يحيى العسيري، ضابط سابقٌ في القوات الجوية السعودية، والأمين العام السابق للتجمع الوطني السعودي، أول حزبٍ سعودي يتم تأسيسه في الخارج، والرئيس السابق لمنظمة القسط للحقوق والحريات. في هذا الحوار الذي تقيمه “مواطن” معه، يتحدث العسيري عن مجموعةٍ من القضايا التي تهم الشأن السياسي والاجتماعي السعودي وملف السياسة الخارجية السعودية ودور المعارضة السعودية في العملية السياسية وتطلعاتها، التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والحرب في اليمن، انتهاءً بعلاقة الرياض بطهران.
- نتمنى من السلطات أن تتراجع في خطواتها التطبيعية مع الاحتلال.
- إذا اتخذت السلطات هذه الخطوة فنحن نقول للسلطات وللاحتلال بأن هذه القرارات عمرها بعمر من وقعها معكم، شعبنا غير ملتزم بها، ولا تعني لنا شيئا.
- كان الأولى بنا كدولة جارة أن نعين الإخوة اليمنيين على الخروج من المأزق الذي دخلوا فيه، والدفع بهم لعملية ينتخب فيها الشعب اليمني من يمثله ويمارس فيها اليمنيون حقهم في اختيار من يقودهم.
- التنافس بين الرياض وطهران يجب أن يكون في توفير الحقوق والحريات لشعوبهم، وليس تنافس في إعداد الإعدامات والسيطرة على عواصم المنطقة.
الأستاذ يحيى العسيري، الأمين العام السابق لأول حزب سعودي معارض في الخارج، نريد البدء معكم من الشأن السعودي. أنتم تعلمون أنه تحت عناوين الإصلاح الاجتماعي والتشريعي، يقود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال السنوات الأربع الماضية حملة إصلاحاتٍ هي الأولى من نوعها في السعودية، أنتم من جهتكم، كيف تنظرون لهذه الإصلاحات؟ هل ترون بأن هذه التغيرات هي تغيرات جوهرية في سلوك النظام السعودي وخطوات جادة لخلق حياةٍ ينعم فيها المواطن السعودي بحياةٍ أكثر حرية؟ أم أنها فقط مجرد تغييراتٍ شكلية لن تحدث تغييرًا حقيقيًا في حياة المواطن السعودي؟
شكرًا لكم، أولًا أنا أعترض على طرح السؤال بهذا الشكل؛ وأنها إصلاحات يقودها محمد بن سلمان، لا أستطيع حقيقة أن أسميها إصلاحات. الإصلاح يكون عندما تتخذ إصلاحات لها ضمانات الاستقرار والاستمرار من أجل إصلاح وتغيير حياة الناس باتجاه الحقوق والحريات، أو باتجاه الديمقراطية من ناحية سياسية. أن يعزز خيار الناس وحضورهم وتواجدهم وتمتعهم بحرية التعبير. الحزمة هي حزمة متكاملة، لا يمكن لأحد أن يقر بأن خفض صوت الأذان هو خطوة إصلاحية. هناك تغييرات اجتماعية هذا صحيح. محمد بن سلمان يحاول أن يظهر بأنه مختلف، ولأجل ذلك قام بهذه التغييرات، لكن هل تمس هذه التغييرات حياة المواطن؟ هل هذه التغييرات ضرورية أم لا؟
أنا لا أحب أن نبقى على السطح ونرى القشور ونتناول الأمور ببساطة كما يفعل بعض الصحافيين الأجانب البعيدين عن منطقتنا؛ فعندما نتحدث معهم نحاول أن ننبهم أن المشكلة عندنا أكثر تعقيدًا من هذا.
فأن تقود المرأة السيارة أو أن يخفض صوت الأذان، أو تتغير صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هذا لا يعني أن هناك إصلاحات، هذا يعني أن هناك تغييرًا اجتماعيًا، لكن عندما ندخل للجوهر، نجد أن أصل المشكلة هو مجتمع محروم من أن يعبر عن نفسه أو يمثلها. هل هذا المجتمع مجتمع يريد الأذان بصوت عالٍ أو بصوت منخفض؟ هذه خيارات اجتماعية، هنا مثلًا في الدول الحرة تقرر المجتمعات ماذا تريد.
إذن الاعتراض من وجهة نظركم أن المجتمع السعودي ليس هو من يقوم باختيار الإصلاحات، وإنما اعتباره خيارًا تمارسه وتقرره السلطة؟
هو قبل أن يكون اعتراضًا، هو توصيف للحالة التي حصلت، السلطات السعودية هي من منعت المرأة من قيادة السيارة، وذلك قمع واستبداد. ومن سمح للمرأة بقيادة المرأة للسيارة هي السلطة السعودية.
