عقب انهيار العملية السياسية في اليمن وفرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من العاصمة صنعاء لعدن ثم لسلطنة عمان، شنت قوات التحالف الذي أعلنته المملكة العربية السعودية بقيادتها حملتها العسكرية في الخامس والعشرين من مارس 2015، لترسم بذلك خارطة النزاع وسلطات القوى المتنازعة المحلية في الداخل جغرافيًا بين سلطاتٍ تتبع الحكومة المعترف بها دوليًا وقوى التحالف وسلطات الأمر الواقع.
على مدى الأعوام الستة من الحرب، شهدت مناطق سيطرة أطراف النزاع شتى أنواع الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها السلطات المسيطرة لدوافع سياسية أو عسكرية أو أيديولوجية. تعذيب السجناء في مراكز احتجازٍ مشبوهة ولا إنسانية هي واحدة من أهم الانتهاكات التي اشتركت في اقترافها هذه السلطات المتفرقة على الخارطة اليمنية.
سلطات الحكومة المعترف بها دوليًا والتي تقع مدينة مأرب شمال اليمن تحت سيطرتها، وتعتبر ضمن نطاق سيطرة حزب الإصلاح، الامتداد السياسي لحركة الإخوان المسلمين في اليمن، هي أحد هذه الأطراف المتورطة بانتهاكاتٍ حقوقية جسيمة تجاه مواطنين مدنين وآخرين عسكريين، تقابلها سلطات الأمر الواقع في العاصمة صنعاء ومناطق شمال اليمن.
تستعرض “مواطن” مجموعة قصصٍ إنسانية في هذا التحقيق الذي يكشف جملةً من الانتهاكات التي ترتكبها أطراف النزاع في الأزمة اليمنية بحق المدنيين والأسرى لدى مختلف الأطراف بصورةٍ مستمرة وسلوكٍ منهجي في تعذيب السجناء لديها، إذ تنوعت الانتهاكات بين الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب الجسدي والنفسي وإساءة المعاملة انتهاءً بالإعدامات الوهمية والتصفية الجسدية.
الالتزامات القانونية
تعتبر الجمهورية اليمنية أحد الأطراف الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب، وتترتب عليها الالتزامات المفروضة على الدول الأعضاء في الاتفاقية، ولذلك تترتب عليها مسؤولية قانونية دولية في حالة خرقها لالتزاماتها تجاه اتفاقية مناهضة التعذيب، وخصوصًا إذا ما كانت تلك الخروقات تحمل طابعًا سلوكيًا ممنهجًا في التعامل مع السجناء والمعارضين.
داخليًا، ينص الدستور اليمني في المادة (47) الفقرة (ب) على تجريم التعذيب بأنواعه، سواءً كان جسديًا، نفسيًا أو معنويًا، ويجرم كذلك ما هو أدنى منه مثل الإجبار القسري على الاعتراف أو المعاملة غير الإنسانية في كافة مراحل السجن، من القبض للاحتجاز للتحقيق وحتى المحاكمة وقضاء المحكومية.
في الفقرة (هـ) من المادة الدستورية نفسها يعتبر الدستور اليمني التعذيب جريمة يستحق ممارسها أو من يأمر بها أو من يشارك فيها العقوبة، واعتبرها جريمةً لا تسقط بالتقادم، ويترجم ذلك النص القانوني في قانون الإجراءات الجزائية اليمني لعام 1993م في المادة السادسة والمادة السادسة عشرة من القانون بأن:
– حظر تعذيب المتهم أو معاملته بطريقة غير إنسانية أو إيذائه بدنيًا أو معنويًا لقسره على الاعتراف.
– اعتبار الأقوال التي تصدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية أو الإيذاء هدر لا يعول عليها.
– وعدم انقضاء الدعوى الجزائية في جريمة التعذيب بمضي المدة.
تنشئ على السلطات الشرعية وأطراف النزاع الأخرى مسؤوليةٌ قانونية طبقًا للمواد الدستورية والقانونية التي تجرم التعذيب وتعتبره جريمةً لا تسقط بالتقادم ويعاقب مرتكبها والأمر بها أو المشارك فيها، إضافةً إلى الالتزامات المناطة بها كعضو في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
دارس العربجي
دارس العربجي، شابٌ يمنيٌ من محافظة حجة شمال اليمن، بعد قضائه شهورًا من العمل في السعودية كان دارس في طريقه للعودة إلى اليمن قبل أن تحتجزه سلطات الحكومة المعترف بها دوليًا في المنفذ الحدودي اليمني دون توجيه تهمةٍ له أو توضيح أسباب احتجازه، حيث يروي دارس لـمواطن قصة اعتقاله وتعرضه للاختفاء القسري والتعذيب النفسي والجسدي.
الثلاثاء، السادسة مساءً، السابع عشر من نوفمبر 2020، تفاجأ دارس باحتجازه في منفذ الوديعة الحدودي مع المملكة العربية السعودية من قبل القوات التابعة للحكومة الشرعية دون تقديم أي مبرراتٍ لاعتقاله، مباشرةً تم التحقيق معه عن معلوماته الشخصية، لينقل بعدها مباشرةً لسجن الوديعة. يقول دارس: “ظننت بأن الأمر مجرد حالة اشتباهٍ وسرعان ما سيتركونني أمضي في حال سبيلي.. كانت هذه التوقعات التي بنيتها محاولًا فهم أسباب احتجازي هي ما يجعلني أتحمل الوضع السيئ في سجن الوديعة..”.
في زنزانة انفرادية مليئة بالقمل والحشرات وفي معاملة سيئة وغذاء سيئ وغير كافٍ، قضى دارس كما يقول شهرًا كاملًا دون أن توجه إليه تهمة أو يعرف سبب سجنه أو يسمح له بالتواصل مع زوجته وأطفاله أو يتاح له توكيل محامٍ أو التحدث إليه، تاركًا خلفه أسرةً مكونةً من زوجةٍ وثلاثة أطفال يجهلون مصيره.
يجدر الذكر هنا أن القانون اليمني يحدد المدة القانونية للاحتجاز بأربعٍ وعشرين ساعة قبل أن يتم تحويله للجهات المعنية في الاتهام أو الإفراج الفوري عنه. كما تشترط له حق الصمت وتوكيل محامٍ والتحدث إليه وتوفير نسخةٍ من التحقيقات للمتهم وضرورة الإبلاغ الفوري للمتهم بالتهمة الموجهة إليه، وهو ما لم يحدث في كل الحالات التي يتم اعتقالها بهذه الطريقة.
في الثامن عشر من ديسمبر 2020، تم نقل دارس لمركز احتجازٍ جماعي لا يعرف مكانه. تعرض فيها لمعاملة مهينة، حيث حُلِق شعرُه ووُضِع في زنزانةٍ مكتضةٍ بالأشخاص الذين يعانون من الاختلال العقلي. يصف دارس الوضع هنالك بأنه غير آدميٍ البتة.
كان السجن هنا يعج بالمرضى النفسيين والأوبئة الجلدية، من الجرب وأمراض التقيحات والتقرحات الجلدية الذي عانى منه كل مرتادي السجن، وهو ما تحدث عنه أيضًا سجناء أخرون، فيما لم تكن السلطات تقدم أي رعايةٍ صحية للسجناء المرضى، فضلًا عن وفاة الكثير من السجناء حسب شهادات معتقلين جراء الكوليرا وفيروس كورونا.
يقول دارس واصفًا طبيعة تعاطي الجنود معه في السجن: "كانت الشتائم هي كل ما نتلقاه منهم.. كان السجانون يشتموننا بأقذع الألفاظ ويصفونني بالرافضي المجوسي والكافر، كان ردهم علي كلما أطلب منهم السماح لي بالتواصل مع أهلي هو تهديدي بالقتل وأنني لا أستحق ذلك.. لم أكن أتخيل أن نهايتي ستكون بهذه الطريقة وعلى يد هؤلاء".
قضى دارس في السجن الجديد الذي نقلوه إليه فترة شهرين، أفاد عن تعرضه فيها للتعذيب وإساءة المعاملة من قبل إدارة السجن. كان يتهمه جنود السجن بالانتماء لجماعة الحوثي، وهو ما كان ينكره دومًا. في العشرين من فبراير 2020، تم نقل دارس لسجن الاستخبارات في مأرب “سجن الأمن السياسي”، يصف دارس هذا السجن بسجن الأموات.
