يشير مصطلح “سنجل ماذر” في المجتمعات الغربية إلى الأم التي تتولى مسؤولية تربية ورعاية أطفالها بمفردها، سواء ولدوا في إطار منظومة الزواج، أو خارجها. وفي المجتمعات العربية يتقاطع مفهوم “السنجل ماذر” مع مفهوم “المرأة المعيلة” ويقصد به النساء اللواتي تتولين رعاية شؤونها وشؤون أسرتها ماديًا بمفردها دون الاستناد إلى وجود الرجل (الزوج أو الأخ أو الأب).
ورغم المسؤولية الكبيرة اللاتي يحملنها على المستوى النفسي والجسدي والمادي، لكنهن لا يحظين بدعم مجتمعي كاف، ويعانين من عدم وجود منظومة قانونية تحفظ حقوق أطفالهن. في هذه القصة الصحافية نحاور ثلاث سيدات عربية ممن يوصفون بـ”سنجل ماذر” حول أبرز المسؤوليات والتحديات والأحلام في حياتهن.
بداية جديدة
بمزيج من المرارة والسخرية تبتسم “مي” عندما تستعيد تفاصيل حياتها السابقة بكل لحظاتها الجميلة والقاسية منذ زواجها، ثم طلاقها وتحملها مسؤولية تربية ورعاية طفلها.
“بعد الطلاق الحياة اختلفت تمامًا، الأمر ليس ماديًا فقط، ولكن على كافة المستويات، بحث مستمر عن عمل مناسب للظروف الجديدة، وسكن مستقل في مكان آمن لا نتعرض فيه لمضايقات”، وتضيف مي :”المجتمع قاسٍ على المرأة طوال الوقت، وتتضاعف هذه القسوة تجاه (السنجل ماذر)، فالمجتمع يفرض علينا صور مثالية ومدمرة تطالب الأم بأن تلغي حياتها الخاصة فلا دراسة أو سفر أو حب، فقط تتفرغ لطفلها وتتحمل كافة المسؤوليات المادية والتربوية بينما لا توجد أي مساءلة للأب عن دوره في حياة الأبناء”.
المجتمع يفرض علينا صور مثالية ومدمرة تطالب الأم بأن تلغي حياتها الخاصة فلا دراسة أو سفر أو حب، فقط تتفرغ لطفلها وتتحمل كافة المسؤوليات المادية والتربوية بينما لا توجد أي مساءلة للأب عن دوره في حياة الأبناء".
مي Tweet
تحرص مي في تربية طفلها على تقبل الاختلاف، والتواجد في دوائر مجتمعية آمنة، مشيرة إلى أنها بعد الطلاق استجابت للضغوط المجتمعية وألغت حياتها الخاصة تمامًا، وتفرغت لرعاية طفلها فقط، لكن النتيجة كانت سلبية، فلم تكن راضية عن نفسها ولا سعيدة، وانعكس ذلك على ابنها أيضًا. تكمل “قررت أستعيد حياتي وأقتسمها معه، فبجانب رعايته أكمل دراستي ونذهب سويًا لحضور حفلات وورش عمل، كما استعنت بجليسة أطفال، ودعمتني أمي أيضًا، وعلاقتي بوالده ماتزال جيدة، ويلتقي بنا كل أسبوعين”.
تستعد مي خلال الأسابيع القادمة لمناقشة رسالة الدكتوراة في مجال ثقافة الطفل، مؤكدة على أن الحياة بطبيعتها متغيرة، وعلينا أن نتعلم كيف نتقبل ونتعامل مع هذه التغيرات على المستوى النفسي والمادي، ونتصالح مع أخطائنا أو تجاربنا غير الجيدة ونتعلم منها، ونبني على خبراتنا وتجاربنا الإيجابية حياة جديدة.
شروط مجحفة
في عام 2009 تُوُفِّيَ زوج “أمل” تاركًا طفلين أحدهما في الصف الأول والآخر في الصف الرابع الابتدائيين، “تغيرت الحياة بصورة كبيرة بعد رحيل والدهما” تقول أمل. وتضيف:”كانت حياتنا تدور في فلك والدهما، فقد تزوجنا خلال سنوات دراستنا في أوروبا، وعدت معه إلى دولته الخليجية، وكانت حياتنا مستقرة، ونخطط للهجرة إلى كندا قبل رحيله”.
