" يا ديني محلالي فرحو بالعوادة... الله لا تقطع له عادة... ونخاف عليه خمسة والخميس عليه"
في مشهد استثنائي استقبل الجمهور التونسي والعربي فوز اللاعبة التونسية أنس جابر على التشيكيّة كارولينا بليسكوفا المصنفة الثالثة عالميا في دور الثمانية لبطولة قطر المفتوحة للتنس، بالغناء على إيقاع واحدة من أشهر الأغاني التراثية التونسية المرتبطة بالأفراح “يا ديني محلالي فرحو بالعوادة”.
المشهد الذي تزامن مع بداية انتشار وتفشي جائحة كورونا عالميًا في نهاية شهر فبراير/ شباط عام 2020 كان بمثابة تتويج الجماهير للاعبة التونسية الشابة صاحبة الـ(26) عامًا على مجهودها الكبير؛ فرغم خروجها من الدور التالي للبطولة إلا أن طريقة لعبها المميزة، وتطور أدائها بشكل ملفت من بطولة لأخرى وضعها في مكانة مميزة بين لاعبات كرة المضرب الأبرز في العالم، وبشروا بنجاحات كبيرة تنتظرها في القادم من البطولات.
عام أنس
بعد عام كابوسي وقاسٍ من الهلع والعزلة والمرض والموت المرتبط بتفشي فيروس كورونا، ظهرت أنس بصورة مغايرة في عام 2021 على مستوى المظهر الخارجي بتخلصها من بعض الكيلوجرامات الزائدة في وزنها، وعلى مستوى الأداء الذي بدا واضحا في تركيزها الشديد وشراستها الهجومية واللياقة البدنية العالية وقدرتها على احتمال الضغوط النفسية في لقاءاتها مع اللاعبات الأعلى تصنيفا والأكثر خبرة.
الحضور المميز للنجمة التونسية مكنها من تحقيق إنجاز شخصي جديد وعربي غير مسبوق بالتتويج ببطولة رابطة لاعبات التنس المحترفات في نهاية شهر يونيو/تموز عام 2021 بعد فوز مستحق على الروسية داريا كاساتكينا في المباراة النهائية على الملاعب العشبية بمدينة برمنجهام الإنجليزية.
“أنا فخورة للغاية، الفوز بهذا اللقب جعلني أتنفس الصعداء قليلا. كان علي أن أحقق ذلك وأن أكون مثالا يحتذى به” بهذه الكلمات عبرت أنس عن سعادتها بالفوز باللقب لتصبح أول لاعبة عربية تفوز بالبطولة، وأضافت:”آخر مرة لعبت فيها مع داريا خسرت وكنت أبكي. هذا الصباح كنت أفكر هل سأبكي مع خيبة أمل الليلة أم سأحتفل؟”.
نجاحات أنس لم تتوقف على التتويج بلقب رابطة لاعبات التنس المحترفات؛ فحضورها القوي في بطولة ويمبلدون العريقة مكنها من الوصول إلى الدور الربع نهائي والتقدم في التصنيف العالمي للاعبات التنس المحترفات إلى المركز 21 عالميًا بعد فوزها في ثلاث لقاءات قوية على الأمريكية المخضرمة فينوس وليامس المتوجة في ويمبلدون خمس مرات، والإسبانية غاربيني موغوروزا، والبولندية إيجا سواتيك المصنفين ضمن قائمة العشرين لاعبة الأفضل في العالم.
تجربة ملهمة
بقدر ما تنسب إنجازات أنس جابر للحقل الرياضي، بقدر ما تلقي بظلالها على السياق المجتمعي بشكل عام، ففي مجتمعات تعاني فيها المرأة من قيود وتحديات كثيرة على المستوى الاجتماعي، والطبقي، والثقافي، والرياضي. تأتي نجاحات أنس الاستثنائية لتشجع وتدعم الكثير من الفتيات في مسيرتهن الرياضية والحياتية رغم كل التحديات التي تواجههن.
