في ظل الجدل الدائر حول فعالية لقاحات كورونا وآثارها الجانبية، وأحاديث متداولة عن مؤامرات ومحاولات تهجين للمجتمعات باستخدام كورونا ولقاحاتها، فما مدى صحة ما أُثير حول اللقاحات؟ وما أسباب إثارة هذا الجدل، وفي محاولة للحصول على إجابات علمية حول هذه الأسئلة، ألتقت “مواطن” بالدكتور بلال زعتير خبير علم الأدوية واللقاحات وكان معه هذا الحوار:
- اللقاح هو السبيل الوحيد للخلاص من كورونا.
- احتمالية أن يموت الناس في حادثة سيارة أعلى من إحتمالية أن يموت الناس بجرعة لقاح كورونا.
- اللقاحات الصادرة مؤخراً هي ابنة 18 عام من البحث على عائلة الكورونا.
- هدف اللقاح ليس منع إصابة الفرد بكورونا، ولكن منع وصوله للحالات الخطرة التي تستدعي دخول مستشفى أو تسبب وفاة.
- أصبح واضحًا أن الكورونا “وجد ليبقى” هذا المرض لن يختفي سيبقى موجودًا.
إلى نص الحوار:
هل اللقاحات تعد سبيل الخلاص من الكورونا؟ أم أنها مجرد تجارب من أجل جني الأموال لصالح الشركات؟
أصبح واضحًا جدًا بعد التجارب العديدة أن اللقاح هو السبيل الوحيد للخلاص من كورونا، بعد أن وصلت نسبة تعاطي اللقاح في بعض الدول لنسب %50 و 60% من سكانها، و بعد تعاطي مليار شخص حول العالم اللقاح، أصبح واضح أن اللقاحات تعمل وتعمل بكفاءة عالية، في المملكة المتحدة انخفضت نسبة الحالات التي تحتاج إلى عناية حسيسة بنسبة 99%. وانخفضت حالات الوفيات أيضًا، بسبب حملة التلقيح الناجحة في المملكة المتحدة، إذ تجاوزت أعداد تعاطي اللقاح لـ 42 مليون فرد، والمملكة المتحدة من الدول القليلة التي كوَّنت ما يعرف بمناعة “القطيع”.
أما بالنسبة لأرباح الشركات، فهذا الأمر ليس دقيقًا لأن اللقاحات ليست من الأشياء المربحة للصناعة الدوائية تاريخيًا، كما أن حجم سوق اللقاحات من صناعة الأدوية لا يتجاوز نسبة 2%، والشركات دائمًا تفضل أدوية الأمراض المزمنة والسرطانات بسبب أرباحها، وأيضًا يبقى هامش الربح من لقاحات كورونا بسيط جدًا مقارنة بالخسائر المادية التي نتجت عن كورونا في صناعة الدواء قرابة 9 تريليون دولار أمريكي، وهي أكبر خسارة اقتصادية وقعت في التاريخ المعاصر.
في رأيك لماذا يخشى البعض من الآثار الجانبية للقاحات كورونا؟
طبيعي جدًا فالمرء عدو ما يجهل، وهناك حالات تخوف كثيرة من لقاح كورونا بسبب الشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة للتضخيم الإعلامي للأعراض الجانبية المعلن عنها الخاصة بتعاطي اللقاح، فالآثار الجانبية أمر طبيعي جدًا، وإذا قارنا بين منافع وأضرار اللقاح فسنجد أن منافعه أكثر من مضاره، وهناك أدوية شائعة جدًا حول العالم مثل الباراسيتامول أشهر مسكن متداول في العالم، نجد أن هناك بالمملكة المتحدة فقط حوالي مائتي ألف حالة وفاة سنويًا بسبب الإفراط في استخدام البارسيتامول، فإذا كان يعد الباراسيتامول عقار آمنًا مع كل هذه الوفيات الناتجة عنه، كيف لا يعتبر لقاح كورونا أيضًا آمنًا! مع الوضع في الاعتبار أن الحالات المتأثرة بالآثار الجانبية جراء لقاح كورونا لا تتعدى أصابع اليد الواحدة لكل مليون فرد، الأمر فقط تم تضخيمه إعلاميًا بلا مبرر.
