لم يشهد العصر الحديث قرارات غريبة من حكام بلاد، ترقى إلى ما يفعله الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي زادت حدة ما يتخذه من إجراءات تجاه شعبه، من أجل مصالحه الشخصية وكذلك أفراد عائلته خلال الأيام القليلة الماضية، والتي كان آخرها في 3 كانون الثاني/ يناير 2022.
تحليلات لخط اليد بسبب إساءة إلى الزعيم الكوري
ذكر موقع Daily NK المهتم بشؤون كوريا الشمالية، أن السلطات فتحت تحقيقات مع آلاف من سكان العاصمة بيونغ يانغ، لمعرفة صاحب كتابة على جدران مبنى سكني، في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أساءت إلى الزعيم كيم جونغ أون، وبمجرد أن رآها المسؤولون سارعوا بإزالتها، وبدأت الشرطة في البحث عن صاحبها.
ولتحقيق ذلك تجري السلطات “تحليلات خط اليد”، للعاملين في المصانع والمؤسسات المحلية، وحتى الطلاب منذ 23 كانون الثاني/ ديسمبر، كما تستجوب الشرطة الناس في منازلهم؛ لمعرفة خطوط سيرهم في اليوم الذي حدثت به الكتابة.
Graffiti that directly criticized North Korean leader Kim Jong Un was recently discovered in Pyongyang. https://t.co/RySZHMxuLV #DPRK #NorthKorea #Pyongyang pic.twitter.com/3wsTHdX6Iw
— The Daily NK (@The_Daily_NK) January 3, 2022
وقبل هذا القرار، وخلال الشهر المنصرم، منع كيم جونغ أون الكوريين الشماليين من الضحك، أو شرب الكحوليات لمدة 11 يومًا؛ بسبب إحياء الذكرى العاشرة لوالده كيم جونغ إيل، الزعيم السابق، الذي رحل في 17 كانون الأول/ ديسمبر عام 2011.
وبحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فإنه لم يُسمح للكوريين الشماليين خلال هذه الفترة بالذهاب لشراء الأغذية والمستلزمات المنزلية، وأمرت السلطات المواطنين بعدم إظهار أي بوادر للسعادة، في الأيام المحددة، كما أنه إذا مات أحد من أفراد الأسرة، فلا يسمح بالصراخ عليه بصوت عالٍ، ولا تخرج جثته إلا بعد انتهاء ذكرى الزعيم الراحل.
وعلى الرغم من قرارات “كيم” شديدة الغرابة؛ إلا أنها لم تكن الأولى في التاريخ؛ إذ كان هناك من الحكام من يأمر المواطنين بالانحناء لجواده، كما منع أحدهم بعض الأكلات والنساء من المشي في الشوارع لمدة 7 سنوات.
الإمبراطور كاليغولا يعين حصانه عضوًا في مجلس الشيوخ
يقول المؤلف البريطاني مايكل رانك في كتابه “الحكام الأكثر خبلا في التاريخ”، إن أقرب الأشياء إلى قلب الإمبراطور الروماني كاليغولا (12 – 41 م) الذي يصفه بـ”المخبول” كان جواده (حصانه) المسمى “إنستاتيوس”؛ إذ كان يعامله بصورة أكثر من ملكية، خلال فترة حكمه من سنة 37 وحتى 41 للميلاد.
وبحسب المؤرخ الروماني سويتونيوس، وفقا لما نقله “رانك”، فإن كاليغولا وفر لإنستاتيوس ثمانية عشر خادمًا، وإسطبلا من الرخام، ومعلفًا (المكان الذي يوضع فيه الطعام) عاجيًا، وجبالً حمراء فخمة، وطوقًا مرصعًا بالجواهر، كما أمر أن ينحني المارة لجواده، وأن يجرى إطعامه الشوفان الممزوج بمسحوق الذهب، والنبيذ المقدم بكؤوس ملساء، وكان النبلاء مرغمين على استقبال الحصان كضيف شرف في المآدب.
ويؤكد مايكل رانك أن كاليغولا لم يكن مهتما بتاتًا بتوسيع إمبراطوريته، ولا هزيمة أعدائها، مشيرًا إلى أنه لزيادة الأموال التي يمكنه صرفها على نزواته الشخصية؛ طالب المواطنين الأثرياء بأن يجعلوه الوريث الوحيد لأملاكهم في حال موتهم، وعندما دخل هذا القانون حيز التنفيذ بدأ حملة من الاتهامات الكاذبة، الغرامات والقتل ضدهم للاستحواذ على أموالهم.
