كان من المتوقع أن تشكل المبادرة الخليجية خارطة طريقٍ لتجاوز القوى السياسية اليمنية لأزمة ما بعد الربيع العربي والسماح بانتقالٍ سياسي سلميٍ سلسٍ للسلطة والشروع في حوارٍ يمنيٍ يمنيٍ برعاية أممية وإقليمية لتحديد شكل الدولة والعملية السياسية اليمنية الجديدة.
سلم الرئيس الراحل صالح السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي حسب ما نصت عليه المبادرة الخليجية العام 2012 ولفترة عامين تمثل المرحلة الانتقالية والحوار الوطني الشامل بين مختلف المكونات اليمنية.
جماعة أنصار الله، رغم عدم توقيعها على المبادرة الخليجية كبقية القوى السياسية إلا أنها حضرت في خطوات تطبيق المبادرة والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي حاول التركيز على القضايا الخلافية العالقة بين القوى السياسية كقضية الجنوب اليمني وقضية حروب صعدة الستة.
رغم التجاوزات التي حاولت فرضها قوًى معينة أو اتكاء الرئيس هادي للتأييد الأممي من خلفه الذي سمح له بتجاوز القوى السياسية في العديد من القرارات المتعلقة بمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته وخصوصًا في صيغة أقاليم الدولة الاتحادية والدستور وتشكيل أمانة مؤتمر الحوار.
فترة الحوار أيضًا لم تكن مقتصرةً على الحوار، ففي حين كانت أحزاب اللقاء المشترك التي يسيطر عليها حزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين في اليمن) تسيطر على أكثر من نصف حكومة الوفاق وتخوض تصفية حساباتٍ سياسيةٍ مع الحزب الحاكم سابقًا “المؤتمر الشعبي العام” كان الإخوان يخوضون صراعاتٍ مسلحة مع جماعة أنصار الله الحوثيين، أكسبتها طابع الحرب الطائفية، وعلى أكثر من جبهة وفي أكثر من منطقة، في الوقت نفسه الذي يجلسون معهم تحت سقف مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
عُرقِلَت الآلية الزمنية للمبادرة الخليجية وتجاوز مؤتمر الحوار الوطني الشامل الفترة المحددة له، وكذلك هي الفترة الرئاسية للرئيس هادي الذي طمح في التمديد لنفسه، ليستطيع فرض ذلك في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل على القوى السياسية.
في الوقت الذي كرس الرئيس هادي سلطته في ضرب خصومه بعضهم بعضًا واللعب على تناقضات القوى السياسية والاستقواء بها على بعضها بعضًا، كان الحوثيون يسعون أكثر لزيادة ثقل تأثيرهم في مجريات الساحة السياسية ومستقبل العملية السياسية واليمن الاتحادي، متقدمين نحو العاصمة صنعاء حتى الـ 21 من سبتمبر 2014.
اتفاق السلم والشراكة، كان بمثابة إنعاشٍ يائسٍ وأخير للعملية السياسية عبر شمل الحوثيين في عملية المحاصصة السياسية الجديدة التي استثنوا منها سابقًا في حكومة الوفاق الوطني، وهو اتفاقٌ ما لبث أن انهار مع إعلان صيغة الأقاليم الجديدة التي استهدفت تواجدهم المذهبي، ومن ثم إعلان الدستور الجديد.
القضايا الخلافية الأخيرة التي كان للرئيس هادي اليد الطولى فيها حفزت الحوثيين للسيطرة على الوضع في العاصمة صنعاء ومحاصرة الرئيس هادي والسيطرة على باقي مؤسسات الدولة والتوسع في بقية محافظات المناطق الوسطى والجنوبية.
قدمت الحكومة الجديدة استقالتها كما قدم الرئيس هادي استقالته لمجلس النواب، الحوثيون أغلقوا مجلس النواب ومنعوا انعقاد جلسة البت في استقالة الرئيس، لينجح هادي في الفرار لاحقًا لمحافظة عدن جنوب اليمن ويعلن التجنيد للحرب مع الحوثيين الذين تبعوه للجنوب.
سيطرت قوات أنصار الله على الجنوب وفر الرئيس هادي مجددًا، ولكن إلى سلطنة عمان هذه المرة، لتعلن المملكة العربية السعودية عن تحالف عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن في الـ 26 من مارس 2015.
الحوثيون بدورهم أعلنوا عن إعلانهم الدستوري في صنعاء بتكليف اللجنة الثورية مهام إدارة البلاد وحل مجلس النواب اليمني، ليتراجعوا عنه لاحقًا بعد مضي أكثر من عامٍ ونصفٍ عليه بالتراجع عن حل مجلس النواب والاتفاق مع حزب المؤتمر برئاسة الرئيس الراحل صالح على صيغة إدارةٍ جديدةٍ للبلاد سميت بالمجلس السياسي الأعلى، قبل أن ينفض تحالفهم لاحقًا وتندلع مواجهاتٌ مسلحةٌ بينهم في العاصمة صنعاء انتهت بمقتل الرئيس صالح ديسمبر 2017.
