قبل أيام من كتابة هذا المقال لم أكن قرأت حرفا للدكتور سيد القمني، فقد صدني عن الرجل مناظرة قديمة شاهدتها، من خلال قناة الجزيرة، وجرت بينه وإسلامي متطرف يدعى هاني السباعي، ثم توالت بعدها مشاهدات خاطفة للقمني أكدت معنى وقر في نفسي، أنه لا يمكن أن يحمل أي قيمة، لكن وفاته استدركت على هذا المعنى، فما استدعته من اشتباك على نطاق واسع نسبيا، نبهني إلى ضرورة مغادرة موقعي منه والاطلاع على بعض ما كتب.
ما إن مررّت عيني على الكلمات الأولى من كتابٍ اخترته عشوائيا “الأسطورة والتراث” حتى ارتددت إلى موقعي، لا يكاد الرجل يقول شيئا ذا معنى، لغته بالغة الركاكة.. أفكاره مهوّشة..؛ لتعقد ذاكرتي رابطة بينه وعبد الفتاح القصري في مشهده الأشهر بفيلم “الأستاذة فاطمة” وهو يقف أمام هيئة المحكمة قائلا: يا سيادة الرئيس، قضيتنا اليوم هي قضية الحق، ولقد ظهر الحق و”زِهِئ” الباطل، إن المتهم الواقف أمامكم –خلف القضبان الحديدية– مجرم أثيم وقاضٍ “دئيم” اعتدى على الشرف والفضيلة، الذي والتي يحميهن القانون…
ربما يرى قارئٌ أن سخريتي غير مناسبة ولا تليق أبدا برجل استطاع أن يفرض نفسه كاسمٍ مهمٍ في عالم الفكر ببلدنا، لكني سأعارض قارئي العزيز برأي لـ”فالتر بنيامين” يقول: “لا يقبل العمل الرديء أو المصطنع أو الزّائف الكشف النقدي، ولا يمكن سوى هدمه بالسخرية، والتهكّم منه بصوت عالٍ..”.
لهذا ستكون السخرية أسلوبي؛ أما أداتي فهي تحليل اللغة، لا أتخطاها إلى مناقشة أفكار يطرحها الرجل ـ إن وجدت ـ وسأصحبك ـ عزيزي القارئ ـ ليس فقط عبر كتاب “الأسطورة والتراث” بل أطوف معك على كتب الدكتور القمني بقدر ما تتسع المساحة، وحتى تتسع سأختار فقرات محدودة، مع تقيدي أن تكون اختياراتي دوما من الفصل الأول ـ الذي يعنونه عادة بـ “تأصيل” ـ لا تتعداه، للتدليل على أن هذا هو النمط السائد على طول مؤلفات الرجل، إذا شئت تسميتها بذلك.
كتاب "الأسطورة والتراث" ــ تأسيس
يتحدث الدكتور القمني في هذه المقدمة أو التأسيس عن أن تمسكنا “العنصري بالجنس والدين والجذور القومية سببه حنين للماضي وأن “خصوصيتنا العرقية الجنسية القومية” أصبحت أدلوجة دينية وأن هذا أدى إلى “سقوط في مزيد من الانحطاط”، ليستكمل:
ومع الإحساس ـ المتنامي دومًا ـ بالدونية والتقزُّم واليأس المطبق عن اللحاق بعالَم اليوم، تنعكس المشاعر لتحوِّل الدونية إلى الطرف المقابل؛ لإيجاد نوع من التوازن النفسي، فتتضخم الذات، والثقافة القومية، والأصل، والماضي، حتى نصل بها إلى أقص (ى) الطرف الآخر، بنرجسية واضحة، بل وفصامية، فنستخدم أحدث المنتجات العلمية الغربية، ثم نبرر لأنفسنا الوجه الآخر من الفصام العاجز، بالأزمة الروحية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العالَم المتقدم بشقيه، والتي لا بد أن ترجع أسبابها ـ وفق هذا المنطق المريض ـ لأخذ الغرب بالعلم البشري وحده، مع التشكيك الملح في قيمة ما أنتجه العقل البشري، وفي إمكانات هذا العقل.
لنقرأ معا، يقول القمني “تنعكس المشاعر لتحوِّل الدونية إلى الطرف المقابل؛ لإيجاد نوع من التوازن النفسي”! عبارة “قصرية” فارغة من أي معنى، فجملة تنعكس المشاعر بمعنى تنقلب، لكن كيف تنعكس أو تنقلب المشاعر فتتحول الدونية إلى الطرف المقابل!، نحن نفهم أن تنعكس أو تنقلب المشاعر فتتحول الدونية ـ مثلا ـ إلى عزة وإباء، لكن أن تنعكس المشاعر لتتحول الدونية إلى الطرف المقابل، فهذا قد يكون انقلاب إلا أنه على اللغة.
