أثار الوضع في تونس، ويثير كثيرا، الرأي العام الوطني والعربي وحتى الدولي، فتونس التي تعد من الدول السباقة في التجربة الديمقراطية والتي خاضت مسارا لا بأس به في بناء دولة الدستور والمؤسسات والمواطنة تشهد في الفترة الأخيرة عديد الأحداث والتحركات التي أدت إلى أن يتخذ الرئيس قيس سعيد عديد الإجراءات كاستجابة للإرادة الشعبية التي نادت بإسقاط النظام، وحل البرلمان في تظاهرات جابت كامل البلاد يوم عيد الجمهورية التونسية الموافق لـ 25 جويلية 2021.
هذه الإجراءات أسالت الكثير من الحبر بين من اعتبرها في محلها وتصحيحًا للمسار الثوري الذي التف عليه أعداؤها، وبين مندد ومعتبر أن هذه الإجراءات تعد انقلابًا على الشرعية والتفافًا على السلطة، كل هذا وأكثر من الأسئلة طرحتها “مواطن” على السيد أيمن علوي، عضو حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد والذي تقلد منصب نائب الشعب عن الجبهة الشعبية في الفترة بين 2014 و2019؛ وكان هذا نص الحوار:
- نحن مطالبون في تونس وفي الوطن العربي مطالبون بإنتاج ديمقراطيتنا نحن الخاصة والذاتية في إطار الديناميكية التي تعيشها شعوبنا.
- نحن نعايش عددًا من الثورات: في تركيبة التشكلات الاجتماعية، الثورة التكنولوجية والرقمية وثورة الذكاء الاصطناعي الرهيبة التي ستغير كثيرا في بنية العالم وفي تفكيره.
- الحديث عن انقلاب في تونس غير سليم بكل المستويات، مستويات التعريف الكلاسيكي للانقلابات، فالرئيس سعيد منتخب انتخابات مباشرة وحرة.
- 25 جويلية هي لحظة تقدم فتحت أفقًا سياسيًّا للشعب التونسي بعد عشر سنوات من مصادرة ثورته، مصادرة قيمها، مصادرة أحلام وتضحيات الشعب في كل المجالات.
إلى نص الحوار:
قراءتكم للوضع العام بتونس ما بعد 25 جويلية 2021؟
في اعتقادي لحظة 25 جويلية هي لحظة تقدم فتحت أفقًا سياسيًّا للشعب التونسي بعد عشر سنوات من مصادرة ثورته، مصادرة قيمها، مصادرة أحلام وتضحيات الشعب في كل المجالات السياسية التي أراد من خلالها تركيز نظام أكثر ديمقراطية، أكثر سيادة وطنية، أكثر قضاء مستقلًا، أكثر سيادة شعبية أي سيادة الناس على قرارهم، سيادتهم على ثرواتهم نحو حقوقهم الاجتماعية، وتم المضي في مجال معاكس تماما في دمقرطة الحياة السياسية فقط للأحزاب الحاكمة المرتبطة بالعائلات الحاكمة المرتبطة بلوبيات الفساد كما ارتأينا توجهًا كبيرًا للقضاء على الحريات العامة خاصة في السنوات الماضية، وتركيز كل مؤسسات الثورة المضادة ومبادئ الثورة المضادة.
لكن في هذه السنوات العشر بين 2011 و2021 ما انفكت قطاعات هامة من الشعب التونسي، من حركاته الشبابية والاجتماعية إلى جانب القوى السياسية التقدمية، تراكم في النضال والتظاهر وهذا ما نلاحظه من خلال كل المنظمات التي ترصد التحركات الشعبية كالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي كان يرصد وينشر جل التحركات والمظاهرات والاعتصامات خاصة ذات الطابع الاجتماعي. التي لم تتوقف طوال عشر سنوات وهذا دليل على أنه مازالت القوى الاجتماعية في تونس نابضة ولا تستكين لهذه المحاولات.
وجاءت لحظة 25 جويلية التي تقاطعت فيها الإرادة الشعبية التي تكثفت يوم 25، مع إرادة رئيس الجمهورية الذي قرر تجاوز كل هذا الواقع المنغلق. وكانت لهذه اللحظة 3 نتائج سياسية مهمة وهي:
- توجيه ضربة سياسية لحركة النهضة وحلفائها الذين استطاعوا وتكبروا على البلاد عبر مؤسسة البرلمان التي أرادوا أن تكون مؤسسة استبدادية بواجهة ديمقراطية.
- هددت مصالح العائلات الحاكمة المرتبطة بلوبيات الفساد، إذ أضحت تعيش حالة من الفزع والخوف من المحاسبة واسترجاع منهوب ومسلوب البلد وكسر هيمنتهم على الاقتصاد التونسي.
