تعد العادات والتقاليد جزءا أصيلا من حياة الشعوب، خاصة الدول العربية، التي لها نصيب الأسد من ذلك، ومرت بمراحل عديدة في معظم الأمور الحياتية التي نعيشها، ومنها مسألة اختيار شريكة الحياة “الزوجة”، التي شهدت متغيرات عدة، بدأت في الغالب باختيار الأم، إلى أن وصلت إلى إعلانات الجرائد والمجلات.
على الأصل دور
البداية من مصر التي تتميز بالعديد من الموروثات والعادات والتقاليد؛ يقول الدكتور محمد حسن غانم في مؤلفه “أفراح الغلابة والأكابر”، إن اختيار الزوجة مر بالعديد من المراحل، الأولى: كان الشاب لا يعرف شيئا عن عروسه، والأم أو من يقوم مقامها هي التي تختارها من خلال “محيط أقاربها، أقارب الزوج، من الجيران”.
ويتحدث كامل مهدي في مؤلفه “أيام الخطوبة”، عن هذا الأمر بقوله: “كان الأقارب والمعارف أهلا للثقة، منزهين عن الهوى، أي أن المصلحة المباشرة لا تدفعهم إلى ترشيح فتاة معينة لشاب معين”، مضيفا: “صِلاة الجيرة والقرابة من أنسب طرق العثور على زوجة؛ فإن الجار بحكم جيرته يعرف الكثير عن الأسر المجاورة وبنات الجيران، والكثير من القريبات”.
وقد تختار الأم عروسا لابنها من خلال ترددها على السوق، واختيارها بعض الصفات في البنت، مثل: الطول، العذرية، لون العيون، طول الشعر، مدى حياء أو خجل الفتاة؛ إذ كانت الفتاة الخجول أو التي تتظاهر بذلك موضع اختيار سريع وحاسم من قبل أم العريس.
وبحسب "غانم"، هناك العديد من الأغاني التي مازالت تتردد حتى الآن في الريف، وقد تحولت مع الأيام إلى عقيدة في الاختيار تحذر الرجال بل وتحبذ الاختيار، منها: "ماتبصوش لحلاوتها.. ولا لخرطة قصتها.. قدام الفرن يا وكستها.. تعالى يا جميل.. يا صاين الوداد.. ماتاخدش السهتانة (الكسلانة).. ولا أم كحلة ولبانة.. تاكل وتعمل عيانة (مريضة)".
ويتضح من خلال هذه الأغنية، العقيدة في اختيار الفتاة، وأن هناك عدة أمور يجب أن تتوافر في زوجة المستقبل: “الجمال الرباني – الطبيعي – الفطري – التلقائي، والابتعاد عن اختيار الفتاة المتمارضة أو الكسلانة، وإجادة عمل البيت”، كما أن هناك أخرى تحولت إلى قاعدة قانونية عرفية، تقول: “على الأصل دور”.
ويشير المؤلف إلى أن هناك أغنية تنصح العريس وأهله بضرورة تحري الأصل، تقول: “أوصيك يا خاطب دور على الأصل.. ماتقولش البياض.. ماتقولش السمار.. ماتقولش الجمال.. ماتقولش الغنى والمال.. دور على بنت الأصول.. التي لا ترضى لك بالعار ولو بالنار ضربوها”.
ولم تتوقف الأغاني الشعبية عند هذا الحد؛ بل وجدت أخرى تحرض على اختيار البنت الأصيلة، تقول: “ياللي غويت النسب مهرك يكون ويالك.. ياللي غويت النسب سيبك من الأملاك.. وع الأصل دور.. دور على الأصيلة.. تصبر على طول الزمن وياك”، وكذلك وجدت الأمثال الشعبية التي تؤكد على صفة الأصل، ومنها “خد الأصيلة ولو كانت على الحصيرة”.
في السياق ذاته، يشير الكاتب الراحل مكاوي سعيد، في مؤلفه “القاهرة وما فيها”، إلى أغنية شبيهة من إنتاج فنان يدعى محمد طه، يقول فيها: “ياللي غويت النسب ناسب رجال أمرا.. وساعة الأنس فيها يحضروا الأمرا.. أمير وناسب أمير يبقا الجميع أمرا.. ياللي غويت النسب سيبك من الفدادين.. أوعى تقول على الغنية هتورثك فدادين.. يا ترى مين يورثك يا وارث الفدادين.. فقيرة وأصيلة ولا وحشة وليها فدادين”.