تدرك ابنة مدينة المنستير الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط دورها كمصدر إلهامٍ وتشجيع للكثير من النساء العربيات على ممارسة رياضة التنس أو غيرها من الأنشطة والرياضات، لذلك تكرر في لقاءاتها الصحفية على مطالبة الحكومات والاتحادات الرياضية التونسية والعربية بمزيد من الاهتمام بدعم وتشجيع توفير مساحات لممارسة الرياضة على مستوى الهواية والاحتراف.
تقول أنس: "أن أكون اللاعبة العربية الوحيدة في هذا المركز المتقدم ليس بالأمر السهل، ربما هناك من يشاهدني الآن ويريد أن يكون مكاني. كل ما أريد قوله، إنني إذا وصلت، فلا شيء مستحيل. كما قلت من قبل، أحاول دائمًا أن ألهم الأجيال الأخرى"
في عمر مبكر اضطرت النجمة التونسية لاتخاذ قرارات مهمة؛ أبرزها الحصول على الشهادة الثانوية دون إتمام تعليمها الجامعي لعدم قدرتها على التدرب على نحو جيد والدراسة في الوقت ذاته “أردت أن أصبح لاعبة تنس محترفة، وحرصت على ضمان إمكانية العودة إلى الدراسة إن رغبت بذلك في المستقبل” تقول أنس في مقابلة أجرتها معها ألمى حسون، الصحفية في بي بي سي عربي نيوز.
سافرت حينها إلى فرنسا ثم بلجيكا بحثًا عن مدرب محترف ومنافسة أقوى بعد سنوات من التأسيس والتدريب مع المدرب التونسي نبيل مليكة؛ و في عمر الـ(17) أصبحت أنس أول لاعبة عربية تتوج بإحدى بطولات جراند سلام الأربع الكبرى عندما فازت في نهائي رولان غاروس للناشئات في فرنسا (2011). حققت أنس هذه البطولة وغيرها من الإنجازات بمجهودها الفردي ودعم من أسرتها فلم تحصل على الدعم الذي كانت “تتوقعه” من الفيدرالية التونسية لأسباب تقول إنها “تتفهمها”.
صورة مغايرة
أجمل ما في مسيرة أنس جابر أنها تقدم صورة مغايرة للكثير من الأفكار المسبقة والشائعة؛ فالبطلة التونسية تزوجت مبكرًا وهي في سن الحادية والعشرين من لاعب المبارزة ومدرب اللياقة البدنية الروسي التونسي كريم كمون، ولم يعطلها الزواج عن مسيرتها الاحترافية، بل شجعها زوجها وتفرغ لتدريبها.
الثنائي أنس وكريم اللذان أصبحا خلال السنوات الماضية نموذجًا ومثالًا على المستوى الرياضي والاجتماعي أيضًا فالعلاقة القائمة على الاحترام والحب والتعاون والتفهم تقدم صورة مختلفة ومميزة؛ فالشائع أن “خلف كل رجل عظيم امرأة عظيمة” لكن هذه المرة يحدث العكس فنحن أمام بطلة يقف خلفها زوجها ومدربها.
تعرفت أنس على زوجها قبل سنوات من زواجهما، وتحديدًا في أثناء الثورة التونسية عام 2011 “بسبب الوضع في الشارع أثناء الثورة توقفنا عن الذهاب للتدريب فكثر حديثنا على موقع فيسبوك. كان يسألني إن كنت بحاجة للحصول على أي شيء لأني لم أغادر البيت لفترة، كان لطيفا معي” تقول أنس.
وتضيف: “أحيانا أطلب منه الظهور معي في بعض المقابلات التلفزيونية لكنه يرفض ويقول لي “أنت النجمة”. قررنا العمل معا لأني لن أجد أحدا يهتم بي بقدر ما يفعل هو. فهو يدعمني كثيرا لأنني زوجته ولأنه يحبني، لم يعد نجاحي حلمي وحدي فقط، بل حلمه أيضا”.