"عندما يُصاب الناس بالاكتئاب حينها يكون الجنس أبعد ما يكون عن أذهانهم"
تؤكد على ذلك الدكتورة ليسل شرابي الأستاذ المساعد في كلية هيو داونز للتواصل البشري التابعة لجامعة ولاية أريزونا الأمريكية، ففي إحدى دراساتها وصف أحد الرجال الذين يعانون من الاكتئاب لـ “شرابي” ما يمر به بقوله: “أريد أن أُترك لوحدي حتى لا يسوء مزاجي”؛ فاكتئابه يجعل من الصعب عليه التواجد مع أي شخص بما في ذلك شريكته، بينما أشار رجل آخر إلى أن أي شيء يقوم به يتطلب منه بذل مجهود كبير بما في ذلك ممارسة الجنس.
وحتى نستطيع فهم الصورة بشكل أكثر دقة سنعود إلى تفصيل أعراض الاكتئاب، والتي من أبرزها وفقًا لخبراء الصحة العقلية انعدام التلذذ وفقدان الاستمتاع بالأشياء التي من المعتاد أن تجلب المتعة، ومنها بالطبع ممارسة الجنس.
ما سبق أكدته إحدى الدراسات التي أجريت لقياس مدى تأثير الاكتئاب في الحياة الجنسية، فقد أفاد أكثر من 33% من الذكور و42% من الإناث الذين خضعوا للدراسة والمصابين بالاكتئاب أنهم عانوا من انخفاض الرغبة الجنسية، وهو ما انعكس على علاقتهم بشركائهم بظهور تحديات جديدة مثل: الشعور بأنهم أقل جاذبية أو بعدم الارتباط بالشريك.
علميًا: لماذا يؤدي الاكتئاب إلى ضعف الرغبة الجنسية؟
مبدئيًا يمتد تأثير الاكتئاب إلى جميع جوانب حياة المريض بما فيها الصحة الجنسية، فبحسب الطبيبة النفسية الأمريكية راشيل فريشنيس يرتبط الاكتئاب غير المُعالج بالخلل الوظيفي الجنسي لدى ما يصل إلى 50% من المرضى.
يأتي ذلك من كون أن التوتر والقلق والشعور بالذنب وهي أعراض شائعة للاكتئاب تؤدي إلى انخفاض الرغبة في ممارسة الجنس، إلى جانب أنها يمكن أن تؤثر من الناحية الفسيولوجية بعدم القدرة على الاستثارة والوصول للنشوة الجنسية.
يتعقد المشهد بكون الاستجابة اللمسية هي جزء مهم من الممارسة الجنسية، لكن عند الإصابة بالاكتئاب يصبح من الصعب على المريض أن يكون متيقظًا وحاضرًا مع شريكه بما يكفي، فأفكاره ومشاعره السلبية تمنع جسمه من الاستجابة بالطريقة المعتادة للاستمتاع بالجنس ومشاركته.
وهنا قد تنتقل إلى مرحلة تالية وهي أن هذا العجز الجنسي الناتج عن الإصابة بالاكتئاب قد يولد الشعور بتدني احترام الذات وانعدام القيمة، مما يؤدي تباعًا إلى زيادة مستوى القلق والمساهمة في ظهور أعراض الاكتئاب أكثر.
أضف إلى ذلك أن مريض الاكتئاب يشعر بالانخفاض في مستويات الطاقة لديه، وبما إن الجنس يحتاج إلى مستوى طاقة مرتفع بعض الشيء سيكون من غير المثير للاهتمام أن يبدأ رحلة الممارسة الجنسية، وسيختار أن يوفر طاقته المحدودة لأمور أخرى أكثر أولوية.
من ناحية أخرى فإن الاكتئاب يؤثر في النواقل العصبية الشهيرة مثل السيروتونين والدوبامين، التي تلعب دورًا محوريًا في تنظيم الحالة المزاجية والرغبة الجنسية، بالتالي عندما يكون العقل يكافح لاستخدام هذه المواد الكيميائية بشكل صحيح والحفاظ عليها حينها سينخفض تلقائيًا التطلع إلى ممارسة الجنس.
وخلال استعراض الدراسات العلمية التي تناولت علاقة الاكتئاب بانخفاض الرغبة الجنسية وجدنا دراسة مثيرة للاهتمام، ربطت بين التعرض للاعتداء الجنسي في الطفولة والإصابة بالاكتئاب ومن ثم قلة الاهتمام بالجنس، فقد وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين مروا بتجربة اعتداء جنسي في الطفولة ينفرون من الجنس بشكل لاواعٍ مما يزيد لديهم مشاعر الاكتئاب وهو ما يصنع حلقة مفرغة تزيد صحتهم النفسية سوءا.
شريكي مصاب بالاكتئاب، ما السبيل إلى دعمه؟
يؤثر موقف الشريك بشكل بالغ على علاج الضعف الجنسي المرتبط بالإصابة بالاكتئاب فالانفتاح في مناقشة الأعراض وتأثيراها، والتقبل والدعم يسهمان في تقليل الضغط الذي يشعر به مريض الاكتئاب وجعله أقل توترًا، وعلى العكس فعدم التقبل ووضع توقعات عالية يؤثر سلبًا في صحته النفسية والجنسية.
لذا يمكننا تقديم بعض الإرشادات الفعالة لدعم الشريك في هذه المرحلة الفاصلة، ومنها:
- كن صبورًا: لا تقل كثيرًا بأنك تفهم ما يعاني منه شريكك وبدلًا من ذلك قل له بأنك لا تستطيع معرفة ما يعاني منه بالضبط لكنك تبذل قصارى جهدك لفهمه ومساعدته.
- تجاوز النظر للوضع بشكل شخصي: تذكر دومًا أن فقدان الاهتمام بالجنس لا ينبع من إرادة شريكك الشخصية إنما يرتبط بوضعه المرضي، فالمصابون بالاكتئاب في العادة يفقدون رغبتهم الجنسية.
- لا تيأس: ستمر عليك أيام تشعر أن حبك لشريكك لا يمثل له أي فرق، في هذا التوقيت عليك ألا تيأس، وانتظر فمع الوقت سيتغير الموقف وسيساعد حبك ودعمك لشريكك على شعوره بقيمته.
- لا تستعجل النتائج: تعامل مع الوضع المرضي لشريكك كأنه يتعافى من مرض جسدي خطير، لذا امنحه الكثير من المحبة الخالصة ولا تتوقع تحسنه سريعًا.
- مارس معه الرياضة: حاول ممارسة بعض التمارين الرياضية مع شريكك فمرضى الاكتئاب يشعرون بتحسن حالتهم النفسية عند ممارستهم نشاطًا بدنيًا.
- لا تنس الاعتناء بنفسك: التواجد مع شخص مكتئب أمر مرهق للغاية، لذا احرص على الاعتناء بنفسك من خلال قضاء بعض الوقت بمفردك أو الخروج لمشاهدة فيلم ورؤية الأصدقاء.
لمريض الاكتئاب: نصائح لإنقاذ حياتك الجنسية من الانهيار
لن تفلح جهود شريك مريض الاكتئاب دون جهد المريض نفسه
- عالج الاكتئاب أولًا: مهما كان وضع حياتك الجنسية فالأولوية القصوى لعلاج الاكتئاب أولًا ومن ثم علاج الآثار الجانبية الجنسية لاحقًا، فالاكتئاب لا يعيقك جنسيًا فقط إنما يعيقك في شتى مناحي الحياة، ويمكن وصف تأثير الاكتئاب بأنه يجعل مرضاه محاصرين في معاناتهم اللحظية ولا يستطيعون رؤية ما دونها.
- تابع مع طبيبك أولًا بأول: مثلما أوضحنا سابقًا تؤثر أدوية علاج الاكتئاب على الصحة الجنسية، لذلك سيكون من المهم مناقشة الأعراض المتعلقة بالجنس مع طبيبك في كل جلسة؛ للعمل على الوصول إلى أفضل جرعة دوائية لا تؤثر بشكل بالغ في صحتك الجنسية.
- جرب نمطًا آخر للممارسة الجنسية: وفقًا للأطباء الذين يعالجون مرضى الاكتئاب فأكبر تحدٍّ يواجههم مع مرضاهم هو تفكير المرضى بنفس الطريقة التي كانوا يفكرون بها عندما كانوا أصحاء، بينما الأكثر فعالية هو التفكير في استكشاف طرق جديدة للاستمتاع الجنسي والارتباط بأحبائهم بطرق مثيرة مختلفة.
- تحدث مع شريكك: الحياة الجنسية توجد بها اختيارات لا نهائية لذا سيكون من الضروري الحديث مع شريكك حول ما تريده جنسيًا؛ لتقليل المشاعر السلبية وجعل ممارسة الجنس أكثر راحة وإثارة.