“ربما من السيء أن تولد في الشرق الأوسط، الأسوأ أن تولد فتاةً، والأكثر سوءاً أن تولد في أسرةٍ يمنيةٍ محافظة”. بهذه الكلمات تصف “خديجة” حياتها التي عاشتها مع أسرتها المحافظة والمتدينة في المملكة العربية السعودية.
خديجة اليافعي، فتاةٌ يمنية شاهد الملايين استغاثاتها المتكررة خلال العامين الماضيين وهي تحكي عن مصيرها الذي قد تتعرض له على يد أسرتها كفتاةٍ فرت من منزل أهلها في السعودية إلى جنوب أفريقيا، آملةً أن تنعم بفرصةٍ للحياة بسلامٍ كأي فتاةٍ أخرى في العالم، وهي تحكي ما تعرضت له من ظروف لم تعد قادرةً على احتمالها بعد قضائها سنيناً حبيسةً في منزل أسرتها ومعزولةً عن العالم من حولها.
طفولةٌ قاسية
في حديثها مع “مواطن” تطرقت خديجة للحديث عن طفولتها وظروف نشأتها التي قالت فيها بأنها مليئةٌ بالخوف الذي يشكله المعتقد المتطرف الذي وقع والدها وأسرتها ضحيةً له، لتحاول أكثر من مرةٍ محاولة إيجاد خلاصٍ لنفسها. تقول خديجة: “كان حلم امتلاكي دميةً أمراً محرماً، فهي كما كان يقول والدي صنم، وأنني سأكفر إذا كان معي دمية ألعب بها..”. تضيف خديجة: ” ليس لدي أي صور شخصية مع عائلتي بحكم أن التصوير حرام كما يعتقدون..”.
تصف خديجة المعاملة التي نشأت عليها أنها أشبه بسلوك ترويضٍ نفسيٍ لقمعها، تحدها التابوهات وتعليمات المحرمات من حولها “التلفاز في منزلنا محرم، والأظافر والنمص والمناكير والموسيقى والهاتف و مشاهدة المسلسلات حرام وممنوع منعًا باتًا، وفعل ذلك قد يعرضني لعقابٍ قاسي..”.
عارٌ في الأسرة
تقول خديجة: "على الرغم أني ولدت في الرياض وترعرعت فيها لكن كنت أعيش حياة بدائية جداً، أيضا لم أعرف الرياض عن قرب، وفي الحقيقة لم أرها، بل رأيتها من خلال نوافذ المنزل، فقد كنت سجينة لا أستطيع الخروج من المنزل إلا بموافقة من أحد أولياء أمري وبرفقة محرم".
كانت عائلتها كما تقول تحتجزها في المنزل وتخضعها للمراقبة الدائمة دون منحها أي حقٍ بالخصوصية كأنثى لا تجلب إلا العار للأسرة. تقول خديجة: “لم يكن لدي أي تواصل مع العالم الخارجي، فحياتي كانت متمحورة حول المنزل وفي المنزل فقط، وفي أول مرة اشتريت فيها هاتف من دون علم عائلتي لم ألبث طويلاً .. لأنهم علموا بالأمر، وكان ذلك بالنسبة لهم جريمة هزت أركان المنزل حينها وهددت الأسرة، وانتابهم شعور الخوف من الفضيحة”.
بعد إكمالها دراسة الثانوية، منعها والدها من مواصلة دراستها لتسعة سنوات كانوا يريدون فيها إرغامها على الزواج والبقاء في المنزل رغم رفضها لذلك، فيما كانت محاولتها للبحث عن المساعدة يتم مقابلتها بالنصح ومحاولة إرغامها على اتباع رغبات أهلها لأنها فتاة، تقول خديجة: “بالنسبة لتعليمي، فالتعليم للفتاة لدى قبيلتي عار، ومنذ تخرجي من الثانوية مكثت في المنزل 9 سنوات، طوال الـ 9 سنوات كنت أطالب بحقي بجميع الوسائل وقمت بالإضراب عن الطعام كثيرًا، وفعلت الكثير والكثير لكن دون أي جدوى”.
