترميم الختان، وأصبحت تُجرى في مصر، لكنها مكلفة جداً، وتتغير تكلفتها بالنسبة للحالة ونوع الختان، وأنا ليس لدي فكرة حول أي نوع منهم تمّ إجراؤه لي، لأنني أخشى لمس هذه المنطقة أو النظر إليها بسبب ما حدث فيها. كما أنني أخاف ألا تنجح العملية، فالأمل الأخير لي هو الترميم، فلو أقدمت عليها ولم تؤت ثمارها، سيُقضى على حياتي تماماً، لذلك أؤجل هذه الخطوة احتفاظاً بأمل أخير.
أشعر بحزنك والمك وأنا أقرأ وأشعر بالغضب على المجتمع على الجهل، هذه العادات المتخلفة هي المعطوبة بحق. انتي امرأة قوية وغالية أخطاء الآخرين بحقك ليست خطأك! جلُ ما أرجوه أن تعرف النساء قيمتهن وأن لا تساوم عليها، كل الحب.