كان للنبي عدة أسماء، أخذت أبوابا كاملة داخل كتب السير والتاريخ، وحسب بعض كتاب السير تبلغ أسماء النبي محمد ثلاثمائة اسم، بينما اعتبرها بعض الصوفية ألف اسم، وبلغت المصنفات الإسلامية المختصة فقط بأسماء النبي أكثر من أربعة عشر مصنفا، وجاء أشهرها، الشفا في حقوق المصطفى للقاضي عياض، والرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة لجلال الدين السيوطي، وكان أغلب هذه الأسماء صفات، كخير البرية، وقد ذكر النبي صراحة باسمه محمد في القرآن تارة، ومرات أخرى بأسماء كالمصطفى وطه تارة، والمصطفى هو المختار، بينما طه جاءت حسب تفسير الطبري على أنها كلمة سريانية بمعنى يا رجل.
أسماء النبي جعلها بعضهم كعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسمًا، وعدّ منها الجزولي في "دلائل الخيرات" مِئتي اسم، وأوصلها ابن دحية في كتابه "المستوفى في أسماء المصطفى" نحو ثلاثمائة اسم.
بخلاف الصفات والأسماء الصريحة كأحمد وهو الاسم الذي ورد في نبوءة إتيان النبوة، ومحمد هو الاسم الفعلي للنبي في الواقع، كان هناك عدد من الكنيات للنبي أيضا كأبي القاسم: نسبة إلى ابنه القاسم، وابن أبي كبشة، واختلف كتاب السير في سر التسمية بهذه الكنية، إذ نسبها بعضهم إلى جده من أمه، وبعضهم نسبها إلى جده من والده، وبعضهم الآخر نسبها إلى زوج حليمة السعدية مرضعة النبي، وهذا حسب ما ورد في أنساب الأشراف للبلاذري.
إذا كان للنبي عدة أسماء تقع بين الكنيات والصفات، فهل يقع اسم محمد من ضمنها أيضا أم لا؟
سؤال يبدو غريبًا ومدهشًا للكثيرين، بدأ طرحه مع المستشرق الألماني شبرنجر، إذ أشار إلى أن اسم محمد مجرد لقب، للمسيح المنتظر بالنسبة لليهود، بينما اعتبره الباحث التونسي هشام جعيط لقبا يهدف إلى الإحالة والارتباط بالمسيح، فما سر الارتباط بين أسماء محمد والمسيح؟
بالنسبة لليهود، وإلى اليوم، لم يظهر مسيحهم المنتظر؛ فلم يعترفوا بيسوع الناصري، لسبب بسيط أن مسيح اليهود ملك يوحد اليهود وقائد جيش يؤسس مملكة، بينما يسوع الناصري اعتبر مملكته في السماء وليس في الأرض، كما أن يسوع اليهودي صاحب دين محلي يقتصر على يهود بني إسرائيل بينما كانت دعوة الناصري دعوة عالمية لليهود وغير اليهود أيضا، مما دفع اليهود للتشكيك في نسب المسيح وحسب وصف التلمود تم نسبه لأحد جنود الحامية الرومانية، وبالتحديد جندي يدعي بانتيرا.
وكان هذا التشكيك نابعًا من تجريم الإمبراطورية الرومانية لزواج جنودها من نساء البلدان غير الرومانية الواقعة تحت سيطرة الإمبراطورية، لأسباب تتعلق بحقوق المواطنة في الإمبراطورية، فكان الجنود يخوضون علاقات زواج عرفي أو علاقات غير شرعية. وكان كل هذا محض محاولات يهودية لرفض الاعتراف بيسوع الناصري، الذي تعد دعوته ثورة على الشريعة اليهودية بالأساس.