لنتابع: “تنعكس المشاعر لتحول الدونية إلى الطرف المقابل” سنساير الدكتور القمني في عبارته لنستشف أن “الطرف المقابل” هو الغرب، وبحسب منطوق العبارة المهوشة فإن الدونية صارت من نصيب الغرب! بمعنى أن الغرب أصبح يشعر بالدونية، وهذا معنى لا يستقيم ولو استقامت لنا الحياة.
يستكمل الدكتور سيد: “..فتتضخم الذات، والثقافة القومية، والأصل، والماضي، حتى نصل بها إلى أقص (ى) الطرف الآخر، بنرجسية واضحة، بل وفصامية..”، تتضخم الذات وتتضخم الثقافة القومية، وتتضخم الأصل!! وتتضخم الماضي!! حتى نصل بها (والضمير هنا يعود بطبيعة الحال للثقافة القومية) إلى أقصى الطرف الآخر، بنرجسية واضحة بل وفصامية.
والسؤال بعد أن تضخمت رأسي وباتت على وشك الانفجار: هل يجد أحدكم معنى لمنطوق هذه العبارة؟ لعل له معنى وتحول “نرجسيتي الفصامية” بيني وبينه لموقفي من الرجل.
يتابع القمني: “فنستخدم أحدث المنتجات العلمية الغربية (عبارة تفيد معنى!) ثم نبرر لأنفسنا الوجه الآخر من الفصام العاجز، بالأزمة الروحية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العالم المتقدم بشقيه”، خلفنا “النرجسية الفصامية” ليقطع طريقنا “الفصام العاجز”! سأكون مدينا لمن يوضح لي ما هو “الوجه الآخر للفصام العاجز”؟ وكيف نبرره بالأزمة الروحية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العالم المتقدم؟!
يستكمل القمني: والتي لا بد أن ترجع أسبابها –وفق هذا المنطق المريض– لأخذ الغرب بالعلم البشري وحده، مع التشكيك الملح في قيمة ما أنتجه العقل البشري، وفي إمكانات هذا العقل.
إذا تجاهلنا منطوق عبارة “الوجه الآخر للفصام العاجز” وتبريره بالأزمة الروحية والاقتصادية والاجتماعية، وسعينا جاهدين إلى التعرف على معنى يقصده الدكتور القمني، والرجل بحق يمد لنا يد المساعدة بعد “مخمضة” عقولنا بعباراته السابقة، فينبهنا إلى أن “الأزمة الروحية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العالم المتقدم ترجع أسبابها ـ وفق المنطق المريض ـ إلى أخذ الغرب بالعلم البشري وحده…”.
أتفهم أن ينسب الدكتور إلى “العالم المتقدم” على لسان التيار الذي يستهدفه بحديثه، أزمة روحية وأخرى اجتماعية لكن أن يضيف إليهما أزمة اقتصادية! فكيف لأحد ينتمي إلى مجتمع مثل مجتمعنا أن ينسب إلى العالم المتقدم معاناته من أزمة اقتصادية؟! هو الكلام يطلق على عواهنه دون احتراز، مع ذلك أتصور أنه من التزيّد أن نستدرك على الدكتور سيد هفوة كهذه بعد ما سبق ورصدناه في فقرة لا تزيد عن 90 كلمة.
لا يقبل العمل الرديء أو المصطنع أو الزّائف الكشف النقدي، ولا يمكن سوى هدمه بالسخرية، والتهكّم منه بصوت عالٍ..
فالتر بنيامين Tweet
كتاب السؤال الآخر ـ مقدمة
هذا الكتاب مثل ما يخبرنا الدكتور القمني هو “مجموعة من المقالات والدراسات والحوارات” تناقش موضوعات متنوعة، موجها عبرها نقدا للدولة وللجماعات الإسلامية، فينتقد الدولة التي “تكرس لمنهج يكبح السؤال والإبداع الحر، ويدرب العقل على الطاعة الكاملة، وأنه لا خوف علينا، فنحن خير أمة أخرجت للناس، تقف من ورائنا منظومة فكرية متكاملة ثم إنها قدسية، لا يدخلها (يداخلها) الباطل أبدا” (!).
“.. وهكذا تم تكريس الواحدية الشمولية الدينية، مع تضخم الذات وتورم الأحلام فحصلنا على أجسام الديناصورات بالتكاثر والتناسل الذي نجيده حقا وصدقا، لكن مع عقول دمرتها الخرافة والمناهج الواحدية.. وعشنا خدر العصور البدائية وتصورنا أننا بكثرتنا العددية (نحن الغالبون) رغم أن المصري الخبير سبق وأكد في مثله السائر: إن (العدد في الليمون)، فأدرك حكمة دولة الديناصور من الوجود”…
المأساة تتضح بعد تحول الكثيرين من الأميين إلى متعلمين بل حاصلين على أعلى الشهادات التي لا تعني الثقافة بمعناها العلمي الدقيق، وحملت إليهم العربية مع أيديولوجيته الواحدية كل محيطها الذي ارتبط بها وأفرزها..