لم يتوقف الإمبراطور الروماني عند هذا الحد، بل حاكم مواطنيه الأثرياء وقتلهم بتهم مثل الخيانة ليحصل على أملاكهم، وفرض الضرائب على كل شيء من الزواج حتى الدعارة، وسبب المجاعة في أجزاء من إمبراطوريته باستحواذه على الكثير من الأراضي الزراعية، لتكون وقفا لنفعه الخاص، واستولى على غنائم الجنود التي نهبوها إبان الحروب.
ويشير “رانك” إلى أن كاليغولا عين حصانه في مجلس الشيوخ، وهو الطرح الذي يتفق مع رواية المؤلف حازم فتحي؛ إذ يقول في كتابه المعنون بـ”طيراسون – خيال علمي”، إن “آخر طغيان كاليغولا أنه عين حصانه عضوًا بالبرلمان، ودعا أعضاء مجلس الشيوخ لحفل تنصيبه، ويوم المأدبة فوجئ الحضور بالحراس يحضرون لهم أوانيَ ذهبية تحتوي على التبن والشعير (طعام الحيوانات)”.
ومن خلال ما ذكر يتبين أن كاليغولا لنفسه سمعة بأنه الرجل الذي لبى كل شهواته على حساب إمبراطوريته؛ إذ استخدم سلطته ونفوذه وثروته لإشباع شهوته الجنسية، وكما كتب اسمه كأشهر الحكام ظلمًا، دخل التاريخ أيضًا من جهة أخرى، لكونه أول الأباطرة الرومان الذين ماتوا اغتيالا، نتيجة أفعاله، وفقا لـ”مايكل رانك”.
الحاكم بأمر الله.. "سحلية" تتسلل وسط الرعايا
وننتقل إلى حاكم آخر عرف بقراراته الغريبة تجاه الرعية؛ وخاصة النساء، وهو الخليفة السادس في الدولة الفاطمية، الحاكم بأمر الله، الذي يروي الدكتور بليغ حمدي إسماعيل، في مؤلفه “تأويل العقل العربي المعاصر”، أنه كانت له طريقة مروعة في التسلل بين رعاياه، الأمر الذي جعل معلمه يطلق عليه لقب “سحلية”، وكان على موعد من الغرام مع الليل والظلمة، ما جعل مجلسه الرسمي ينعقد في المساء، وبأمره تحول الليل إلى نهار؛ فكانت الصنائع والحرف والوظائف كافة تسير بالليل فقط دون النهار.
وينقل أبو العباس المقريزي، في كتابه المعنون بـ”اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا”، جانبًا من قرارات الحاكم بأمر الله الغريبة؛ قائلا: “منع الناس من الاجتماع في المآتم واتباع الجنائز، وأحرق زبيبا كثيرًا كان في محارق التجار، وجمع الشطرنج من أماكن متعددة وأحرقه، وجمع الصيادين وحلفوا أنهم لا يصطادون سمكًا بدون قشر، ومن فعل ذلك ضربت رقبته”.
وعانت النساء في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي؛ إذ نهى عن خروج المرأة إلى الشارع مطلقًا، وفرض قوانين وقيودًا رادعة عليهن، وعمد إلى حظر ظهورهن في النوافذ، ومنعهن من ارتياد أسطح منازلهن أيضًا، وبلغ به الأمر إلى حد منع الأساكفة “صناع الأحذية”، من صناعة أحذية لهن، وفقا لـ”إسماعيل”.
في السياق ذاته، يؤكد الدكتور جمال الدين الرمادي، في كتابه “صفحات من تاريخ العرب”، أنه منع النساء من دخول الحمامات العامة، وأمر الباعة أن “يتجولوا بالأزقة والحارات للبيع للنساء، وظل يعانين هذه المحنة طيلة سبعة أعوام”، لكنه يتدارك قائلا: “لم يستثن من ذلك غير النساء المتظلمات للشرع أو الخارجات إلى الحج أو المسافرات أو القابلات أو غاسلات الموتى أو نحو ذلك”.
