في ظل وضع مشتبك وتدخلات خارجية من اليوم الأول لتظاهرات الليبيين، حتى سقوط معمر القذافي وما بعد القذافي، مشهد لم يكتفِ فقط بالتدخلات الدولية، بل استدعى أيضا انفجار ميليشات جهادية من الداخل السلفي الجهادي ومن الجهاديين القادمين من العراق وسوريا وأفغانستان، لتصبح ليبيا أرض صراع دولي بين القوى العظمى وأرض صراع إقليمي بين القوى المحيطة بحدودها وحتى البعيدة، وأرض صراع مذهبي بين جماعات متطرفة أيضا، ولفض كل هذا الاشتباك التقت مواطن بـ أحمد الشيباني رئيس الحزب الديمقراطي الليبي.
- المشهد الليبي ليس شديد التعقيد في حد ذاته، ولكن تدخل القوى الإقليمية والخارجية هو السبب الرئيس للفوضى والفلتان الأمني الذي تشهده البلاد.
- كثيرا ما تشهد الثورات العنف، والثورة الليبية ليست استثناءً في ذلك؛ فنظام القذافي كان نظاما قمعيا يحكم بالحديد والنار ولا يقيم وزنا لحقوق الإنسان ولقيم الحضارة على وجه العموم.
- إن التواجد العسكري التركي هو اصطفاف مع ثورات الربيع العربي التي تريد الحرية والديمقراطية. إنه موقف أخلاقي بامتياز لن تنساه الشعوب العربية أبدا.
- عندما اندلعت ثورة 17 فبراير المجيدة كان الإخوان المسلمون من أوائل الليبيين الذين هرعوا إلى ليبيا سعيا وراء السلطة والمال.
إلى نص الحوار:
يبدو المشهد الليبي معقدا شديد التشابك إقليميا وداخليا، فكيف يمكننا فهم التحالفات داخل هذا المشهد المعقد؟ وما المصالح التي يسعى لها كل فريق في المشهد؟
لكل مجتمع تناقضاته، فهذا أمر طبيعي. والتناقضات في المجتمع الليبي قد تبدو للمراقب من بعد شديدة التعقيد ويستعصي حلها، ولكن هذه قراءة خاطئة للمشهد.
لقد ساعدنا الناتو عسكريا في إسقاط القذافي، وهذا أمر مهم جدا ورائع بلا أدنى شك، ونحن الليبيين والليبيات ليس لنا إلا أن نشكر الناتو على هذه المساعدة التاريخية. ولكن الدول الكبرى لم تُرِد مساعدتنا لإقامة الديمقراطية، لهذا وجدناها تصطف منذ الأيام الأولى للثورة في صف الثورة المضادة، فهي لم تُرِد ثورة حقيقية بل أرادت التخلص من القذافي وبقاء الجماهيرية في قالب جديد، لقد أرادت هذه الدول إقامة ديمقراطية مزيفة في ليبيا على غرار الديمقراطيات العربية المزيفة الأخرى.
لقد فاجأت ثورات الربيع العربي الدول الكبرى الحريصة على بقاء النظام العربي القديم الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، فهو امتداد للحقبة الاستعمارية التي لم ترد هذه الدول انتهاءها. لقد اندلعت ثورات الربيع العربي في شرق العالم العربي وغربه لأن الحكام العرب، قد أسرفوا في القتل والسجن والتنكيل، ولإن العالم من حولنا نحن العرب قد تغير، فالشباب العربي بات يطمح للحرية التي ينعم بها الشباب في الغرب. لقد بات استمرار هذه الحالة الاستعمارية أمرا مستحيلا، ولكن المستعمرين لم يريدوا الاعتراف بهذه الحقيقة فذهبوا يدعمون الثورات المضادة.
إذًا فالمشهد الليبي ليس شديد التعقيد في حد ذاته، ولكن تدخل القوى الإقليمية والخارجية هو السبب الرئيس للفوضى والفلتان الأمني الذي تشهده البلاد. وليس أدل على ما نقول من أن قوات خليفة حفتر تتكون من القوات الخاصة الروسية والفرنسية والإماراتية والمصرية والسودانية والأردنية ومن مرتزقة آخرين. فعندما يتوقف هذا الدعم العسكري المتعدد الجنسيات للثورة المضادة فإن إقامة الديمقراطية في ليبيا لن تكون أمرا صعب المنال.
