في زيارةٍ استمرت ليومين هي الأولى له خارج البلاد منذ توليه مقاليد الحكم بعد رحيل السلطان قابوس عام 2020، والأولى لسلطانٍ عمانيٍ منذ أكثر من عقدٍ من الزمان للمملكة العربية السعودية، غادر السلطان هيثم بن طارق العاصمة السعودية بعد زيارةٍ يمكن أن توصف بالتاريخية في علاقة البلدين.
تظهر الزيارة ضمن تحولٍ سعوديٍ في طريقة إدارة ملف السياسة الخارجية للبلاد تلبيةً للتغيرات الحاصلة في المنطقة وسياسات الإدارة الديمقراطية الجديدة في البيت الأبيض، وللرغبة العمانية في تغيير طبيعة العلاقات مع اللاعب الأكبر في مجلس التعاون الخليجي من منطلق حاجة الطرفين لدور الأخر لتحقيق المصالح المشتركة.
أزمةٌ اقتصادية
شهدت عمان تظاهراتٍ واسعة نهاية مايو 2021 أظهرت العجز الاقتصادي للسلطات العمانية في عروض التهدئة الباهتة التي عرضتها على المتظاهرين للمطالبة بالإصلاحات الاقتصادية، في الوقت الذي زادت فيه أزمة جائحة كورونا من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تمر بها عمان كدولةٍ ذات نظامٍ ريعي في ظل تراجع الطلب على النفط وتراجع أسعاره.
قدمت قطر مساعدةً بلغت مليار دولار العام 2020 لمواجهة آثار الجائحة في عمان، فيما بقي بقية أشقائها الخليجيين مكتوفي الأيدي في ظل مواقف الانقسام التي رفضت عمان الانخراط في اصطفافاتها والمحافظة على موقفٍ يسمح لها بالاستمرار بلعب دور الوسيط.
هذه المواقف من الأزمة الخليجية والتحالف العربي للحرب في اليمن سابقًا ترك سلطنة عمان في عزلةٍ من تحقيق مصالح اقتصادية هي في أمس الحاجة لها وفي وقتٍ تشهد شقيقاتها في الخليج عملية تحديثٍ اقتصاديٍ للانتقال لعصر ما بعد النفط من واقعٍ اقتصاديٍ مزدهر في حين تبدو الرؤية العمانية تواجه الكثير من التهديدات أمام العجز الاقتصادي المتزايد في البلاد بالتوازي مع تزايد السخط الشعبي من عجز الحكومة لمعالجة المشاكل الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة في أوساط الشباب حسب تقارير سابقة للبنك الدولي.
تأتي الزيارة لكسر حواجز العزلة التي سببتها تقاطعات المصالح في الملفات الإقليمية المختلفة مع المملكة العربية السعودية ومحاولة الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها النظام العماني مع تزايد السخط الشعبي، في وقتٍ يبدو الحل لهذه الأزمة في الرياض التي يبدو بأنها ترحب بذلك.
في البيان المشترك للزيارة كان التعاون الاقتصادي أحد أهم أولويات الزيارة، إذ وقع السلطان العماني مذكرة تفاهمٍ مع الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز حول إنشاء مجلس تتنسيقٍ عمانيٍ سعوديٍ مشترك لتطوير العلاقات بين البلدين. وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، قال بأن إطلاق مجلسٍ تنسيقيٍ بين السعودية وعمان يهدف لتوفير المظلة والمرجعية التي تؤطر المرحلة المقبلة من التعاون بينهما.
الطرفان أعلنا عزمهما رفع التعاون الاقتصادي بين البلدين وتقديم محفزات للحركة التجارية والاستثمارية بين البلدين، فيما أعلنت السعودية عن التقدم في سرعة إنجاز الطريق البري المشترك وفتح منفذٍ بريٍ للحركة التجارية وتنقل مواطني البلدين.
دبلوماسيةٌ جديدة في الصراع مع طهران
لعبت سلطنة عمان دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن للتهدئة والخروج باتفاقٍ حول البرنامج النووي الإيراني منذ مطلع العقد الماضي، وهو الأمر التي عارضته السعودية وبشده، حيث اتخذت المملكة موقفًا سلبيًا من توقيع إدارة الرئيس الأميركي أوباما للاتفاق النووي مع طهران، وكانت أول المباركين لموقف إدارة ترامب من الاتفاق والانسحاب منه لاحقًا.
مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنت العودة للاتفاق النووي مع طهران في مقدمة أجنداتها، تضطر المملكة السعودية للتعامل بطريقةٍ جديدة مع الملفات الإقليمية، إذ إن المطالبات السعودية بالدخول ضمن الأطراف المتفاوضة مع طهران التي طالب بها وزير الخارجية السعودي واعتبرها مطلبًا ملحًا باءت بالخيبة بعد الرفض الإيراني وتمسك طهران بصيغة وأطراف الاتفاق السابقة 5+1.
