"عندما تسير الأمور على ما يرام في السرير يشعر الإنسان بالمزيد من الثقة والقوة في مختلف جوانب حياته"
هذا ما يؤكده المعالج الجنسي الأمريكي ساندور جاردوس، فمن وجهة نظر يجعلنا الجنس أكثر جرأة ويعزز احترامنا لذاتنا، بالإضافة إلى إشعارنا بأننا جذابون مرغوب فينا، أي في المجمل يزيد مستوى الإيجابية في حياتنا.
لكن رغم الفوائد السابقة سنأخذ في موضوعنا الاتجاه المغاير وهو البحث عن تأثير عدم ممارسة الجنس من الناحية النفسية والصحية، محاولين الوصول إلى جواب عن سؤال يتردد في الأذهان أحيانًا ألا وهو: هل يمكن العيش بدون ممارسة الجنس؟ وكيف ستكون الحياة حينها؟ ونتعرف كذلك على تجارب واقعية لأشخاص لم يمارسوا الجنس قط في حياتهم أو تأخروا في ممارسته.
الشعور بالاكتئاب والتوتر وانخفاض معدل الذكاء
يروج البعض لفكرة أن ممارسة الجنس رفاهية من ضمن الرفاهيات لأي شخص فيمكن الاستغناء عنها بسهولة، لكن الأمر علميًا ليس كذلك لأن تأثير عدم ممارسة الجنس على الصحة النفسية بالغ، فممارسة الجنس ينتج عنها إفراز الجنس للإندورفين الذي يجعلنا نشعر بالرضا ويساعدنا على ربط الجنس بالمشاعر الإيجابية لذلك يقلل الامتناع عن الجنس هذا الارتباط.
يتصل ذلك بالشعور بالمزيد من التوتر عند عدم ممارسة الجنس فوفقًا لدراسة أجرتها مجلة علم النفس البيولوجي عام 2005 فإن الأشخاص الذين لم يمارسوا الجنس لفترات طويلة أظهروا استجابة أسرع تجاه التوتر من الأشخاص الذين يمارسون الجنس بانتظام، ففيما يبدو أن الجنس يعمل على جعل الشخص يواجه اللحظات العصيبة بشكل أكثر اتزانًا.
والتأثير النفسي لعدم ممارسة الجنس في العموم ليس هينًا بالأخص على المرأة، فالباحثون يعتقدون أن السائل المنوي له صفات مضادة للاكتئاب نتيجة احتوائه على العديد من الهرمونات مثل هرمون التستوستيرون والأستروجين والهرمون اللوتيني والبرولاكتين، وتلك الهرمونات عندما تتعرض لها المرأة يمكنها أن تقلل من تأثير الاكتئاب عليها.
أثبتت ذلك دراسة أجريت عام 2002 توصلت إلى أن النساء اللواتي مارسن الجنس مع وجود الواقي الذكري سجلن نتائج مرتفعة على مقياس بيك للاكتئاب، بينما انخفضت أعراض الاكتئاب والأفكار الانتحارية بين النساء اللواتي مارسن الجنس بدون وجود واقي ذكري نتيجة امتصاص المهبل لمكونات السائل المنوي.
ترتبط ممارسة الجنس أيضًا بمستوى ذكاء الأفراد، فبحسب دراسة أجريت عام 2013 تتحسن الوظائف الإدراكية مع ممارسة الجنس؛ لأنه يؤدي إلى نمو الخلايا في منطقة الحُصين وهي منطقة في الدماغ ضرورية للذاكرة طويلة المدى، أي ما يعني أن الجنس يساعد في منع فقدان الذاكرة والإصابة بالخرف.
يظهر ذلك في الاختبارات التي تقيس المهارات الذهنية، فوفقًا لدراسة علمية نٌشرت في مجلة علم الشيخوخة توصل الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يمارسون الجنس سجلوا درجات أعلى في الاختبارات المعرفية من الأشخاص الذين لا يمارسون الجنس.
وبما أن الجنس يتكون من جزئين جسدي وعقلي فعندما يمارسه الشخص يكون هناك اتصال مباشر بجلده، هذا النوع من الاتصال يعتبر الطريقة البدائية التي شعرنا من خلالها بالراحة كأطفال مع أمهاتنا، وهو ما ينعكس على تحسين الحالة المزاجية بشكل ملحوظ من خلال إطلاق هرمون الأوكسيتوسين، وغياب حدوث هذه العملية يزيد من مستويات الإحباط لدى الفرد لكن هذا وحده وفقًا للأطباء لا يكفي للإصابة بالاكتئاب السريري.
ستصبح مناعتك أقل وترتفع احتمالية إصابتك بأمراض القلب
بكل تأكيد بما أن الامتناع عن ممارسة الجنس أظهر أثره السلبي في الصحة النفسية فإنه سيمتد كذلك إلى الصحة الجسدية، وفي مقدمة أجهزة الجسم التي تتأثر الجهاز المناعي، ففي إحدى الدراسات وجدوا أن الأشخاص الذين مارسوا الجنس من مرة إلى مرتين أسبوعًا كانت لديهم مستويات أعلى من جسم مضاد يُدعى الغلوبولين المناعي (أ)، الذي يسهم في تقليل الإصابة بنزلات البرد.
وهناك تأثير تُصاب به المرأة في حالة عدم ممارستها للجنس وهو انخفاض رطوبة المهبل، بالأخص إذا كانت المرأة في فترة ما بعد انقطاع الطمث فحينها يؤدي عدم الجماع بانتظام إلى تقلص المهبل وزيادة رقة أنسجته، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة أو التمزق والنزيف عند ممارسة الجنس، وهو ما يجعل بعض النسوة يمتنعن حينها عن ممارسة الجنس ما يزيد الأمر سوءا.