ألم تكن ممارسات قائمة على مراجع وفتاوى للمؤسسة الدينية؟
لا، هذا غير صحيح، لم تكن على الإطلاق؛ فالفتوى التي حرمت المرأة من قيادة السيارة هي من المدرسة الدينية السياسية الرسمية التي تمثل السلطة، هيئة كبار العلماء هي هيئة معينة من السلطة السعودية.
ما مصلحة السلطة السياسية في السعودية من قرار كهذا إذا كانت المدرسة الدينية السياسية الرسمية هي من تقرر تمرير هذه الفتوى وفرضها على الناس كمنع المرأة من قيادة السيارة؟
السيطرة على المجتمع وإشغاله، فنحن كنشطاء حقوقيين انشغلنا لفترة طويلة جدًا في المطالبة بأشياء لا داعي لأن ننفق وقتنا لأجلها، كان المفترض أن تقود بدون أن نبذل جهدًا لذلك، لكن شغلتنا السلطات بدلًا من أن نبحث عن حقوق سياسية وحقوق أهم. لذلك هذا هو السبب خلف ذلك؛ وهو إشغال المجتمع. فلاحقًا تقول السلطات عندما اتخذت القرار بالسماح للمرأة بقيادة السيارة لم يعترض أحد من المجتمع أو العلماء، بل رجال الدين المستقلين والذين هم خارج البلاد يضحكون من هذه الفتاوى التي اشغلتنا لفترة طويلة.
من وجهة نظركم كمعارضة سعودية، هل ترون أن في الإمكان بناء دولة مواطنة متساوية في السعودية؟ أم أن التركيبة الاجتماعية ومراكز القوى في السعودية تعيق تحقيق مثل هذه الدولة؟
لا يوجد أي معوق في السعودية لقيام دولة الحقوق والمواطنة المتساوية ووجود ديمقراطية حقيقية وتنفيذ الرغبات الشعبية والقرار الشعبي والنزول للشارع وسماع رأيه، لا يوجد أي عائق لذلك.
هل تظنون أن المجتمع السعودي بتركيبته الاجتماعية على غرار بقية المجتمعات الخليجية؟
بالتأكيد المجتمع السعودي ليس أقل من غيره، المجتمع السعودي جاهز بكل ما تعنيه الكلمة. كل ما تقوله السلطات أو ما يقوله بعض المستشرقين من أن المجتمع قبلي أو لديه إشكالات طائفية أو مناطقية، كل هذا غير صحيح، نحن نرى أصلًا أن القبيلة حاليًا في أضعف مراحلها، ولا تستطيع أي قبيلة أن تدافع عن أحد أبنائها إذا تعرض لانتهاك أو اعتقال أو تعذيب.
هذا الضعف في حال وجود نظام سلطوي تقليدي، هو ما يسمح بأن تبقى القبيلة ضعيفة، لكن إذا ما وجدت مساحة مثلًا كما حصل في التجربة اليمنية، القبلية اليمنية مثلًا شبيهة بتلك في السعودية. نرى في اليمن أن القبائل استطاعت أن تستقوي بالسلطة وأن تستحوذ عليها في مرحلة من المراحل وتقود الصراعات القبلية الاجتماعية للدولة، وقادت للصراعات التي تحدث الآن. هل ترون أن هذا ليس معوقًا؟
الوضع في اليمن مختلف عن السعودية. القبائل المتشابهة مع مجتمع اليمن هي قبائل الجنوب، فمثلًا أنا من عسير، أحد المناطق الجنوبية وهي بنفس الطباع والتركيبة السكانية، وأقول هذا وأنا زائر دائم لليمن أن التركيبة في مناطق الجنوب مشابهة لليمن، أما في مناطق أخرى فهي أصبحت مدنية أكثر ولا وجود لقبلية فيها على الإطلاق، حتى المدن في الجنوب أصبح التمايز القبلي فيها ضعيفًا جدًا، ووجود القبيلة حاليًا ليس مؤثرًا ولا عائقًا أو أيضًا مهمًا؛ بل إن أغلب المنتمين للقبائل لم يعد بينهم وبين هذه القبائل ارتباطٌ سوى الاسم، والانتماء القبلي في السعودية ليس محركًا كما هو الحال عليه في اليمن؛ ففي اليمن السلطة أرادت أن تكون القبلية مكونًا في السلطة، أما في المملكة فالوضع مختلف تمامًا بحيث لا يمكن أن يطغى الدور القبلي على العمل السياسي.