وضع دارس في زنزانةٍ انفراديةٍ معتمة وضيقة يصعب فيها التنفس. احتجز في الزنزانة لوحده لمدة أسبوعٍ، ثم أُدخِلَ سجينان آخران إلى جواره في الزنزانة الضيقة. كان التنفس فيها صعبًا، لذلك كان يتناوب السجناء الثلاثة على الاستلقاء تحت باب الزنزانة للتنفس، وكذلك كانوا يفعلون للحصول على قسطٍ من النوم.
يقول دارس بأن من كان يصرخ ويطالب بالطعام أو أن يفتح باب الزنزانة لدخول الهواء يتعرض للضرب بالأسلاك الكهربائية على يد الجنود السجانين، ويضيف: "كنا نختنق في الداخل ونخاف من التعرض للضرب إذا ما طلبنا منهم أن يفتحوا لنا باب الزنزانة ليدخل الهواء، لذلك كنا نتناوب للتمدد تحت باب الزنزانة ومحاولة استنشاق بعض الهواء من شق الباب".
بعد سبعةٍ وعشرين يومًا، طُلِب دارس للتحقيق، ربطت عيناه، واقتادوه لغرفة التحقيق التي لم تكن للتحقيق. كان الاستدعاء فقط للسخرية والضرب وتوجيه الإهانات له ثم إعادته لزنزانته. يقول دارس: “لم أشعر بذلك القدر من الإذلال وأنا معصوب العينين، يستغل فيها هؤلاء الوحوش خوفي لديهم للتسلية المريضة.. كنت أقول لنفسي أن هؤلاء ليسوا بشرًا”.
بعدها بثلاثة أيام اقتيد معصوب العينين مرةً أخرى لغرفة التحقيق التي وجهوا فيها له تهمًا بانتمائه لجماعة الحوثيين، وهو ما بقي دارس يصر على عدم ارتباطه بهم. وبعد التحقيق الأخير، نُقِل لسجنٍ مختلط بقي فيه ثلاثة أيام حتى إطلاق سراحه دون توجيه أي تهمٍ أخرى أو مبررات لاحتجازه غير القانوني في 18 مارس 2021.
تعرض الضحية هنا لمجموعةٍ من الانتهاكات، يمكن تلخيص أبرزها في الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ومنع تواصله بأسرته خلال فترة احتجازه والتعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة السيئة واللاإنسانية في مراكز الاحتجاز التي قضى فيها فترة احتجازه وعدم منحه حق توكيل محامٍ أو التحدث إليه.
أمير الدين جحاف
في مساء 26 من سبتمبر 2016، كان أمير الدين جحاف في طريقه لمطار سيئون من العاصمة صنعاء للمغادرة إلى القاهرة لاستكمال دراسته الطب البشري بعد أن عاد في إجازته الصيفية لزيارة أهله في محافظة حجة، قبل أن تعتقله تعسفيًا سلطات الحكومة الشرعية أثناء وصول حافلته للنقطة الأمنية، المسماة بنقطة الفلج، في مدخل مدينة مأرب.
تقع نقطة الفلج في المدخل الشمالي لمدينة مأرب، وتتبع قائد قوات الأمن الخاصة، عبدالغني شعلان، المحسوب على حزب الإصلاح والذي قُتلَ مؤخرًا 2021 في معارك مع الحوثيين على مشارف المدينة. تعتبر النقطة الأمنية أحد أكثر المراكز الأمنية التي يتعرض فيها المسافرون للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
لم يتلقَّ الضحية أي أمر بالتوقيف وطبيعته أو التهم الموجهة له، إذ كان يصر على أنه طالبٌ لا علاقة له بالصراع وهو مسافرٌ في طريقه للعاصمة المصرية القاهرة لاستكمال دراسته. كانت التهمة الأولى التي يسمعها أمير الدين هي أن والده يعمل في سلطات الأمر الواقع، الحوثيين، في محافظة حجة.
