نعيد نشر هذه المادة بالتعاون مع موقع ”رصيف 22“
قديماً في بواكير ممارسة طقس الصيام عند المسلمين الأوائل، تمكن البعض من الانقطاع عن الطعام والشراب، ولكنه لم يستطع منع نفسه عن الجنس أو “الجماع”، وعندما ذهب للرسول، تذكر الآثار فعلين استخدما للوصف النفسي الذي أحس به، هما “هلكت”، و”احترقت”.
بحثت دون جدوى عن أثر قديم لامرأة حدث معها نفس الشيء، ويبدو أن الرغبة آنذاك كانت ذكورية، يشعر بحدتها الرجل، والمرأة مجرد ملبية لهذا النداء.
بعد مرور مئات السنين، وفي سوريا التي أنهكتها الحروب، وأنهكت نساءها التقاليد القاسية على عقولهن ورغباتهن، تحدثت نساء عن قصص رغباتهن في هذا الشهر مع أزواجهن، وما إذا كانت الأمور تختلف في رمضان مقارنة ببقية شهور العام.
شعور بالذنب
لم ينقطع كريم عن شراء السمك والمكسرات منذ بداية شهر رمضان، ما آثار استغراب زوجته نادين. سألته فأجابها: “يحسّن المزاج لممارسة الجنس”، شعرت بالغضب من إجابته، أخبرته أنها لن تفعل ذلك معه طيلة الشهر المبارك.
تؤمن نادين (29 عاماً) أن هذا الشهر مخصص للعبادة فقط، ترفض النوم مع زوجها، تقول لرصيف22: “شهر رمضان للصيام والقيام، إنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، علينا أن نرتقي عن رغباتنا في هذا الشهر، ونتقرّب من ربنا بالصوم، والصلاة، وتلاوة كتاب الله فقط”.
على عكس تلك المرأة المجهولة، زوجة الصحابي الذي واقعها، ولم تمانع، ولم يأبه بها زوجها حتى، فقط أحس بالذنب لأنه خالف أمراً دينياً، تؤمن نادين بضرورة تفهم زوجها لرغبتها، لا أن يفرض عليها ممارسة الجنس رغماً عنها، أو يطالبها بما يعتبره “حقوقه الزوجية”، بل يسمو معها بعيداً عن الماديات والرغبات، لأن شهر رمضان “هو أفضل تجربة للإنسان ليثور على رغباته ويهذبها”.
تشعر نادين أنها ترتكب إثماً عندما تمارس الجنس مع زوجها، تقول: “رغم معرفتي بجواز الجنس بين الزوجين خلال شهر رمضان، مررت العام الماضي بمشاعر سلبية عند ممارسته مع زوجي، شعرت بالذنب كلما اقترب من جسدي، وكأنني أنتهك قدسية الشهر الفضيل، وأن الله يراني، شعرت بالخوف من عقاب الآخرة”.
عندما يحل المساء، يتحوّل حسّان من ذلك الرجل المتديّن الذي يمتنع عن النظر إلى زوجته، إلى رجل مهووس بالجنس، يطلب من زينة أن يمارس الجنس معها أكثر من مرة قبل أن يأتي وقت الإمساك، ترفض لشعورها بالتعب، ويصرّ
تعود نادين بذاكرتها إلى منزل عائلتها، تقول: “كبرتُ في بيت دمشقي، في حي القنوات، قضت أمي فيه شهر رمضان كله في الصوم وقراءة القرآن، أما أبي فكان يعتكف في الجامع طيلة الشهر الكريم، جميعنا نصوم، ولا يجوز أن نرى والدينا مختلين حتى بعد الإفطار”.
وتضيف: “كانت الحلقات الدينية تُعقد في منزلنا، تجتمع الفتيات، يجلسن على شكل دائرة، تتوسطهن آنسة مُحجبة تحدثهن عن فضائل شهر رمضان، كل ما أذكر من حديثها أنه علينا محاربة رغبات جسدنا دائماً، خاصة خلال الشهر الفضيل، ليكون فرصة لنا للتكفير عن أغلاطنا، وليس ارتكاب أغلاط وآثام جديدة”.
نظرة دونية
تجلس زينة في غرفة الجلوس، تتابع أحد المسلسلات الرمضانية، ينظر إليها زوجها حسّان نظرة خاطفة، ثم يحوّل نظره ويقول: “استغفر الله”، يحارب رغبته الجنسية تجاه زوجته خلال نهار رمضان، يقول لها: “لا تقتربي مني ستفسدين صيامي”.
تشعر زينة (35 عاماً) بنظرة زوجها المتدينة، والمتدنية لها، إذ يعاملها بانتقاص، وإذا اقتربت منه قليلاً أو قالت له كلمة حلوة، يبتعد عنها، يفهمها أنها تحاول إغواءه لتفسد صيامه، يؤمن أن جميع النساء مفسدات وناقصات عقل ودين.
تقول لرصيف22: “لطالما عاملني باحتقار خلال فترة الحيض أو عندما يرى شعراً على جسدي، ويزداد تعامله سوءاً خلال شهر رمضان”.
ترى زينة أن فكرة عدم تقارب الزوجين خلال نهار رمضان، ليس لها أي علاقة بنظافة جسد المرأة، بل “للترفع عن رغباتنا كلها، ولذا لا أجد مشكلة إذا لامست يده عن طريق الخطأ، كما أنني قرأت مرة أن رسول الله محمد كان يقبّل زوجاته خلال نهار رمضان”، بحسب قولها.