احتمالية أن يموت الناس في حادثة سيارة أعلى من احتمالية أن يموت الناس بجرعة لقاح كورونا، ومع هذا احتمالية الوفاة بالسيارة لا تمنعنا من ركوب السيارات، ولا أدري لم كل هذا التهويل من آثار لقاح كورونا.
هل تم التأكد حقا من مدى تأثير اللقاحات على الناس أم الضغظ الناتج عن الوباء أدى إلى تعجل بعض الشيء من قبل الشركات؟
هناك معلومة خاطئة عند بعض الناس أنه تم سلق لقاحات كورونا دون التأكد من فعاليتها، وهذا أمر غير صحيح، وتجاربنا مع عائلة الكورونا بدأت تقريبًا منذ حوالي 20 عام. عندما ظهرت جائحة السارس في العام 2002 وجائحة الميرس في 2012. وعندما جاءت جائحة كوفيد 19 كان هناك العديد من الأبحاث السابقة تم البناء عليها، وانتاج اللقاح في فترة زمنية قصيرة، كما من المعروف طبيًا أن التجارب السريرية تستغرق من 6 أشهر إلى 10 أشهر، وما يعطل إصدار اللقاحات موافقات بيروقراطية، ولكن من هذه الجائحة تضافرت الجهود لإزالة هذه الخطوات البيروقراطية التي كانت تستغرق سنوات من أجل الموافقة على إصدار لقاح، وفي النهاية هذه اللقاحات الصادرة مؤخراً هي ابنة 18 عام من البحث على عائلة الكورونا، كما أن الجهات المسئولة عن الموافقات عن هذه اللقاحات لم تترك صغيرة ولا كبيرة متعلقة بالأمن والسلامة إلا وقامت بالتدقيق عليها والتأكد منها.
ماذا عن حالات الوفاة التي يشاع أن سببها اللقاح؟
هناك قاعدة في علم المنطق تقول أن ترافق حالتين لا تعني السبيبة، وحالات الوفيات التي تم الإبلاغ عنها، والجهات المسئولة تبحث هذه الحالات لتعرف السبب، ودعونا لا ننسى أن في البداية تم حقن مجموعات كبيرة من المسنين تصل للملايين، وهي فترة تحدث بها الوفاة بصورة طبيعية، وبالتالي علاقة اللقاح بالوفاة ليست ثابتة، وعند النظر للقاح أسترازينيكا تم تسجيل بعض حالات التجلط فقط، وبنسبة تصل إلى أربعة حالات على كل مليون وهي نسبة قليلة جدًا، فموانع الحمل الفموية تسبب سنويًا 3000 حالة وفاة سنويًا حول العالم وهو رقم أعلى مئات المرات من الحالات المبلغ عنها بخصوص لقاحات الكورونا، وتعد فوائد اللقاح في حفظ الأرواح أكثر من مضاره، فمثلاً في المملكة المتحدة أنقذ لقاح أسترازينيكا 200 ألف شخص مقابل سبع حالات وفاة وبالقطع لا يوجد دواء في العالم يخلو من أضرار جانبية.
هل تناول اللقاح يؤثر على المستوى الفردي في احتمالية الإصابة أم أن تأثيره يقل إذا لم تتناوله الغالبية؟
اللقاح له فوائد هامة على المستوى الفردي، أولاً هدف اللقاح ليس منع إصابة الفرد بكورونا، ولكن منع وصوله للحالات الخطرة التي تستدعي دخول مستشفى أو تسبب وفاة، وإحتمالية الإصابة لمن تعاطى اللقاح تقل لنسبة 50%. إذا تعاطى كل أفراد المجتمع اللقاح، يشكل عندنا ما يسمى بمناعة القطيع.
نحتاج تلقيح %70 من المجتمع حتى تتشكل مناعة القطيع، وهذه المناعة عندما تكونت قضت تاريخيًا على مجموعة من الأمراض الفتاكة كالجدري وشلل الأطفال والسعال الديكي والحصبة، وهذا هو رهاننا في القضاء على جائحة كورونا.