كمعارضة سعودية، كيف تنظرون للعلاقة بين المعارضة والنظام السعودي، وخصوصًا مع النظام الحالي؟ وكيف يجب أن تتعاطى السلطة مع المعارضة؟
في توصيف العلاقة، هناك طرفان؛ هما السلطة والمعارضة، والعلاقة من طرف السلطة تتخذها كعداء وخصومة، وتذهب لإيقاف هذا الصوت في استخدام قوتها في القتل والسجن والتجسس واستخدام كافة أنواع القمع، أما من جهتنا فنحن لا يهمنا كيف نرسم شكل العلاقة مع السلطة بقدر ما يهمنا كيف نحقق دولة الحقوق والمؤسسات لمجتمعنا.
ألا تنظرون من جهتكم لهذه العلاقة بأنها علاقة عداء؟
لا ننظر من جهتنا بأنها علاقة عداء، نحن لا ننوي ذلك، ولكنه بما أن هناك انتهاكات وإجرام يمارسه النظام ضد الشعب؛ فنحن نقف مع الشعب في عداء ضد هذه الانتهاكات. وكلما خففت السلطة من عدائها للمجتمع خففنا من عدائنا لها. نحن أتينا من الشارع ونسعى أن نكون ممثلين لصوت الشعب.
هل ترون أن هنالك إمكانية لوجود قنوات تواصل بين السلطة والمعارضة السعودية في الخارج يمكن لها أن تدفع للتقارب وعملية إصلاحٍ سياسيٍ في السعودية؟
هدفنا أن يكون هناك إصلاح سياسي شامل لا يبقى انتهاكًا أو عنصرية أو طبقية. إصلاح لا يبقي أيًا من كل المخلفات التي لا زالت للأسف تعشش في منطقتنا
ونتخلص منها بأسلوب إصلاحي بقدر المستطاع. كيف يكون ذلك؟ هل يكون بالضغط على النظام كما نفعل الآن، أو يكون عبر التفاوض عبر وسطاء. كل هذه آليات، والأهم لدينا هو الهدف. ولذا فالآليات تبقى خاضعة للمرحلة وخاضعة للمعطيات.
كيف تنظرون لعلاقتكم بالنظام الحاكم؟ هل هي إصلاحية أم ثورية؟
في الحقيقة الفرق بين الإصلاحي والثوري هو بين الثورة هل هي مدنية أم مسلحة؟ هل مقاومتك مدنية أم مسلحة. نحن مع المقاومة، المقاومة المدنية التي تريد تحقيق المسار الديمقراطي في بلادنا بشكلٍ كامل، وتضمن تحقيق دولة الحقوق المؤسسات المدنية.
ما الذي يمكن للديمقراطية أن تضيفه للشعب السعودي، من وجهة نظركم؟
أن تضيف له حرية اختيار من يحكمه، وعلى من يحكم ضمان المقومات الكاملة لدولة الحقوق والمؤسسات، الدولة المدنية الحديثة، والفصل بين السلطات حتى لا يستبد أحد بالقرار، وأن يمثل الشعب أشخاص منتخبون يتم اختيارهم بآليات حرة ونزيهة، حتى يكون هذا الشعب محكومَا وفق إرادته، ولا يأتي أحد يزعم مرجعيته لله.
ما يمكن أن يضيفه تأسيس حزب التجمع الوطني المعارض للعملية والساحة السياسية السعودية؟ وهل ترون أنفسكم كمعارضة أو معارضة مستقلة في السلطة في يومٍ من الأيام؟
نعم، من الممكن أن نصل للسلطة، وهذا ما يجب أن يكون؛ تأسيس الأحزاب، والتنافس على تقديم الخدمات، فهذا أمر مهم جدًا لبناء الدولة، ومكون رئيسي للدولة الحديثة العادلة، يتنافس فيها السياسيون من أجل خدمات، لا يتنافسون ويتغالبون من أجل سحق الشعب وقهره، ما يحصل لدينا في السعودية هو أن هنالك فراغًا كبيرًا في مؤسسات المجتمع المدني وفي العمل السياسي والحزبي والنقابات والإعلام المستقل، كل هذا غير موجود في داخل البلاد.
