رغم التعتيم الإعلامي الذي تفرضه السلطات في عمان على الشأن الداخلي، تمارس السلطة سياسة الاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي بحق السجناء والمعارضين كأسلوبٍ تقمع فيه مخاوفها من الحراك الشعبي المتصاعد منذ موجة الربيع العربي العام 2011؛ إذ يحمل النظام السلطاني سجلاً حافلاً من حالات التعذيب التي تعرض لها معارضون في سجون النظام على خلفية نشاطهم السياسي منذ بداية حراك الربيع العربي مطلع العقد الماضي وحتى تظاهرات الشباب العماني الأخيرة في مايو 2021، والتي عمت عدة مدنٍ عمانية بعد محاولة السلطات قمعها واستخدام القوة مع المتظاهرين.
تسلط “مواطن” الضوء على سجل التعذيب وأنماطه في السجون العمانية في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب. إذ نُذكّر في هذا التقرير بقضايا التعذيب التي أدلى فيها السجناء بشهادات لتعرضهم للتعذيب والمعاملة السيئة في سجون النظام السلطاني.
حراك الربيع
الخامس والعشرون من فبراير 2011، كانت عمان على موعدٍ مع حركة احتجاجاتٍ واسعة عمت مدن البلاد مطالبةً بإصلاحاتٍ اقتصادية ومطالب إصلاحٍ سياسي لاحقاً، الأمر الذي جعل النظام يستنفر أجهزته الأمنية لقمع الاحتجاجات السلمية.
سبقت الحركة مجموعة إضراباتٍ لمعلمي المدارس مطلع فبراير 2011 للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، الأمر الذي أدى لتعطيل معظم مدارس البلاد، ليتلوها إضراباتٌ عمالية في قطاع مصافي النفط في مسقط وصحار منتصف شهر مارس 2011.
رافقت الإضرابات حركات احتجاجٍ امتدت من مدينة صحار لبقية المدن العمانية والعاصمة مسقط، وهو الأمر الذي تعاملت معه السلطات بقسوة.
شهدت الفترة التالية للاحتجاجات حالات تعذيب تعرض لها الناشطون العمانيون في حراك الربيع العماني والسنين التي تلته، الأمر الذي يكشف انتهاج النظام سياسة التعذيب لإسكات أصوات المعارضة.
الإعدام الوهمي، الحبس الانفرادي، الضرب، تغطية الرأس، الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري والتعذيب النفسي، بعضٌ من الوسائل التي تعرض لها السجناء الذين تم إدانتهم بتهمٍ غير معترفٍ بها دولياً، كإعابة ذات السلطان والتجمع غير القانوني.
في تقريرٍ سابق تواصلنا مع أشخاصٍ آخرين مقيمين في عمان للحديث عن تجربتهم في معتقلات النظام على خلفية نشاطهم السلمي في مطالبة النظام بالإصلاحات.
كانت معظم الردود هي الاعتذار عن التصريح وشعورهم بأنهم مازالوا تحت المراقبة، إحدى الشابات العمانيات ردت بأنها وأسرتها مازالوا يعانون آثار التجربة التي عاشتها في سجن النظام رغم مرور سنواتٍ على اعتقالها في العام 2012.
ضحايا التعذيب
في الثامن من إبريل 2011، وأثناء عودتها من المشاركة في احتجاجٍ في العاصمة مسقط، اعترضت باسمة الراجحي، مقدمة برامج سابقة في إذاعةٍ محلية، سيارة أجرة، هي والناشط سعيد الهاشمي. حاصرتهم سيارة من أمامهم وأخرى من الخلف، ثم خرج عشرة رجالٍ أخرجوها وسعيدًا من السيارة بالقوة ليلقى بهما على الأرض بعنف ويقوموا بتكبيلهما وضربهما وتغطية وجهيهما بكيسٍ أسود منعهما من التنفس وتفتيشهما بقوة.
في حين كانت تعتقد بأنهم سيأخذونهما لمركز الشرطة، اقتيدت الراجحي والهاشمي بعيداً عن الطريق داخل السيارة بعيداً في منطقة نائية قرابة الثامنة ليلاً.