الصور الفوتوغرافية ودور الخاطبة في اختيار الزوجة
ثم جاءت بعد ذلك المرحلة الثانية، الذي يتحدث عنها الدكتور محمد حسن غانم، بقوله: “في بدايات العشرينيات من القرن الماضي وحين دخل التصوير الفوتوغرافي إلى مصر، كان فرصة أمام الكثير من الأمهات وبناتهن إلى توظيف هذا الفن (التصوير)، ثم إعطاء هذه الصور للخاطبة التي تعرضها على أمهات العرسان؛ حتى يجرى الاختيار من بينهن”.
ويوضح مؤلف الكتاب: رغم أن مصوري الفوتوغرافيا كانوا يتفننون في إظهار الجوانب التي تظهر جمال الفتاة، إلا أن الصورة في حد ذاتها كانت بمثابة الذريعة؛ لأن الخاطبة كانت من خلالها تقدم العديد من الأوصاف “المبالغ فيها غالبا” عن الفتاة، مشيرا إلى أنه “كان من مصلحة الخاطبة أن تتم هذه الزيجة؛ لأنها تكون مستفيدة من كلا الطرفين”.
وهناك أغنية للراحل صلاح جاهين في فوازير الخاطبة، قدمتها الفنانة نيللي في التليفزيون، عكست حقيقة الأوضاع في هذه الفترة، تقول: “أنا الخاطبة بتاع زمان.. اللي جرابها دايما مليان.. بصور فتيان.. وصور فتيات”، ولذا كان من أدوات الخاطبة في هذا الوقت “ألبومات” صور وملفات وبيانات أساسية للمعلومات الخاصة بكل شاب وفتاة، من حيث السن والتعليم والمهنة.
هذه المرحلة تحدث عنها كامل مهدي، مشيرا إلى أنها كانت على رأس الوسائل المتبعة في مصر لاختيار الزوجة، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن عيوبها؛ إذ يقول: “وهذه وساطة لا ينبغي أن يفكر فيها شاب على الإطلاق، لأن معناها أنه يعهد إلى امرأة جاهلة بمعاونته في البحث عن الزوجة، ولما كانت هذه المرأة تاجرة أو محترفة تنشد الكسب عن طريق الوساطة فمعنى ذلك أنها ستبذل قصارى وسعها في التأثير فيه، وفي إضفاء كل المغريات على السلعة التي لديها، فضلا عن أن وساطتها تجعل اللقاء يتم في جو مصطنع فيه من الزيف والتظاهر ما يمليه تفكير الخاطبة”.
وظل هذا الأمر حتى جاءت ثورة تموز/يوليو 1952، وخرجت الفتاة والصبي للتعليم، وفتحت المدارس والجامعات بأقل التكاليف المالية آنذاك، فأصبح الاختيار يجري شخصيا، وبعد الاقتناع من كلا الطرفين، يهيئ الشاب ذلك عند أسرته ثم يتقدم لفتاته، وتفعل الأخيرة الخطوة ذاتها فيما يتعلق بأسرتها، من حيث تهيئة الأجواء على الأقل من خلال إبلاغ والدتها، التي بدورها تخبر زوجها، وكانت هذه في المرحلة الثالثة.
ويعتبر “مهدي” أن الزواج عن طريق الجيرة يكون أفضل وأضمن منه عن “الزمالة”، ما لم تكن هذه الأخيرة سامية، سليمة، قائمة على الاحترام، فإنها إذ ذاك تصبح أفضل الطرق السابقة جميعا؛ لأنها تتيح للشاب والفتاة جوا للتعارف والتفاهم والاختيار، يفوق أي أجواء أخرى.
أريد زوجة.. أريد عريساً
ثم كانت الرابعة التي تحدث عنها مؤلف “أفراح الغلابة والأكابر”، قائلا: “يجري اختيار الزوج أو الزوجة عن طريق الجرائد، ونجد جريدة الجمهورية (القومية) تخصص بابا لاختيار العروس وكذا العريس، بل نجد كثيرا من الإعلانات مدفوعة الأجر؛ إذ يدفع الشخص مبلغا من المال ليذكر شروطه في الزوجة (أو الزوج)، مثل السن والتعليم، الطول، المساهمة في عش الزوجية….”، وبعد ذلك وفي العصور الحالية وصلنا لمرحلة أخرى، وهي الزواج عن طريق الإنترنت.