يعمل والد أمير الدين جحاف كطبيب ووكيل لمحافظة حجة في سلطات الأمر الواقع، الحوثيين، أثناء اعتقال ابنه أمير الدين، ثم عُيِّنَ مؤخرًا مطلع العام 2021 رئيسًا لهيئة مستشفى الثورة في العاصمة صنعاء، ورغم تقديمه كل المبررات أنه لا علاقة له بوالده وأنه طالب ولا توجد مبررات قانونية لاحتجازه، إلا أن أمير الدين قضى عامين من الاحتجاز في سجون مختلفة ومتفرقة في محافظة مأرب في ظروفٍ لاإنسانية وقاسية، تلقى فيها شتى أصناف التعذيب.
كان سجن المحكمة هو أول سجنٍ احتجزت فيه السلطات في مأرب الضحية لأيام. كانت ظروف السجن سيئة ولا تلتزم السلطات فيه بتقديم الطعام والدواء. بعد أيام تم نقل أمير الدين دون التحقيق معه لسجنٍ آخر. وهو سجنٌ مستحدث بعد تحويل معهد الصالح التعليمي لسجنٍ خاصٍ بالسلطات في مأرب.
كان أمير الدين شاهدًا على التعذيب وحالات الإعدام تحت التعذيب في سجن معهد الصالح. تعرض هو نفسه لأنماطٍ مختلفة من التعذيب الجسدي بالضرب بالسلاسل وكابلات الكهرباء وأعقاب البنادق، وتعرض لأنماطٍ أخرى من التعذيب النفسي كالتهديد بالضرب أو الإعدام والحرمان من النوم أو الطعام وسوء ظروف غرف الاحتجاز وارتفاع درجة حرارتها صيفًا وبرودتها شتاءً.
في التحقيقات كان يُطلب من الضحية الاتصال بأهله وطلب الأموال منهم مقابل تحسين وضعه في السجن، وكان الشرط الأساسي لخروجه هو مقايضته بأسرى يتبعون لحزب الإصلاح، الامتداد السياسي لحركة الإخوان المسلمين في اليمن، لدى جماعة أنصار الله الحوثيين.
عاملت السلطات الشرعية في مأرب الضحايا المسافرين بعد اعتقالهم التعسفي ثم إخفائهم قسريًا معاملة أسرى الحرب، حيث لم تفرج عن أغلبهم إلا بصفقات تبادل الأسرى بعد قضاء سنواتٍ في سجونها.
انتحلت سلطات السجن صفات موظفي منظماتٍ حقوقية دولية للحديث مع السجناء والتحقيق معهم لاستخراج اعترافاتٍ تستخدم ضدهم.
تم إطلاق سراح أمير الدين جحاف في صفقة تبادل أسرى في الخامس من نوفمبر 2018 بعد أن قضى فيها عامين في السجن وتعرض لنهب مقتنياته التي كانت بحوزته من هاتف وأموال.
تعرض الضحية هنا لمجموعةٍ من الانتهاكات تمثلت بدايةً في الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري لمدة عامين ومنعه من التواصل مع أسرته أو توكيل محامٍ له وتعرضه لمختلف أصناف التعذيب الجسدي بأدوات مختلفة مثل السلاسل والكابلات الكهربائية وبصورةٍ مستمرة، والتعذيب النفسي واحتجازه في زنازين فردية وجماعية ضيقة وتلقيه معاملة لا إنسانية سيئة، فضلًا عن معاملته معاملة أسرى الحرب ورفض الإفراج عنه إلا في صفقةٍ لتبادل أسرى الحرب وانتحال صفة منظماتٍ حقوقية دولية.
سلطات الأمر الواقع
الأوضاع في صنعاء ومناطق شمال الشمال التي تقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع “الحوثيين” لا تختلف كثيرًا عنها في مناطق سيطرة الشرعية بشأن تعذيب السجناء وممارسات الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي، حيث تزدحم سجونها بآلاف السجناء السياسيين المعارضين للجماعة والمنتمين للجماعات والأحزاب السياسية الأخرى، فيما تستخدم هذه الممارسات كفزاعةٍ للأصوات المعارضة والممتعضة من طريقة إدارة سلطات الأمر الواقع للحكومة.