بعد وفاة زوجها لم تستطع أمل ذات الأصول الفلسطينية الهجرة؛ فعائلة زوجها الراحل وضعوا من ضمن شروطها الضمنية للإنفاق على أطفالها أن يبقوا في الدولة الخليجية. معاناة أمل لم تتوقف على ذلك فحسب؛ فهناك شرطان آخران لم يفرضا بصورة مباشرة وفقًا لروايتها، ولكنها تفهمتهما ضمنيًا وهما: ألا تتزوج ولا تخرج للعمل، وتتفرغ لرعاية أطفالها.
“تجربة الأمومة لا تقدر بثمن، أخوض الحياة بكل تجاربها برفقة أطفالي” تقول أمل مشيرة إلى أن التحدي الأكبر لم يكن تحملها وحدها مسؤولية أبنائها بقدر ما يتعلق الأمر بالسياق المجتمعي القاسي في تعامله مع المرأة. “رغم ثروة عائلة زوجي الكبيرة، إلا أن زوجي لم يكن غنيًا، ولم يترك لنا إرثًا كبيرًا، وعائلته لم تتأخر عن دعمنا ماديًا، لكن شعوري بالوحدة والغربة بعد رحيل زوجي، وعدم وجود أي من أفراد عائلتي في جوارنا كان قاسيًا” تقول أمل.
طوال هذه السنوات لم تتوقف أمل عن الدراسة “أون لاين” وحصلت على العديد من البرامج الدراسية في مجالات متنوعة، كما بدأت مؤخرًا في مسار مهني في تصميم الحلي والأزياء بعد أن كبر أطفالها. وتشير أمل إلى تغيرات كبيرة تشهدها في علاقتها بعائلة زوجها في الأشهر الماضية “تحدثوا معي عن عدم ممانعتهم لفكرة الهجرة، كما شجعوني على الزواج خصوصًا أن أطفالي كبرا وأحدهما أنهى دراسته الجامعية بتفوق والآخر أوشك على إتمام دراسته”.
"تجربة الأمومة لا تقدر بثمن، أخوض الحياة بكل تجاربها برفقة أطفالي"
أمل Tweet
أم وثلاثة أطفال
لسنوات عاشت “سناء” في صراع كبير بين رغبتها في الحفاظ على وجود الأب في حياة أبنائها، وشعورها بأن الاستمرار في حياة زوجية قاسية قد يكون لها آثار سلبية أكثر من الطلاق على الأطفال.
اختارت في النهاية الطلاق، فرغم صعوبة القرار على المستوى النفسي والمادي والاجتماعي إلا أنه “كان السبيل الوحيد للنجاة” تقول سناء. وتضيف:”استعدت اتزاني النفسي، وتحسنت علاقتي بأولادي، ولم تختلف كثيرا المسؤوليات قبل الطلاق عن بعده؛ فالمسؤولية كانت كبيرة منذ البداية”.
أوضحت لأبنائي أن الانفصال سيجعلني أمّا أفضل لهم
سناء Tweet
تفرغت سناء بعد طلاقها لتربية أطفالها الثلاثة، فهى سيدة منزل تعيش في أحد الأحياء الشعبية جنوب العاصمة المصرية القاهرة، وتنفق على أطفالها من معاش والدها، بالإضافة لبعض الدعم المادي من الزوج. مشيرة إلى أن أكبر التحديات التي واجهتها هى نظرات ومشاعر أطفالها تجاه العائلات التي يوجد بها أب مقيم معهم، بينما يعيشون في بيت بلا أب.
وتضيف: “كنت على وشك الاستسلام لتجنب هذه النظرة وجعلهم يكملون حياتهم وسط أم وأب، ولكني أوضحت لهم أن الانفصال سيجعلني أمًا أفضل لهم، مع التأكيد على أنني لن أمنعهم من رؤية أبيهم، وفي النهاية تقبلوا الفكرة”.
عن أحلامها تقول: “أتمنى أن أعيش حياة هادئة وسعيدة، ربما أبدأ في المستقبل مشروع صغير خاص بي، وقد تعلمت أنني أستطيع عبور الحياة بمفردي دون انتظار شخص يكملني”.