تضيف خديجة أن منعها من التعليم كان رغبةً من عائلتها في بقائها غير قادرةٍ على العمل وخضوعها لحاجتها إليهم “حينما أقدمت على طلب المساعدة لإنصافي من عائلتي، مرة يُقال لي يجب على أن أؤمن بقضاء الله وقدره، وتارة أنهم أولياء أمري وأدرى بمصلحتي وطاعتهما هي من طاعة الله عز وجل، وتارة يحرضون عائلتي على إخراسي ونهيي عن شكواهم، وأن شكواهم تعتبر مساساً بشرف العائلة وتحريضهم على تضييق الخناق عليَّ، لكي أستسلم وأتزوج وأنا كارهة”.
أُرغمت في فترةٍ ما قبل فرارها من منزلها على الالتحاق بمدرسةٍ لتحفيظ القرآن لتهذيبها وحثها على الخضوع لرغبات أسرتها كما تقول خديجة حيث تصف ما حدث معها بقولها: “عندما كنت منسوبة لدى مدرسة تحفيظ القرآن كانت الداعية تتحدث عن تكريم المرأة وكنت إحدى الحاضرات وأخبرتها ما أشعر به حينها من عبودية وليس تكريم كما تدعي، فسألتني مالوني المفضل، أجبتها ربما الأحمر، ثم قامت بإخبار والدتي لتشتري لي عصا باللون الذي أحبه وأن تجلدني به قدر المستطاع”.
محاولات لطلب المساعدة
“عندما اتصلتُ بالشرطة باكيةً وطالبةً مساعدتهم بالتدخل فوراً وطلبتُ الإسعاف لأن شقيقي عنفني وقام بضربي، وعندما تأكدوا بأنني يمنية وإقامتي مفعولة الصلاحية أخبروني بأن هذا ليس من اختصاصهم وأن علي الإتصال برقم العنف الأسري، والذين بدورهم أخبروني حينها بأنهم غير قادرين على المساعدة لأسباب أجهلها إلى الآن”.
“ذات مرةٍ حينما تعرضت لتعنيف قاسٍ جدًا، حينها رأيت باب المنزل مفتوح وارتديتُ العباءة وركضت للخارج هاربة ورآني أحد أشقائي ولحقني بسيارته، رأتنا الشرطة ثم أمسكت بي وساعدت أخي على إدخالي داخل السيارة وأغلقوا أبواب السيارة، ولم يسألني هل هذا شقيقي أم أنه شخص لا أعرفه”.
عانت خديجة من وضعٍ نفسيٍ صعب، مرت فيها مع فشل محاولاتها لطلب المساعدة التي كانت تنتهي بالتعنيف بكأبةٍ حادة اضطرت فيها استشارة أطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين واجهوها بالرفض عندما كانت تتحدث إليهم عن حياتها.
تقول خديجة: ” تواصلت مع أشخاصٍ قيل لي أنهم أطباء نفسيون وأخصائيون اجتماعيون، كانت مشورتهم لي أنه يجب علي أن أطيع والدي وأن طاعتهما من طاعة الله وعلي أن أؤمن بقضاء الله وقدره وأرضى بما أنا فيه، وأن ما أقوم به عقوق”.
اللجوء للسفارة اليمنية
بعد أن أخبرتها إحدى صديقاتها أن بإمكانها اللجوء لسفارة بلادها في الرياض حيث توجد إدارةٌ مختصة لتقديم المساعدة للفتيات مثلها، استغلت ذهابها مع شقيقها لمقر السفارة بدعوى توثيق شهادتها الثانوية لتدخل السفارة وتطلب المساعدة من دائرة الشؤون الاجتماعية بالسفارة في إقناع والدها بالسماح لها بإكمال تعليمها، لتفاجئ بتحريض السفارة لوالدها واستغرابهم من عدم تزويجه إياها حتى ذلك الوقت.