وعندما ظهر النبي محمد في جزيرة العرب، لم يجد يهود الجزيرة مانعًا من أن يكون النبي محمد مسيحهم المنتظر، لكن المشكلة الكبرى بالنسبة لهم هو اعتراف النبي محمد برسالة المسيح الناصري، مما أنشأ سجالات وحوارات مع يهود المدينة لكن العلاقة توترت سريعا ولأسباب سياسية بسبب رفض يهود المدينة خوض غزوة أحد بحجة أنهم لا يمارسون الأعمال في أيام السبت، ولم يشترك مع النبي منهم سوى مخيريق الذي نال وفاته في هذه الغزوة. مما جعل رسالة النبي من وجهة نظر اليهود هرطقة مسيحية، ومن وجهة نظر المسيحيين هرطقة يهودية في حق المسيح.
ويبقى هذا الربط بين اسم المسيح ومحمد يحمل إشكالية؛ إذ يعتبر الباحثون الذين يميلون إلى كون اسم “محمد” مجرد لقب أن معناه: ممجد، وهو اسم يستخدم للإشارة إلى المسيح، ولكن تبقى إشكالية هذا الطرح في اعتراف الإسلام بالمسيحية واعتراف النبي محمد برسالة المسيح، فكيف في ظل هذا الاعتراف ينتسب النبي ذاته إلى أحد ألقاب المسيح، وإن حدث ذلك فعلا فالأمر يتطلب عدم الاعتراف بالمسيحية من قبل النبي واعتبار نفسه المسيح.
إذا كان محمد لقبا فما اسم النبي "الحقيقي"؟
يعتقد المستشرق كارل هاينز أولج أن اسم محمد الموجود على زخارف قبة الصخرة من عهد عبدالملك بن مروان تعني ممجد وهي مجرد إشارة للمسيح، ويبني فرضيته في كون أن محمد لقب وليس اسمًا على عدد مرات ذكر محمد في القرآن الكريم أربع مرات فقط، مقارنة بذكر عيسى في 26 مرة، بينما يأتي ذكر موسى 136 مرة، بخلاف أن ذكر محمد لم يأت إلا في آيات مدنية، بمعنى أنه لم يبدأ مع رسالة الإسلام في مكة بل جاء كجزء من تطورها في وقت لاحق، وأن محمد كلمة سريانية يستخدمها العرب لتمجيد المسيح.
يعتقد الباحث مالك مسلماني أن اسم النبي الحقيقي هو قثم ويبني هذا الرأي على:
- أن لِجَدِّ النبي عبدالمطلب ابنًا مات قبل والدة النبي محمد وكان هذا الابن يسمى قثم وربما سمى النبي على اسم ابنه.
- أن عبدالله والد النبي كانت كنيته أبا قثم.
- أن ابن عمه قثم بن العباس كان يشبه النبي كثيرا، وربما روث الاسم بسبب هذا التشابه.
تبقى كل الآراء في قصة اسم النبي مجرد آراء فلا توجد دلائل قوية تثبت أن اسم النبي ليس محمدًا، ولا توجد دلائل قوية تثبت أن اسمه قثم، فلا توجد مخطوطة تشير إلى النبي باسمه أثناء حياته، خارج أو داخل الجزيرة العربية، كما لا توجد أي وثائق موقعة باسمه ولا نقوش تعود إلى عصره، مما يجعل التكهن باسمه من عدمه أمرا صعبا.
كما أن الارتباط قد يكون على مستوى اللغة لا التاريخ والأحداث والمفاهيم الدينية، فاسم إسماعيل مثلا بالتوراة معناه الذي سمع الله، ومع هذا كون ارتباط الاسم بشخص آخر غيره لا يعطي اعتبارًا أكثر من كون اسم هذا الشخص إسماعيل، واختلاف دلالة كلمة محمد سريانيا وعربيا واردة جدا في ظل لغات تعود إلى مجموعة لغوية واحدة، ومع هذا تبقى كل الاحتمالات التاريخية مفتوحة إلى حين وجود أدلة قاطعة تحسم الأمور.