الزواج عن طريق الجرائد، أشار إليه أحمد المنزلاوي في مؤلفه “الجمهورية جريدة الشعب”، قائلا: “تحت عنوان (باب الزواج)، قدمت الجمهورية اعتبارا من أيار/مايو 1980 خدمة جديدة لقرائها من خلال باب المنوعات (حديث المدينة)، وتطور حتى شغل مساحة الباب بأكملها (4 أعمدة بطول الصفحة)”، مشيرا إلى أنه “نشر على العمود الأول خدمة مباشرة لطالبي الزواج من الجنسين، وهي إعلانات زواج يحدد الشاب أو الفتاة الشروط التي يطلبها في شريك حياته، ونشرت تحت عنوان (أريد زوجة – أريد عريسا).
وبحسب “المنزلاوي”، احتفظت جريدة الجمهورية بأسماء وعناوين راغبي الزواج، ونشرت طلباتهم بالأحرف الأولى من أسمائهم، وقدمت المعلومات الحقيقية للجادين منهم، وتمت زيجات كثيرة ناجحة عن طريق هذا الباب الذي أصبح حديث الناس في طول البلاد وعرضها.
10 آلاف ريال سعودي أجر الخطابة
ولا يختلف الأمر كثيرا في السعودية عن مصر، يوضح ذلك عبدالله الشومر في كتابه المعنون بـ”متزوج عزوبي”؛ مشيرا إلى أن اختيار الزوجة هناك له أربع سبل، الأول: خطبة الرجال، منوها إلى أنه “قبل عدة عقود كان من مهام الرجال، وبمعنى أصح الآباء يخطبون لأبنائهم بمعايير غريبة لا يقبلها العقل؛ إذا رأوا رجلا يرضون نسبه وخلقه ودينه وعلموا أن لديه بنات في سن الزواج لا يتأخرون لحظة في خطبة إحدى بناته على الفور لأبنائهم لا يهم إن كانت قبيحة أو صعبة المعشر، فيعتقدون أنه بالضرورة حسن سلوك الأب سينعكس على ابنته وإن الشكل غير مهم؛ لأن المرأة من أجل إنجاب الأبناء وإدارة شؤون المنزل التقليدية، ولا تلعب النساء دورا هاما في الخطوبة بهذه المرحلة الزمنية، وهن رهن إشارة الرجل إذا أراد منهن فعل شيء”.
والسبيل الآخر، بحسب المؤلف، وهو الأكثر شيوعا حاليا، تتولى فيه النساء معظم الأدوار الرئيسية لعملية الاختيار؛ فعندما يقرر الشاب الزواج يجلس مع والدته ويبدأ في سرد مواصفات شكلية بحتة يرغبها في شريكة حياته المقبلة من طول وجمال وشعر، ثم يعرج إلى حالتها الوظيفية، وماذا يريد معلمة أو طالبة أو ربة منزل، وفي حالات قليلة موظفة في القطاع الخاص، وفي حالات نادرة جدا طبيبة أو ممرضة، ويختتم طلبه بتوضيح مسارها الفكري الرئيسي، مثل أن تكون متدينة أو متحررة أو في منطقة الوسط.
ويهرب بعض الشباب من الطريقتين السابقتين، بأخرى ليست شائعة، لكنها موجودة وملحوظة والإقبال عليها في تزايد، وهي أن يتعرف الشاب على الفتاة عن طريق الإنترنت أو بإعطائها رقم هاتفه في مكان عام، ثم تبدأ العلاقات بمحادثات كتابية أو صوتية وغيرها، وفقا لـ”الشومر”.
وهناك طريقة رابعة، وهي الزواج عن طريق الخطابة “الخاطبة”؛ إذ تلعب دور الوساطة في هذا الأمر، وتبدأ المهنة بجمع قدر كبير من المعلومات عن الفتيات الراغبات في الارتباط، ثم تبدأ الإعلان عن اسمها ووسيلة الاتصال بالسبل كافة المتاحة المشروعة وغيرها للوصول إلى أكبر قدر من الرجال راغبي الزواج وأسرهم، ثم تبدأ باستكشاف رغبات الرجل الذي يصل إليها، ومن ثم البحث عما لديها من فتيات يلائمن تطلعاته، ويبدأ أجرها من 2000 إلى 3000 ريال سعودي، ويصل إلى 10 آلاف.