- غياب لعبة المظلومية والترويج بأن هناك حكمًا عسكريًّا واستبداديًّا الشيء الذي لا يمكن أن يصدقه عقل خاصة المتابع للشأن السياسي في تونس، بالعكس اليوم كل الأحزاب وحتى الأحزاب ذات الأغلبية كحركة النهضة وقلب تونس إلخ يمارسون حياتهم بشكل عادي يخرجون في الإعلام.
هل ما حدث في 25 جويلية 2021 من وجهة نظرك يعد انقلابًا أم تصحيح مسار؟
أظن الحديث عن انقلاب غير سليم بكل المستويات، مستويات التعريف الكلاسيكي للانقلابات، فالرئيس سعيد منتخب انتخابات مباشرة وحرة ونزيهة وليس هناك مجموعة من داخل المؤسسة العسكرية هي التي دبرت هذا الأمر في الليل واستولت على الحكم. أيضا على مستوى الممارس يوميا ومستوى السلطة السياسية، ليس هناك جيش تونسي اليوم منتشر في الشوارع ويسير شؤون البلاد وينظم الحياة المدنية ويدير الإدارات أو الولايات والمحافظات، ليس هناك حين تتجول بسيارتك اليوم عسكريون يطلبون أوراقك أو شيء من هذا القبيل، الحياة تدور بشكل اعتيادي في الإدارة والدولة وفق التشريعات التونسية فقط بهامش الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد.
وفي اعتقادي، الدخول الموغل في التفسير الشكلاني القانوني والدستوري لا يمكن أن يفتح أفقًا للتونسيين اليوم لأن الدساتير جعلت لتكون في مصلحة وفي خدمة الأفراد والمواطنين والشعوب والأوطان، ولحظةُ 25 جويلية كسرت هذا الانغلاق الشكلاني للعمل المؤسسات، قبل 25 جويلية كان لدينا برلمان كان لدينا أعضاء برلمان كان لدينا حياة سياسية لكن حياة سياسية تدور في دائرة مفرغة.
وأمام هذه الدائرة المفرغة هناك اقتصاد ينهار هناك شعب ينهار هناك وباء يفتك بالشعب هناك بلاد تستباح سيادتها من كل المحاور الإقليمية والدولية؛ لذلك أعتقد أن لحظة 25 هي لحظة أفق ولحظة تقدم، هذه اللحظة تثير مخاوف من الردة من الرجوع إلى سيناريوهات الاستبداد وقمع الحريات هذه مخاوف مشروعة في السياسة لكن لا يمكن أن يدار تخطيط مستقبل الشعوب على أساس مخاوف، خاصة عندما تكون هذه المخاوف مبالغًا فيها كثيرًا خاصة في وضعية تونس.
هل يمكن قيام نمط ديمقراطي على شاكلة الأنماط الغربية في تونس؟ وهل تمثل أحزاب الإسلام السياسي عائقًا للممارسة الديمقراطية؟
تقديري الشخصي أن النموذج الديمقراطي الغربي اليوم في 2021 ليس نموذجًا جيدًا يمكن الاقتداء به، أصلا نموذج الديمقراطية التمثيلية يشهد اليوم أزمة كما رأينا في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة مؤخرا تشي بأن هذه النماذج التي تتوقف على حرية التعبير والحريات الليبرالية تعيش اليوم أزمات حقيقية.
نحن مطالبون في تونس، وفي الوطن العربي بإنتاج ديمقراطيتنا الخاصة، والذاتية في إطار الديناميكية التي تعيشها شعوبنا. التي تطلع إلى حرية الفرد، وممارسة سياسية وحرية للسيادة على القرار الوطني والسيادة على الموارد والثروات".
وطبعا هي ديمقراطية تستفيد من التجارب التقدمية في العالم ولكن هي ديمقراطية معجونة أكثر بعرقنا نحن وبنضالاتنا نحن وتشبه خصيصة مناطقنا نحن.
أما بالنسبة للإسلام السياسي، هذه الحركات الإسلامية اليوم وحركة الإخوان المسلمين عموما في منطقتنا ومنها حركة النهضة تعيش منذ مدة على وقع أزماتها السياسية الداخلية، عزز هذا وصولها للحكم الذي كان فيه وجهان:
- وجه قبيح من خلال هذا الثمن الذي دفعته شعوب بتغلغل الإرهاب ومحاولة سيطرتهم على مفاصل الدولة بمنطق الجماعة بمحاولتهم لتغيير نمط المجتمع وفق قراءتهم هم الدينية والأيديولوجية والفقهية والسياسية.
