لا يحتاج الأمر إلى بحث متعمق لمعرفة أن الحديث عن الجنس في البلدان العربية يُنظر إليه باعتباره أحد المحرمات، وتُناقش الموضوعات الجنسية في الغالب بشكل سطحي وعابر، وهو ما أدى إلى شيوع فهم مشوه حول الممارسات الجنسية، بالإضافة إلى اعتبار ممارسة الجنس أحيانًا إحدى الأمور المسببة للنظر إلى الذات بطريقة سيئة.
لكن فيما يبدو أن الوضع يتغير شيئًا فشيئًا مع ازدياد وسائل التعبير والنقاش في الفضاء الإلكتروني، وهو ما ظهر بوضوح مع انطلاق تطبيق “كلوب هاوس” للدردشة الصوتية فالكثير من الغرف العربية تتنوع موضوعاتها الفرعية لكن يجمعها الحديث عن قضية واحدة ألا وهي الجنس.
الغرفة الأولى: من الدور الجنسي "للفيرمونات" إلى عدد الأوضاع!
تولت مهمة إدارة هذه الغرفة مجموعة شهيرة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يرتكز دورها على التثقيف الجنسي للرجال، وكان الخطاب يمتاز بالطرح المحافظ وفي إطار علمي، فهو يتناول العلاقة الجنسية في حيز الزواج.
من الجوانب التي طرحها المتحدث الرئيسي للغرفة الملل الجنسي الذي يحدث لدى الرجل تجاه العلاقة الحميمية، واتجاهه نتيجة ذلك إلى الخيانة الزوجية تطلعًا إلى أن العلاقة خارج إطار الزواج ستكون أكثر إسعادًا.
ضمن هذا السياق يطرح المتحدث سؤالًا مفاجئًا على المتابعين عن الوضعيات الجنسية التي يمكن ممارستها في وضع الوقوف فقط، وبعد جمع إجابات عشوائية أجابهم أنها تتخطى الخمسين وضعية، مما دفعه إلى القول بأن مساحة التجديد في الممارسة الجنسية متسعة بشكل لا يخطر على البال.
إحدى المواقف التي ذكرها للاستدلال على قلة الوعي بالتجديد الجنسي نموذجًا لرجل كان يشكو من الملل الجنسي، وعندما سأله عن عدد أوضاع الجماع أجابه بأنه يعتقد أنها لا تتجاوز الثلاثة أوضاع، فرد عليه ساخرًا: “إنت ما شوفتش سكس قبل كده؟”، ليشرح له الكثير من الأوضاع الجنسية، وهو ما جعل الرجل يخبره بعد فترة أن المتعة التي وجدها جعلته يعتقد أنه لم يمارس الجنس قط.
يرتكز المتحدث في معظم كلامه على الجانب الديني مشيرًا إلى حث الدين على زيادة المعرفة الجنسية، ويضرب مثالًا بقوله أنه إذا كان لديك ضيوف فجرب أن “تخطف” زوجتك وتمارس معها الجنس سريعًا ثم تعود لضيوفك ليشعرك ذلك بأنها حلالك، ويشير إلى أنه عندما طرح هذه الفكرة على المجموعة التي يديرها واجه معارضة شديدة للغاية وصلت إلى اتهامه بالإلحاد وفق وصفه.
واستكمل حديثه ناصحًا الشباب بالتوسع في تنويع الممارسات الجنسية طالما بعد عن المواطئ المحرمة، ومن ذلك ممارسة الجنس في أماكن مختلفة مثل الحديقة أو السيارة أو الشُرفة، طالما كان متأكدًا أن المكان غير منتهك الخصوصية، وأنهى حديثه قائلًا إن هناك قاعدة تقول: "طول ما سريرك بيتهز حياتك ثابتة".
أنتهى بذلك حديث مدير الغرفة ليشارك أحد المتحدثين المشاركين وهو طبيب أكد على دور الدوبامين في إسعاد الإنسان وارتباطه بالروائح التي يشمها الإنسان، وأشار إلى أن بعض شركات العطور طرحت عطورًا جنسية في الأسواق دون الإشارة إلى ذلك، بالإضافة إلى تأكيده على أهمية رائحة الجسم الطبيعية ودورها في الانجذاب الجنسي.