موظفٌ في السفارة اليمنية في العاصمة السعودية الرياض يشغل منصب رجل دينٍ معنيٍ بإتمام عقود الزواج الدينية، يدعى زهير الهمداني، قال لها في مكالمةٍ هاتفية شاركت خديجة تسجيلها مع “مواطن” بأنه ليس هنالك فتاةٌ تشتكي والدها وأن عليها أن تلزم البيت، فيما وجه نصحه لوالدها بأن عليه تربيتها بالعنف وتزويجها.
محاولة للهرب
في العام 2015، حاولت خديجة الهرب، لكن قانون الولاية كان عائقاً أمامها حيث طُلِبَ من والدها الحضور لمكتب الجوازات للتوقيع على إذنٍ لها بالسفر، لتواجه بذلك عقوباتٍ جديدة وصفتها بأنها أعقبت حياتها بنتيجةٍ وخيمة عانت فيها الكثير من العذاب.
مع تغير قوانين الولاية والسماح بتقديم الإذن إلكترونياً من قبل الوالد عبر تطبيق أبشر، استطاعت خديجة أن تستخرج لنفسها إذناً بالسفر دون علم والدها وتبحث عن مكانٍ للجوء إليه، فيما كان جوازها اليمني عائقاً أمامها في الحصول على تأشيرة سفرٍ لبلادٍ يمكن أن تقدم لها الحماية، لتقرر في الأخير السفر لجنوب إفريقيا وتقديم طلبٍ للحماية لدى مكتب اللجوء.

تتحدث خديجة لمواطن عن رحلة هروبها "...ظلت محاولات الهرب في مخيلتي دائما، وكنت أسعى لذلك وعملتُ على تجهيز خطةٍ محكمة للفرار.. سعدت جداً بسماع خبر أن لولي أمر المرأة السماح لها بالسفر يمكن أن يكون عبر برنامج أبشر الإلكتروني، وأصبحت حرُة في الرابعة عصرًا بتوقيت السعودية في يوم الخميس الموافق 5 سبتمبر 2019".
طلب الحماية في جنوب إفريقيا
بعد عامين من وصولها لجنوب إفريقيا، تواجه خديجة خطر الترحيل القسري من البلاد بعد رفض مكتب اللاجئين طلبها الحماية مرتين بدعوى أن مشكلتها أسرية وليست في اختصاص قانون اللجوء. أطلقت لاحقاً وعلى بُعد أيام من تنفيذ قرار ترحيلها مناشدةً على صفحتها في تويتر تصف فيه ترحيلها لليمن أو السعودية بجريمة القتل، المصير الذي ستلاقيه على يد أسرتها.

وتتحدث خديجة لـ “مواطن” عن تعامل مكتب اللجوء معها “حياتي صعبة مهددة بالترحيل والموت وبعد سنتين من تقديم طلب اللجوء في بريتوريا-جنوب أفريقيا وبعد سنتين من المعاناة وألم الانتظار، تم استدعائي مع المحامي الخاص بي، وحينما وصلنا فوجئت بورقة رفض اللجوء دون الإستماع لي والمحامي أو حتى النظر في المستندات، ووجهونا إلى قسم الترحيل ليتم إعطائي مهلة 14 يوما لمغادرة أراضي جنوب إفريقيا، علمًا بأن جوازي في حوزتهم منذ سبتمبر 2019 حيث وعودني ووعدوا المحامي بتسليمي الجواز في خلال أسبوع، ومضى إلى الآن أسبوعان ولم أحصل على جوازي، بل تم إخبار صحيفة المواطن الجنوب إفريقية أنه لن يتم منحي جوازي إلا عند مغادرتي البلاد على متن الطائرة”.

مكتب المحاماة لحقوق الإنسان في جنوب إفريقيا قدّم طعناً في قرار مكتب اللجوء رفض لجوئها مُنحت على ضوئه فترة إقامةٍ لا تتجاوز 180 يوماً.
