تمتد العلاقة والتشابكات ما بين اليهودية والإسلام لحد تأثير وتأثر متبادل على مدى التاريخ إذ يخبرنا ابن حزم بمصطلحات وعبادات يهودية جزء لا يتجزأ من الإسلام كالصلاة والحج والصوم، بينما يخبرنا د. يوسف زيدان بتأثير لاحق في اليهودية مصدره الإسلام على مستوى الفكر الديني اليهودي قاده الطبيب موسى بن ميمون المتأثر بالثقافة العربية الإسلامية في عهد صلاح الدين الأيوبي، فيا ترى إلى أين يمتد ذلك التأثير في الإسلام؟
إذا ذهبت إلى أي مسلم في أي مكان في أيامنا الحالية تسأله ما الدين عند الله؟ سيجيب: “الإسلام”. ولكن هناك قراءة أخرى عند أبي بن كعب وهو أحد الأربعة الذين وصى النبي محمد بأخذ القرآن عنهم تقول: “إن الدين عند الله الحنيفية” -(السيوطى – باب الناسخ والمنسوخ)- وأوردها صاحب المناقب “الحنيفية/المسلمة”
"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" آل عمران 67
فما ملة إبراهيم وما المقصود بالحنيف؟
يذكر الأستاذ إسرائيل ولفنسون في كتابه تاريخ اليهود في بلاد العرب أن اليهود أطلقوا على عادة الاختتان “ملة إبراهيم”. ويروى د.يوسف زيدان في إحدى محاضراته أن هؤلاء الذين يعلقون الأجزاء المبتورة من أعضائهم التناسلية حول رقابهم بعد “عملية الاختتان”هم الذين عرفوا باتباع ملة إبراهيم.
ويكمل الأستاذ ولفنسون: “وأنه لما كان الاختتان وحده لا يؤدي إلى الإيمان باليهودية إذ يتطلب الأمر أيضًا إعلان الدخول في الديانة التوحيدية الإسرائيلية والالتزام بما تأمر به التوراة واجتناب ما تنهى عنه (فأطلق اليهود على كل من يختتن دون أن يتبع اليهودية لقب حنيف).
وهذا ما نجد صداه في سيرة ابن هشام عن زيد بن عمرو بن نفيل أشهر موحّدي العرب قبل بعثة النبي وظهور الإسلام فأتى ذكره بالآتي: ”لم يدخل يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه واعتزل الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم“.
أما أسماء بنت أبي بكر فقالت: “لقد رأيت زيدًا بن عمرو بن نفيل مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: «يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري»، ثم يقول: «اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلم».
فهل توجد كلمات قرآنية أخرى يمكن فهمها من خلال المعاجم العبرية؟
الأمر لا يتعلق بحنيف وملة إبراهيم فقط اللتين نتمكن من فهم أعمق لهما عبر القراءة العبرية للأصل إذ توجد العديد من الكلمات العبرية في التراث الإسلامى:
- جهنم: وهي اشتقاق من جزئين الأول جي: بمعنى “وادي” والثاني هنم اسم قبيلة فكان يقال على المكان الذى تسكنه تلك القبيلة “جيهنم”. أي وادى هنم أو وادي بني هنم. وكانت تلك القبيلة الوثنية تقدم الضحايا البشرية إلى إلهها “مولك” بذبح القرابين البشرية من الأبناء وإلقائها في النار ومن هذه الصورة أطلق اسم “جهنم” على مكان العذاب في الآخرة ويمتد هذا الوادي على طول جنوبي المقدس حتى الطرف الجنوبي الشرقي من جبل صهيون.
- فردوس: هو اسم الجنة وفي اللغة العربية الجنة هي ما يحاط بسور وجاء في المعرب للجواليقي أنها نبطية، وأشار عِكرِمة أنها حبشية الأصل، وأوردها السيوطي في كتابه (المتوكلي): “فيما ورد في القرآن باللغات الأخرى غير العربية أنها لفظة فارسية”، وعند الباحث السرياني بنيامين حداد لفظة فرديسا ܦܪܕܝܣ، ܦܪܕܝܣܐ “: فِردَوس ( بستان، جنّة، البستان الواسع الحسن)، وقال إنها لفظة ”مُسَرينة من اليونانيّة“ وقد جاءت الكلمة في العبرية بصيغة ”فَردِس פַּרדֶסו“ أي الحديقة أو المتنزة من الأصل (paradisee)
- سموات: تتكون من مقطعين بالعبرية شمّ – ميم (لما هناك – من ماء) تقابل في اللغة العربية ثمّ/ماء. ثمّ: اسم إشارة بمعنى هناك، والماء هو الماء. ويوضح د. مراد فرج أن كثرة استخدام السموات بصيغة الجمع عند العطف مع الأرض (السموات والأرض) سببه أن “شمّ”، المقطع الأول، من الأصل العبري صيغة مبالغة في البعد بالتثنية والكلمة لم ترد مفردة في العبرية.
الأمر لم يتوقف على بعض المصطلحات والمفردات الدينية بل يتوغل حتى على مستوى معاني أسماء الأنبياء بالإسلام واليهودية معًا، رغم تداول عوام المسلمين تلك الأسماء للأنبياء مع جهل معانيها نجدها واضحة جدًا في معانيها طبقًا لأصولها العبرية.
معاني أسماء الأنبياء حسب التوراة:
- آدم: من “الأدمة” أي سمرة التراب.
- أبرام: تتكون من مقطعين أب/رام: الأب الفاضل (أبو الفضل)، ثم أصبح إبراهيم: من مقطعين أب/راهم – بمقاربة (دينية) يمكن فهمها إسلاميا (أبو الأنبياء) ومسيحيا (البطريرك)، راجع معاني: ريم، رهم، في اللغة العربية.
- إسحق: أي يضحك (وضحكت سارة قائلة في نفسها وبعد أن بليت وهذا بعلي شيخا) التكوين 18 – 12، وقد اختلف أهل التفسير في فهم الآية “وامرأته قائمة فضحكت” وقال بعضهم إن الضحك يعنى الحيض، إلا أن الطبري يخبرنا عن أحد التفاسير التي تطابق الفهم العبري – وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها.
- يعقوب: سمي النبي يعقوب بهذا الاسم لأنه خرج متعلقا بعقب أخيه، راجع الآية 71 من سورة هود (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب).
- إسرائيل: الكلمة التي تصف اليهود كثيرا في القرآن في اللغة العبرية: מְדִינַת יִשְׂרָאֵל (بمعنى الذي صارع الله أو الذي غلب الرب) وهو الاسم التوراتي للنبي يعقوب بعد أن صارع الله حسب القصة التوراتية. واشتق من إسرَ: الأفعال نسرا يَسرُو، اسْرُ، سَرْوًا وسَراوَةً، فهو سَريّ، والمفعول مَسْرُوّ – للمتعدِّي. أما المقطع الثاني أيل: يعني الله.
- يهوذا: أي التسليم لله واشتق منها يدي أي الاستسلام (اليَدُ: الطاعةُ والانقياد والاستسلام)، أَعطى الجزيةَ عن يد: عن ذلٍّ واستسلام.
- إسماعيل: بالعبرية تتكون من مقطعين (يشمع/ئل) بالعربية سمع الله (أيل: الله).
- زكر/يا: بالعبرية تتكون من مقطعين (ذ ك ر / ي ه ): الياء والهاء من أسماء الله (ذكر الله)
- عمران: بالعبرية تتكون من مقطعين (عم /ران ) أي عم / فاضل
- سليمان: أي السلام ( والتحية شالوم بالعبري – شلومو بالسرياني – سلام بالعربية)