هنا تدخل المتحدث الرئيسي إلى طرح فكرة شائعة تتمثل في أن الكثير من الرجال يعتقدون أن المناطق الحساسة الوضع الأمثل لها أن يكون لونها ورديًا، ووفقًا لتفسيره فهذا الأمر جاء نتيجة مشاهدة الإباحيات بكثرة، وأشار إلى حل عملي اتبعه وطرحه على الجروب وهو الإتيان بموحد لون البشرة ووضع عليه بودرة دم الغزال للوصول إلى نتيجة مقاربة، فعلق أحد الأطباء طالبًا منه أن يراسله بالتركيبة العلمية حتى يتأكد من مأمونيته على الجسم.
اللافت للنظر أن معظم المتحدثين المشاركين كانوا أطباء متخصصين إما في الصحة الجنسية أو الجلدية، وهو ما أتاح المساحة لمناقشة العديد من الأمور المتعلقة بالعمليات التجميلية في المناطق الحساسة، أو التطرق للأمراض المؤثرة على الصحة الجنسية بشكل عام، وكان حاضرًا في الغرفة قرابة الخمسمئة متابع تنوعوا بين الذكور والإناث بشكل متقارب في العدد.
الغرفة الثانية: حوار مفتوح حول المثلية
ربما كانت هذه الغرفة من أكثر الغرف انفتاحًا من حيث الآراء المطروحة تجاه المثلية أو الأشخاص المختلفين في اتجاهاتهم الجنسية بشكل عام، فأحد المتابعين شارك بتجربته في تقبله للأشخاص المثليين بعد فترة من معارضة وجودهم، إلى جانب رؤيته أن ذلك كان بوابة للتعرف على اتجاهات أخرى مثل الأشخاص اللاجنسيين الذين لم يكن يُصدق وجودهم لكن عند تعرفه عليهم وجد أنهم أشخاص عاديون لكن الفرق أن ميولهم الجنسية مختلفة عن السائد، وختم حديثه بالتأكيد على أن اعتبار الأشخاص المثليين ما يجمعهم العلاقة الجنسية التي يمارسونها هو أمر خاطئ، فالأمر أعمق من ذلك بكثير على حد وصفه.
وشارك أحد المتابعين بسؤاله الأشخاص المثليين الذين يعيشون في مصر عن المشكلات التي تواجههم في حياتهم اليومية وكيفية التعامل معها، فأجابه أحد المتابعين بأن لا مشكلة لديه فجميع أصدقائه ميولهم الجنسية طبيعية، مؤكدًا على أن حياته الجنسية يعيشها في السر ولم ينف خوفه من انكشاف ميوله الجنسي، وهو ما حدث في إحدى المرات عندما عرفت صديقة له بميله الجنسي فأضطر للجلوس شهرين في المنزل خائفًا من التعامل مع الآخرين وفق تعبيره.
وأشار أحد المتحدثين إلى أهمية قبول المثليين وعدم الذهاب مع الاتجاه السائد في المنطقة العربية، الذي يتمثل في نبذهم والاعتداء عليهم أحيانًا، فهم في النهاية بشر لهم حق العيش مثلهم مثل الآخرين تمامًا، وهو ما جعل إحدى المشاركات تؤكد على هذه النقطة مشيرة أن الهدف الأساسي للغرفة هو تبادل الآراء بعيدًا عن الهجوم أو تجاوز المساحات الشخصية، وتبعها أحد المتحدثين ليشرح مصطلحات مجتمع الميم والفروق بينها من أجل تثقيف الأشخاص الذين لا يوجد لديهم معرفة بها.
من ضمن الأسئلة المهمة التي طرحها أحد المتابعين هو: هل يمكن للشخص المثلي أن يتعالج ويعود شخصًا طبيعيًا في ميله الجنسي؟ وهل الشخص المثلي يود الرجوع إلى الميل الجنسي الطبيعي؟ فأجابه أحد المتحدثين بأنه رغم سماعه تجارب لأشخاص تعالجوا بالفعل لكن الرأي العلمي حتى الآن يؤكد أن الميل الجنسي لا يمكن تغييره بحلول علاجية، والذي يمكن أن يحدث فقط هو أنه بمرور الوقت يتغير الميل الجنسي للشخص ليعود إلى الميل الطبيعي.