مطارد أبوسالم، وفاة تحت التعذيب
مطارد أبوسالم، شابٌ في العشرينات من عمره من محافظة حجة شمال اليمن. نشط مطارد تحت اسمٍ مستعار على وسائل التواصل الاجتماعي ليتم اعتقاله لاحقًا ونقله لجهةٍ مجهولةٍ بعد أشهرٍ من بدء نشاطه العام 2018.
في ختام نوفمبر 2018، رغم أنها لم توجه أي اتهاماتٍ بحقه أو تعلن عن مكان احتجازه، أعلمت السلطات أسرة الضحية مطارد بوفاته في أحد السجون في محافظة الحديدة غرب اليمن في السجن وطلبت منهم دفنه دون تقديم توضيح يتعلق بأسباب الوفاة. أسرة الفقيد والتي تنتمي لأحد القبائل الكبيرة في محافظة حجة احتجت وطالبت السلطات بكشف أسباب وفاة مطارد أبوسالم وخصوصًا مع ظهور آثار التعذيب على الجثة. السلطات أعلمتهم بأنها ستحقق في الأمر، فيما منعت لاحقًا تشييعه.
عبد الوهاب الشرفي
في ليلة السادس والعشرين من سبتمبر 2019، اعترضت سيارةٌ مليئةٌ بالمسلحين سيارة عبدالوهاب الشرفي، رئيس مركز الرصد الديمقراطي، هو وأسرته. تم إرهاب الشرفي وزوجته وأطفاله الذين كانوا معه في السيارة، حيث وجه المسلحون البنادق إلى صدورهم. يفيد الشرفي بأنهم قاموا بربط عينيه واختطافه للمحكمة الجزائية ليتعرض هنالك للضرب والتعذيب.
تعرض الشرفي للضرب مباشرةً بعد وصوله لمقر الجزائية في العاصمة صنعاء، حيث استخدم المسلحون الذين قاموا باختطافه أيديهم في توجيه الضربات له على وجهه وبطنه، غير مراعين لسنه الكبير، يقول عبدالوهاب الشرفي حاكيًا عما حدث له في تلك الليلة التي تم اختطافه فيها: "أوسعوني لكمًا في وجهي وعيني وخاصرتي".
بعد يومين، أطلقت سلطات الأمر الواقع سراح عبدالوهاب الشرفي دون توجيه أي تهمٍ له بعد تحول قضية اعتقاله واختطافه أمام أسرته لقضية رأيٍ عام طالب فيها برلمانيون وناشطون في صنعاء بإطلاق سراح الشرفي. فيما أفاد بأن مختطفيه قاموا بنهب مقتنياته والأموال التي كانت بحوزته ولم يعيدوها له مطلقًا.
الدكتور
الدكتور م.م، أحد أكاديمي جامعة صنعاء، تعرض للاختفاء القسري مطلع العام 2018 بعد اعتقاله تعسفياً. يتحدث الضحية عن تعرضه للضرب والتعذيب الجسدي والنفسي ومنع تواصله بأسرته طوال فترة اعتقاله التي قضى فيها ما يقرب من العام دون توجيه أي تهمٍ رسمية له أو محاكمة، فيما كانت التحقيقات معه حول حديثه المعارض لسياسة سلطات الأمر الواقع في صنعاء.
يفيد الضحية بأنه ليس مستعداً للحديث عن تجربته لوسائل الإعلام وأنه سيتحدث عنها عندما تتغير ظروفه الأمنية، حيث لا زال مقيماً في في مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع.
عبد الرحمن المؤيد
عبد الرحمن المؤيد، موظفٌ في وزارة المياه والبيئة نشط على موقع فيسبوك تحت إسمٍ مستعار كشف فيها الكثير من الوثائق المتعلقة بفساد مسؤولين في حكومة الإنقاذ التابعة لسلطة الأمر الواقع في صنعاء، لتكشف السلطات لاحقاً العام 2020 عن هويته.
في مقطعٍ مصورٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، خرج عبد الرحمن المؤيد في الـ 25 من أغسطس الماضي يتحدث عن اختفائه القسري في سجون المخابرات في صنعاء وتعرضه للتعذيب الجسدي والنفسي والسجن الإنفرادي لشهور ثم فصله من عمله في وزارة المياه والبيئة.