من الضروري أن يوجد في الخارج من يؤمنون بذلك ويدعمونه وينتمون له في الداخل، ولذا تم تأسيس منظمات ووسائل إعلام وأحزاب في الخارج، حتى نكون نحن كشعب سواءً في الداخل أو في الخارج قد بدأنا نبني دولتنا، بدأنا ما يسمى وطنًا حتى وإن كنا بعيدين عنه ولا نستطيع تحقيقه في الداخل، إلا أننا كشعب نستطيع تحقيقه. نتمنى أن نرى حياة حزبية صحية متنافسة في وطننا في القريب إن شاء الله.
أنتم في المعارضة، ما المشروع الذي تطالبون به في السعودية، الخيار الذي تدعمونه أمام رفض النظام للمعارضة، هل أنتم تطالبون بجمهورية ديمقراطية أم مشروع ملكية دستورية؟ ما التصور الذي تطالبون به لشكل الدولة في السعودية؟
قرار الجمهورية والملكية الدستورية هي قرارات مبكرة في هذه المرحلة، وليس ذا أهمية بقدر الخلاص من الاستبداد بشكل كامل، ما أميل له شخصيًا هو أن العدالة الكاملة والمساواة الكاملة توجب أن لا يكون للحاكم صفات وراثية، أو لأنه ابن ذلك الشخص فهو صاحب الحق في الحكم.
الأهم من هذا هو كيف نبني وطنًا؟ كيف يمكن أن نجنب شعبنا ووطننا ويلات الأزمات التي يجرنا هذا النظام إليها، ويلات الأزمات الإقليمية. كنا قاب قوسين أو أدنى أن ندخل حربًا في المنطقة لا تبقي ولا تذر من أجل خيار إسرائيلي. إسرائيل تريد حربًا سعودية إيرانية، لو أن هذه الحرب قامت لكانت الخسارات في الشرق الأوسط رهيبة وأكثر مما هي عليه الآن، نحن نعاني الآن، لو دخلنا حربًا كان يدفع لها نتنياهو ومحمد بن سلمان منجر لها وترامب وجاريد كوشنر يدفعونه لذلك، لو وقع ذلك لكنا الآن في مأزق لا يعلم به إلا الله. ولكن ربما التجربة اليمنية قمعت هذا الشخص المتهور.
لذلك المهم أن نحفظ بلادنا، كيف ذلك؟ هل نقدم التنازلات؟ كأن نتنازل لملكية دستورية لا يملك فيها الملك حق التدخل في أيٍ من القرارات وتكون هناك حكومة ورئيس وزراء منتخب من البرلمان الذي ينتخبه الشعب، ويكون الملك معزولاً عن السلطات الثلاث.
ولا أظن بأن الحزب سيرفض المضي في أي اتجاه؛ سواءً جمهورية أو ملكية دستورية تحفظ مصالح الشعب وتقودنا للدولة التي نحلم بها.
مع تغير الإدارة الأميركية ووصول إدارة جديدة قد تكون مختلفةً في سياستها عن سابقتها، هل ترون إمكانية استمرار عجلة التطبيع ومرور قطار التطبيع بالرياض؟
بالتأكيد السعودية ملتزمة بهذا الأمر أو مندفعة إليه، لأن محمد بن سلمان وصل إلى قناعة أن التطبيع قد يحفظ له بعضًا من حضوره الذي دُمّر بانتهاكاته في اليمن أو في السجون السعودية، وفي القنصلية السعودية في اسطنبول بقتل جمال خاشقجي رحمه الله.
إذا ما مضت السلطات السعودية في هذا القرار في التطبيع مع الكيان المحتل، كيف تتوقعون ردة الفعل الشعبية في السعودية؟
كتطبيع وجعل العلاقة طبيعية مع الاحتلال تقريبًا قد حصلت أو حصل جزء كبير منها؛ إعلان التطبيع وفتح السفارات. خطوة الإعلان فقط هي التي لم تحدث بعد، ونتمنى ألا يحصل، ونتمنى من السلطات أن تتراجع في خطواتها التطبيعية. لكن إذا ما حصلت هذه الخطوة، فالتأكيد سيرفض الشارع هذه الخطوة. هذا أمر قطعي ونعرف أن مجتمعنا يقف مع حقوق الشعب الفلسطيني، نعرف أن مجتمعنا ليس مجتمعًا ملائكيًا، لكنه ليس شيطانيًا أيضًا كما تصوره السلطات. إذا اتخذت السلطات هذه الخطوة فنحن نقول للسلطات وللاحتلال بأن هذه القرارات عمرها بعمر من وقعها معكم، شعبنا غير ملتزم بها، ولا تعني لنا شيئًا، وأن هذه الخطوات تزيد الشعوب إصرارًا ومقاومة وتمسكًا بحقوقها وتفضح العملاء المتصهينين وتكشف أجنداتهم.
