بعد إقدامها على اعتقال المواطن، غيث الشبلي، على خلفية مشاركته وإعداده لمساحات نقاش صوتية على موقع تويتر، السلطات العمانية تتوسع في حملة اعتقالاتها المتعلقة بمساحات النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أقدمت وفق مصادر خاصة لمواطن على اعتقال مجموعةٍ أخرى من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي ومساحات النقاش في موقع تويتر.
حسب تصريحين خاصين لـ”مواطن” من باحثين مهتمين بالشأن العام، فضلا عدم ذكر اسمهم خوفا من مغبة التداعيات الأمنية، هنالك فصلٌ جديدٌ من تضخم المؤسسة الدينية في السلطة بعد وفاة السلطان قابوس، عنوانه التضييق على حرية التعبير المحدودة التي يمارسها العمانيون بشكلٍ محدود وعلى نطاقٍ ضيقٍ أو سري. السلطات في عمان سبق لها حظر برنامج كلوب هاوس مطلع العام 2021، فيما تشير حوادث الاعتقالات الأخيرة فرضها رقابةً مشددة على مساحات النقاش في موقع تويتر.
يُذكر أن سلطنة عمان جاءت في المرتبة رقم مئة وخمسة وثلاثين على مؤشر حرية الصحافة والتعبير الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود للعام الماضي 2020، كواحدةٍ من أكثر البلدان قمعًا لحرية الصحافة والتعبير في العالم، فيما تظهر الرقابة المشددة التي تفرضها السلطة على وسائل التواصل مضيها في وضع مزيدٍ من القيود على حرية التعبير. أما على مؤشر الحرية العالمي لـ“Freedom House” فقد جاء تصنيف عمان كدولةٍ مستبدة غير حرة في المرتبة الـ23 عالمياً.
حملة اعتقالات ومحاكم تفتيش
بعد إقدامها على اعتقال مواطنٍ عماني على خلفية مشاركته في مساحات نقاشِ تناقش قضايا دينية، تشن السلطات الأمنية في عمان حملة اعتقالاتٍ واسعة شملت أكثر من عشرة أشخاص حسب المعلومات الأولية لـــ”مواطن” في تهمٍ تتعلق بالتحريض على الإلحاد والإساءة للدين الإسلامي معتبرةً ممارستهم لحرية التعبير في مساحات وسائل التواصل الاجتماعي جريمةً يتلقى ممارسيها تمويلًا خارجيًا.
مفتي السلطنة كان قد أصدر كتابًا تحت عنوان “مصرع الإلحاد” الذي كان أحد موضوعات النقاش في مساحات غيث الشبلي قبل أن تقوم السلطات باعتقاله بعد حملة تحريضٍ على وسائل التواصل الاجتماعي في موقفٍ واضحٍ يظهر حجم تغول المؤسسة الدينية في السلطة.
النسوية تهمة
مريم، شابةٌ نسوية كانت من ضمن الأشخاص الذين استهدفتهم السلطات العمانية، حيث تفيد مصادر “مواطن” بأنها اعتُقِلت واقتُحِمت شقتها وفُتِّشَت، إذ إنها قد شاركت في إقامة بعض المساحات النقاشية مع المعتقل غيث الشبلي.
في صفحتها على تويتر، نسوية مسالمة وتحب القطط، فيما قوانين البلاد قد لا تتماشى معها في أن تكون ما تريد أو تعبر عن آرائها، إذ إن قانون الجزاء العماني لا يقف في صف حرية التعبير، مطوقًا حياة العمانيين بخطوطٍ حمراء لا يمكنهم تجاوزها، وتبقي فيهم إحساس الرهبة.
كما يعاقب القانون العماني على ممارسة حرية التعبير ومشاركتها مع الناس، بسجنٍ يصل لثلاث سنوات، إذ تنصّ المادة (118) على معاقبة من يحوز أو يحرز محررات أو مطبوعاتٍ تتضمن ترويجًا لما نصت عليه المادة (116) التي تنص في أحد مضامينها على حظر مناهضة ما أسمته بمبادئ الدولة الاجتماعية، سواء كانت معدةً للنشر أو التوزيع وإطلاع الغير عليها أو حيازة وسيلةٍ من وسائل الطبع أو التسجيل بالسجن مدةً لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات.