مكاتب الزواج في الكويت
وبالانتقال إلى الكويت، فإننا نجد أن شخصية "الخاطبة" في اختيار الزوجة، جسدت على مسرح الدولة، في عملين حملا اسمي "يا معیریس، وأرض وقرض"، بحسب أحمد عشري في دراسته المعنونة "الضحك.. وكوميديا النقد الاجتماعي في مسرح محمد الرشود".
ويشير مؤلفا كتاب “المرأة العربية ومشكلاتها الاجتماعية”، سامية عبدالغني والدكتور إسماعيل عبد الفتاح، إلى أن المعاناة من ظاهرة العنوسة وتأخر سن الزواج أدى لانتشار مكاتب الزواج في الكويت؛ لتسهم في الحد منها، وتساعد الشباب في الاختيار، كما تعمل على تخطي حاجز الحياء وفق الضوابط الشرعية، من أجل اختيار الزوج أو الزوجة.
ومن الكويت إلى اليمن، التي أظهرت بعض الاستقصاءات أن الطلاق بها كان على رأس أسبابه تدخل الآباء في اختيار الزوجة لأبنائهم والأزواج لبناتهم، وفقا لمحمد مصطفى شعبيني، في مؤلفه “اليمن: الدولة والمجتمع”، ويؤكد شوقي رافع في كتابه المعنون بـ”ملحمة الخيارات الصعبة: من يوميات الدكتور كامل مهنا”، أن المرأة في اليمن وظفار (محافظة بعمان)، كانت بدورها تعيش العبودية بكل أشكالها، موضحا: “من عبودية الأب إلى عبودية الزوج إلى عبودية المجتمع كله.. كانت خادمة لذكور الأسرة في المنزل، لا رأي لها في اختيار الزوج، وتلك مهمة الأب”.
الزواج في الأردن وفلسطين: عليك بخال الخال يا طالب النقا
أما في الأردن وفلسطين، فيهتم الرجل بصفات المرأة لاعتبارات النسل والسمعة، وهو يحرص على اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين التي يتوافر فيها جمال العقل والحسب والنسب، والأصل الدين، كما في الحديث “فاظفر بذات الدين”؛ لأنه بحسب حسين نشوان في كتابه “المرأة في المثل الشعبي بين الأردن وفلسطين”، المال “بروح وبيجي”، و”يا ميخذ (واخد) القرد على ماله يروح المال ويظل القرد على حاله”، و”الجمال جمال العقل والعمل”.
ويؤكد المؤلف أن الرجل يحرص على اختيار الزوجة بنت الأصل؛ لأن “العرق دساس”، ويقال “جود أولادك”، أي اختر النسب الذي يعطي أبناءك الصفات والعادات الحسنة، لذلك فإن حسن الاختيار يصبح ضروريا ومهما للرجل، ويتمثل ذلك في القول: “قبل ما تختار لإلك اختار لابنك خال”، وكذلك: “عليك بخال الخال يا طالب النقا”، و”كل تجارة تابعة رأس مالها”، و”ثلثين الولد لخاله”.
ووفقا لـ”نشوان”، فإنه حتى عقود طويلة قريبة كان يجرى اختيار الزوجة دون رؤية الرجل لشريكة حياته، وإنما بواسطة أمه أو أخته أو نساء من الأقارب أو متخصصات في هذا المجال تدعى “الخاطبة”، لافتا إلى أن الفتاة في إطار هذه العلاقة لا تملك الموافقة أو الرفض ولا رأي لها، بل هي جزء من أملاك الرجل، وفي أحسن الأحوال أمينة على أملاكه، فإذا كانت الفكرة السائدة حسب المفهوم التقليدي لمكانة المرأة ووظيفتها الاجتماعية أنها وجدت لتكون زوجة وأما؛ فإن أول ما نلاحظه هو انعدام حريتها في اختيار شريك حياتها “عروس في مجلاها ما بتعرف مين يتولاها”.
لكن الدكتور سعيد ملحم، في مؤلفه المعنون بـ”الأمثال والمأثورات الشعبية الدارجة في الأردن”، يذكر أحد الأمثلة التي تقول: “لا بوخذ واحد مليح لا بحلف على الجيزان”، موضحا أنه يقال على لسان الفتاة المتقدم لها عريس؛ فهي مصرة على أخذ شاب جيد في خلقه وشكله ووضعه المادي، أو أنها لن تتزوج بتاتا ما لم تحقق رغباتها.