- ووجه آخر ظهر بوصولهم للحكم هُتك سترهم وفُضحت بعض الأساطير التي صدعوا بها رؤوس أتباعهم ورؤوسنا جميعا بمنطق “اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا” و”نحن منتصرون لقضايا المستضعفين في الأرض” وقيم العدل والإحسان والإنصاف وأنهم لم يأخذوا فرصتهم في الحكم؛ كل هذه الدعاية سقطت.
إذا كان الإسلام السياسي عاجزًا وغير قادر على حلحلة الأزمة فهل يستطيع اليسار التونسي اليوم أن يمسك بزمام الأمور واستغلال الوضع الراهن ليؤسس لرؤية جديدة ولتغيير الواقع التونسي؟
بداية مع تحفظي على مصطلح “يسار”، هذا المصطلح الذي أخذ فرصته التاريخية وأصبح مصطلحًا ممجوجًا وهلاميًّا وفضفاضًا، لكن لو تحدثنا عن التيارات ذات التوجه الاجتماعي والشعبي والوطني والتقدمي في تونس فهناك مستويان يمكن التحدث فيهما:
هذه القوى المناضلة خمسين سنة في تونس، بالقدر الذي يجب أن نفهم أنها نشأت في الستينات تحت سطوة القمع والاستبداد الذي لم يسمح لها ببناء تنظيمات ذات أفق شعبي ولم يسمح لها بأن تفكر وأن تطور أفكارها وفهمها للمجتمع وتطوير قراءتها الأيديولوجية والفكرية التي جاءت جلها من تجارب مخصوصة، في نفس ذلك القدر كان لها إسهامات كبيرة وإسهامات محترمة في تاريخ تونس.
فالحركة النقابية والحركة العمالية في تونس وكل نضالاتها وإسهاماتها الاجتماعية حملت على أكتاف هذه الأطراف اليسارية؛ فالحركة الطلابية في تونس وفي أوج ازدهارها في الستينات والسبعينات والتي أنتجت زخمًا فكريًّا ونضاليًّا كبيرًا وقدمت تضحيات من الشهداء والمعتقلين وأسهمت في تجذير النضال من أجل الحرية والعدالة ومقاومة الاستبداد، كذلك الحركة النسوية والحقوقية.
لكن كان هذا المسار، وكأنه بعد لحظة 2011 وبعد انفتاح المسار الثوري، كأنه وجد نفسه أمام ثورة لم يقرأ لها حسابًا وأمام واقع جديد لم يكن يتخيله ولم يكن يفكر فيه كما جاء فحصلت خلخلة في هذا المجال وكانت محاولة للتكيف والتعاطي، واستمر تقديم التضحيات وكانت أهم تجربة سياسية في بناء تحالف يساري كانت تجربة الجبهة الشعبية التي قامت على تضحيات كبيرة وكان في مقدمتها الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وكذلك محمد بالمفتي ومجدي العجلاني والكثير من المناضلين الذين قدموا نضالات كبيرة وكانت حظوظ هذه الجبهة إلى حدود 2019 ثم باءت هذه التجربة بالفشل.
ربما التحليل ذهب إلى التجربة الداخلية والديناميكية الداخلية للجبهة الشعبية لكن الحقيقة تعكس أزمة أيضا تعيشها هذه القوى التقدمية في بناء مشروع جديد يتكيف مع الواقع الجديد ولا يسحب أفكاره القديمة ولا يسحب مقارباته القديمة على هذا الواقع الجديد.
هل تتاح فرصة اليوم لليسار في تونس، وهل هو قادر على تغيير المشهد لصالح الفئات الشعبية؟
أنا أعتقد أن هناك نقاشات جدية في الصف الثاني من مناضلي اليسار الذي ينتمي عمومهم إلى الحركات الشبابية والحركة الاجتماعية، هناك نقاشات متطورة ومتسارعة إلى حد الآن وفي عموم هذا الجمهور في العاصمة وفي كل الجهات وأعتقد أنه لن تمر سنة 2021 دون أن يكون هناك إعلان سياسي وتنظيمي لتجربة جديدة في هذا الاتجاه وأعتقد أنها ستكون جاهزة لتكون قوة على الأرض والواقع.