هل تلقيت جرعة من إحدى اللقاحات؟ وما هو أن كان نعم؟ أخبرنا عن التجربة ولماذا تحديدًا هذا اللقاح؟
هناك عملية تلقيح جماعي في المملكة المتحدة المكان الذي أعيش به، حسب معايير صحية وسنية، بحكم عمري وكوني لا أشكو من أي أمراض مزمنة تأخر دوري لأربعة أشهر حتى أتعاطى اللقاح، وهناك قاعدة هنا أن اللقاح المحدد لك هو الجيد لأننا لا نختار اللقاحات، وتلقيت الجرعة الأولى من أسترازينيكا أكسفورد في فترة كان الحديث كثير جدًا عن مخاطر اللقاحات.
هل تنصح أصحاب بعض الأمراض المزمنة أو كبار السن بعدم تعاطي اللقاح؟ أو بمعنى آخر هناك فئات يجب استبعادها من تعاطي اللقاح؟
بالتأكيد أنصح كل من لديهم أمراض مزمنة وكبار السن بأخذ اللقاح، فاللقاح قدم أفضل نتائج في حالات الأكثر عرضة للإصابة بالكورونا، والقاعدة الأساسية إذا كنت معرض للخطورة بسبب الكورونا فأنت لك أولوية في تعاطي اللقاح، والكثير من الدول اعتمدت تلقيح كبار السن والأطقم الطبية، بعض اللقاحات لها آثار جانبية خفيفة ومتوسطة أشبه بحالات البرد وارتفاع درجة الحرارة وورم مكان الحقن وبعض الغثيان وهذا كله بسبب تعرف جهاز المناعة على الفيروس، وكان هناك اتجاه لاستبعاد الحوامل والمرضعات، كون أن التجارب السريرية لم تشمل هذه الفئات، بسبب أخلاقيات المهنة، ولكن بعض الدول قامت بالفعل بتلقيح الحوامل والمرضعات وكانت النتائج رائعة، ضوابط تعاطي اللقاح تتغير حسب المعطيات، كندا سمحت بأخد اللقاح لمن هم فوق الـ 12عامًا. ولقاح فايزر تم إجازته للأطفال فوق 12 عام أيضًا.
إلى أي مدى تؤثر الصراعات السياسية على اللقاحات؟ هل هناك نوع من الحرب الباردة بين اللقاحات والبلدان التي صنعتها فعلا؟
في أزمة الكورونا رأينا اختلاط ما هو طبي بما هو تجاري، وما هو سياسي بما هو ثقافي وبما هو حضاري، بالتأكيد الصراعات السياسية تؤثر كثيراً على اللقاحات رأينا هنا في أوروبا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رأينا حرب اللقاحات على لقاح استرازينيكا بسبب المشاكل السياسية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ حصلت المملكة المتحدة على حصتها كاملة من لقاحات استرازينيكا بينما الاتحاد الأوروبي يعاني للحصول على حصته.
رأينا في روسيا تشكيكاً بكل اللقاحات الغربية ورأينا في الغرب تشكيكاً في اللقاحات الروسية والصينية رأينا البرازيل التي يحكمها رئيس يميني معادي للصين وروسيا يتحدث عن عدم كفاءة اللقاحات الروسية والصينية وأنها غير مطابقة للمواصفات، رأينا الكثير من الصراعات السياسية التي تتجلى في حملات على اللقاحات عبر نشر أخبار مضللة وغير علمية وعبر نشر ادعاءات.
لذلك الصراعات السياسية انعكست على اللقاحات بصورة كبيرة، رأينا أن الوعود التي كانت تطلق في مرحلة تطوير اللقاحات على التوزيع العادل للقاحات وأنه لن يكون هناك أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان رأينا هذه “الوعود البراقة” تتلاشى على أرض الواقع عندما أصبحت الدول الغنية تتصارع فيما بينها للحصول على جرعات اللقاح وتستأثر عليها، حوالي 80% من كميات اللقاح التي تم إنتاجها إلى الآن حصل عليها فقط مواطني عشر دول من الدول الغنية حول العالم، لذلك رأينا نوع من أنواع “الحرب الباردة” حول اللقاحات وبين البلدان التي صنعتها.
