مرعب أن تتوقع المرأة بأنها ستكون الضحية القادمة، ومرعب جدا أن تقتل النساء في وسط أهلها وقبيلتها وعائلتها المحبة، والخطير أن يحدث كل هذا وسط صمت وسكوت غالبية الشعب والمجتمع والحكومة والقانون.
في فترة زمنية بسيطة (قد تحسب بكونها ظاهرة وليس استثناء)، تم نحر وقتل عدد من الفتيات والنساء في الكويت، على خلفية قضايا عائلية، كان الشرف فيها، الدافع الأكبر والمحرك الأعنف لنحر الضحايا دون رحمة أو أخلاق أو احترام للمرأة بكونها حرة في حياتها واختياراتها. وتعيش الكويت، رغم حداثتها المادية وأبراجها المرتفعة ومبانيها الفاخرة ورفاهية شعبها الذي يسافر إلى كل العالم، ويلبس أفخر الملابس، ويأكل بأرقى المطاعم، ويركب أحدث السيارات، تعيش الكويت، كحال غالبية البلدان والمدن العربية الأخرى، ثقافيا وفكريا وقبليا وتدينا، بأسوأ الأفكار والأخلاق والقيم والتقاليد، حيث يحتكم المجتمع إلى هويات دينية وقبلية وطائفية، قدمت أبشع التجارب في الدفاع عن المرأة وحقوقها، وأسهمت في تعظيم وتقديس قيمة الرجل حتى لو كان طفلا صغيرا على حساب حقوق المرأة حتى لو كانت امرأة راشدة، ودعمت كل ما من شأنه مراقبة النساء منذ الصغر والتحكم في مسار حيواتهم وزواجهم وتعليمهم وحتى وفاتهم.
هذه الهويات، لم تتغير منذ بدايات تكون المجتمعات العربية البدائية، ولم يطلها مشرط النقد والإصلاح والتجديد والتحديث، ولم يقترب منها أحد، حكوميا وفكريا، خوفا من تبعات الخطوط الحمراء، وخوفا من السجن والقتل والقضايا الكيدية. وبهذا الوضع استمر السكوت عن قضايا قتل النساء، واستمرت الأصوات ترتفع لفترة بسيطة، ثم سرعان ما يتم إخمادها وتخديرها وتطمين الحكومات للشعب بأن العدالة سوف تتحقق، وبأن القاتل سوف يأخذ جزاءه، وبأن القانون سوف ينفذ على الجميع دون تحيز أو محاباة. لكن ما يحدث بعد أن تدفن الضحية، وقبل أن تجف دموع أهل القتيلة، أن تتدخل الوساطات والزيارات الكبيرة لرؤوس العائلات والقبائل وعلية القوم، ثم تبدأ الدولة والحكومة بالتراجع بفعل الضغوطات والترضيات والصفقات والسكوت عن الفساد والسرقات، بمقابل إنقاذ ولدنا من الإعدام أو على أقل تقدير حبسه لفترة بسيطة ليخرج بعدها منتصرا مزهوا بقتله لأخته أو زوجته أو أمه أو قريبته، مسحا للعار ودفاعا عن شرف العائلة والقبيلة والأسرة والتقاليد.
العنف ضد المرأة، يقع في كل المجتمعات تقريبا، ويطال المرأة بدافع جنساني متحيز وسهل
وحتى لا يتم اتهامنا (كالعادة)، بأننا لا نتكلم عن جرائم الغرب ضد النساء، رغم أن بعض المقالات ليست للمقارنة وإنما لتحليل الوضع القائم (لكن مين يفهم). وحتى لا نصب جام غضبنا على واقعنا العربي، وتحديدا في الكويت هذه المرة. أقول بأن العنف ضد المرأة، يقع في كل المجتمعات تقريبا، ويطال المرأة بدافع جنساني متحيز وسهل، وفي غالب الأحيان، لا يحاسب مرتكبو هذه الجرائم، بقدر ما يسهل لهم الإفلات من العقاب. وأيضا أقول تقتل المرأة في الغرب، على خلفية قضايا عنف وسرقة واعتداء. لكن ما يجعل الفارق واضحا وكبيرا بين قضايا العنف ضد المرأة في الغرب، وقضايا العنف ضد المرأة في الشرق، هو ثلاثة أشياء فقط:
- وجود القانون في الغرب وتطبيقه على المعتدي دون واسطة أو تدخل ديني أو طائفي أو قبلي، بينما يغيب القانون ويضعف ويتم اختراقه في الشرق.
