غيرت كورونا الكثير من ملامح حياتنا وكان منها بالطبع الحياة الجنسية، فقد كانت العلاقة الحميمية بين الأزواج قبل كورونا مثل "سفينتين عابرتين تلتقيان بالصدفة" كما تشبهها أخصائية العلاج الجنسي الأمريكية إميلي جاميا.
لكن بعدما أتت كورونا أصبح الأزواج الذين يعانون من كثرة المشاغل ويقضون معظم وقتهم خارج المنزل يجلسون سويًا أغلب الوقت نتيجة تطبيق إجراءات الإغلاق في أنحاء العالم.
ربما كان ذلك في البداية فرصة للتقارب وقضاء المزيد من الأوقات الحميمية، لكن بمرور الوقت لم تستمر الصورة الرومانسية كثيرًا وأخذت الرغبة الجنسية تتراجع عند الكثير من الأزواج، وهو ما يرجعه الباحث الاجتماعي جاستن هميلر إلى معاناة الكثير من الناس من ضغوط تفوق الاحتمال.
تغلغلت كورونا في الحياة الجنسية لتوجد ظواهر غير مسبوقة وتبعثر المشهد بشكل غير متوقع، فماذا حدث؟ وكيف؟
كيف انعكس تطبيق الحظر على ممارسة الجنس بين الأزواج؟
أوجدت إجراءات الإغلاق نتيجة انتشار كورونا أجواء يسود فيها الخوف والقلق عند الكثير، مما أنتج مخاوف صحية غير مسبوقة، ولم يقف الأمر عند الجانب الصحي فقط فقد تدهورت الأحوال المالية للكثيرين نتيجة تسريحهم من وظائفهم أو تقليل مرتباتهم، هذه التركيبة المتشابكة أنتجت مشكلات بين الأزواج الذين يقضون معظم الوقت في مساحات ضيقة، ما انعكس تباعًا على حياتهم الجنسية.
وذلك ما أثبتته روندا بالزاريني عالمة النفس الاجتماعي والأستاذة المساعدة في جامعة ولاية تكساس الأمريكية، في دراسة أجرتها مع زملائها شملت 57 دولة توصلوا من خلالها إلى أن عوامل مثل القلق المالي أدت لزيادة الرغبة الجنسية بين الشركاء في البداية، لكن بمرور الوقت واستمرار مشاعر الوحدة والتوتر والخوف من الإصابة بكورونا انخفضت الرغبة الجنسية.
وكشفت الدراسة عن وجود ارتباط بين الضغوط والاكتئاب والرغبة الجنسية في ظل أزمة كورونا، ففي بداية الجائحة لم يكن مستوى الضغوط وصل إلى حد التسبب بالاكتئاب، لكن مع استمرار كورونا في الوجود شعر البشر بالإرهاق وعانوا من الضغوط النفسية المرتبطة بالاكتئاب الذي أثر في رغبتهم الجنسية.
أضف إلى ما سبق وجود مشهد يسود معظم البلدان يتمثل في تهديد الفيروس المستمر وارتفاع معدلات الوفيات والإصابات التي تستدعي دخول المستشفى، مما يخلق مزاجًا سيئًا يصعب معه ممارسة الجنس.
حسب المعالجين الجنسيين: "لن يتزاوج زوجان من الحمير الوحشية في حضور الأسد"، لأنه في ظل وجود تهديد كبير يستقبل جسمنا إشارات تفيد بأن الوقت غير مناسب لممارسة الجنس، وذلك يؤدي لانخفاض الرغبة أو صعوبة الإثارة.
للأسف لم يتوقف الأمر على تغير نمط الحياة الجنسية والاقتصار على قلة ممارسة الجنس، إنما امتد لجانب أسوأ وهو زيادة معدل العنف الجنسي الواقع على النساء، فقد أكد تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية أن جائحة كورونا أدت لتفاقم العنف الجسدي وبالأخص الجنسي.
وحتى تكتمل الصورة ونناقش جميع تأثيرات كورونا على الحياة الجنسية فلا بد من الرجوع إلى فكرة شائعة مع بداية الوباء وهي أن معدل المواليد سيزيد بشكل غير مسبوق، لكن ما كشفته الدراسات عكس ذلك تمامًا، فقد أظهرت الأبحاث التي أجريت أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أكبر تراجع في معدل المواليد منذ قرن، بينما يزيد الأمر حدة في أنحاء أوروبا.
وقدر الباحثون في معهد بروكنجز الأمريكي أن معدل المواليد في الولايات المتحدة سينخفض بمقدار 300 ألف إلى نصف مليون طفل، بينما أظهر مسح لخطط الإنجاب في أوروبا أن 50% من الأشخاص الذين خططوا للإنجاب في عام 2020 في ألمانيا وفرنسا أجلوا تلك الخطوة، وفي إيطاليا أكد 37% من المشاركين في المسح أنهم تخلوا عن فكرة الإنجاب تمامًا.
لكن تلك النسب لا تنطبق على جميع الدول ففي إندونيسيا تتوقع الحكومة أن يولد نصف مليون طفل في ظل الوباء، نتيجة وجود 10 ملايين شخص توقفوا عن استخدام وسائل منع الحمل لتعذر الوصول إلى العيادات والصيدليات.