كان التفسير الرئيسي للأوبئة قديما أنها غضب من الله؟ لماذا ارتفعت نظرية المؤامرة في العصر الحديث؟
موضوع “نظرية المؤامرة” موجود من قدم الدهر حتى في المجتمعات التي نعتقد أنها متقدمة، هنا في الغرب حوالي 20% من الغرب بشكل عام من السكان يؤمنون بنظريات المؤامرة؛ يؤمنون بأن الكورونا هي نوع من أنواع المؤامرة السياسية ويؤمنون بأن اللقاحات مؤامرة، فما بالكم بدول العالم الثالث التي تزيد فيها نسبة أصحاب نظريات المؤامرة بكثير، موضوع مقاومة اللقاحات هذا شيء عمره من عمر اللقاحات نفسها.
أول لقاح في عالمنا المعاصر تم اختراعه قبل 200 سنة على أيدي العالم إدوارد جينر هنا في المملكة المتحدة في حوالي عام ١٩٢٠ عندما اكتشف لقاح لمرض الجدري كان هناك مقاومة عنيفة من الكنيسة ومن المجتمع لهذا اللقاح واندلعت المظاهرات هنا في شوارع إنجلترا منددين وغاضبين بموضوع اللقاح أنه تدخل في الإرادة الإلهية وأنه ممكن أن يكون له تأثيرات جانبية ومن الممكن أن يقتل الأطفال.
مقاومة اللقاحات موجودة إلى الآن هناك نسبة لا بأس بها من السكان في أمريكا على سبيل المثال حوالي١٠٪ من الناس يرفضون أن يتلقى أبنائهم أي نوع من أنواع اللقاحات هذا حتى من قبل جائحة الكورونا، نظرية المؤامرة ونظرية الأوبئة موجودة إلا أن من مشاهدتي الخاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وفي ظل الفوضى التي نعيشها وسهولة تناقل المعلومة الخاطئة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لنظرية المؤامرة تأثير مدمر على مصداقية اللقاحات بشكل عام، ويتم تداول فيديوهات مضللة وفيديوهات ليست ذات أساس علمي للدلالة على أن هذه اللقاحات خطيرة وأنها غير آمنة وأنها جزء من المؤامرة على الشعوب وأنها مصالح تجارية وما إلى ذلك، لذلك مواقع التواصل الاجتماعي كان لها تأثير كبير جدًا في تضخيم نظريات المؤامرة التي كانت موجودة من قبل وعمرها من عمر اللقاحات ذاتها، نظرية المؤامرة ابتدأت منذ حوالي ٢٠٠ عام مع بدايات ظهور اللقاحات بشكل عام.
هل دخل كورونا إلى حياتنا وسيستمر معنا؟ أم أنها فترة وستنتهي قريبا؟ أو بمعنى أخر هل يجب أن نكيف حياتنا على تواجد الكورونا؟
أصبح واضحًا أن الكورونا “وجد ليبقى” هذا المرض لن يختفي سيبقى موجودًا، ويجب علينا أن نتعلم كيف نتعايش معه، الكورونا مثله مثل غيره من الأمراض كالكوليرا مثلاً موجودة في العالم ولم تختفي أيضًا إنفلونزا الطيور موجودة في العالم ولم تختفي، الهدف هو ليس القضاء على الكورونا إنما السيطرة على تفشي وانتشار هذا المرض.
فمثلما نأخذ الإبرة السنوية للإنفلونزا والإنفلونزا فايروس كثير التحور وكل عام تأخذ الناس إبرة سنوية لتغطي المتحورات الجديدة، سيكون الأمر نفسه مع كورونا، لدينا حوالي ٤ آلاف متحور للكورونا في سنة منها متحورات رئيسية مثل: المتحور البريطاني، والجنوب أفريقي والمتحور الهندي فأتوقع بمرور الوقت سنتعلم كيف نتعايش مع الكورونا والسيطرة عليه باللقاحات السنوية، سيصبح جزءًا من حياتنا.
وكما تغلبنا على إنفلونزا الطيور والخنازير والسارس والكوليرا وشلل الأطفال والجدري والحصباء باللقاح فقط. الآن أملنا الوحيد هو “اللقاح” هذا سيساعد في السيطرة على المرض لأن فكرة أن كورونا ستختفي هذا ليس دقيقًا، لم تختفي الكثير من الأمراض التي ظهرت في السابق بل تعلمنا كيف نسيطر عليها ونتعايش معها.