تطالعنا الصحف بين الحين والآخر بجرائم غريبة للغاية نقف عند قراءتها من الدهشة، مثل إلقاء القبض على أحد الأشخاص لقيامه بممارسة الجنس مع جثة في مشرحة أو مدفن، وأحيانًا تتعقد خيوط الجريمة أكثر لتكون ممارسة الجنس تالية لجريمة قتل، ما يعني أن الفعل لم يكن عشوائيًا؛ إنما يضرب جذوره في نفسية الشخص الذي أقدم على الجريمة.
يُعرف هذا النوع من الجرائم في أدبيات علم النفس باضطراب “النيكروفيليا” أو اشتهاء جماع الأموات، وهو نوع من أنواع الاغتصاب التي وردت أمثلة عليها في كتب التاريخ، ووجد الباحثون رسومات قديمة تصفها، لكن كيف يصل الشخص إلى درجة ممارسة الجنس مع جثة هامدة بدلًا من الممارسة الطبيعية؟ وما الأسباب التي تجعله يلقي بنفسه إلى التهلكة بهذا الشكل؟ ذلك ما سنبحث وراءه.
الفراعنة احتفظوا بجثث النساء لحمايتها من "النيكروفيليين"
ظهرت الإشارة الأولى لجماع الموتى في كتب التاريخ على يد المؤرخ الإغريقي المعروف هيرودوت في كتابه تاريخ هيرودوتس؛ إذ جاء في وصفه للطقوس الجنائزية الخاصة بالمصريين القدماء أنهم كانوا يحتفظون بجثث النساء عدة أيام حتى تتفسخ وتتشوه ملامحها، قبل أن يسلموها للمحنطين من الكهنة ورجال المعبد؛ وذلك لأنه كان من الشائع أن الذين يقومون على خدمة التحنيط ينتهكون جثة المرأة جنسيًا خصوصًا إذا كانت جميلة.
لا تقف حدود هذه الممارسة عند الفراعنة؛ ففي كتب التاريخ القديم ذكروا أن البحارة غالبًا ما كانوا يُتهمون بممارسة الجنس مع الجثث التي تتوفى على متن مراكبهم، كذلك ذُكرت عدة حوادث لجماع الموتى ارتكبها شخصيات بارزة مجتمعيًا في العصور القديمة، مثل “بيرياندر” أحد حكام الإغريق السبعة الذي جامع زوجته بعد وفاتها.
وقد وجد الباحثون رسومات تصور مجامعة الموتى على قطع خزفية ذات صلة بحضارة موتشي التي ازدهرت من سنة 100 ميلادية إلى سنة 800 ميلادية في شمال بيرو، ومعظم الرسومات ركزت على ممارسة امرأة الاستمناء مع هيكل عظمي لذكر، أما في أدبيات عصر النهضة بإيطاليا سنجد إشارات جنسية تدل على مجامعة الموتى جاء بعضها في قصيدة للشاعر أورلاندو فوريوسو بعنوان أورلاندو العاشق.
حلال أم حرام؟ الجدال الديني يعقد الموقف
قانونيًا، يعد فعل ممارسة الجنس مع الموتى ليس مجرمًا صراحة في معظم قوانين دول العالم، إنما تدخل عقوبته ضمن نطاق إساءة معاملة الجثث، والجدل الفعلي يكون في نطاق التحريم الديني بالأخص بعد ظهور فتاوى تتحدث عن تحليل ما أطلق عليه “نكاح الوداع”.
أبرز هذه الفتاوى هي فتوى الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر التي أفتى بها عام 2017، فقد أكد جواز مجامعة جثة الزوجة، مشيرًا إلى أن الممارسة الجنسية إذا كانت بين زوج وزوجته سواءً كانت حية أو ميتة لا تعتبر زنا، لكنه لم يغفل القول بأن جماع الجثة شيء غير مألوف ويخالف الطبيعة البشرية.