تحولت الأزمة اليمنية بعد ستة أعوامٍ من الحرب لأزمةٍ إقليمية ودولية تهدد أمن المنطقة وخط الملاحة الدولية، في حين أصبحت المملكة العربية السعودية مكشوفةً أمام نيران جماعة أنصار الله.
الإدارة الأميركية الجديدة أعلنت عن تعيين مبعوثها الخاص لليمن وضرورة إيقاف الحرب في اليمن وإيقاف دعمها العسكري للمملكة العربية السعودية في الحرب مع استمرار دعمها لحفظ الأمن السعودي أمام التهديدات الخارجية.
الآن وفي العام السابع من الحرب وأعتى المعارك تدور في محيط مدينة مأرب بين قوات هادي والحوثيين، تلوح في الأفق مساراتٌ جديدةٌ للسلام مع الدفع الأممي والأميركي للقوى السياسية واللاعبين الإقليميين لوقف إطلاق النار والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية والانخراط في مفاوضاتٍ تؤسس لعملية سلامٍ شاملة.
“مواطن” وفي سياق هذه المساعي، تعقد حوارًا خاصًّا بهذا الشأن تحت عنوان “الأزمة اليمنية مآلات الحرب ومسارات السلام” مع وزير الخارجية اليمني الأسبق الدكتور أبوبكر القربي للوقوف على مستجدات الحل السياسي في اليمن ومواقف القوى المحلية والإقليمية.
الدكتور أبو بكر القربي، وزير الخارجية اليمني في الفترة من عام 2001 وحتى العام 2014، وعضو مؤتمر الحوار الوطني في فريق بناء الدولة عام 2013-2014، ومسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الشعبي العام، وممثل الوفد المفاوض لحزب المؤتمر الشعبي العام في محادثات جنيف للسلام 2015 ومحادثات الكويت 2016.
شغل الدكتور القربي العديد من المناصب كوزير للتربية والتعليم 1993-1994 ثم وزيرًا للخارجية لأربع حكومات، وأخيرًا عضوًا في مجلس الشورى اليمني.
الدكتور أبوبكر القربي العميد لكلية العلوم الصحية وكلية الطب في جامعة صنعاء سابقًا ونائب رئيس الجامعة الحاصل على الزمالة في العديد من الكليات الطبية في المملكة المتحدة.
حاوره فاروق محافظ
الدكتور أبو بكر القربي، في وقتٍ سابقٍ من العام الماضي كنتم قد نشرتم مقالًا تحليليًا وتوثيقًا تاريخيًا للأزمة اليمنية وأسباب فشل المرحلة الانتقالية وانهيارها.. كان القرار الأممي وحسب مساعي وزير الخارجية الأمريكي في حينه جون كيري هو أحد أهم أسباب تسعير الأزمة وإطالة أمد الحرب وتعنت اللاعبين الإقليميين وحلفائهم من القوى المحلية، الآن وبعد التغيرات الإقليمية والمحلية واتجاه بعض اللاعبين لمحاولة صنع مساراتٍ جديدة للسلام، هل ما زال الدور الأممي يدور في حلقةٍ مفرغة دون نتائج، أم أنه هو أيضًا تأثر بهذه التغيرات إيجابًا؟
أوضح أولاً أن ما جاء في مقدمة السؤال عن أن مبادرة كيري أدت إلى تسعير الأزمة غير دقيق لأن الحقيقة أن مبادرة كيري لم تحظ بالقبول من الشرعية والتحالف وانتهت بانتهاء إدارة الرئيس أوباما، أما ما استجد الآن بعد أربع سنوات من الحرب فهي أن الأطراف وصلت إلى مرحلة الإرهاق و القناعة بأن الحل العسكري لا يمكن تحقيقه لأي طرف وبالتالي فإن الحل السياسي للأزمة هو المخرج الذي يجمع بين حفظ ماء الوجه لهم وتحقيق المطالب المشروعة لجميع الأطراف وكما يبدو فإن المبعوث الأمريكي جاء الآن ليوجه الحل الأممي تجاه خطوات لوقف الحرب وإنهاء الحصار وسيكون على الأطراف التعامل مع جهوده وتقديم التنازلات من أجل اليمن لوقف المزيد من إراقة الدم والدمار.
الدكتور القربي، كيف تنظرون للمبادرة السعودية ومدى واقعية إمكانية تأسيسها لعملية سلام شاملة ومنصفة لكل الأطراف السياسية؟
المبادرة السعودية تواجه الصعوبات نتيجة الصراع على المصالح وتنفيذ الأجندات الخاصة ومحاولات الأطراف لاستغلال المبادرة السعودية لفرض واقع على الأرض لا يمكن أن يتحقق نتيجة الصراع السياسي الجنوبي والتدخل الخارجي ولأن المبادرة لا تعكس رغبة اليمنيين كما أن المبادرة تهددها المزايدات السياسية وضعف القيادة أمام أصحاب المصالح والضغوط.