وبحسب مؤلف “تأويل العقل العربي المعاصر”، فإن الخليفة الفاطمي “منع الجعة وصادر الخمور وأتلف أشجار الكروم، ولم يسمح بأكل الملوخية التي كان اسمها في الأصل (ملوكية)، أي طعام لا يأكله إلا الملوك، وحظر لعبة الشطرنج نهائيًا، وبالتالي أحرقت كل رقعة أعدت لها، وأمر بقتل الكلاب أينما وجدت”.
انفصام شخصية الحاكم بأمر الله
من ناحية أخرى، حاول المؤلف الحسيني الحسيني معدي، أن يصف شخصية الحاكم بأمر الله، لفهم الحالة التي كان عليها؛ إذ ذكر في مؤلفه “أشهر الطغاة في التاريخ”: أكثر من 100 شخصية عربية وأجنبية”، أن المصادر التاريخية تجمع على أنه “كان مصابا بازدواج الشخصية أو ما يعرف في اصطلاح الطب النفسي بانفصام الشخصية، فتصفه تارة بأنه كان مضطرب العقل، يفعل الأمر ثم ينقضه ويتراجع عنه، وهو في الفعل والترك جميعًا مسوق بهواه وخيالاته المريضة”.
ويدلل المؤلف على ما طرح من خلال ما أوردته المراجع التاريخية عن الحاكم بأمر الله، فيقول: “كانت خلافته متضادة بين شجاعة وإقدام، وجبن وإحجام، يحب العلماء وينتقم منهم، ويميل إلى الزهاد وأهل الصلاح ثم يفتك بهم، وكان الغالب عليه الجود والسخاء، وربما بخل بما لم يبخل به أحد قط، ينهى عن النظر في النجوم وينظر فيها، يسرف في التنعم والإقبال على الحياة ثم يسلك سبيل الزهاد والمتصوفة، فلا يدع لباس الصوف، ويمتنع عن دخول الحمام، ويحرم بعض الأطعمة ثم يبيحها، يقلب الليل نهارًا ويجعله مسرحًا للنشاط والعمل”.
ولم يغفل “معدي” عن تناقضات الخليفة الفاطمي في أمر الإسلام والأديان السماوية الأخرى؛ فأوضح أنه كان “يأمر بمطاردة اليهود والنصارى ثم يعفو عنهم، يشتاط فيأمر بهدم كنائسهم ثم يعود فيسمح لهم بإعادة بنائها، يمنع الناس من صلاة التراويح ثم يسمح بها، يأمر بسب الصحابة على أبواب المساجد والدور ثم ينهى عن ذلك، ينهى عن تقبيل الأرض بين يديه والصلاة عليه في الخطب والمكاتبات، ثم يدعي الألوهية، ويشجع الدعوة الإلحادية”.
السلطان إبراهيم الأول يأمر بقتل المسيحيين بسبب "امرأة"
ومع مرور الزمن، والوصول إلى القرن السابع عشر الميلادي، نجد أن الأمر لم يتغير كثيرًا؛ بل ظل لكل وقت حاكمه المستبد الذي يعاني الشعب من نزواته؛ فعندما تولى السلطان العثماني إبراهيم الأول (1616 – 1648) إدارة شؤون الدولة عام 1640، وقعت حادثة أدت إلى الحرب بينه وجمهورية البندقية في أوروبا، يصفها الكاتب اللبناني الأمير شكيب أرسلان، في مؤلفه “تاريخ ابن خلدون”، بأنها “أغرب حوادث التاريخ”.
وعن تفاصيل الحادثة، يشير “أرسلان” إلى أن رئيس الخصيان في القصر، الذي يسمونه قيزلر آغاسي، كان عنده في الحرم جارية حسناء بارعة الجمال، اختيرت لتكون ظئرًا (حاضنة) للأمير محمد بن السلطان إبراهيم، وكانت قد حملت ثم وضعت ولا يعلم من أين وقع ذلك، فشغف حبها السلطان حتى صار يفضل طفلها على طفله، فوقعت الغيرة في السراي.