الرئيس العراقي، برهام صالح، أعلن منذ أشهر عن قيام بلاده بعقد لقاءاتٍ تجمع بين طهران والرياض لتقريب وجهات النظر، فيما أعلن ولي العهد السعودي في وقتٍ سابقٍ قيام بلاده باستثمار 6 مليارات دولار في القطاع الزراعي العراقي، الأمر الذي يوصف بالمحاولة السعودية للدخول على خط تنافس المصالح مع طهران داخل العراق.
وتأتي هنا أهمية الدور العماني للسعودية للخوض في مسارات التهدئة مع طهران التي تحتاجها السعودية. وصفت وكالة بلومبيرغ الزيارة العمانية للمملكة بأنها إشارةٌ لتحالفاتٍ متغيرة في منطقة الخليج، في وقتٍ تسعى المملكة لتغيير طريقة تعاملها مع ملفات السياسية بالتواصل مع دولٍ لها علاقات أوثق مع منافستها طهران، تعني بذلك العراق وعمان.
النفط وأوبك
مع أن الخلافات بين الرياض وأبوظبي ما تزال خاملة، إلا أن محاولة الإمارات التمرد على منظمة أوبك ورفع حجم إنتاجها أثار امتعاض السعودية التي رفضت بشدة تخفيض حجم إنتاجها من النفط نزولًا عند الرغبة الإماراتية، فيما عمان تتشارك ذات المخاوف مع السعودية إذا ما حاولت الإمارات زعزعة استقرار أسواق النفط بعد مواجهة عمان لأثار كساد أسواق النفط العام 2020 تحت أثار جائحة كورونا وتراجع الطلب على النفط.
تأتي الزيارة العمانية والتفاهمات مع السعودية مع تزايد حجم الاختلافات مع طموحات أبوظبي، إذ أكد بيان الزيارة العمانية السعودية على أهمية الاستمرار في دعم استقرار أسواق النفط وأهمية دور منظمة الأوبك بقيادة المملكة ومشاركة عمان في تحقيق هذا الاستقرار.
الحرب في اليمن
حققت عمان باتخاذها موقفًا محايدًا من الحملة العسكرية السعودية على اليمن ورفضها الانضمام للتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن نفوذًا قويًا على أطراف الحرب المحلية. مع استضافتها لفريق الحوثيين المفاوض على أراضيها منذ مطلع الحرب عمقت علاقتها بالحركة واستطاعت أن تكون أحد أهم الأطراف المؤثرة إقليميًا عليها بعد طهران.
تواجه السعودية مشكلةً مع تعقيدات الصراع اليمني وتزايد قدرات الحوثيين العسكرية والسياسية، إذ أعلن الحوثيون رفضهم للمبادرة السعودية للحل التي أعلنتها مطلع العام 2021 ووصفوها بأنها غير موضوعية، فيما تستمر مخاوف التهديدات في النمو مع تقدم الحوثيين على الأرض.
وزير الخارجية العماني، البوسعيدي، أفاد بأنه لا توجد مبادرة خاصة ببلاده لإنهاء الحرب في اليمن وأن مساعيهم تدور حول تقريب وجهات النظر بين جميع أطراف النزاع. من هذا المنطلق تبرز الحاجة السعودية الأميركية للتأثير العماني في الحوثيين والدفع بهم لقبول مبادرة الحل، إذ تدفع المملكة العربية السعودية الإدارة العمانية لممارسة تأثيرها في الحوثيين والانخراط بشكلٍ أكثر جدية للحل في الشأن اليمني.
في البيان الختامي للزيارة أكد الطرفان على السعي لإيجاد حلٍ للحرب في اليمن وإنهاء النزاع قائمٍ على المبادرة الخليجية 2012 والمبادرة السعودية للحل، والتي سبق وأن صرح وزير الخارجية السعودي عن قبول بلاده التفاوض حولها للوصول لصيغةٍ مرضية.
تأثيرٌ مشترك
علاقاتٌ أوسع وأكثر جدية بين البلدين تجمعهم في مصالح مشتركة قد تحقق للمملكة العربية السعودية تأثيرًا أكبر في العمانيين للاستفادة من دورهم المؤثر في التواصل بين أطراف الصراع الإقليمي والدفع بهم لحماية المصالح السعودية في علاقات مسقط المقربة من منافسي الرياض.
الرؤية من مسقط، تمنح هذه الفرصة مخرجًا من الأزمات الاقتصادية التي تواجهها في ظل محاولتها التحول الاقتصادي من دولةٍ ريعية لتنويع مصادر الدخل لديها وتطوير القطاع الاقتصادي الداخلي بالارتباط بمصالح اقتصادية أكبر مع أكبر اقتصادات الخليج، الأمر الذي سيسهم في استقرارٍ اقتصادي في الداخل العماني وتمثيله رافداً مهماً لإنجاح جهود الرؤية العمانية.
تطلعات تطوير العلاقات كبيرة لدى الطرفين، لكن السؤال الأهم “هو هل سيحقق كل طرف غاياته منها كما يأمل؟ أم أنها ستتهاوى سريعًا أمام امتحانات الصراع في المنطقة؟”