يقول عبد الرحمن المؤيد: " دخلت السجن بقليل من الكرامة، ثم عذبت بلاحبس والضرب والإهانة والإذلال وبالعزل الانفرادي لثلاثة أشهر، كان يتم تهديدي وطلب مني التوقف عن الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي.. جسدي هو الدليل، جلدي هو الدليل على ما حصل لي من تعذيب من قبل عناصر الأمن والمخابرات"
مخاوف من الحديث
مواطن تواصلت مع معتقلين سابقين لدى سلطات الأمر الواقع، قضى معظمهم أكثر من ثلاث سنواتٍ في معتقلاتٍ سرية ومنعت عنهم الزيارة أو التواصل بأهاليهم، فيما اضطر بعضهم لدفع أموالٍ طائلة لتحسين أوضاع سجنهم والسماح لهم بالتواصل مع أهلهم أو زيارتهم.
(م.م) أحد المعتقلين الذين قضوا خمس سنواتٍ في معتقلات سلطات صنعاء دون توجيه تهمٍ قانونية إليه أو محاكمته. في العام 2016 تعرض الضحية للاختفاء القسري، فيما بررت السلطات اعتقاله بأنه متهمٌ بالتخابر مع دول التحالف. قُطعت الاتصالات بين الضحية وأسرته، ودفع والده العام 2018 مبلغًا قدره 500 ألف ريال يمني، ما يقدر بألف وخمسمائة دولارٍ أميركيٍ في حينه كرشوةٍ لأحد النافذين للسماح له بزيارة ابنه المعتقل لمرةٍ واحدة.
في العام 2019 توفي والد الضحية الذي تدهورت صحته بعد اعتقال ابنه لخمس سنوات سُمِحَ له بزيارته فيها لمرةٍ واحدة فقط، لتفرج عنه السلطات بعدها دون توجيه أي تهمٍ له أو إدانته ومحاكمته. يقول (م.م): "بعد وفاة والدي قامت السلطات بالإفراج عني وجاء لي أحد المسؤولين ليقول بأنهم متأسفون لقضائي هذه المدة في السجن..".
الضحية هنا وكثيرٌ من المعتقلين الذين تواصلت معهم مواطن أفادوا بعدم قدرتهم مشاركة قصصهم وهم يقيمون في مناطق سلطات الأمر الواقع، حيث إنهم يتخوفون من إعادة اعتقالهم فيما قال آخرون إنهم قد تعهدوا بضماناتٍ قبلية بعدم ممارسة أي أنشطةٍ معارضة أو مشاركة قصص اعتقالهم وسجنهم لوسائل الإعلام.
سجون للنساء
تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة في اليمن 2020 أفاد بأن جماعة أنصار الله الحوثيين قامت باستحداث سجونٍ سرية تحتجز فيها النساء تحت إشراف “سلطان زابن” أحد القيادات الأمنية في وزارة الداخلية في حكومة سلطات الأمر الواقع، والذي قضى في إبريل الماضي 2021 إثر إصابته بفيروس كورونا حسب وكالات إخبارية، وكانت قد شملته عقوباتٌ أممية سابقًا جراء إشرافه على الانتهاكات التي يتم ممارستها بحق النساء في السجون التي يديرها.
سلطات الحكومة المعترف بها دوليًا في محافظة مأرب قامت هي الأخرى في أكثر من واقعة باعتقال نساء يمنيات بتهمة عملهن لصالح جماعة الحوثي. إحدى هذه النسوة تدعى “سمية مارش” والتي أفادت سلطات الأمر الواقع بتوافر معلوماتٍ لديها بأن سلطات مأرب قامت بتسليمها للسلطات السعودية العام 2020 بعد قضائها لما يزيد عن العام مخفيةً في سجون سلطات مدينة مأرب دون توجيه تهمٍ لها أو محاكمتها، هذا وتعتبر الواقعة التي أقدمت عليها سلطات الحكومة المعترف بها دوليًا خرقًا لمواد الدستور اليمني التي تحظر تسليم أي مواطنٍ يمني لسلطاتٍ أجنبية.