ويؤكد المؤلف أن السلطان كاد يقتل طفله من شدة شغفه بالجارية وحبه لطفلها، فلم يجد القيراز أغاسي حيلة أحسن من أن يقصد الحج ويأخذهما معه، لكن في أثناء السفر بالبحر هاجم فرسان مالطة الأسطول الذي يقلهم، فدارت بين الفريقين معركة، ووقع رئيس الخصيان قتيلا!.
وقعت الجارية وطفلها في أيدي فرسان مالطة، فظنوا أن ولدها هو ابن السلطان وبالغوا في الاعتناء به وبأمه، إلا أنهم عرفوا فيما بعد أنه لم يكن نجل “إبراهيم”، فربوه في الديانة المسيحية ونشأ قسيسًا، وكان يطلق عليه اسم “الأب العثماني pater ottoman”، وكان الناس في أوروبا يعتقدون أنه من ذرية “العثماني”.
ووفقا لمؤلف “تاريخ ابن خلدون، عندما علم السلطان إبراهيم بذلك “جن جنونه، وأصدر أمره بادئ ذي بدء باستئصال جميع المسيحيين، إلا أن شيخ الإسلام عارضه بشدة فتوقف عن إنفاذ هذا الأمر، وأمر بقتل جميع الإفرنج، فجاء الوزراء فأرجعوه عن ذلك أيضًا، على أن يقتل كهنة الكاثوليك، قبل أن يتراجع للمرة الثالثة، وانتهى الأمر باعتقال سفراء الدول المسيحية كلهم”.
النساء يحكمن الدولة العثمانية في عهد "إبراهيم الأول"
وبعيدا عن هذه الحادثة، كان السلطان إبراهيم الذي استمر حكمه إلى عام 1648 مسترسلاً إلى شهواته البدنية، منقادًا لجواريه الحسان يفعل لهن ما يشأن، فاستنزفن خزانة السلطنة، وأسفت الرعية من هذه الحالة التي كان عليها، ويؤكد مؤلف كتاب “الحكام الأكثر خبلا في التاريخ”، أن أهداف رمايته كانوا خدمه، وكان يعشق النساء البدينات، وأطلق عليه لقب “المجنون”.
ويتفق حازم فتحي مع الطرح السابق؛ إذ يقول: “إن السلطان العثماني إبراهيم الأول كان شغوفًا بحب النساء البدينات، وكان لديه عملاء للتجسس عليهن، وأغرق 280 واحدة منهن عندما علم أنهن قضين ليالي مع رجال آخرين”.
أثرت شهوات السلطان بالطبع على شؤون الدولة العثمانية، حتى أصبحت النساء تتحكمن فيها، وهنا يؤكد الباحث البوسني حسن كافي الأقحصاري، في مؤلفه “أصول الحكم في نظام العالم”: رسالة في الفكر السياسي الإسلامي”، إن نفوذ كوسيم، والدة إبراهيم، بلغ ذروته في عهده؛ إذ تفرغ للنساء وتركها والقادينات (القادنة: زوجة السلطان التي أنجبت ذكرًا) يتصرفن في أمور الحكم.
ونقل “الأقحصاري” عن المؤرخ الفرنسي رامبو Rambaud، قوله: “إنه لم يحدث من قبل أن حكمت سيدات الحريم السلطاني الدولة العثمانية بمثل هذا الشمول والتغلغل في أجهزة الحكومة، كما حكمتها سيدات الحريم في عهد إبراهيم المجنون”.
في السياق ذاته، يؤكد محمد عبد الرازق، في مؤلفه “الإسلام والحضارة العربية”، أن إبراهيم الأول أخجل بني عثمان بتهتكه وسوء سيرته، موضحًا: “قيل إنه قتل مائة ألف إنسان؛ لأنه أراد أن يغتصب زوجة أحد العظماء لجمالها، وكان يبني (يدخل) كل أسبوع ببكر، وتقام له الأفراح، ثم ضعفت أعصابه فأخذوا يصفون له المقويات”.
وفي ثنايا حديثه عن خطايا الحكام عبر التاريخ في حق الشعوب، ذكر مؤلف “طيراسون – خيال علمي”، أن الفرعون المصري بيبي الثاني (2278 – 2184 قبل الميلاد)، كان يمتلك نظاما لتجنب الحشرات؛ إذ كان يدهن أجساد العبيد وهم عرايا بالعسل ليتجمع حولهم الذباب، ويتركه في سلام فلا يؤرق مجلسه.