عندما يحل المساء، يتحوّل حسّان من ذلك الرجل المتديّن الذي يصوم ويمتنع عن النظر إلى زوجته، إلى رجل مهووس بالجنس، يطلب من زينة أن يمارس الجنس معها أكثر من مرة قبل أن يأتي وقت الإمساك، تقول: “أشعر أحياناً بالتعب من الصيام وتحضير الطعام، أحاول أن أفهمه ذلك، لكنه يرفض تماماً ويصرّ على ممارسة الجنس، بعدها يستحم، ويجهّز نفسه لصلاة الفجر”.
"أخبئ ثيابي الداخلية"
تمتنع رنيم عن تزيين نفسها وطلاء أظافرها خلال شهر رمضان، تُخبئ كل فساتينها وثيابها الداخلية المثيرة، ترتدي فقط بيجامتها وترفع شعرها، لكن ذلك لا يُعجب زوجها غيفارا، الذي يلاحقها من زاوية إلى أخرى في المنزل.
تقول رنيم (33 عاماً) لرصيف22: “زوجي لا يصوم، لكنه لا يُجبرني على الإفطار، عندما تبلغ رغبته الجنسية ذروتها يستمر بمحاولاته إلى أن أمارس الجنس معه، أحياناً قبل الإفطار بساعة واحدة فقط، ويُفسد صيامي”.
وتضيف: “لا أجد ما يمنع من ممارسة الجنس خلال شهر رمضان لكن في الأوقات المسموح بها أي من ما بعد الإفطار إلى وقت الإمساك”.
لا يؤمن غيفارا بضرورة الصيام للتقرّب من الله، يجد أن شرف الرجل كلمته وصدقه مع الناس هي الأساس، تقول زوجته رنيم: “يساعد زوجي الفقراء، يحترم الكبير والصغير، يرفض الرشوة أو أساليب ملتوية في عمله، لكنه لا يصوم، يرى أن الله خاصة في وضعنا نحن السوريين، وبعد سنوات طويلة من الحرب، لا يهتم لأمر صيامنا، بقدر اهتمامه بأخلاقنا التي انحدرت إلى القاع”.
تعيش رنيم مع زوجها في مدينة السلمية، تقول: “ينحدر زوجي من عائلة شيوعية، لا يدخل الدين في تفاصيل حياة أفرادها، أحياناً يطالبني بتجهيز سهرة رومانسية أُشعل فيها الشموع، وأرتدي ثيابي المكشوفة، لكنني أرفض وأقول له: نحن في شهر رمضان، يجيبني: لا علاقة لشهر رمضان بالموضوع انت فقط لا تريدينني”.
"كحول في رمضان"
اقترب وقت الإفطار، تحضّر لمى مائدة رمضان، بينما يحاول زوجها مهنّد تحضير الشوربة، احتفلا بقدوم شهر رمضان، وأرسلا التهاني إلى والديهما والأصدقاء، تقول لرصيف22: “لا تختلف حياتنا الجنسية في رمضان سوى أننا لا نمارس الجنس خلال النهار”.
تعيش لمى (42 عاماً) مع زوجها مهند في اللاذقية، يحتفلان سنوياً بشهر رمضان، لكنهما لا يصليان لا في البيت ولا في الجامع، كما أنهما لا يقرآن القرآن، كل ما يفعلانه في شهر رمضان هو الصوم فقط، مثل العديد من العائلات في مدينتها.
تمارس لمى الجنس مع زوجها خلال شهر رمضان، تقول: “ينخفض الدافع الجنسي خلال شهر رمضان، نتيجة الإرهاق من ساعات الصيام الطويلة، وأعباء العمل، وتحضير الطعام، والانشغال بمشاهدة المسلسلات، لا نجد الوقت الملائم لممارسة الجنس، لذلك يصبح تقاربنا سريعاً في إحدى زاويا البيت، أو قبل الإمساك بربع ساعة أحياناً”.
"مرة زارتني صديقة في المنزل بعد الإفطار، رأت كؤوس البيرة في المطبخ، أصابتها الدهشة، وقالت: كحول في رمضان؟ أجابها زوجي: البيرة ليست محرّمة عندنا"
تروي قصة حدثت معها: “مرة زارتني صديقة في المنزل بعد الإفطار، رأت كؤوس البيرة في المطبخ، أصابتها الدهشة، وقالت: كحول في رمضان؟ أجابها زوجي: البيرة ليست محرّمة عندنا، لذلك يمكننا تناولها في أي وقت من العام، كما أن صلاتنا روحية، نستطيع التقرّب من الله في أي وقت من الأوقات”.
تتعرض لمى وزوجها للتنمّر من بعض الأصدقاء، تقول: “مسالة الالتزام بالصوم والصلاة في شهر رمضان شائكة بعض الشيء، وتختلف من طائفة لأخرى، لكن لا يحق لأحد أن يسأل: ماذا تستفيد من صيامك إذا كنت لا تصلين؟ أو ماذا تستفيدين من صيامك وأنتِ غير مُحجبة، أو ماذا تفعلين مع زوجك بعد الإفطار؟ وكأنه يحتكر محبة الله له وحده، ويضمن لنفسه دخول الجنة”.
وتمنع الشريعة الإسلامية على الزوجين ممارسة علاقتهما الحميمة خلال فترة الصوم، أي بين أذان الفجر والمغرب، يبقى متسع من الوقت للزوجين بين المغرب والفجر لتوطيد الصلة بينهما، لكن يبقى للمرأة تجربتها الخاصة خلال شهر رمضان، في مجتمع ذكوري يفرض عليها أدواراً، وأنماطاً.
وتواجه المرأة مخاوفها الخاصة خلال شهر رمضان، وتظهر تصوراتها عن الدين والروحانيات، فتضطر أحياناً للانصياع لدورها الاجتماعي المفروض، وأحياناً أخرى يتضاعف شعورها بالذنب، فتكبت مشاعرها ورغباتها، وتمنع حتى خيالها من الدخول في عالم النشوة.