كيف يمكننا تفكيك المشهد السياسي الليبي داخليا؟ وما أهم أطرافه؟
إن أهم عناصر المشهد السياسي الليبي الداخلي حاليا هو الصراع بين معسكر فبراير (معسكر الثورة) ومعسكر سبتمبر (معسكر الثورة المضادة). هذا لأن الثورة الليبية لم تكتمل وليبيا لم تتحول إلى دولة ديمقراطية حداثية بعد. فمعسكر سبتمبر مُصِرّ على العودة إلى الجماهيرية بصورة أو بأخرى لما تمثله من رفض قيم الحداثة التي يرفضها شكلا وموضوعا.
إن معسكر فبراير هو معسكر المدينة التي حارب نظام القذافي قيمها كلها شانًّا حربًا أيديولوجية شعواء على الحداثة في كل صورها السياسية والاقتصادية والثقافية زاعما بأنها تتعارض مع قيم المجتمع الليبي. وما الكتاب الأخضر إلا محاولة للتنظير لرفض الحداثة والقبول بسلطان القبيلة على الدولة. فالجماهيرية التي أقامها القذافي هي نظام قبلي بامتياز لا يعترف بالمواطنة كليا، ولعل غياب الدستور في هذه الجماهيرية لدليل صارخ على ما نقول. فكل السلطات في جماهيرية القذافي كانت تتجمع في يده شخصيا على طريقة شيخ القبيلة. لقد كانت الجماهيرية تقوم على تحالف لقبائل معينة يسميها القذافي بأصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة، أي في انقلاب سبتمبر، لهذا نجده يكرر دائما بأن السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب، أي بيد القبائل التي أقام بها جماهيريته.
لهذا نجد أن معسكر سبتمبر يرفض الاعتراف بثورة 17 فبراير ويناصبها العداء ويعمل على إسقاطها بكل ما أوتي من قوة، فهو يراها ثورة المدينة وما تمثله من حداثة على القبيلة. لقد حاول معسكر سبتمبر إجهاض الثورة من داخلها باستخدام العملية الانتخابية لعودة سيطرته على الدولة. وقد حقق نجاحات في ذلك؛ إذ استطاعت حركة ليبيا الغد التي كان قد أسسها سيف القذافي في أن تسيطر على القرار السياسي بعد الثورة إلى حد بعيد، ولكن على الرغم من ذلك فلقد استطاع معسكر فبراير أن يخطو بليبيا خطوات نحو الديمقراطية. فما كان من معسكر سبتمبر إلا اللجوء إلى حمل السلاح والهجوم على طرابلس عاصمة الثورة بقيادة زعيمهم خليفة حفتر. وما حفتر هذا إلا أحد انقلابيي 1 سبتمبر 1969 فهو ممن سموا أنفسهم بالضباط الوحدويين الأحرار الذي قادهم معمر القذافي في انقلابه، وهو ينتمي بجدارة إلى تحالف القبائل صاحبة “المصلحة الحقيقية في الثورة”.
لماذا كل هذا العنف في الداخل الليبي بداية من الربيع العربي إلى اليوم؟
كثيرا ما تشهد الثورات العنف، والثورة الليبية ليست استثناءً في ذلك؛ فنظام القذافي كان نظاما قمعيا يحكم بالحديد والنار ولا يقيم وزنا لحقوق الإنسان ولقيم الحضارة على وجه العموم، لهذا ما كان لهذا النظام أن يسقط إلا بالعنف؛ فالعنف يولد العنف المضاد، ومن يَعِشْ بالسيف يَمُتْ بالسيف كما يقول المثل الإنجليزي.
أما استمرارية العنف إلى يومنا هذا فذلك لأن الثورة المضادة قد لجأت إلى حمل السلاح، ومن ثم فلن يتوقف العنف في ليبيا إلى أن تهزم الثورة المضادة وتقام الديمقراطية.