العزاب يختارون بين الجنس الافتراضي أو الفردي
ترافق الخوف من الإصابة بكورونا مع الحذر من ممارسة الجنس مع الغرباء لأن احتمالية انتقال الفيروس في العلاقة الحميمية ستكون مرتفعة، وحذرت إدارة الصحة في مدينة نيويورك على سبيل المثال الأشخاص الذين اعتادوا ممارسة الجنس على أرض الواقع باستخدام تطبيقات المواعدة إلى الكف عن ذلك، وهو ما أدى إلى اللجوء للوسائل البديلة ومنها الجنس الافتراضي، إذ زاد فجأة الاعتماد عليه وانتشر بدلًا من المواعدة الجنسية الحقيقية.
وهذا ما انعكس على رواج تطبيقات المواعدة مثل تطبيق “بامبل” الذي شهد وفقًا لأحد ممثليه ارتفاعًا في مكالمات الفيديو من خلال التطبيق بنسبة 42% خلال شهر مايو 2020 بالمقارنة بشهر مارس من العام نفسه، لكن ذلك لا ينفي أن العناصر الأساسية التي تقوم عليها العملية الجنسية الحقيقية مثل التلامس الجسدي لا يوجد لها بديل في الجنس الافتراضي.
فوفقًا لتيفاني فيلد رئيسة معهد أبحاث اللمس التابع لكلية الطب في جامعة ميامي ميلر فاللمس بالضغط المعتدل يحفز مستقبلات الضغط الموجودة تحت الجلد، ما يؤدي لسلسلة من ردود الفعل منها: تهدئة الجهاز العصبي وإبطاء معدل ضربات القلب وخفض ضغط الدم، وتحقيق حالة من الاسترخاء.
عندما يُلمس الشخص تتراجع مستويات الكورتيزون في دمه، وهو هرمون التوتر الذي يؤدي ارتفاعه لفترات طويلة إلى قتل الخلايا المناعية، ولسوء الحظ يحدث ذلك في وقت انتشار وباء كورونا، مما يعني انخفاض الحماية التي توفرها الخلايا القاتلة الطبيعية التي تقضي عليه.
ربما يعد اختيار ممارسة الجنس الافتراضي جريئًا بعض الشيء لذا كان الحل الأقل جرأة بالتوازي مع قضاء المزيد الوقت في الحجر المنزلي يتمثل في الاستمناء، الذي وصفته إدارة الصحة بمدينة نيويورك أنه أكثر أمانًا من حيث تقليل احتمالية انتقال عدوى الإصابة بكورونا.
ويرتبط الاستمناء بزيادة استهلاك الألعاب الجنسية في ظل كورونا، وهو ما وصل إلى حد طلب إحدى الشركات الأمريكية التي تعمل في بيع الدمى الجنسية تعيين موظفين جدد لمواكبة زيادة الطلب، إذا شهد متجرها الإلكتروني زيادة في المبيعات بنسبة 51.6% من الرجال غير المتزوجين في شهري فبراير ومارس 2020.
رغم تلك الزيادة فهناك أشخاص ما زالوا مقتنعين بأنه لا بديل عن الملامسة الحقيقية، وذلك ما أثبته استطلاع للرأي أجرته شركة “FriendFinder” العاملة في مجال برمجيات المواعدة، إذا أكد 62% من العينة المشاركة أن العزلة التي قضوها أثبتت لهم بأنه لا يوجد شيء مماثل للمسة الحقيقية، لذلك فهم يرجحون عدم شراء دمية جنسية.
بالطبع لا يمكننا الحديث عن الجنس الفردي أثناء جائحة كورونا دون البحث عن تأثيرها في معدل زيارة المواقع الإباحية، وهو ما يتضح في استغلال أحد أشهر المواقع الإباحية للأزمة ومنحه الوصول المجاني للمحتوى المدفوع لمدة شهر، بدعوى مساعدة الأشخاص على الاستمتاع بالبقاء في منازلهم.
وقد انعكس ذلك على اشتراك الملايين وارتفاع نسبة الزيارة في إيطاليا لكونها البلد الأولى التي فرضت إجراءات إغلاق بنسبة 57% في شهر مارس 2020، بينما كانت النسبة في فرنسا 38.2% وفي إسبانيا 61.3%.
وفي حقيقة الأمر فالوضع أصعب وأعمق مما يبدو عليه؛ فمن وجهة نظر علمية يزيد البقاء في المنزل من مشكلة إدمان المواقع الإباحية، ما سيؤدي تباعًا إلى ضرورة وجود رعاية صحية نفسية في ظل ظروف الوباء الصعبة.
في زمن كورونا الكل معرض للضعف الجنسي!
تأبى كورونا أن تمر دون أن تترك أثرها بوضوح في الصحة الجنسية، فوفقًا للجمعية الأوروبية للطب الجنسي فإن العديد من الرجال الذين أصيبوا بالفيروس عانوا من ضعف الانتصاب بالمقارنة بفترة ما قبل الإصابة، ولم يقف الأمر عند الرجال فقط فالنساء أيضًا عانين من صعوبات في الوصول للنشوة الجنسية وانخفاض في الرغبة الجنسية.
أثبتت إحدى الدراسات العلمية أن الرجال المتعافين من كورونا قد يصابون بمشكلات في الصحة الجنسية على المدى القريب والبعيد، مثل: انخفاض كفاءة عمل الخصيتين وقلة إنتاج الحيوانات المنوية والتستوستيرون.
حتى الأشخاص الأحسن حظًا الذين لم يصابوا بالفيروس فهم ليسوا في منجى من التأثر، فالضغوط النفسية للوباء وما ينتج عنها من توتر وقلق واكتئاب تسهم في ضعف الانتصاب، وتزداد المشكلة تعقدًا كلما طالت فترة استمرار كورونا ما يعني: رجال جدد يعانون من الضعف الجنسي.