بوصفها واحدةً من العلاقات المحمومة والمتجهة بإرادةٍ حكومية جادة للتطبيع، تستمر الإمارات في محاولات فرض التعايش في علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كأمرٍ واقع في علاقاتها بمختلف الدول العربية على مختلف الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
في السادس عشر من أغسطس 2020، أعلنت الإمارات عن تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد قيام ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد بنشر تغريدةٍ تعلن توصله لهذا القرار بعد مباحثاتٍ بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، مقابل إيقاف الاحتلال لعمليات الاستيطان في الضفة الغربية. لاحقًا كذّب مصدرٌ في مكتب نتنياهو عن إيقافهم لعمليات الاستيطان مقابل تطبيع الإمارات علاقاتها مع إسرائيل.
تلا حركة التطبيع التي تم فيها لاحقًا توقيع ما سمي باتفاقات إبراهيم للسلام في المنطقة بين كل من الإمارات والبحرين من جهة، ودولة الاحتلال برعاية الإدارة الأميركية من جهة أخرى، والكثير من الخطوات لرفع مستوى العلاقات بين الدول المطبعة ودولة الاحتلال. على الصعيد الرياضي والثقافي والاقتصادي، استغلت الإمارات المكانة الاقتصادية لدبي لتحقيق مزيد من التعايش مع قرارها للتطبيع في الوسط العربي، من مشاركة دولة الاحتلال في مهرجانات ومعارض اقتصادية وثقافية وفنية عالمية، كان آخرها إكسبو 2020 الذي تستضيفه دبي للعام 2020.
وتقيم مؤخرًا الإمارات برعاية طيران الإمارات مهرجان “طيران الإمارات للآداب” في مدينة دبي، المزمع انطلاقه على مدار أسبوعين، بين الثالث والثالث عشر من فبراير 2022، والذي يتخلله جلسات ونقاشات أدبية يشارك فيها كتاب عرب وأجانب من مختلف أنحاء العالم.
فرصة جديدة للتعايش مع التطبيع
يعتبر مهرجان طيران الإمارات للآداب واحدًا من المهرجانات الثقافية التي تقام في الإمارات في فبراير من كل عام؛ حيث انطلق المهرجان العام 2009، فيما تستعد مؤسسة الإمارات للآداب إطلاق النسخة الثالثة عشرة من المهرجان فبراير 2022. ويشارك في المهرجان كتاب وأدباء ومفكرون، فيما يحتفي المهرجان بالإنتاجات الفكرية والأدبية باللغتين العربية والانجليزية.
الجديد هذا العام هو أن الغائب الدائم عن المهرجان منذ انطلاقه، كتاب وأدباء دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإذا بهم حاضرون في النسخة الثالثة عشر من المهرجان. الأمر الذي يعتبره مراقبون فرصةً أخرى من فرص الإمارات في فرض التعايش مع الحضور الإسرائيلي في المحافل الدولية التي يشارك فيها جهات رسمية وشخصية من دول عربية وإسلامية ترفض تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي منها.
الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان مثّل الحضور الإسرائيلي في المهرجان الأدبي للعام 2022، وهو كاتبٌ ومؤلفٌ إسرائيليٌ في أدب النشء والأطفال، له العديد من المؤلفات منها كتابه “الريح الصفراء“، والذي يتحدث عن أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية، والحائز على جائزة المان بوكر للعام 2017م عن روايته حصان يدخل البار.
هذا وتتمتع الإمارات في علاقاتها الثقافية مع دولة الاحتلال بواحدة من أكثر علاقات التعاون الثقافي في سياساتها الخارجية، إذ عقدت أبو ظبي اتفاقاتٍ ثقافيةً مختلفة في الشأن الثقافي مع جهات وشركات إسرائيلية؛ حيث وقعت الإمارات سبتمبر نهاية العام 2020 اتفاق تعاونٍ للتدريب والإنتاج السينمائي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما تقود حملةً إعلاميةً واسعة تروج فيها لثمار العلاقات بين البلدين.
مقاطعة للمهرجان
مشاركة الكاتب الإسرائيلي في المهرجان المزمع انطلاقه مطلع فبراير القادم أثارت استهجان الكثير من الكتاب والناشطين العرب، وأدانت منظمات مجتمع مدني محلية ودولية أيضًا المشاركة ضمن الخطوات التطبيعية بين دولة الإمارات ودولة الاحتلال، كمنظمة BDS التي دعت المشاركين لمقاطعة المهرجان.
اقرأ أيضا: آثار التطبيع الكارثية على فلسطين
كتاب خليجيون تمت دعوتهم للمشاركة في المهرجان، أعلنوا مقاطعتهم للمهرجان ردًا على مشاركة كاتبٍ إسرائيليٍ فيه. الكتّاب الكويتيون علي عاشور وأحمد الزمام ومنى الشمري والكاتبة العمانية بشرى خلفان أعلنوا انسحابهم من المهرجان ومقاطعته، فيما دعوا بقية الكتّاب للتضامن ومقاطعة المهرجان الذي يشارك فيه كاتبٌ إسرائيليٌ وصفته منظمة مقاطعة إسرائيل بأنه يعادي حق العودة للفلسطينيين. ويذكر أن الكاتب الإسرائيلي كان قد أيّد الحرب الإسرائيلية على لبنان في الـ 2006، وله ابنٌ قُتِل وهو في صفوف جيش الاحتلال بعد الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان.