في الـيوم الـ 28 من شهر رمضان الماضي، كانت اللهفة تغلب ملامح الطفل حسن عيسى، لأيام عيد الفطر، التي سيرتدي فيها ملابسه التي اشتراها لتوه. وكان يضع خططاً مع والده، للأماكن التي سيزورها في أيام عيد الفطر. وكما عيسى كان آلاف الأطفال الآخرين في غزة مشغولون في التفكير ذاته: أيام الفرح المرتقبة في العيد.
لكن، لم يخطر على بالهم ما يحضره لهم الاحتلال، إذ حل العيد وغزة تحت عدوان إسرائيلي غير مسبوق. قتل خلاله الاحتلال عائلاتٍ بأكملها، ودمر بيوتا على رؤوس أصحابها.
يروي الوالد محمود عيسى أن طفله كان ينظر بحسرة إلى ملابس العيد طيلة أيام العدوان الأحد عشر، وعلى بساطة الأسئلة التي كان يطرحها الطفل حسن ابن الـعشرة أعوام. كان الوالد يحاول الإجابة عنها، وهو يخفي مخاوفه الحقيقية من ألا يكتب لطفله أن يعيش أيام العيد.
كنت أعتقد أننا العائلة القادمة على طريق المجازر
يصف محمود عيسى (32 عاما) جنون الاحتلال خلال أيام العدوان بـ”أنه غير مسبوق”، ويقول:”عائلات وأحياء دمرت على رؤوس أصحابها. كنت أعتقد أننا العائلة القادمة على طريق المجازر”. يحرك رأسه بضيق طافح: “تخيل أن تنظر لعائلتك كل دقيقة على أنها آخر لحظة لكم مع بعض؟”.
“كانت، حرباً أخرى مشتعلة في داخلنا، غير القتل والقصف والدمار”، يقول، مُكملاً: “بدلا من أن تكون أيامنا الأخيرة في رمضان، أيام فرح واستعداد لبهجة العيد، كانت أيام قصف وقتل وجوع وفزع”.
التفكير المروع ذاته، كان يسيطر على الوالد نور أبو لوز، الذي يقول إن الظروف التي عاشها أهل غزة خلال أيام العدوان لم تكن استثناء على أحد”. ويشير كل أهالي غزة: “كانوا يعتقدون أنهم وعائلاتهم ضحايا المجزرة المقبلة من غارات الاحتلال”.
لم نكن نعلم ما ينتظرنا من قتل ودمار وخوف
يحكي أن العائلة: “جهزت نفسها مبكرا لأجواء العيد هذا العام خلافاً للمرات الماضية”. يخفي ضحكة بسيطة ويكمل أبو لوز(42 عامًا): “لم نكن نعلم ما ينتظرنا من قتلٍ ودمار وخوف. كل التجهيزات لم يعد لها طعم: الأطفال فقدوا حماسهم المشتعل لملابسهم وأجواء العيد وحل بدلاً منه الخوف في نفوسهم”.
يشرد قليلاً في التفكير، ثم يتابع: “مجرد العودة لتذكر أحداث الأيام الماضية يشعرني بالقلق العميق على نفسي وعائلتي. كنا نفتح الأخبار: 12 عائلة محيت من السجل المدني. لأن الاحتلال قتل كل أفرادها في هذه الحرب، آخرون فقدوا أحبابا لهم وأصدقاء، كيف يمكن أن نتجاوز كل هذه الأخبار؟”.
فجر اليوم الـ21 من الشهر الجاري، تبدل المشهد في غزة، إذ توقف العدوان على غزة، إثر وساطة عربية ودولية. وهللت المساجد بتكبيرات العيد طوال ساعات الفجر. هنا يقول، محمود عيسى إنه “تحقق قول الله تعالى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. تغير كل شيء. صرنا قادرين على التنفس. عادت الروح للأطفال. واستيقظنا على أول صباح بلا صوتٍ قصف أو غارات جوية وبلا ملامح فزع تأكل وجوه الأطفال”.
ويضيف:” قفز طفلي حسن من فراش نومه، وركض نحو أمه لارتداء ملابس العيد. ثم خرج لاهثاً خلف الألعاب مع أبناء عمه وأصدقائه في الشارع”.
رغم كل الألم والخيالات التي كانت تخطر في بالنا عن الناس الذين استشهدوا وفقدوا أحبابهم”، إلا أن النظر لوجوه الأطفال الفرحة إثر انتهاء الكابوس، أزاحت جزءاً من غمة الحزن عنا” يقول الوالد محمود، مُتابعاً: “فرحنا، رغم الحزن، لأن الاحتلال لا يريد لنا الفرح. لذا فإن فرحنا، جزءاً من مقاومة هذا الاحتلال الوحشي”.
خرجنا للاحتفال بالعيد بعد أكثر من عشرة أيام على موعده
يشارك نور أبو لوز، محمود الرؤية ذاتها، ويقول: “خرجنا للاحتفال بالعيد بعد أكثر من عشرة أيام على موعده، لأن أطفالنا يحبون الحياة، ككل البشر، ويسعون إليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، رغم كل القنابل التي يلقيها الاحتلال في طريقنا للحياة”.
ويضيف: “صباح اليوم الأول، زرنا عائلتنا وأصدقائنا، للتهنئة بالعيد التي حرمنا منها الاحتلال. وأعطينا الأطفال عيديتهم المعتادة. كانت البسمة على وجوههم تعادل الدنيا بما فيها في نظرنا. إذ كتب لنا الله النجاة من المجازر التي كان يرتكبها الاحتلال”.
يتنفس بارتياح، ويكمل: “وفي اليوم التالي، جهزنا والعائلة الأغراض، وذهبنا للبحر، للترفيه عن أنفسنا، إذ لم نغادر المنزل طوال أيام العدوان”.
الجمعة 21 مايو/أيار الجاري، كان أول يومٍ بعد توقف العدوان الإسرائيلي. الآلاف من الناس خرجوا لتفقد ملامح مناطقهم. كان يكفي التجول لملاحظة التضاد الرهيب الذي يملأ العين: مبان مهدمة، شوارع ومحال وبنى تحتية مدمرة. لكن وسط كل مشهدية الخراب هذه التي صنعها الاحتلال، ثمة مشهداً طغى بشكلٍ أكبر، كان ذلك مشهد الأطفال الذين يزورون محال الألعاب والمطاعم.
مرح الأطفال، والدمار، يعكس بصمتنا في السعي للحياة والفرح، وبصمة الاحتلال التي تعمل على قتلنا و تدميرنا
عن ذلك، يقول بائع الحلويات والمثلجات يونس زعتر، إن: “مرح الأطفال، والدمار، يعكس بصمتنا في السعي للحياة والفرح، وبصمة الاحتلال التي تعمل على قتلنا و تدميرنا”. مُكملاً: “سنستمر في سعينا البريء للحياة رغم كل محاولات الاحتلال التي تريد كسرنا”.
قتل الاحتلال خلال 11 يوماً من العدوان 253 فلسطينياً، بينهم 66 طفلا و39 سيدة و17 مسنًا، فيما أصيب أكثر من 1948 آخرين بجراح مختلفة، ودمر الاحتلال 880 منزلا بشكل كامل، وتضرر4976 منزلاً بشكل لا يصلح للسكن.
بحسب تصريحٍ لمسؤول في هندسة المتفجرات في غزة، ألقى الاحتلال أكثر من 700 طنٍ من المتفجرات على غزة التي لا تتجاوز مساحتها الـ 360 كيلو متر مربع. محت أطنان المتفجرات هذه ذكريات وأحلام آلاف العائلات الفلسطينية في غزة، و شردتهم من بيوتهم.
Muwatin Media Network
Beyond Red Lines
United Kingdom – London
Muwatin Media Network
Beyond the Red Lines
United Kingdom – London
Contact us:
Executive Director and Editor-in-Chief:
Mohammed Al Fazari
All rights reserved to Muwatin Media Network ©
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: [email protected]
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري [email protected]
لتصلك نشرتنا الشهرية إلى بريدك الإلكتروني
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: [email protected]
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لشبكة مواطن الإعلامية©