هل تساند القول بنهاية التاريخ وسقوط السرديات الكبرى ونهاية الأيديولوجيا؟
لو كنت مع نهاية التاريخ أو نهاية الأيديولوجيا فلن أكون أيمن علوي الذي يحدثك اليوم وكنت سأكون في صف فوكوياما وكبار المنظرين لليبرالية المنظرين بنهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية وهذا في حد ذاته قول أيديولوجي إذ قيل هذا القول في إطار أنه ليس هناك بديل لمستقبل البشرية خارج النظام الرأسمالي. أما مسألة السرديات الكبرى في شكلها المغلق وشكلها الأيديولوجي الأعمى فنعم
يصف ماركس الأيديولوجيا بشكل جميل إذ يقول إن "الأيديولوجيا هي ما تقوله الطبقات عن نفسها" ولذلك يقول إن الأيديولوجيا هي نفسها وهم.
ولهذا فإن هذه السرديات التي تم التعامل معا بشكل سلفي في كل المستويات سواء الأيديولوجيا الإسلامية أو القومية أو الأفكار الشيوعية واليسارية، إذًا عندما تتحول هذه الأيديولوجيات إلى قمقم فقهي وسلفي بالمعنى الديني للكلمة فهنا تقع الأزمة، وهنا وقعت هذه الحركات في أزماتها، لماذا؟ لأن الواقع متحول ومتغير بشكل كبير مما يجعل قراءتنا للواقع وتحليلنا للواقع يجب أن يكون متغيرا وإلا فسنكون مثاليين ولدينا مقاربة السلفية نفسها التي تعتمدها بعض الحركات السلفية في كل الأديان وفي كل التوجهات الفكرية في العالم.
إذًا كيف تعتقد أننا أمام أيديولوجيا جديدة بعيدة عن اليسار واليمين؟ كيف يبدو عالم ما بعد الأيديولوجيا من وجهة نظرك؟
اليوم نحن نعايش عددًا من الثورات: في تركيبة التشكلات الاجتماعية، الثورة التكنولوجية والرقمية وثورة الذكاء الاصطناعي الرهيبة التي ستغير كثيرا في بنية العالم وفي تفكيره وفي علاقاته الاقتصادية والاجتماعية وفي تطوراته العلمية والطبية، في تبعات كورونا نفسها وربما تكون كورونات مستقبلا وهناك من يتحدث عن حروب جرثومية وحروب المياه القادمة… وإلخ.
هذه التغيرات في صلب التحالفات في العالم مستقبلا ومستقبل وحدة الأوطان ووحدة المنطقة العربية ووحدة وطننا العربي ومستقبله كل هذا يجب أن يتم التفكير فيه بشكل جديد ولكن ليس بقطيعة تامة مع القديم.
أما كيف يمكن أن تكون هذه الوحدة وهذا التنسيق اليوم على أساس فيدرالي أو كونفدرالي هذا هو المجال الذي يمكن التحدث والتفكير فيه، التفكير في كيفية وضع خطة سياسية وبرمجية لتوجيه ضربات مؤذية لهذه العائلات الأوليغارشية التي تحكم أوطاننا وتتحكم في اقتصادنا.
لكن رغم ما راكمه المجتمع التونسي قبل 2011 وبعد ذلك فإلى اليوم مشهد الاقتصاد الريعي لم يتغير، اللوبيات نفسها، العائلات نفسها التي تحكم الاقتصاد لم تتغير، فكيف تفسر ذلك؟
هذا هو الدور القادم الذي على كل حركة سياسية تصف نفسها بأنها ثورية أن توجه رأسًا نضالاتها ووعي شعوبها وجماهيرها إليه، اليوم الشعب التونسي يُعد شعبًا متقدمًا، والكثير من الحركات الاجتماعية تعد متقدمة على اليسار وعلى القوى الاجتماعية بطرحها لهذه المهام.
"إن هؤلاء الاحتكاريين الذين يحتكرون الأعلاف، والذين يحتكرون توزيع الحليب، وكل الاحتكارات الموجودة اليوم في تونس هم أعداء الشعب التونسي، وتوجيه ضربات مؤذية لمصالحهم هو تحقيق انتصارات لأغلبية فئات الشعب التونسي. التي ستبعث فيه الأمل أكثر والتي ستحفزها على إيجاد مشاريع بديلة لحياة عادلة أكثر".
كيف يعمل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد على ترسيخ وإيصال الوعي الطبقي في الشعب التونسي؟
بإيجاز شديد نحن في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وبكل تواضع نعتبر أنفسنا من الأحزاب اليسارية التي سارعت باستيعاب دروس الهزائم المتتالية في اليسار، وهو حزب يعيش على وقع ديناميكية إيجابية في هذه الأيام وفي هذه الأشهر وفي تنسيق كبير مع عدد محترم من المناضلين في الجهات وفي الاتجاه الذي حدثتك عنه منذ قليل في اتجاه بلورة بديل تنظيمي وسياسي يكون مشروعًا وازنًا في مقابل هذه الهيمنة اليمينية التي تعيشها تونس.