أما بالنسبة للرجال فيرتبط عدد مرات ممارستهم للجنس بزيادة أو قلة فرصة إصابتهم بسرطان البروستاتا، ففي إحدى الدراسات العلمية التي أجريت على حوالي 30 ألف رجل، وجدوا أن الرجال الذين يقذفون أكثر من 21 مرة في الشهر في المتوسط لديهم فرصة أقل للإصابة بسرطان البروستاتا مقارنة بالأشخاص الذين يقذفون من أربع إلى سبع مرات في الشهر.
أيضًا عند الرجال تؤدي قلة ممارسة الجنس إلى زيادة احتمالية الإصابة بضعف الانتصاب، إذ وجدت دراسة أجريت عام 2008 ونٌشرت في المجلة الأمريكية للطب، أن الرجال الذين مارسوا الجنس لمرة واحدة في الأسبوع كانوا أكثر عرضة للإصابة بالضعف الجنسي بالمقارنة بالرجال الذين مارسوا الجنس أكثر، وأظهرت نتائج الدراسة أن الجنس المنتظم يحافظ على الصحة الجنسية بنفس الطريقة التي تحافظ بها الرياضة على عضلات الجسم.
هناك عنصر متداخل بين الصحة النفسية والجسدية ألا وهو بما أن الجنس يساعد في تقليل التوتر فإنه يؤثر تباعًا في صحة القلب والأوعية الدموية، هذا ما نجحت في ربطه إحدى الدراسات المنشورة بالمجلة الأمريكية لأمراض القلب في عام 2010، فقد توصلت إلى أن انخفاض معدل ممارسة الجنس يزيد احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ورغم أن ذلك لا يعني أن ممارسة الجنس ستمنع الإصابة بأمراض القلب إلا أنه يؤكد علاقة بالجنس بتحقيق أسلوب حياة صحي للقلب.
ينعكس الجنس كذلك على جودة النوم فبحسب لورا بيرمان مديرة مركز بيرمان للصحة الجنسية للمرأة، فممارسة الجنس تعالج الأرق عند المرأة نتيجة إفراز الإندورفين الذي يبعث الشعور بالراحة بالإضافة لزيادة مستويات هرمون الاستروجين مما يؤدي لتعزيز دورة حركة العين السريعة والنوم بشكل أعمق مع منع إفراز هرمون الكورتيزول المسبب للتوتر، بينما عند الرجال تُفرز أجسامهم مادة كيمائية حيوية تسمى البرولاكتين وهي مسؤولة عن الشعور بالتعب ما يجعلهم أكثر قدرة على النوم بشكل أسرع بعد الوصول للنشوة الجنسية.
الامتناع عن الجنس من واقع حكايات شخصية
ما سبق كان عرضًا للموضوع من جانب علمي قائم على الدراسات والأبحاث، لكن ماذا لو سألنا أشخاصًا لم يمارسوا الجنس أبدًا أو مارسوه في سن متأخرة عن انعكاس ذلك وتأثيره في حياتهم الشخصية.
تحدث يوسف البالغ من العمر ستين عامًا وهو أرمل لم يمارس الجنس حتى بلغ 37 عامًا إلى موقع “بي بي سي- النسخة الإنجليزية” عن تجربته قائلًا إنه كان شخصًا خجولًا للغاية وقلقًا في صغره ولم يتمكن من إقامة علاقات حميمية رغم أنه كان محاطًا في المدرسة بالفتيات، وقد امتد هذا النمط من الحياة حتى بعد دخوله الجامعة وتطور إلى شعوره بأن من حوله لن يروه جذابًا، ووصف تأثير رؤيته لأصدقائه عندما يقيمون علاقات مع الفتيات ثم يتزوجونهن لاحقًا بالمدمر لتقديره لذاته.
بمرور الأيام ومع زيادة شعوره بالوحدة أصيب يوسف بالاكتئاب السريري في منتصف الثلاثينيات من عمره، ووصف له الطبيب بعض مضادات الاكتئاب إلى جانب جلسات علاج سلوكي، وشيئًا فشيئًا أخذت ثقته بنفسه من خلال الجلسات تزيد ونجح في مواعدة شريكته لأول مرة، ومن ثم تطور الأمر إلى ممارسة الجنس.
لكن يبدو أن قصة يوسف فتحت جراحًا لدى قراء الموقع الذين أرسلوا بعض تجاربهم، إحداها لامرأة تبلغ من العمر 35 عامًا لم تمارس الجنس قط في حياتها، وقد أوضحت أن ما يعتقده المجتمع المحيط بها هو أن جميع الأشخاص يمارسون الجنس، ما يجعلها تشعر بالعار والخوف من انفضاح أمرها، واصفة تأثير ذلك عليها بأنها تعيش مع سر عميق ومظلم.
يزداد بؤس القصص مع امرأة أخرى تبلغ من العمر 54 عامًا تسرد حكايتها قائلة بأنها كانت تتمنى لو مارست الجنس في سن السابعة والثلاثين، لكن ذلك لم يحدث وحتى اليوم ما زالت تنتظر شيئًا تعلم أنه لن يأتي أبدًا، وتذكر أنه منذ 10 سنوات جلست مع أصدقائها وفُتح موضوع سن فقدان العذرية للنقاش وعندما جاء دورها للحديث هربت من الغرفة.