التكافؤ الاجتماعي في سوريا
في كتاب “سويداء سورية موسوعة شاملة عن جبل العرب”، يشير المؤلفين إلى أنه كان للحسب والنسب دور هام وأساسي في اختيار الزوجة بجنوب سوريا، ومبدأ التكافؤ الاجتماعي كان يفرض نفسه، ويؤخذ في الاعتبار عند بحث أو إتمام عملية الزواج، وكثيرا ما كان التمسك به سببا من الأسباب أو ربما الوحيد في بقاء الفتاة مقيدة ببيت أبيها عانسا، لا يمر قطار الزواج برصيفها.
وكان على الشاب الذي يريد الزواج أن يسأل أولا وقبل كل شيء، بعد أن أعجبته فتاة رآها بالمصادفة أو ذكرت له، هل الفتاة من الأسر التي يمكن مصاهرتها عملا بمقياس التكافؤ الاجتماعي؟ وبعد الخروج من هذه القضية يأتي دور الأم والأخوات والعمات والخالات اللواتي يقع على عاتقهن عبء اختيار الزوجة، فتبدأ عملية البحث والسؤال الخفي والصريح من قريب أو بعيد، وتوضع في الحسبان شروط ومواصفات موضوعية أخرى غير الحسب والنسب، مثل كونها تستطيع أن تؤدي متطلبات حياتها الجديدة، وتتكيف وتنسجم مع ظروف البيئة التي ستنتقل إليها.
وبحسب مجموعة المؤلفين، فإنه في كل الأحوال إذا كانت الزوجة من قرية الرجل فإن الأمور لا تحتاج إلى كثير من البحث والتساؤل، أما إذا كان البحث خارج نطاق القرية فهنا حالة أخرى، وهي أن يطوف في القرى بعض من ذوي المرشح للزواج، وغالبا ما تكون أمه أو عمته أو أخته المتزوجة التي تركب فرسا أو حمارا، وتتجول إما سائلة عن فتاة تصلح، أو متحققة من صحة مواصفات لواحدة ذكرت لهن، فإن نالت إعجاب الأم أو من ينوب عنها في مهمة الاختيار تبدأ المرحلة الثانية، والعملية من مراحل الخطبة.
لكن في البلد المجاور، العراق، كان الزواج يتم عادة عن طريق الخاطبة التي تتولى المراسلة بين الرجل والمرأة، مبينة صفات كل منهما، كما أنها كانت تساعد في تلبية صفات الخاطبين في زوج المستقبل، كأن تبحث عن زوجة أو وارث غنية، وفقا لمحمد سامرائي، في مؤلفه “ألوان من التراث الشعبي في العراق”.
البحرين: اختبارات للمرأة قبل الزواج!
وفي المنامة اختلف الأمر نوعا ما؛ كشف عن ذلك المؤلف فؤاد إسحاق الخوري، عبر مؤلفه “لغة الجسد”، قائلا: “حدثني أحد شيوخ الدين في البحرين، أنه عندما يستقر الرأي على اختيار فتاة ما كزوجة للأخ تبدأ أخته بوضع الفتاة تحت المراقبة والتجربة”، موضحا: “وقد تستعمل لهذه الغاية أساليب متنوعة تشمل (قرص) الفتاة بشكل مفاجئ، لاختبار مزاجها وردة الفعل عندها، أو قد تقبلها على فمها لمعرفة رائحته، وتحاول أن تراها عارية لترصد شكلها ولون بشرتها، لجمع المعلومات إلى أخيها لكي يتخذ القرار المناسب”.
بينما في الإمارات، فكشفت دراسة ميدانية، أعدتها هند عبدالعزيز القاسمي، تحت عنوان “المرأة في الإمارات: تحديات التعليم والعمل واتخاذ القرار”، أن الأب هو مركز الأسرة، وخصوصا فيما يتعلق باختيار الزوج للابنة؛ إذ إنه يتخذ القرار منفردا في هذا الشأن بنسبة 21.4%، وإن كان في واقع الأمر يشارك في اتخاذه بنسبة تصل إلى 88%.
الباحثة ذاتها أعدت دراسة أخرى حملت عنوان “الثابت والمتغير في ثقافة المرأة في الإمارات”، ظهر من خلالها أنه في الغالب يأتي اختيار الزوج عن طريق الأهل، بنسبة 18% من جملة عينة الدراسة، وبواسطة الوالد بنسبة 10%، والأم بـ1% فقط.