مؤكدًا على أن تجربته للعلاج في الفترة التي كان فيها غير راضٍ عن ميله الجنسي كانت سيئة للغاية، والأطباء الذين قابلهم لم يكونوا واعين بأبعاد المشكلة من الأساس، وهو ما انعكس على اتباعهم أساليب علاجية خاطئة مثل العلاج بالكهرباء، خاتمًا حديثه بأنه كان يتمنى أن يولد بميول طبيعية ويتزوج وينجب ويعيش حياته مثل الآخرين، إلا أن ذلك لم يحدث وهو ما جعله يتقبل بسلام وضعه الحالي ويتصالح معه.
الغرفة الثالثة: التوعية والحماية الجنسية لتنشئة سوية
تطرق المتحدثون في هذه الغرفة إلى عدة نقاط تتعلق بالتنشئة الجنسية للأطفال ودورها في حمايتهم من التعرض للاعتداءات الجنسية، وأشارت إحدى المتحدثات إلى نقطة في غاية الأهمية وهي توعية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم بنسبة كبيرة قد يكونوا عرضة للاستغلال الجنسي؛ نظرًا لمرض بعضهم بالقصور الذهني، مؤكدة على ضرورة توعية الأطفال لوضع حدود للآخرين في التعامل الجسدي معهم، ومعرفة كيفية طلب المساعدة عند تعرضهم للتحرش.
وأشارت إلى دور التربية الجنسية في المدارس إلى حماية الطفل من الاعتداء الجنسي، ضاربة المثل بالمدارس الأجنبية التي يُدرس الأطفال طبيعة العلاقة الجنسية بينما لا يحدث ذلك في المدارس العربية، وهو ما يجعل مساحة الجنس مجهولة بشكل كبير وقابلة للتشويه أكثر، لأنها لا يوجد لها أساس ما يعني أن أي معلومات تدخل في حيزها ستكون مُصدقة.
ثم ألقت إحدى المتحدثات الضوء على ما أسمته بقانون الملابس الداخلية، ويتمثل في توعية الأطفال بأن ما تحت الملابس الداخلية غير مسموح لأي شخص مهما كان مشاهدته، لافتة النظر إلى أن يكون مصدر التوعية الجنسية الأسرة وليس القنوات الفضائية أو الإنترنت.
وانطلق أحد المتحدثين بعد ذلك في شرح آلية يعتمدها للتوعية في المدرسة لحماية الأطفال من التحرش الجنسي، بالإتيان بمجسم ولد أو بنت بحسب القاعة التي يُشرح فيها المحتوى التوعوي ففي هذه الفعالية يُفصل بين الجنسين، ومن ثم يقومون بوضع علامة صواب على المكان الذي يُسمح بلمسه وعلامة خطأ على المكان الذي لا يُسمح بلمسه، إلى جانب شرح كيفية التفرقة بين اللمسة البريئة واللمسة المثيرة للريبة.
هنا تدخلت إحدى المتحدثات لتلفت الانتباه إلى نقطة أساسية، وهي أهمية الاحتواء النفسي من جانب الأسرة وشيوع الود والمحبة في المنزل في إقامة مثل جدار أولي يحمي من الاعتداء الجنسي، فحتى وإن تعرض الطفل لحادث اعتداء أو بدايات حادث حينها سيكون من اليسير أن يعبر عما تعرض له، لأنه لن يكون لديه أي مشاعر خوف أو قلق من تصريحه عما حدث.
واستكملت حديثها بالإشارة إلى المصادر المعرفية التي يمكن الاعتماد عليها لتثقيف الأطفال جنسيًا، وكيفية الإجابة عن الأسئلة ذات الطبيعة الجنسية التي يطرحها الأطفال من باب الفضول، والتدرج في الإجابة وفقًا للفئة العمرية.