إن إقامة الديمقراطية في ليبيا ليس بالأمر الهين لأنه انتقال من الهمجية إلى الحضارة حيث ينتهي العنف في السياسة، فليس لكل هذه الهمجية وغياب الدستورية وسلطة القانون اللاتي كانت تمثلها الجماهيرية أن تتحول إلى سلام ورفاهية بين عشية وضحاها. إن هذه سنة الحياة حيث الصراع الأزلي بين الحق والباطل؛ “بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون”.
لماذا يبرز الدور التركي في الصراع الليبي؟
إن التواجد العسكري التركي هو اصطفاف مع ثورات الربيع العربي التي تريد الحرية والديمقراطية. إنه موقف أخلاقي بامتياز لن تنساه الشعوب العربية أبدا.
إن الأتراك جاؤوا إلى ليبيا ليبقوا، ليس كقوة احتلال، ولكن كقوة حضارية تتصدى للدكتاتورية والظلامية. وما لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئيس جو بايدن في قمة الناتو مؤخرا إلا مباركة أمريكية للدور التركي في ليبيا وفي المنطقة العربية كلها.
إن إدارة الرئيس بايدن تقف إلى جانب ثورات الربيع العربي بكل قوة، وقد أعطت تركيا التفويض لأن تقوم بالإشراف على دمقرطة العالم العربي. والأتراك قد قبلوا هذا التفويض وسوف يقوموا بالواجب، إن الأتراك إذا ضربوا أوجعوا وسيعلم الأعراب الخونة أي منقلب ينقلبون.
كيف ترى دور وتأثير الإسلام السياسي في الداخل الليبي؟
عندما حاول جمال عبد الناصر استئصال تنظيم الإخوان المسلمين في مصر في الخمسينات والستينات لجأ بعضهم إلى ليبيا وأسسوا فرعا لتنظيمهم هذا فيها. ولكن لم يكن لتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا أن يشتد على سوقه وأن يتمدد في ليبيا قط؛ فقد كان عدد أعضائه لا يتجاوز الأربعين في أقوى أيامه، ولعل سبب عزوف الليبيين عن الانضمام لهذا التنظيم هو عدم استساغتهم لخلط الدين والسياسة الذي هو جوهر ما يدعو إليه الإخوان، فلطالما نظر إليهم الشعب الليبي بعين الريبة والشك لأن ليبيا بلاد صوفية تاريخيا تنظر للعلاقة مع الله على أنها فردية ومباشرة لا تمر عبر الدولة.
وأثناء سنوات حكم القذافي لم يكن للإخوان المسلمين في ليبيا أي تواجد مطلقا، فقد كان نظامه يمنع الأحزاب والتنظيمات السياسية ويعاقب على تأسيسها أو الانضمام لها بالإعدام. ولكن تنظيم الإخوان المسلمين الليبي كان له وجود في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال حقبة القذافي، ومع ذلك فلم يتجاوز مجموع عدد أعضائه هناك الثمانين قط.
ومن الجدير بالذكر أن الإخوان المسلمين الليبيين في المهجر لم يكن لهم أي نشاط ضد نظام القذافي، وكانوا يحاولون تثبيط همم كل من يدعو إلى نضال القذافي زاعمين أن الشعب الليبي يستحق ما يفعله القذافي به فقد كثرت شرورهم وفسادهم في الأرض، وكانوا يقولون إن القذافي “ليس قضيتهم”، بل قضيتهم هي حث الناس على الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، فليس لمسلم أن يكون خارج “الجماعة”، فمن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
و لكن عندما اندلعت ثورة 17 فبراير المجيدة كان الإخوان المسلمون من أوائل الليبيين الذين هرعوا إلى ليبيا سعيا وراء السلطة والمال. ودخلوا الانتخابات وحصلوا على الكثير من المقاعد في المؤتمر الوطني العام، علما بأنهم لطالما كانوا يقولون بأن الديمقراطية كفر “لأنها حكم الشعب وليس حكم الله”، ولقد نبذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في مصر الديمقراطية وقال إنها تنابز بالألقاب وتفريق للأمة.
إن تنظيم الإخوان المسلمين لا يؤمن بالوطنية ويرى فيها مؤامرة استعمارية لتقسيم الأمة المسلمة، لهذا نجد أن الإخوان المسلمين الليبيين قد بايعوا مكتب الإرشاد في القاهرة على السمع والطاعة وعلى أن “لا ينازعوا الأمر أهله”؛ أي أن تنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا لا يؤمن بأن ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة؛ فهم يريدونها أن تكون بيت مال التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي يدار من قبل مكتب الإرشاد في القاهرة.
