في بلد حيث لا وجود فيه للأحزاب السياسية ولم أعهدها لأن -بطبيعة الحال- النظام السياسي يجرم وجودها، كانت خلال تعليمي الدراسي المناهج تثني على هذا التميز الذي نحن فيه بلد من لون واحد، كتلة صماء، لا اختلاف بيننا ولا نحتاج لوجود أحزاب!
وأذكر قول المعلمين لنا: “الأحزاب كفر”، وكنت دائما أسمع ما يقال حول شكل انتقال الحكم من شخص لآخر وكأنهم يوضحون لنا أن بلادنا تميزت أننا نُحكم بطريقة سلسة، فلا انتخابات ولا ننشغل بمن سيأتي ليحكمنا لاحقًا، لأن لدينا عائلة تتوارثنا، ولديهم مطلق السيطرة، وتركوا لنا الوظائف لنأخذ الراتب نهاية الشهر، وهذا ما يكفينا.
بعد سنوات سمعت من خلال بعض المصادر عن أحزاب كانت موجودة يومًا ما؛ “الحزب الشيوعي في السعودية” ولكنها انتهت باعتقال أعضائها وتجريمها وتوقف الناجون منهم بعد وعود إصلاحية من السلطة وانتهى العمل الحزبي معهم.
إذا لم نعتد على وجود الأحزاب والمؤسسات المدنية فكيف بالعمل فيها؟
هناك واقعًا نعيش فيه كالقمع والظلم ونهب للثروات وسلب الحقوق وانتهاكها، ومواجهة الشعب ومحاولة إذلالهم، فهذا الواقع يحتاج إلى المواجهة والتغيير، وبعد حملات القمع وملاحقة المعارضين والنشطاء في الداخل للزج بنا في السجون، أكملنا نشاطنا من المهجر في بيئة آمنة نستطيع من خلالها العمل ضد ما نعانيه في الداخل.
نحن -كنشطاء في المهجر- نحاول جاهدين إنقاذ بلادنا من هذا العبث والفساد بثروتنا وخيراتنا وإنقاذ شعبنا من ظلم السلطة واستبدادها الذي لحق بنا جميعًا ومن يعيشون معنا من مهاجرين ومقيمين، كان علينا أن نخطو خطوة جريئة لنقل الجهود الفردية إلى عمل منظم موجه بشكل مباشر للسلطة المستبدة، عمل منظمة ونوحّد الجهود مع اختلافاتنا وتنوعنا الذي يمثل بشكل مباشر تنوع البيئة التي أتينا منها والتي تحاول السلطة محوه.
يقول عبدالرحمن منيف: "إن قضية الديمقراطية أساسية إلى أقصى حد… ولهذا يجب أن تعتبر المطلب الأول والأهم للخروج من المأزق، ويجب أن ينظر إليها، خاصة من قبل القوى الوطنية، نظرة جديدة ومختلفة عن السابق"
ومن هنا جاء إعلان “حزب التجمع الوطني” والذي يهدف إلى التأسيس للمسار الديمقراطي كآلية للحكم في بلادنا “السعودية”، لم أتردد للحظة عن انضمامي للحزب لعلمي بأهمية هذه الخطوة والتي لا يجب أن تتأخر.
لاحظت من بعضهم تخوفًا من فكرة الانضمام للحزب ظنًا منه أن هذا يشكل تحديًا صريحًا للسلطة خاصة وأنه الحزب الوحيد في زماننا هذا، ولا ننسى ما حدث لجمعية حسم وأعضائها على رغم من أنها “جمعية” ولم تكن “حزبًا”، فهذه خطوة تحتاج المزيد من الشجاعة، وتحتاج كذلك أن يقدم الإنسان جزءًا من مصلحته الشخصية لخدمة المشروع.