تذكر باسمة الراجحي بأنها كانت تسمع ضرب الخاطفين لسعيد بالعصي والهراوات، وتقول بأنها كانت تعتقد بأنهم كانوا يقتلون سعيدًا، قبل أن يكشف عن وجهها ثم ضربها هي وبعنف. تقول بأنه تم وضع شريطٍ لاصقٍ على فمها وضربها بشدة والإساءة إليها. بعد تعذيبها أُخذت بالسيارة وضرب رأسها بقوة فيها، ثم قاموا برمي سعيد خارج السيارة. استمروا في طريقهم بعد الإلقاء بسعيد خارج السيارة حتى قاموا بسحبها من أقدامها والإلقاء بها بعيداً عن الطريق في الصحراء.
اضطرت باسمة للزحف وتسلق الصخور حتى وصلت للطريق الذي توقفت فيه إحدى السيارات ونقلتها للمستشفى. هنالك أيضاً تم إجبارها على الخضوع لفحص عذرية في تجربةٍ وصفتها باسمة بالمهينة.
في العام 2012 تم القبض عليها وإدانتها بالمشاركة في تجمعٍ غير قانوني والحكم عليها إثر ذلك بالسجن لأربعة أشهر. نعتقد بأن ذلك كان متعلقاً بممارستها حقها في التعبير والتظاهر.
في يناير 2013 زار ضابطان شقيقتها في مكان عملها وسألوها عما إذا كانت أختها، باسمة، قد تعلمت الدرس.
في إبريل 2011، أجبرت السلطات مجموعةً من الشباب المنظمين للتظاهرات على توقيع اعترافاتٍ تتضمن حيازتهم لمتفجراتٍ وتخطيطهم لاستهداف القوات الأمنية. حُكِم على الشباب الذين سمتهم الحكومة بعصابة المتفجرات بالسجن لعامين ونصف على خلفية الاعترافات الموقعة. نؤكد هنا على عدم قانونية الاعترافات المأخوذة عن طريق التعذيب والإجبار.
المدونون والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي ليسوا بمعزلٍ عن عنف السلطة، إذ أصبح العنف في عمان الاستجابة التلقائية للنظام أمام ممارسات حق حرية التعبير في الشأن العام والسياسي. في 29 يوليو 2013 واجه الناشط سلطان السعدي هذه الاستجابة من النظام بعد تعبيره عن آرائه على صفحته في موقع تويتر. بعد اعتقاله على يد جهاز المخابرات دون أية أوراق تثبت قانونية اعتقاله، احتُجِزَ سلطان لثلاثةٍ وعشرين يوماً في زنزانةٍ انفرادية، وأجبر على تغطية رأسه كلما غادر زنزانته ولاقى فيها المعاملة السيئة والتعذيب النفسي بأصوات الموسيقى الصاخبة ودرجة حرارة الزنزانة. تعتبر كل هذه الممارسات التي تعرض لها صنفاً من التعذيب في القانون الدولي واتفاقية مناهضة التعذيب.
في الـ 11 من يونيو 2012، ألقت السلطات القبض على الكاتب والناشط السياسي محمد الفزاري. وجهت إليه تهمة إهانة السلطان والتجمع غير القانوني. قضى الفزاري 27 يوماً في مركز احتجازٍ تابعٍ للأمن الداخلي، ثم 24 يوماً أخر فى زنزانةٍ انفرادية في السجن العام قبل أن ينقل لاحقاً للسجن المركزي، سيئ السمعة، في سمائل. تعرض الفزاري في فترة اعتقاله للتعذيب على أيدي الأمن، الحبس الانفرادي، تغطية الرأس، الموسيقى الصاخبة، درجة الحرارة، الضوء الساطع، الحجز في غرفٍ مكتظةٍ بالسجناء تجاوزت الثلاثين سجين في غرفٍ مخصصة لأقل من خمسة عشر سجيناً، قلة الغذاء ورداءته، القذارة ودورات المياه ذات المراحيض الفائضة دونما نوافذ، واحتجاز السجناء السياسيين مع سجناء آخرين محتجزين على خلفية قضايا جنائية.
الدبلوماسي حسن البشام، في الـ 28 من إبريل 2018، وأثناء قضائه حكماً بالسجن لثلاث سنوات على خلفية تعبيره عن آرائه على مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، تحت تهمٍ لا يعترف بها القانون الدولي، مثل إعابة الذات الإلهية وإعابة ذات السلطان، توفي في زنزانته بعد تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي.
احتجاجات مايو 2021
في الرابع والعشرين من مايو 2021، خرج الشباب العمانيون الباحثون عن فرصة عمل والمسرحون للتعبير عن سخطهم من ارتفاع معدل البطالة دون وجود حلول موضوعية تقدمها الحكومة معيدةً للأذهان احتجاجات الربيع العماني العام 2011.
