في هذا التحقيق المنشور في “Declassified UK”، يتتبع الصحفي البريطاني، فيل ميلر، قصة مشروع توسعة واستحداث منشأتٍ في قاعدةٍ بحريةٍ بريطانية في ساحل عمان بميناء الدقم، في صورةٍ تهدد الحياة البحرية لواحدٍ من أكثر الكائنات البحرية المهددة بالانقراض التي تتواجد في المياه العمانية، الحوت الأحدب، بالإضافة للعديد من الكائنات البحرية الأخرى النادرة.
التحقيق الذي ترجمته “مواطن” إلى العربية، يكشف فساد مشاريع التوسعة في القاعدة البريطانية التي لم يحرز فيها كلاً من السلطتان العمانية والبريطانية التحقق من آثاره على الحياة البيئية البحرية في منطقة الدقم.
ترجمة: فاروق محافظ
نص التقرير
· (100) حوت أحدب عربي على قيد الحياة تهددها قاعدة بريطانية جديدة في عمان
· تضاعف البحرية الملكية حجم منشآتها في ميناء الدقم ثلاث مرات لإيواء حاملات طائراتها
لم يدر في خلد المسؤولين البريطانيين التأثير البيئي لقاعدة بحرية جديدة في المحيط الهندي، على الرغم من وجود أدلة على أنه سيكون لها عواقب “سلبية كبيرة” على نوع من الحيتان “المعرض لخطر الانقراض الشديد”، حسبما توصلت إليه “Declassified”.
يجري بناء ميناء جديد للسفن الحربية البريطانية في دولة عمان الخليجية على طريق رئيس لهجرة سلالةٍ نادرة من الحيتان.
يأتي هذا الكشف في الوقت الذي تتجه فيه حاملة الطائرات العملاقة HMS Queen Elizabeth الرائدة في البحرية الملكية، التي يبلغ طولها (280) مترًا، نحو الميناء الجديد في طريقها إلى الصين.
ومن أجل الحصول على نسخٍ من أي تقييمات للأثر البيئي لقاعدتها الجديدة في الدقم في عمان، استغرقت وزارة الدفاع ستة أشهر للرد على طلب “Declassified” قبل أن تخرج بالادعاء في يناير 2021 بأن الجيش لم يقم بأي إجراء.
وقالت نصيرة حزب الخضر، ناتالي بينيت، لموقع Declassified، إن ما كشفنا عنه كان “مذهلاً ومقلقًا”، مضيفةً: “نسمع إلى ما لا نهاية من هذه الحكومة أنها “رائدة عالميًا” في القضايا البيئية، ومع ذلك مرة أخرى حول قضية حاسمة بالنسبة للأنواع الأساسية التي تتخلف عن الآخرين، وتفشل في معظم مسؤولياتها الأساسية تجاه الطبيعة.”
فيما تحذر التقييمات البيئية للدقم التي أجراها مستخدمون آخرون للميناء من أن البناء سيكون له تأثير “عكسي كبير” على الحيتان العربية الحدباء النادرة التي تستخدم المنطقة كموائل حضانة. فقد أشارت دراسة للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي في عام 2016، أشارت إلى أن الحوت العربي كان “واحدًا من أربع مجموعات فقط من الحيتان الحدباء في جميع أنحاء العالم التي لا تتعافى من صيد الحيتان التاريخي، وهي معرضة لخطر الانقراض دون بذل جهود جادة للحفاظ عليها”.
يُعتقد أن أقل من (100) حوت عربي ما زال على قيد الحياة على طول الساحل العماني، مع قلق كبار دعاة الحفاظ على البيئة من “بناء الموانئ والتوسع الذي يحدث في موطن الحوت الأحدب الرئيسي قبالة عمان”.
على مدى العقد الماضي، طورت الأسرة الحاكمة في عمان الدقم من ميناء صيد نائي إلى ميناء دولي ومنطقة اقتصادية خاصة ومصفاة لتكرير النفط. وتكمن مساهمة حكومة المملكة المتحدة أنْ أقرضت عمان المال لبناء مصفاة النفط، والتي خضعت بالفعل لتقييم الأثر البيئي.
وتُظهر دراسة مصفاة النفط، التي أكملها المهندسون في لندن WSP UK Limited في عام 2017، أن زيادة البناء في الدقم ستضر بالحياة البرية البحرية، وانتقدت الدراساتِ السابقةَ للمصفاة لأنها “لم تضع في الاعتبار التأثيرات المحتملة على السلاحف أو أنواع الحيتان”.
ومضت الدراسة لتعريف الدقم باعتبارها موطنًا طبيعيًا للحوت العربي “عالي القيمة جدًا”، والذي وصفته بأنه “من الأنواع المهددة بالانقراض إقليمياً مع توزيع محدود”. وتميل الدراسة إلى اعتبار خليج مصيرة، الذي يقع خلف جدار المرفأ، هو “موطن حضانة” للحيتان النادرة.
ووجد المستشارون أن هناك خطرًا “عكسيًّا كبيرًا” على الحيتان من “ضربات السفن والضوضاء تحت الماء والتغيرات في توزيع الفرائس والوفرة الناتجة عن اضطراب وانتشار الرواسب أثناء التجريف”.
شوهدت الحيتان العربية مرارًا وتكرارًا داخل ميناء الدقم على مدار السنوات العشر الماضية، بما في ذلك مؤخرًا في يناير عندما كان على الحوت أن يتحرر من شبكة الصيد. كما تم التعرف على الأنواع الأخرى المهددة بالانقراض، بما في ذلك الدلافين والسلاحف، التي تتواجد في الدقم.
وعن دور المسؤولية البيئية لإدارة ميناء الدقم فإنه يقول إنه وضع مقاسات لحماية الحياة البحرية، مثل تحديد السرعة.