ما أسباب مناورات ومماطلات الأطراف وخصوصًا بعد اندلاع المواجهات الأخيرة في جبهة مأرب بعد تعيين المبعوث الأميركي لليمن.. من موقعكم أنتم، ما رؤيتكم حول جدية الأطراف في الانخراط في عملية السلام وعملية سياسية ديمقراطية ومتعددة؟
المناورات السياسية والعسكرية متوقعة في هذه المرحلة وقبل بدء مفاوضات السلام لأن كل طرف يريد أن يقوي من وضعه التفاوضي وهذا ما نراه في مأرب حيث سيمثل السيطرة عليها من قبل أنصار الله تعزيزًا لموقفهم ولهذا تتم المماطلة في التعامل مع مبادرة المبعوث على أمل تحقيق النصر هناك وفرض واقع جديد، وعلينا ألّا نتجاهل كيف تنظر القوى الإقليمية والدولية لما يجري وتأثير عودة أمريكا إلى مفاوضات الملف النووي الإيراني الذي قد يؤدي إلى تطورات وتغيرات آمل أن تكون لصالح وقف الحرب في اليمن.
الدكتور أبوبكر القربي، ما مسارات السلام الممكنة والمُرضية لأطراف الصراع المحلية ودول التحالف التي يمكن لها أن تضمن أمن اليمن والبلدان المجاورة من وجهة نظركم؟
ما وصلت إليه اليمن اليوم هو نتيجة أزمة سياسية أدت إلى الحرب التي تم أقلمتها وتدويلها وبالتالي أصبحت أزمة مركبة، والإشكالية اليوم أن الحل السياسي إذا ما تم التوصل ولم يعالج أسباب الصراع ويزيل كل ما يهدد استدامة الحل الشامل فسيبقى مصيره بيد الأطراف التي تمتلك السلاح التي سترفض أي حل سياسي لا يراعي مصالحها ويأخذ مطالبها في الاعتبار مما يعني أن الحل يجب أن يكون يمنيًا في مكوناته وعناصره وضماناته وبرعاية دولية لا تمس بسيادة اليمن ووحدة أراضيه وحرية قراره مع مرونة أطراف الصراع اليمنية في تقديم التنازلات.
أعلنت جبهة الساحل عن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية لتمثيلها سياسيًا فكيف تنظر إليه؟
المؤتمر الشعبي العام حزب مدني يلتزم بالدستور والقانون ولهذا رفض المؤتمر جر البلاد إلى حرب أهلية عام ٢٠١١ وهو يمتلك القوة لفرض إرادته وقَبِل بتسليم السلطة سلميًا عام ٢٠١٢ وفقًا للمبادرة الخليجية التي تبناها و لذلك فالمؤتمر يرى أن أي تنظيم سياسي يمتلك مليشيات مسلحة يخالف الدستور والقانون ويطالب جميع الأحزاب التمسك بهما والأخذ بالحوار وبالحلول السلمية للأزمات السياسية ولكن من المؤسف أن ما حدث منذ بداية المرحلة الانتقالية وبعد تدخل التحالف العسكري هو تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحةً تحت مسميات عدة لتسهم بذلك في التداعيات الأمنية والسياسية التي تعيشها اليمن والتي تعقد اليوم الحلول.
قضية الجنوب وقوى الحراك والمجلس الانتقالي الجنوبي بين شعارات الانفصالي والسلام في دولة الوحدة، كيف يمكن إنصاف القضية الجنوبية وحلها، وما مدى حقيقة الرغبة الجنوبية في البقاء تحت مظلة اليمن الموحد في أي عملية مفاوضات سياسية قادمة من وجهة نظركم؟
تم إنصاف القضية الجنوبية في مخرجات الحوار الوطني الشامل ولكن التطورات التي فرضتها الحرب اليوم تتطلب إعادة النظر في كثير من القضايا بما فيها توصيات مؤتمر الحوار حول العديد من القضايا مثل الأقاليم وقضيتي الجنوب وصعدة وكذلك قضية مشروع الدستور والتي يجب أن تكون ضمن أجندة مفاوضات الحل النهائي الشامل لكي توضع المعالجات العادلة والمستدامة بناء على إرادة الشعب اليمني عبر صناديق الاقتراع.
الدكتور أبو بكر القربي، هل ما زلت متفائلًا حول مستقبل اليمن؟
بالتأكيد أثق بأن الله سيحق الحق وبأن الشعب اليمني حريص على وطنه وبأننا سنرى النور بعد الظلام ولكن المشكلة هي أن القوى السياسية للأسف أصبحت تنظر إلى خصومها من واقع العداء والانطباعات وتتجاهل كيف ينظر الخصوم إليها وأهمية مراعاة كل طرف لمخاوف الآخر، لذلك أصبحت مخاوف القوى السياسية وطموحاتها ومصالحها تحتل الأولوية على المصلحة الوطنية مما يوجب على المكونات السياسية أن تراجع مواقفها وأن تتصالح مع نفسها أولًا لكي تتصالح مع الآخرين لكي تبدأ مسيرة التصالح و إنقاذ اليمن.