فعلى سبيل المثال: إن كنت قد اعتدت على أن تخرج عملك الإعلامي باسمك الشخصي في السابق، فعليك الآن أن تخرجه باسم الحزب أو المشروعات والمؤسسات التابعة له، وهنا ما نحتاجه بالفعل، فقد اعتدنا على مركزية السلطة وأن تُنسب كل إنجازات الشعب للحاكم الفرد، فالشكر والثناء يعود له باستثناء الأخطاء.
واعتدنا كذلك على فكرة “الرمز” الذين يرشدنا إلى الصواب وكذلك “البطل المخلص” وكل هذه يجب أن نتجاوزها إلى عملٍ مؤثرٍ كالحزب يكون ذا ديمومة لا ينتهي بانتهاء الشخص بل يستمر ويتطور بتعاون الأعضاء، وهذا ما تبين لي بعد انضمامي للحزب وبدأت اللجان بالعمل وكل عضو منا يبدع في مجاله.
كما أن الدورات التدريبية كان لها أثر عليّ شخصيًا بتطوير مهاراتي في عدة مجالات. والآن وبعد ما يقارب سنة من تجربتي في العمل الحزبي، والأولى في حياتي.
أحاول أن أكتب بعض الأشياء التي لمستها خلال عملي في الحزب وأثرت فيّ وتدعوني أن أستمر بالعمل:
- غياب الساحة للعمل الحزبي المنظم.
- تعويد ذاتي على العمل الحزبي ولجانه والبحث عن المشتركات والتأثير بالواقع لما فيه خير لشعبنا وبلادنا.
- تطوير مهاراتي ونقاط قوتي بالدورات التدريبية واكتساب الخبرات من العمل الجماعي المنظم.
- رؤيتي لإبداع الأعضاء في اللجان وكيف استطعنا توحيد الطاقات لاستخراج عمل مؤثر.
- انضمام ثقل من في الداخل وثقة البعض بالحزب، وحرصه على الوقوف مع قضاياهم.
فكان عملي في الحزب سبيلًا لتقليل الأخطاء التي قد أقع فيها من خلال العمل الفردي أو أن تضيع الجهود في أعمال لا تصب في ذات الهدف الذي عملت من أجله.
يقول عبدالله الحامد: "إذا لم نصنع حلف المظلومين من فقراء وعاطلين ومهمشين ومحتقرين ومستضعفين من كافة شرائح الاجتماعية والأقاليم والأطياف فلن نهزم الظلم".
إننا بحاجة لكيان معروف مسبقًا بعمله وتوجهاته الواضحة في العديد من القضايا كـ”المرأة” مثلًا والتي تعاني بشكل كبير في هذه المنظومة، وكما أن المرأة هي شريكة لنا في نضالنا ضد الاستبداد وتحررنا جميعًا من قيود الظلم، أو رؤية الحزب تجاه “البدون” التي تستمر السلطة بتهميشهم وحرمانهم من حق المواطنة.
أو رؤيته تجاه حرب اليمن أو المناطق والمذاهب والتمزيق الحكومي للمجتمع والمال العام الذي تهدره السلطة بالفساد والمخصصات وشراء الولاءات أو المشاريع الوهمية، وغير هذا من القضايا التي تخص شرائح كبيرة في مجتمعنا والمهمشين من السلطة المتضررين من ظلمها واستبدادها.
وأن يكون هذا الكيان هو النموذج والبديل في حال تغير شكل النظام السياسي في بلادنا، كما أن إيماني أن هذا النضال سيخلق تغيير على واقعنا الحالي وما هو إلا امتداد لنضال من قدموا التضحيات في مواجهة الاستبداد، من معتقلين وشهداء ومنفيين.
وحان الوقت أن نكمل ما بدؤوه حتى يتحقق هذا التغيير وسيكتب التاريخ، وهنا أود أختم بآخر ما اختتمت به المناضلة الإماراتية الراحلة آلاء الصديق في حسابها على تويتر: “وأنّ “سعيه” سوف يُرى”.