عمل مريب
القائد العماني غير المنتخب، السلطان هيثم بن طارق، حليف وثيق لبريطانيا، يحكم بلدا محظور فيها تكوين الأحزاب السياسية، واعتقل العديد من نشطاء البيئة العمانيين في وقت سابق من عام 2021، بما في ذلك الدكتور أحمد عيسى قطن وسالم علي المعشني وسالم تبوك.
فيما أمضت شرطة مكافحة الشغب، التابعة للسلطان، التي دربتها بريطانيا، الأسبوع الماضي في القضاء على الاحتجاجات في (12) بلدة ومدينة على الأقل في جميع أنحاء عمان، وأطلقت الغاز المسيل للدموع واعتقلت العشرات، حيث دعا المتظاهرون إلى إنهاء الفساد بين كبار أعضاء النظام.
رفض وزراء الدفاع البريطانيون مرارًا إبلاغ البرلمان بالمبلغ الذي ستدفعه لعمان لاستخدام قاعدة الدقم، زاعمين أن ذلك قد “يضر بعلاقاتنا” مع الدولة الخليجية إذا تم الكشف عن الثمن.
وقد أعلن وزير الدفاع بن والاس عن خطط لمضاعفة حجم القاعدة بثلاثة أضعاف عن طريق ضخ (23.8) مليون جنيه إسترليني إضافية في المشروع. سيتم تقاسم الكثير من هذه الأموال بين المقاول العسكري البريطاني بابكوك، وهي شركة بلجيكية، والسلطات العمانية.
في سبتمبر الماضي، نشرت وزارة الدفاع مؤقتًا (20) فردًا في الدقم كجزء من “مجموعة مهام الموانئ البريطانية”، بالتزامن مع زيارة قام بها والاس، فيما لم يحدد الوزراء بعد عدد الموظفين الذين سيتمركزون في الدقم بمجرد أن يتضاعف حجم المنشأة ثلاث مرات.
تُعَدُّ “منطقة تدريب مشتركة” إضافةً أخرى إلى شبكة القواعد البريطانية في عمان والتي تقع على بعد (70) كيلومترًا جنوب الدقم في رأس مدركة، حيث تتدرب أطقم الدبابات في الدولة الخليجية المتكتمة.
صرّحت مديرية الأمن الدولي بوزارة الدفاع لـ”Declassified” إنه على الرغم من عدم إجراء تقييمات الأثر البيئي للدقم أو رأس مدركة بحلول يناير 2021، إلا أنه سيتم إجراؤها مع تطور القواعد.
ومع ذلك، تشير السجلات إلى أن قاعدة الدقم كانت تعمل في عام 2018 عندما تم استخدامها كنقطة انطلاق لما وصفته البحرية الملكية بـ”أكبر لعبة حرب في المملكة المتحدة منذ عام 2001″.
استخدمت البحرية أيضًا القاعدة نفسها في شهر يناير لإجراء إصلاحات بقيمة نصف مليون جنيه لفرقاطة “HMS Montrose”. وبالإضافة إلى ذلك، تمكنت الدبابات البريطانية من التدرب في رأس مدركة في وقت مبكر من أبريل 2019، مما يشير إلى أن بناء هذه القاعدة يجري بشكل أكثر تقدمًا أيضًا من ادعاءات وزارة الدفاع.
وعندما وجّهنا سؤالًا للمكتب الصحفي لوزارة الدفاع في مايو 2021 عن سبب حدوث هذا النشاط بدون تقييم بيئي، وما إذا كان قد تم الشروع في تنفيذه منذ تقديم الرد على طلب حرية المعلومات في يناير، لم يرد المسؤولون على سؤالنا مباشرة. وبدلاً من ذلك، قال متحدث باسم وزارة الدفاع: “سنواصل الامتثال للوائح والتقييمات البيئية العمانية والبريطانية ذات الصلة” مع تطوير القواعد. بينما لم ترد شركة بابكوك على طلب للتعليق.
إيكو المحارب؟
تدعي وزارة الدفاع أنها تأخذ حماية البيئة العالمية على محمل الجد في قواعدها الخارجية الأخرى، وقد صنفت بريطانيا تقريبًا جميع أراضي جزر شاغوس في المحيط الهندي على أنها “منطقة محمية بحرية”.
تحتوي الجزر، التي تقع على بعد (6,500) كيلومتر جنوب شرق الدقم، على القاعدة العسكرية الأمريكية البريطانية في دييغو غارسيا، والتي بُنِيَت في الستينيات بعد طرد السكان الأصليين في انتهاكٍ للقانون الدولي.
كشفت البرقيات الحكومية الأمريكية التي نشرتها ويكيليكس كيف كان الدبلوماسيون البريطانيون يأملون في عام 2012 أن “يجد السكان السابقون صعوبة، إن لم يكن من المستحيل، متابعة مطالبهم بإعادة التوطين في الجزر إذا كان أرخبيل شاغوس بأكمله محمية بحرية”.
بينما تقوم القوات البريطانية المتمركزة في دييغو غارسيا بحماية “(64,000) كيلومتر من المياه النقية والمهمة بيئيًا في جزر شاغوس من أنشطة الصيد غير القانونية”، فإنها تنتهك حاليًا حكمًا أصدرته محكمة الأمم المتحدة بشأن ملكية الجزر لموريشيوس.
ليس هذا هو الانتهاك الوحيد، فخلال الستينيات، تجاهلت بريطانيا أيضًا سلسلة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي دعت إلى “إزالة القوات البريطانية والقواعد العسكرية” من عمان؛ فعلى الرغم من أن عُمان أصبحت مستقلة اسمياً عن المملكة المتحدة في عام 1970، إلا أن القوات البريطانية لم تغادر أراضيها.