في الوقت الحالي، تعاني خديجة وضعاً نفسياً ومادياً سيئاً على مدى العامين الماضيين جراء وضعها القانوني في جنوب إفريقيا وخوفها من مواجهة خطر الترحيل القسري، وتصف خديجة وضعها بقولها: “أن تكون طالب لجوءٍ في جنوب إفريقيا يعني أن تكون مقيماً بلا أي قيمة، ولا تتمتع بالحقوق الإنسانية الأساسية، فهي عبودية من وجهة قانونية، وسوف تجد أن حياتك مقيدة، حيث لا تستطيع أن تفعل شيئاً أو تفتح حساباً في البنك او تستقبل أموالاً من الخارج أو تستخرج رخصة قيادة أو تكمل تعليمك أو حتى الحصول على وظيفة جيدة والكثير من الحقوق التي تُحرم منها…”.
وتضيف: "لا توجد أي منظمة في جنوب أفريقيا لتغطية الدعم المادي للسكن أو الطعام أو العلاج، عانيت كثيرا ماديا ونفسيا، اضطررت لأن أعين محامي لمتابعة ملفي مع مكتب اللجوء، لكنه لم يستطع فعل شيء.. فررت من أهلي ومن جحيم ماعنيتُ معهم لأني كنتُ أحلم بالأجمل، كنتُ أحلم بتحقيق ذاتي وطموحاتي، بإكمال تعليمي، واستقلالي بذاتي، لا أن أكون مهددة بالجوع والتشرد بسبب عدم قبول لجوئي".
تصف خديجة قرار مكتب اللجوء في رفض طلبها الحماية وترحيلها بالمشاركة في الجريمة التي سترتكب بحقها، واصفةً ذلك بقرار الإعدام وتسليمها كذبيحةٍ للجزار، مضيفةً بأنها لن تستسلم لهذا القرار أو تقبل ترحيلها قائلةً ” لن ولم اسمح بترحيلي وتسليمي كذبيحة للجزار وافضل على أن أقاتل من أجل حريتي وأُقتل في سبيلها وأُسلَم كجثةٍ لقاتلي”.
السفارة اليمنية في جنوب إفريقيا
شاركت خديجة صوراً لمحادثاتٍ وتسجيلاتٍ صوتية لنساء ورجالٍ في الجالية اليمنية، حسب خديجة، في جنوب إفريقيا يحاولون التواصل مع أهلها ونصحهم بتأجير عصابةٍ جنوب إفريقية لاختطافها وتسليمها لهم، والتحريض ضدها في أوساط الجالية باعتبارها فتاةً سيئة فرت من منزل أهلها وتركت دينها، فيما وعدت بعضهن بالإيقاع بها وتسليمها لأهلها إذا ما أتوا لجنوب إفريقيا.
تقول خديجة أن أسرتها ثرية وأنها مستعدة لدفع الأموال لنافذين لإعادتها إليهم، حيث تلقت معلوماتٍ من أحد الصحفيين اليمنيين المقربين من الحكومة اليمنية في الرياض، أطلعت مواطن عليها، بأن السفير اليمني يتابع قضيتها عن كثب ويصفها بألفاظٍ مهينة وقد قام برفع تقريرٍ يفيد بأنها فتاةٌ تعاني من أمراضٍ نفسية وفي حاجةٍ للعودة إلى أهلها لتلقي العلاج النفسي، بالإضافة إلى أن أحد أقاربها أخبرها عن أشخاصٍ في السفارة اليمنية في جنوب إفريقيا أموالاً من عائلتها.
تختم خديجة حديثها لمواطن بقولها: ” وحينما تقسوا عليَ الأيام أتذكر أيام عبوديتي فتهون علي الصعاب واشعر بالامتنان لحريتي وكل ما عانيت في الحصول عليها، وبالتأكيد لن أتنازل عنها”.