ننتقل سريعًا للشأن اليمني السعودي والعلاقات بين البلدين. كيف تنظرون لمشاركة السعودية في الحرب اليمنية بقيادتها للحملة العسكرية للتحالف العربي؟ هل ترون بأن السعودية حقًا تورطت في هذه الحرب؟ وإذا كانت تورطت؛ فمن المسؤول عن هذا التورط؟ أم أنكم أيضًا تشاركون السلطة كمعارضة ذات المخاوف الأمنية التي تدعيها السلطات السعودية؟
أولًا اتخذت السلطات السعودية القرار بنفسها، لم يكن هناك أيضًا أي استشارة حتى لكبار الضباط. القرار كان آخر الليل، فمن يتحمل المسؤولية هي السلطات السعودية أولًا ثم أطراف يمينة وأطراف إقليمية أخرى، لكن السلطات السعودية في المقام الأول تتحمل مسؤولية هذه الحرب، ما تقوم به في اليمن كان قرارًا خاطئًا وارتكب في هذه الحملة الكثير من الجرائم التي يصل بعضها لجرائم حرب. تعيش اليمن مأساة إنسانية، وهذا ليس توصيف يحيى عسيري، أو حزب التجمع الوطني أو المنظمات الحقوقية، هذا توصيف الأمم المتحدة.
كان الأولى بنا كدولة جارة أن نعين الإخوة اليمنيين على الخروج من المأزق الذي دخلوا فيه، والدفع بهم لعملية ينتخب فيها الشعب اليمني من يمثله، ويمارس فيها اليمنيون حقهم في اختيار من يقودهم، ولكن عندما تكون السلطات السعودية لا تمارس هذا الحق بنفسها، فهي لن تجلبه لدول مجاورة. وليست السعودية فقط هي من يتدخل، هناك تدخلات إيرانية أيضًا، الإخوة اليمنيون الذين قبلوا هذه التدخلات سواءً من السعودية أو إيران هم أيضًا قد تورطوا فيما وصلنا إليه.
من المسؤول عن تورط السعودية في هذه الحرب؟
القيادة السعودية أولًا.
ماذا عن المبررات التي تسوقها قيادة المملكة العربية السعودية بأن هذا التدخل مفروض عليهم، ولم توجد أمامهم أي خيارات أخرى متاحة، هنالك خطر حقيقي يهدد الأمن القومي الخليجي؟
هذا غير صحيح، الإشكال كان موجودًا في داخل اليمن وليس داخل الحدود السعودية، كان باستطاعة السلطات السعودية أن تحمي حدودها. ولدى السعودية جيش يمكنه أن يحمي الحدود، هذا إذا كان ما تقوله للدفاع عن أمنها هو المبرر، ولكنهم من جانب آخر يقولون إن المبرر هو حماية الشرعية في اليمن، أو حماية الخيار اليمني. كان يجب أن يجري هذا الأمر عبر طاولة المفاوضات، وألا تكون السعودية هي الوسيط، بل طرف محايد كالكويت مثلًا، التي تلعب دورًا سياسيًا يستحق الاحترام وإن كان ليس بالشكل المطلوب. أو الأمم المتحدة أو دول بعيدة عن المنطقة يكون لها دور محايد. أما السعودية فلها مصالحها في اليمن منذ سنوات طويلة، فليست مؤهلة للعب هذا الدور، عدا أنها دولة دكتاتورية قمعية لا تحترم حقوق الإنسان ولا تحترم خيارات الشعوب، ولذا لم يكن مقبولًا أن تقود السعودية عمليةً كهذه.
في الأخير كيف تنظرون للعلاقات السعودية الإيرانية، وما التصور الذي تريدونه لها؟
يجب أن تكون علاقات جوار، ولا بأس أن يكون بين الدول المتجاورة شيء من التنافس بل يجب عليهم التنافس، في المجال العلمي والثقافي، تنافس في تحقيق الحقوق والحريات لشعوبهم، وليس تنافسًا في أعداد الإعدامات والسيطرة على المنطقة. يتصارعون في لبنان في سوريا في اليمن. هذا الصراع لن يزيد المنطقة إلا تقزيمًا وتفتيتًا. يجب على الدولتين التوقف عن هذا الصراع الذي يدور بينهما، وليتذكر كل منهما أنهما دولتان جارتان وشعبان متجاوران، كتب الله علينا أن نكون معًا في هذه المنطقة، ولن يستطيع أحدٌ إزالة الآخر. التنافس بينهما يجب أن يكون في تقديم الحقوق والحريات والتنمية لشعبيهما.