غيث ما زال حبيسًا
عمانيون كانوا قد طالبوا السلطات على مواقع التواصل الاجتماعي بالإفراج عن غيث الشبلي الذي استدعته الأجهزة الأمنية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، لتحتجزه حتى وقت كتابة هذه القصة دون مراعاةٍ للظروف التي يعاني منها غيث بعد فقدانه لزوجته بخطأٍ طبي في أحد مستشفيات السلطنة، فيما لم تكترث لمطالبات العمانيين على موقع تويتر في الإفراج عنه.
نشط غيث في إنشاء مساحات نقاش على موقع تويتر تتناول قضايا اجتماعية ودينية أثارت الجدل بين ناشطين لادينيين ورجال دين وأخرى نسويات، الأمر الذي جعل من المؤسسة الدينية والشخصيات المتطرفة تقود حملة تحريضٍ على الشبلي وتطالب باعتقاله ومحاكمته وفقًا للقانون العماني الذي يعاقب على مثل هكذا نشاط متعلقٍ بالتعبير. “مواطن” كانت قد واكبت حدث الاعتقال بتغطيةٍ أولية.
مصادر خاصة لـ “مواطن” تقول بأنه تم توجيه أربعة تهمٍ لغيث الشبلي، منها الدعوة إلى ممارسة الرذيلة، الإساءة للأديان وازدرائها والتجديف في الذات الإلهية، وهي تهمٌ تعرض كل واحدةٍ منها غيث الشبلي للسجن عشر سنوات وفق قانون الجزاء العماني لعام 2018، إذ تنص المادة (269) على السجن مدةً لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات كل من ارتكب فعلًا منها التطاول على الذات الإلهية والإساءة للدين الإسلامي أو إحدى شعائره أو أحد الأديان السماوية.
ما زال في الزنزانة متسع
عبدالله حسن، شابٌ ينتمي لمدينة صحار ويمارس نشاطه على موقع تويتر ويشارك في مساحات النقاش، أفادت مصادر “مواطن” تعرضه هو الآخر للاعتقال مؤخرًا للأسباب ذاتها التي أزعجت المؤسسة الدينية في عمان من مناقشة موضوعات اجتماعية ودينية ناقدة للموروث.
عبد الله حسن كان أيضًا قد شارك في حلقات نقاشية مع الشبلي وبقية المعتقلين، الأمر الذي يصفه المصدر تهديدًا أكبر لحرية التعبير تظهر فيها المؤسسة الدينية في السلطة بمظهر محاكم التفتيش، مهددةً حرية التعبير المنقوصة في عمان. هذا وتغيب السلطات أخبار اعتقال الناشطين لتفادي إثارة السخط في مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث مع حادثة احتجاز غيث الشبلي.
وإلى جانب عبدالله حسن، قامت السلطات أيضًا باعتقال شابٍ عمانيٍ آخر ينشط على موقع تويتر تحت اسم “عقلٍ متحرر” التهم ذاتها التي ساقتها لغيث وبقية المعتقلين من التجديف في الذات الإلهية والإساءة للأديان، فيما تفيد مصادر “مواطن” عن استمرار مسلسل الاعتقالات المرتبطة بمساحات النقاش على تويتر.
وبين مساحات التعبير المقيدة والخاضعة للرقابة المشددة وسطوة المؤسسة الدينية في عمان المستفيدة من قانون الجزاء العماني ونفوذها في السلطة، يقبع المواطن والمثقف العماني بين تهديدات العقوبات وخطوطٍ حمراء تغطي كافة جوانب حياته وتزيد من معاناته مع ما قد يعتبر مجرد أمرٍ طبيعي يحق لأي إنسانٍ أن يمارسه.