- في الغرب، لا يستند القاتل والمعتدي على ثقافة دينية متطرفة تدعم، وفكر قبلي يشجع، ومجتمع متخلف يقبل، بل يقوم القاتل والمعتدي بفعلته غالبا تحت ضغوطات نفسية عالية، أو خلل عقلي أو إخفاقات مادية.
- المكاشفة والمصارحة والمواجهة، هو أكثر ما يميز الفروقات في قضايا قتل النساء بين الغرب والشرق. حيث يتم مواجهة مختلف القضايا المتعلقة بالمرأة في الغرب، لإيجاد العلاج، ووضع الحلول، ودراسة التأثيرات لتجنب عدم حدوثها مرة أخرى. بينما في الشرق يتم طمطمة القضايا، والاختباء خلف مفاهيم الستر والأخلاق والشرف والعار والفضيحة والخوف والخصوصية، وبهكذا حلول ومواجهات، تتزايد حالات قتل النساء، ويفلت القاتل من العقاب، وتتكرر الحوادث في المستقبل، لأن لا رادع لها، ولأنها تتوالد في العقول والثقافة والمجتمع.
إن الجهود الرامية إلى وقف الاعتداءات على النساء، يجب أن تنطلق بعيدا عن الأحكام المسبقة، والنوايا السلبية، والشكل الخارجي للمرأة، وأسبابها الخاصة التي تدفع القاتل لقتلها. إن مواجهة الاعتداءات على النساء، تتطلب اتخاذ إجراءات قانونية مشددة لا يمكن أن يفلت المعتدي منها، بل ويتم مطاردته إلى آخر مدى، بل وأيضا أن يتم حرمانه من بعض المميزات المتعلقة براتبه ووضعه العملي، وأن يتم التشهير به حتى يكون عبرة لغيره. إن مواجهة الاعتداءات على النساء في الكويت، يتطلب توفير قدر كاف من الموارد المالية، ودور الإيواء للمعنفات والمعرضات للخطر، كما يتطلب الأمر حظر كل أشكال العنف ضد النساء، وتشريع القوانين والسياسات والإجراءات والممارسات المتعلقة بكيفية منع الاعتداء على النساء، من خلال إقامة البرامج التدريبية والإعلامية التي تدعم المساواة وتعزز الجندرية في العائلة والمدرسة والمجتمع، وقيام عدة مراكز للرصد والمتابعة والتحقيق.
إن مواجهة الاعتداءات على النساء في الكويت والمنطقة العربية، تتطلب استيلاد وعي جديد، وثقافة قانونية وحقوقية يتم تعليمها في المدارس والجامعات، حول معنى وقيمة المرأة والحرية والجنس والحياة، حول دورها الإنساني والحضاري في تقدم المجتمع أو تراجعه، حول قدرتها العقلية والفكرية مع الرجل في الإبداع والتمكين والتطور والخلق والصناعة، حول وجودها كضرورة مدنية وقيمة ديمقراطية ووجود كامل يشع جمالا وبهاءا واحتراما.