بالطبع قامت الدنيا ولم تقعد بعد هذه الفتوى، لكن الدكتور صبري دافع عن نفسه ببساطة قائلًا: “إذا أردتم محاكمتي فارجعوا أولًا إلى كتب المذاهب وعدد بعضها، مثل: مختصر خليل الفقه المالكي وجهد المحتاج الشافعي والمغني لابن قدامة”.
الممارسة الجنسية إذا كانت بين زوج وزوجته سواءً كانت حية أو ميتة لا تعتبر زنا
صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر Tweet
وإلى جانب الكتب السابقة التي ذكرها فهناك كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى لمصطفى السيوطي الرحيباني مفتى دمشق الذي عاش من عام 1747 ميلادي إلى عام 1827 ميلادي، والذي يقول فيه إنه لا شيء على الزوج في وطء زوجته حية وميتة، وهذه الآراء الدينية تجعل علماء الدين ينقسمون إلى فريقين:
الأول: يذهب مع النص حيثما ذهب، والآخر يدافع عن موقف الدين بتأكيده أن هذا الفعل متفق على عدم اتساقه مع الفطرة السوية، لذا فالدين يعارضه حتى وإن لم يحرمه.
نفسيًا: كيف نفهم "النيكروفيليا"؟
ينقسم الأشخاص الذين يوجد لديهم انجذاب إلى مجامعة الجثث إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى الذين يُقدمون على ارتكاب جرائم قتل للحصول على جثة يمارسون الجنس معها، والفئة الثانية يبحثون عن جثث ميتة بالفعل، أما الفئة الأخيرة فهم الأشخاص الذين لا يتجاوز الأمر عندهم نطاق التخيل ولا تتحول خيالاتهم إلى أفعال على أرض الواقع.
وبحسب مقالة بحثية نشرتها مجلة الأكاديمية الأمريكية للطب النفسي والقانون عام 1989، فالدوافع الأكثر شيوعًا عند الأشخاص “النيكروفيليين” جاءت بالترتيب التالي: الرغبة في وجود شريك غير مقاوم، وكذلك الرغبة في لم الشمل مع الشريك الراحل في حال ممارسة الجنس مع جثته، إلى جانب وجود انجذاب جنسي للموتى عند البعض، أو الرغبة في التغلب على مشاعر العزلة وتجاوز تدني احترام الذات بممارسة نوع من أنواع السلطة على الجثة.
أما الدوافع الأقل شيوعًا فتمثلت في: عدم وجود شريك حي والخوف من الارتباط وفرط الرغبة الجنسية، وقد توصل الباحثون إلى أن ما يقرب من نصف العينة التي خضعت للدراسة لديهم اضطراب في الشخصية، و11% منهم مصابون بالذهان، وهو ما أكد عدم صحة التبرير الشائع بأن الذين يمارسون هذه الأفعال لا يستطيعون الفصل بين ما هو حقيقي وغير حقيقي.
وقد أشارت المقالة إلى أن معظم الأشخاص الذين يوجد لديهم هذا الانجذاب تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين عامًا من الجنسين، ولفت التقرير النظر إلى أنهم يختارون مهنًا توفر لهم سهولة الوصول إلى الجثث مثل الإشراف على المقابر ورعايتها، أو العمل في مشرحة ملحقة بمستشفى، وتتنوع السلوكيات التي يقومون بها من التقبيل والمداعبة وتصل إلى حد الجماع الفعلي، وفي بعض الحالات النادرة تُشوه الجثث أو يُشرب دمها.
من القتلة المتسلسلين إلى الباحثين عن الجثث.. أشهر مجرمي جماع الموتى
تحتفظ سجلات المحاكم في جميع أنحاء العالم بجرائم اتهم فيها أشخاص بالقتل بدافع ممارسة الجنس مع الجثة، أو أشخاص آخرون وصلوا إلى جثث بطرق مختلفة ومارسوا الجنس معها، ولعل أغرب تلك الجرائم لفتاة أمريكية كانت تبلغ من العمر 23 عامًا تدعى كارين جرينلي، وقد عملت متدربة في مشرحة بولاية كاليفورنيا.