إننا نحن الليبيين نعلم جيدا أن الفرعونية في مصر سواء كانت بوليسية أو إخوانية إنما تمثل خطرا وجوديا على ليبيا، ومن ثم فإننا ننظر لتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا بوصفه طابورًا خامسًا مصريًّا؛ لذلك فإن الحزب الديمقراطي يطالب بسحب الجنسية الليبية من كل أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا.
إن العالم العربي كله مقبل على التحرر من النظام العربي القديم ومن الإسلام السياسي فهما وجهان لعملة واحدة، ألا وهي عملة الديكتاتورية، وليبيا لن تكون استثناء في ذلك.
ما دور وتأثير تنظيم الدولة في المشهد الليبي؟
ليس لتنظيم الدولة الإسلامية أي دور في المشهد الليبي لأنه لم يعد يملك أي قوة عسكرية في ليبيا بعد هزيمته النكراء في سرت على يد ثوار 17 فبراير؛ فمنذ تلك الهزيمة لم تقم لهذا التنظيم قائمة في ليبيا.
يجب الأخذ في الاعتبار أن معظم المنتسبين لتنظيم الدولة لم يكونوا من الليبيين، إنما كانوا من دول مختلفة قد جاؤوا إلى ليبيا ظنا منهم أن تأسيس دولتهم فيها أمر سهل لتنامي أطراف ليبيا ولما تعانيه من فراغ سياسي، ليس لتنظيم الدولة الإسلامية أي حاضنة اجتماعية في ليبيا.
لماذا نجد مواقف متضاربة مثل تحالف السلفية "المدخلية" مع خليفة حفتر وبعضهم الآخر مع حكومة الوفاق؟
تقوم السلفية المدخلية جوهريا على السمع والطاعة لمن بيده السلطة السياسية طاعة عمياء بلا قيد أو شرط باستثناء شرط واحد وهو أن يستولي على السلطة بالسيف وأن يحافظ عليها بالسيف فيقتل كل معارضيه ويمزقهم إربا إربا؛ أي أن السياسة في الإسلام حسب ما يقول السلفيون المداخلة هي القتل والتنكيل وانتهاك كل المحرمات.
إن المدخلية تنطلق من ما يسميه الشيوخ “بولاية المتغلب” ذلك الرجل صاحب السلطان المطلق الذي لا يسأل عما يفعل ما دام لم يمنع الناس من الصلاة. ومن لا يقبل بهذا السلطان فهو من “الخوارج” الذين يجب قتلهم لخروجهم عن الجماعة ومفارقتهم للملة ومن ثم فكل من يرفض الديكتاتورية هو مرتد يقام عليه حد الردة، أي القتل؛ لهذا نجد أن المداخلة لا يعترفون بشرعية من يأتي إلى السلطة بطريقة سلمية، ويرون أن الاحتكام إلى صندوق الإقتراع كفر وإلحاد.
وهكذا فإن المداخلة يعدون ثوار 17 فبراير من الخوارج الواجب قتلهم، ومن ثم وجد هؤلاء المداخلة ضالتهم في شخصية خليفة حفتر الدموية الشرسة التي ترى السياسة قتلا وتنكيلا وإرهابا، فبايعوه على السمع والطاعة والفتك بكل من يريد الحرية.
لا يغيب عن عاقل أن الظاهرة المدخلية هذه من صنع المخابرات السعودية التي تنفق عليها مئات الملايين من الدولارات سنويا في شرق العالم العربي وغربه لكي يعبد الناس الطاغوت فلا يطالبون بحقوقهم السياسية.
أما القول بأن هناك بعضًا من المداخلة في صف حكومة الوفاق فقول عار من الصحة تماما.
لماذا تعد سرت والجفرة خطًّا أحمر بالنسبة للقاهرة؟ وهل تم الالتزام بهذا الخط الأحمر ولماذا؟
لا يوجد خط أحمر يمتد من سرت إلى الجفرة إلا في مخيلة السيسي، فالنظام المصري لا يملك أي سلطان على القرار السياسي أو العسكري في ليبيا. إنما يوجد على خط سرت الجفرة هو القوات الروسية الذين قد قررت السلطة السياسية في طرابلس إخراجهم بالأساليب الدبلوماسية بناء على نصح أمريكي تركي.