إن مواجهة الاعتداءات على النساء في الكويت والمنطقة العربية، تتطلب استيلاد وعي جديد، وثقافة قانونية وحقوقية يتم تعليمها في المدارس والجامعات، حول معنى وقيمة المرأة والحرية والجنس والحياة
إن مواجهة الاعتداءات على المرأة، مسؤولية دولة وحكم ومجتمع ورجال ومؤسسات مدنية. إن مواجهة الاعتداءات على النساء تتطلب تغيير العديد من التشريعات والقوانين، خصوصا المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي لعام 1960 التي تنص على “إذا فاجأ الرجل زوجته في حال تلبس بالزنا أو ابنته أو أمه أو أخته وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معا، فانه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية (تعادل 45 دولارا)، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وبهذه المادة التحريضية على القتل، أصبح قتل المرأة في الكويت ببلاش، وتقريبا بفترة يخرج منها المعتدي والقاتل بعد مرافعات قانونية تعظم من شأن الشرف والرجولة والفخر والدفاع عن العائلة والتقاليد والقبيلة وحق الوصاية للرجل على المرأة دينيا وفقهيا وتشريعيا.
في الكويت، لم تعد المرأة الكويتية، تلك التي تعلمت في المدارس والجامعات كأوائل النساء المتعلمات، تلك التي اختلطت مع الرجل في الجامعة والعمل والمجتمع، تلك التي سافرت إلى الخارج بدون محرم أو وصاية دينية أو قبلية، تلك التي حرقت البوشيه وكشفت عن وجهها وشعرها وجمالها دون خوف من التقاليد ولحى تجار الدين، تلك التي دافعت عن حقوقها وحريتها وكرامتها من على كل المنابر، تلك التي كتبت في الصحف والمجلات المحلية والإقليمية والدولية، تلك التي رسمت وغنت ورقصت وتفوقت علميا ورياضيا وأخلاقيا، تلك التي شاركت في بناء الدولة وقيادتها في المناصب الحكومية الرفيعة. لكن للأسف، لم تعد الكويتية اليوم كما كانت في السابق، بعد أن أثقلتها القيود، وأرعبتها وصاية الرجل، وخذلتها الحكومات، وخدعها أصحاب القوانين والمحامون وأعضاء مجالس الأمة، وكذب عليها رجال الدين حين قالوا لها بأن أكثر أهل النار من النساء، وأن عليها أن تتحجب وتنتقب وتنزوي بالحياة وتسمع وتطيع الرجل لأنها عورة وفتنة ورديف الشيطان ومكر الغواية وقاع جهنم ولا تفهم بالحياة العملية. لم تعد الكويتية ذات قيمة حضارية ملهمة ومبدعة ورافضة ومتمردة وثائرة، بعد أن حاربتها نسوة مثلها، بعد أن شطت بعيدا عن الحداثة والمساواة والعدالة والعلمانية، بعد أن استكانت لدعوات المجتمع المحافظ وخصوصية الكويت وبقية تخاريف الجهل والرثاثة.
وما زاد في الأمر مصيبة، أن من يشتغل على دعوات الدفاع عن المرأة وحقوقها في الكويت، هم مجرد صبية لا يفقهون بالحريات والمرأة والمساواة شيئا، هم مجرد غالبية من تيارات سياسية ووطنية وديمقراطية تتاجر بالمرأة لتحلب صوت المرأة وجسدها، هم أصحاب رغبات ونزوات وتاريخ حافل بالكذب والخداع والتسويف وحب الظهور الإعلامي، هم مجرد أصحاب لحى عفنة يريدون صوتها في الانتخابات ثم يطالبونها بالعودة إلى المطبخ وسرير مغتصبها، هن مجرد نسويات لا يعلمن شيئا عن تاريخ النسوية، هن مجرد نساء رخيصات أردن التخلص من قيد واحد وترك بقية القيود على عقلهن وأجسادهن، هم مجرد خنجر مسدد إلى قضايا المرأة، استمر بالنزيف، وما تزال دماؤه تخضب أجساد الضحايا وترفع من شأن ليلة دخلة القاتل.
اقرأ أيضا: المرأة بين الإنسانية والفقه
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.