على الرغم من تكرار الوعود الحكومية بتحقيق إصلاحاتٍ على مختلف المستويات والمجالات في الحياة العامة في عمان، مازال قطاع الصحافة واحداً من أكثر القطاعات خضوعاً لرقابة السلطة السياسية والقوانين التي تنظم العمل الإعلامي في عمان، والتي يعتبرها الكثير قمعيةً وتسهم في إحكام سيطرة السلطة على الخطاب الإعلامي العام في البلاد كقانون المطبوعات والنشر العماني للعام 1984 الذي يقيد العمل الإعلامي أكثر من منحه الحرية والأمان.
مؤخراً، أعلنت وزارة الإعلام العمانية عن تعميمٍ وجهته الوزارة لرؤساء تحرير الصحف الإلكترونية في عمان يقضي بحظر التطرق إلى أيٍ من القضايا المنظورة لدى القضاء العماني حتى آخر مراحل التقاضي، شريطة أن يكون هنالك إذنٌ من القاضي يتيح ذلك. هذا وجاء في التعميم التوجيه للصحف الإلكترونية بحذف أي منشوراتٍ كانت قد تناولت وقائع قضايا منظورةٍ في المحاكم العمانية.
عطفاً على هذه الأحداث، يجدر الذكر بأن عمان تحتل مركزاً سيئاً بالنسبة لحرية الصحافة والإعلام على المستوى العالمي، حيث تخضع وسائل الإعلام المحلية الخاصة للرقابة، فيما تعتبر وسائل الإعلام الحرة والمعارضة محظورةً في البلاد. وفي مؤشر حرية الصحافة للعام 2021، ما تزال عمان تحتل مراتب متأخرة في المؤشر، إذ تصنفها منظمة مراسلون بلا حدود بأنها دولة يعيش فيها الصحفيون وقطاع الصحافة وضعاً صعباً، فأتت في عمان في مؤخرة التصنيف في المركز الـ(133) من أصل (180) دولةً شملها المؤشر.
هذا في حين أفاد مؤشر المشاركة السياسية في الخليج بتراجع حرية التعبير وحرية الصحافة والنشر في عمان مقارنةً بالوضع السيئ لهذه الحريات في العام الماضي للمؤشر، إذ تستمر السلطات في فرض مزيدٍ من القيود التي تصادر حق المواطنين في ممارستهم لحريات التعبير ووسائل الإعلام في ممارستها لدورها بعيداً عن معايير وإشراف السلطات الأمنية.
تحتل سلطنة عمان المركز 133 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة للعام 2021 الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود
في قانون مجلس عمان الجديد الذي أعلن عنه السلطان مطلع العام 2020 ولاقى الكثير من الانتقادات، يحظر حضور وسائل الإعلام في جلسات الاستجواب، كما يحظر على الأعضاء نقل وقائع هذه الجلسات أو تسريبها، وأن العضو يعرض نفسه للعقوبة وفقدان العضوية في حال ارتكابه هذه المخالفة.
وفي لقاءٍ أخير نقلت مواطن وقائعه في وقتٍ سابق، شهد اجتماع لصحفيين ووسائل إعلام مع مجلس الشورى العماني انتقاداتٍ واسعة من قبل إعلاميين اشتكوا تعرضهم لضغوطٍ ورقابةٍ من قبل جهاتٍ أمنية تمنعهم من تناول الكثير من القضايا المتعلقة بالمجلس وقضايا رأيٍ عام وتشرف على الخطاب الإعلامي الذي تصدره وسائل الإعلام المختلفة، في حين شارك الكثير من أعضاء المجلس الحاضرين امتعاضهم من القبضة الأمنية المطبقة على قطاع الصحافة والإعلام في عمان.
حقوقيون عمانيون أفادوا ببطلان توجيهات وزارة الإعلام القاضية بمنع تناول وقائع القضايا المنظورة أمام المحاكم العمانية واعتبرتها مخالفةً للقانون، ونشر المحامي تركي المعمري تغريدةً على حسابه في تويتر معلقاً على تعميم وزارة الإعلام العمانية يقول فيها: “لا يعتد به، التعميم، إذ إن القانون الصادر بالمرسوم السلطاني أسمى وأعلى تشريعياً من منشورٍ أصدرته جهةٌ تنفيذية من أحد موظفيها ويبقى النشر قائماً ولا مخالفة عليه إلا إذا صدر من المحكمة ما يمنع النشر في ذات القضية وفق صحيح القانون”.
يتداول تعمياً صادر من وزارة الأعلام بحظر نشر وقائع الجلسات في المحاكم العمانية بشكل كامل وهو بخلاف القانون وما نص عليه المشرع العماني في تحديد ما يحظر نشره ولا يمكن التوسع في المنع والحظر الا وفق ما سنه المشرع بالمرسوم السلطاني في نوع القضايا وتفاصيلها pic.twitter.com/Mts0Rgutbt
— المحامي تركي المعمري (@qaroon111) November 25, 2021
هذا وتنص المادة التاسعة والعشرون من قانون المطبوعات والنشر العماني لعام 1984 على أن القضايا المحظور نشر وقائعها منحصرةٌ بقضايا الأحوال الشخصية أو تلك التي تحظر المحكمة نشرها، الأمر الذي علق عليه المحامي المعمري بأن تعميم وزارة الإعلام مخالفٌ للقانون بوصفها جهةً غير مخولةٍ بمنع نشر وقائع القضايا، وأن السلطات المخولة بذلك هي السلطات القضائية، مطالباً وزارة الإعلام بسحب تعميمها أو تعديله وفق القانون.
الجدير بالذكر أن تعميم وزارة الإعلام بحظر نقل وقائع الجلسات في القضايا المنظورة أمام المحاكم يأتي بعد نقل وسائل إعلامٍ مستقلة وخاصة لأحداث وملابسات قضايا منظورةٍ في المحاكم العمانية تتعلق بقضايا تجاوزاتٍ وفسادٍ في القطاعات والدوائر الحكومية وإطلاع الرأي العام عليها، كان آخرها اتهام ثمانية مسؤولين حكوميين في تجاوزاتٍ وفسادٍ في وزارة النقل.
يأتي تعميم حظر النشر في القضايا المنظورة أمام القضاء العماني عقب اتهام ثمانية مسؤولين حكوميين في تجاوزات وفساد مالي في وزارة النقل
عقب تلقي وسائل الإعلام في الداخل لتعميم وزارة الإعلام، قامت بإزالة التغريدات من على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي وحذف الأخبار والتقارير المتعلقة بقضايا الفساد في القطاعات الحكومية من مواقعها الإلكترونية على الرغم من الاستهجان الواسع للقرار على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره بعضهم مزيداً من حرمان المواطن العماني من حق المشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة وحقه في الوصول للمعلومة.
ميس الفارسي، ناشطةٌ مدنية عمانية، غردت على حسابها رداً على التعميم الصادر من وزارة الإعلام أن: “العدالة المفتوحة تطلب عملاً مشتركاً من قبل وزارة الإعلام والقضاء لمساندة الجمهور في فهم عمل المحاكم وترسيخ مبدأ الشفافية، فضمان الوصول إلى المعلومات واستيعاب إجراءات المحكمة سيسهم في تحسين ثقة الجمهور في القضاء ومنع الفساد”.
ختاما، يذكر إحراز عمان المركز السادس والخمسين على مؤشر مدركات الفساد العالمي للعام 2021، من أصل (180) دولة، بواقع (49) نقطةً من مئة نقطة في مكافحة الفساد.