هل يوجد أمل لجبهة جديدة وإتلاف جديد أو حزب يساري كبير؟
نحن نعيش دائما على هذا الأمل ونناضل من أجله.
هل هناك ضبابية في صياغة مفهوم المواطنة وهل هناك أفكار أيدولوجية تتعارض مع صياغة هذا المفهوم صلب الدولة المدنية الحديثة؟
"مفهوم المواطنة ومفهوم الفرد يعيش محنة في الحضارة الإسلامية منذ الدولة الأموية وحتى اليوم، نحن عشنا في مجتمعات تحكمها القبيلة، يحكمها رجل الدين الواحد، الإمام الواحد، الخليفة الواحد، الرئيس الواحد، والبقية هم الرعية والسكان أو العشيرة".
هذا بداية في المحنة الأنثروبولوجية والثقافية لمفهوم المواطنة والفرد طبعا في العصر الحديث، لا يمكن لهذا المفهوم أن يتبلور في القرن الماضي في ظل الاستعمار والأنظمة الاستبدادية والعسكرية وبين هيمنة رجال الدين والحركات الإسلامية فيما سمي بالصحوة الإسلامية مع بدايات السبعينات، لا يمكن لكل هذه الظروف مجتمعة وأن تبلور ثقافة المواطنة وثقافة الديمقراطية وعملية تحرير الفرد داخل المجتمع. لكن الآن وفي السنوات العشر الأخيرة نشهد نسقًا سريعًا للأحداث ربما يختصر مسافات زمانية طويلة لبلورة مثل تلك الأفكار والمفاهيم.
رؤيتكم للحركة النقابية في تونس خاصة بعد تعديل الفصل 20. هل يمكن اعتبار هذا التعديل خطوة إلى الوراء؟
رأيي هو رأي الحزب الذي عبر عنه في بيانه الذي اعتبر تعديل الفصل لم يكن أمرا مرحبا به وهو إجراء يهدد المكتسبات الديمقراطية ويهدد وربما يمكّن أعداء الحركة العمالية من ذرائع لضربها أو لانتهاكها.
على كل أعتقد أن الاتحاد العام التونسي للشغل عموما بكل هياكله ومنضاليه مدعوون اليوم إلى التفكير في إستراتيجية لمستقبل العمل النقابي ومستقبل الحركة النقابية، لأن هناك أسبابًا موضوعية أصلا تجعل من دور الطبقة العاملة، ومن دور العمل ومن طبيعة قواعد الاتحاد تجعلها مواضيع تفكير حقيقية من الهجمات المرتقبة، التي تمارسها الضغوطات الدولية باستمرار على تونس.
مما يجعلها في مرمى تحديدات عدة وتهديد للمكتسبات الاجتماعية في تونس، وفي دفع البلاد نحو إملاءات صندوق النقد الدولي، وكل هذه الإجراءات ذات الطابع النيوليبرالي كذلك، أعتقد أن الاتحاد العام التونسي للشغل والحركة النقابية عموما أمامها تحديات استراتيجية كبيرة في قادم أيامها.
في الحقيقة السؤال لا يكمن في “هل نحن مع أو ضد التعددية النقابية” بل السؤال: هل يمكن أن تكون هناك تعددية نقابية ناجحة في تونس في ظل تواجد الاتحاد العام التونسي للشغل؟ في حقيقة الأمر لا أعتقد، لأن ضخامة الاتحاد العام التونسي للشغل وضخامة دوره وعراقته في الحركة العمالية وفي الحركة النقابية أعتقد أنه من غير الممكن أن تخلق له منافسين.
"أعتقد أن الاشتغال على وحدة الصف النقابي، ووحدة العمل النقابي في إطار تنظيم يسمح بعدم تشتيت النضال العمالي، والعمل يجب يكون أكثر على ديمقراطية القطاعات نفسها، ودعم استقلاليتها بأن تكون منظمة أكثر ديمقراطية، وأقل مركزية أفضل من ممارسة تعددية نقابية".
لكن البعض يعتقد أن التضخم لدور الاتحاد وعدم وجود نقابات أخرى هو الذي أدى بشكل مباشر إلى هذه الانحرافات في صفوف الاتحاد؟
من رأيي، فالاتحاد ليست هذه اللحظة الأولى التي يعيشها بشأن الاختلافات في وجهات النظر الداخلية أو ربما أزمات داخلية وأعتقد أن تاريخ الاتحاد لديه من المناعة ما يمكّنه من استيعاب هذه الأزمات وتجاوزها.