واعتقلت جرينلي عام 1979 واعترفت لاحقًا بممارسة الجنس مع متوسط 30 جثة من الذكور، لكن نظرًا لأن فعل مجامعة الموتى ليس مجرمًا في قوانين كاليفورنيا فقد وجهت إليها تهمة إساءة التعامل مع الجثث فقط، وخرجت من السجن بعد أحد عشر شهرًا فقط، والمثير للاهتمام احتفاظها بكراس رسم صورت فيه ممارستها الجنس مع الموتى.
أما النموذج الثاني فهو متعهد دفن الموتى في منطقة بروفنس الفرنسية فيكتور أرديسون الذي اعترف بممارسة الجنس مع أكثر من 100 جثة، واللافت للانتباه استخراجه الجثث من المدفن واصطحابها إلى منزله، فعندما فتشت الشرطة منزله وجدوا جثة لفتاة عمرها ثلاث سنوات، إلى جانب جمجمة لفتاة عمرها 13 عامًا كان يدعوها بـ “عروستي”.
ما سبق نماذج لأشخاص عملوا في مجال يجعلهم قريبين من الوصول إلى الجثث بسهولة، لكن من لم يتيسر لهم ذلك فقد كان أمرهم أبشع، مثل السائق الصيني “لام كور” الذي كان يبلغ من العمر وقت إلقاء القبض عليه 27 عامًا، فقد قتل كور أربع نساء ومارس بعدها الجنس معهن، وعمد إلى تشويه الجثث بإزالة الأعضاء التناسلية منها، وانتهت حياته بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
أما القاتل المتسلسل الأمريكي “تيد بندي”، فهو الأشهر على الإطلاق في عالم النيكروفيليا، وكانت أول جريمة يرتكبها عام 1975 لفتاة عمرها اثنا عشر عامًا استدرجها من المدرسة وأخذها إلى غرفة في فندق ثم بعد ذلك أغرقها في حوض الاستحمام واعتدى عليها جنسيًا، وأخيرًا تخلص من جثتها بإلقائها في النهر.
بعد ذلك انطلق بندي في ارتكاب جرائمه الأخرى التي جعلت لديه سجلاً إجراميًا شديد البشاعة، فقد وصل عدد جرائمه إلى مئة جريمة قتل واعتداء جنسي على الجثث، مارس في بعضها الجنس مع الجثث حتى تحللت، وبالطبع ما سبق كان سببًا كافيًا للحكم عليه بالإعدام صعقًا بالكهرباء.
هل هناك علاج يُتدارك به هذا الخطر؟
تذهب بعض الآراء القانونية إلى أنه يجب علاج الأشخاص المصابين باشتهاء الجثث بدلًا من الحكم عليهم، ويكون ذلك بإجراء فحص عقلي شامل لهم، ومن ثم البحث عن الأسباب التي جعلتهم يسلكون هذا السلوك مثل تعرضهم للإساءة في الصغر، وبحد وصف بعض القانونيين فإنه إذا وصف اشتهاء الجثث بكونه جريمة مثلها مثل بقية الجرائم، فسيتعارض ذلك مع الدراسات العلمية التي أثبتت أنه اضطراب نفسي له تفسيراته.
وينطلق علاج “النيكروفيليا” من نفس النقطة الاعتيادية التي ينطلق منها علاج الانحرافات الجنسية، فالطبيب يعمل خلال الرحلة العلاجية على معالجة المريض من أي أمراض نفسية مرتبطة باشتهاء جماع الموتى، إلى جانب تزويد المرضى الذكور الذين يعانون من فرط الرغبة الجنسية بمضادات الأندروجين، ومساعدتهم من خلال العلاج السلوكي على تعديل أنماط التفكير المشوهة لديهم والتي تجعلهم يبررون أفعالهم.
من النماذج الناجحة في علاج “النيكروفيليا” كذلك ما يُدعى بتجديد النشوة الجنسية، وهي تقنية يُدرب فيها الأشخاص على ممارسة العادة السرية لإيصالهم إلى حافز طبيعي معتدل، ومن ثم الانتقال بعد ذلك إلى تطوير علاقاتهم الحميمية.