مسيرة الاحتجاج في مدينة صحار واجهت العنف ذاته الذي لقيه أبناء المدينة في احتجاجات الربيع العماني، حيث استنفر النظام قواته الأمنية التي ملأت الشوارع وطوقت التظاهرة في المدينة وواجهتها بالعنف وضرب المتظاهرين واعتقالهم.
التظاهرات استمرت وامتدت لمدنٍ أخرى عقب قمع تظاهرة صحار، فيما استمرت حملة الاعتقالات للمشاركين والناشطين خلف التظاهرات. وأفادت مصادرنا في حينه بأن السلطات وجهت تهديداً لأبرز الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي بالتوقف عن الحديث حول التظاهرات وشنت حملة اعتقالاتٍ واسعة.
منهج التعذيب السلطاني
التعذيب في عمان بمثابة عصا السلطان الغليظة التي يلوح بها النظام أمام الناشطين السلميين العُزّل. وهو ما توثقه حالات التعذيب لناشطين تحدثوا عن تجاربهم مع الأجهزة الأمنية لنظام السلطان في عمان.
في مايو من العام 2019 أبلغتنا مصادرنا أن السلطات اعتدت جسدياً على مجموعةٍ من المتهمين من قبيلة الشحوح في محافظة مسندم بسبب انتقادهم لسياسات الحكومة لانتزاع اعترافاتٍ منهم قضت بهم لتلقي أحكامٍ بالسجن مدى الحياة.
اللجنة العمانية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حكومية تتبع النظام، قالت بأنها حققت في الأمر وكذبت مزاعم تعرض السجناء للتعذيب. تعتبر التحقيقات الحكومية غير نزيهة أو موضوعية كمؤسسات تتبع السلطة وتسعى لتحسين صورتها.
أنماط التعذيب
ترصد “مواطن” أنماطاً مختلفة للتعذيب في سجون النظام السلطاني في عمان بناءاً على شهادات معتقلين سابقين واجهوا أنماطاً مختلفة من التعذيب الجسدي والبدني.
الإعدام الوهمي
خلف أقنعةٍ تغطي وجوههم أو أعينهم، يستمع المختطف أو السجين لضرب رجال الأمن لرفاقه وإيهامه بقيامهم بقتله. كان هذا أحد أنماط التعذيب الذي تمارسه قوات النظام على المعتقلين العمانيين حسب شهادات معتقلين سابقين لدى النظام لإجبارهم على اعترافات أو ردعهم من ممارسة أنشطتهم المعارضة أو الحقوقية.
التعذيب بتغيير درجات حرارة
تتعمد السلطات تغيير درجات الحرارة بجعلها حارةً جداً أو باردةً جداً باستخدام أنظمة التكييف، بحيث لا يصعب احتمالها من قبل السجناء. أغلبية السجناء الذين تحدثوا عن تجاربهم مع معتقلات النظام أفادوا بتعرضهم لهذا النمط من التعذيب في غرف الاحتجاز والمعتقلات.
الدفع للجنون
كانت الزنازن فردية وشديدة الإضاءة بشكلٍ لا يحتمل، وموسيقى صاخبة في الخارج تمجد النظام. كانت هذه الممارسات تهدف لحرمان السجناء من النوم ودفعهم للجنون.
أوضاع السجون
أوضاع السجون العمانية سيئة جداً، ويقابل السجناء فيها معاملةً سيئةً من قوات الأمن وإدارات مراكز الاعتقال.
تتمثل معظم الأوضاع السيئة في السجون برداءة ونقص الطعام المقدم للسجناء وإهمال الجانب الصحي فيها، حيث تتخلف السلطات في سجن سمائل المركزي عن تقديم أو وصفة أدوية مرضى السكري والأمراض الأخرى، فيما لا توجد سلطةٌ يمكن للسجناء أن يقدموا إليها شكاويهم وتظلماتهم حول الأوضاع داخل السجون.
تتخلف السلطات عن توفير المترجمين للسجناء الأجانب، فيما تشكو قنصلياتٌ أجنبية من تأخر النظام السلطاني في إخطارها بمواطنيها المحتجزين والتعقيدات التي يضعها النظام في تصعيب عملية مقابلة السجناء الأجانب.
يجدر الإشارة أيضاً بأن النظام العماني بقي خارج اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة الدولية حتى مصادقته عليها مؤخراً العام الماضي 2020.