ولقد أوضح الرئيس جو بايدن إلى الرئيس فلاديمير بوتين في لقائهما مؤخرا في جنيف أنه على روسيا أن تسحب قواتها من ليبيا، وهذا ما سوف نشهده في الأسابيع والأشهر القادمة.
كيف يبدو مستقبل ليبيا سياسيا من وجهة نظرك؟
مستقبل ليبيا السياسي من وجهة نظري بهي زاهر؛ إنه كذلك لأسباب داخلية وأخرى خارجية. إن أهم الأسباب الداخلية هو أن غالبية الليبيين ترفض عودة الديكتاتورية للبلاد؛ فلقد أثبت شباب ليبيا استعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس من أجل ليبيا حرة ديمقراطية، فلقد صمدوا في وجه القوات الخاصة الروسية والفرنسية والإماراتية والمصرية والسودانية والأردنية وفي وجه المرتزقة التشاديين الذين جاؤوا جميعا لوأد ثورة 17 فبراير المجيدة ونصرة الثورة المضادة بقيادة خليفة حفتر. لقد كانت ملحمة بطولية قل نظيرها في التاريخ. وأثبت ثوار ليبيا بدمائهم العطرة الزكية أنه من المستحيل العودة بعقارب الساعة إلى الوراء وأن حكم العسكر قد ولى إلى غير رجعة.
أما أهم الأسباب الخارجية فهما العامل الإسرائيلي والعامل الأمريكي. لقد علمت إسرائيل علم اليقين بعد مرور سبعة عقود على تأسيسها أنها لن تحصل على السلام الذي تريد من خلال اتفاقيات توقعها مع أنظمة النظام العربي القديم الواحد تلو الآخر، ذلك لأن هذه الأنظمة لا تملك أي شرعية. وما هذه الاتفاقيات الموقعة مع الديكتاتوريات العربية إلا وثائق عديمة الجدوى عمليا لأن الشعوب العربية لا تعترف بها؛ فالسلام في الشرق الأوسط لن يأتي إلا عبر حكومات عربية شرعية منتخبة ديمقراطيا، أي أن السلام سيتأتى عبر برلمانات عربية منتخبة تعترف بدولة إسرائيل وبدولة فلسطين الديمقراطية في الوقت نفسه. هكذا تنتهي حالة الحرب بين العرب وإسرائيل إلى الأبد، فالديمقراطيات لا تتقاتل.
لهذا فإن علاقة الحزب الديمقراطي مع إسرائيل تقوم على معادلة الديمقراطية للعرب والسلام لإسرائيل، مع الاحترام الكامل لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة الديمقراطية.
أما العامل الأمريكي فنستطيع أن نتبينه من قول الجنرال كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق حيث صرح بأن أمريكا لم تأت لإسقاط نظام صدام حسين في العراق فقط، بل إنها قد جاءت لتغيير المنطقة كلها. لقد تعثر مسعى أمريكا هذا إبان إدارة الرئيس دونالد ترامب ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن أمريكا قد تراجعت عن هدف تغيير المنطقة، فهو هدف إستراتيجي لن يتغير.
وهاهي إدارة الرئيس جو بايدن تأتي لتكمل المسيرة؛ فهي إدارة مصممة على أن ينجح الربيع العربي بأن تصبح جميع الدول العربية دولا ديمقراطية، هي إدارة ترى أن النظام العربي القديم يتصادم مباشرة مع رؤيتها المتمثلة في عالم ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ومن ثم فإن إدارة الرئيس بايدن ترى أن إسرائيل لن تظفر بالسلام إلا عبر شرق أوسط جديد يتأسس على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
لهذا نجد أن إدارة الرئيس بايدن قد أوكلت إلى تركيا في مؤتمر قمة الناتو مؤخرا في بروكسل مهمة الإشراف على الانتقال الديمقراطي في ليبيا، ذلك لأن ليبيا باتت مرشحة لأن تكون في مقدمة دول النظام العربي الجديد التي تتحرر من الديكتاتورية إلى غير رجعة.