يقول الدكتور القمني: “وهكذا تم تكريس الواحدية الشمولية الدينية، مع تضخم الذات وتورم الأحلام فحصلنا على أجسام الديناصورات بالتكاثر والتناسل الذي نجيده حقا وصدقا”. كثير من العلاقات التي يعقدها الدكتور سيد، كذلك العديد من تعبيراته تثير في نفسي شيء من البهجة، فهي ساذجة ولطيفة وطفولية، فالرجل هنا مثلا يعقد علاقة بين “تضخم الذات وتورم الأحلام” المقترن بـ “تكريس الواحدية الشمولية الدينية” وبين “أجسام الديناصورات”، ليتحول التضخم غير المادي (الذات) إلى تضخم مادي (الديناصورات)، وإن كان ذلك لا يقع مباشرة بل عبر “التكاثر والتناسل”، وهي صورة كرتونية ـ نسبة إلى أفلام الكارتون ـ غير أن الدكتور القمني سرعان ما يشدنا من هذه الصورة المتخيلة اللطيفة ويردنا إلى عقولنا وقد “دمرتها الخرافة والمناهج الواحدية” ليستكمل: “وعشنا خدر العصور البدائية وتصورنا أننا بكثرتنا العددية (نحن الغالبون) رغم أن المصري الخبير سبق وأكد في مثله السائر: إن (العدد في الليمون)، فأدرك حكمة دولة الديناصور من الوجود”.. نفهم من هذه العبارة كون القمني ينعى على المجتمع تصوره أن الكثرة العددية قد تجعل له الغلبة، لكنه يستدرك أن “المصري الخبير” أدرك أن “العدد في الليمون” على خلاف المصريين المعاصرين أو قطاع منهم على الأقل ممن ليس لديهم خبرة كافية بمصريتهم، فلم يدركوا مثل أولئك الخبراء “حكمة دولة الديناصور من الوجود” وأزعم أن لا المصريين الخبراء ولا الهواة يستطيعون فك شفرة هذه العبارة، فما هي “حكمة دولة الديناصور من الوجود؟” وما هي بدايةً دولة الديناصور؟
هل “تضخم ذواتنا” و”تورم أحلامنا” الذي نتج عنه تضخم أجسادنا لنحصل على أجساد الديناصور قد جعل بالتبعية دولتنا دولة أو محمية للديناصور؟ طبعا هذا هو الفهم الأقرب، مع ذلك تظل “حكمة دولة الديناصور من الوجود” مجهولة؟، فلا أتصور أن الدكتور القمني يقصد أن تتمثل الحكمة في “التكاثر والتناسل” وإن كان المنطوق يصب بهذا المعنى، إلا أن الدولة في عصر كتابة هذا المؤلف وحتى اليوم جعلت من أولوياتها التصدي لهذا المنحى.
يعبر الدكتور القمني بعد ذلك عن وجهة نظره في مجانية التعليم، فيرى فيها مأساة “بعد تحول الكثيرين إلى متعلمين بل حاصلين على أعلى الشهادات (أي والله يا دكتور) التي لا تعني الثقافة بمعناها العلمي الدقيق” ولا أعلم أن هناك معني علمي دقيق للثقافة، فللثقافة معانٍ وتعريفات متعددة، كذلك ليس هناك تعريف محدد للمثقف، فلا وجود لتلك الدقة العلمية المزعومة.
رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة ــ المقدمة
بعد أن ينبهنا الدكتور القمني أن بحثه يجمع بين الفكر العقائدي والفكر الفلسفي، حاشدا مجموعة من الاقتباسات لعدد من الفلاسفة، أمثال: هيجل وكولنجوود وبيكون وهيوم وكانط، يتحدث مفكرنا من علٍ فيقول:
“..والأمر الواضح والمأخوذ على مكتبتنا العربية، هو إقلالها الشديد في الدراسات الموضوعية، حول العقائد السابقة على الإسلام، وبذلك تُعاني نقصًا وفقرًا شديدًا في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بعقائد الحضارات القديمة وما تيسر لنا منها، وجدناه يعامل هذه المعتقدات إما باعتبارها مثيولوجيا خالصة، من منطق التسفيه والتكفير. بل إن بعضها كان يعاني من سطحية شديدة في البحث لا تراعي أبسط شروط البحث السليم؛ كمُراعاة الفارق الزمني، وما يستتبعه من فوارقَ في مختلِف الإمكانات المتاحة، مثلًا.…
إن الباحث لا يدعي قدرات ليست له، ولا يصل به الظن إلى حد إمكان تجاوز “الاستحالة”، ولا يزعم لنفسه فهما يفوق أصحاب المسألة المتخصصين، إنما هو يزعم “المحاولة” فقط، لدفع الموقف عبر الاستحالة، من خلال عملية ترتيب وتنظيم وتبويب جديدة تماما، للموجود منذ القديم، فلربما تصبح المسألة أكثر قبولا، وأقل تناقضا واضطرابا…
الملاحظة الأولى التي يسوقها القمني، هي ملاحظة مكرورة تطالعها في كثير من مقدمات أو “تأصيلات” مؤلفاته، فالمكتبة العربية دائما في حاجة للموضوعات التي اختارها الدكتور القمني للبحث، ليتبع ملاحظته المكرورة بنقده أنه حتى الدراسات العربية القليلة تعامل العقائد السابقة على الإسلام “إما باعتبارها مثيولوجيا خالصة، من منطق التسفيه والتكفير..” ولا أعلم من هو الباحث الذي يمكن أن يتناول ديانة ميتة من منطق “التسفيه والتكفير” تسفيه وتكفير من؟!
يتابع الدكتور قائمة اتهامه لهؤلاء الباحثين غير الأكفاء الذين يتعاملون مع الديانة القديمة باعتبارها ميثولوجيا، وينسى في معرض ذلك أنه بدأ جملته بحرف تفصيل “إما” يستوجب أن يتبعه بـ وإما كذا، فيقول: “بل إن بعضهم كان يعاني من سطحية شديدة في البحث لا تراعي أبسط شروط البحث السليم؛ كمُراعاة الفارق الزمني” لكنه لا يوضح لنا أين يمكن أن يتواجد مثل هؤلاء الباحثين، وهل هم مصريون وعرب أم غربيون؟ ومن الجهة البحثية أو الأكاديمية التي تتيح لـ”باحثين” لا يراعوا “أبسط شروط البحث العلمي” أن يتخذوا هذه الصفة؟! لا أتصور إلا أنهم كانوا زملاء للدكتور القمني في جامعة جنوب كاليفورنيا.
يستكمل بعدها: “وما يستتبعه (مراعاة الفارق الزمني) من فوارقَ في مختلِف الإمكانات المتاحة مثلًا” وهي عبارة أخرى فارغة من المعنى، فما هي مختلف الإمكانات المتاحة؟!.
وفي مفارقة طريفة، فبعد تبكيت الدكتور القمني لمكتبتنا العربية وللباحثين المتخصصين يتواضع حد إنكار تخصصه، فيقول: “إن الباحث (القمني) لا يدعي قدرات ليست له، ولا يصل به الظن إلى حد إمكان تجاوز “الاستحالة” ولا يزعم لنفسه فهمًا يفوق فهم أصحاب المسألة المتخصصين” مع أن مفكرنا يستهل كتابه بتنبيه أن المؤلَف ليس إلا رسالته للدكتوراه، فهو مجال تخصصه! يستكمل بعدها الدكتور سيد محاولته للتواضع: “إنما هو يزعم “المحاولة” فقط، لدفع الموقف عبر “الاستحالة”، وهذه العبارة أضع جائزة لمن يزعم لمنطوقها معنى ويبينه لي.
يفصل الدكتور بعد ذلك أن دفعه الموقف عبر “الاستحالة” سيكون “من خلال عملية ترتيب وتنظيم وتبويب جديدة تماما، للموجود منذ القديم، فلربما تصبح المسألة أكثر قبولا، وأقل تناقضا واضطرابا… يواصل المفكر الراحل إرباكنا بعباراته، وليته اهتم بترتيبها وتنظيمها قبل ترتيب وتنظيم أي شيء آخر، حتى يتبين لنا ما هو “الموجود منذ القديم”؟! عبارة ذات طابع ميتافيزيقي، تلقي بنا في فضاءات العبث واللامعنى، وهي فضاءات لا تغادرها كتابات الدكتور القمني.
هذه قراءة سريعة ألزمت نفسي فيها ألا تتعدى اختياراتي لفقرات ـأحلل لغتهاـ المقدمة في مؤلفات الدكتور سيد، تجنبا لتهمة التصيد إن منحت نفسي حرية التجوال في كامل فصول كتبه، وإذا ضاقت المساحة المخصصة للمقال عن أن أتجاوز في عرضي ما قدمته فيمكن لكل أحد أن يختار عشوائيا ـ مثلما فعلت ـ أي من كتاباته، ليقم بما قمت به، وسيحصل على أضعاف ما سجلته من طرافة، إذ ليس مطالبا بقيد ألزمت نفسي به وهو التقيد بمقدمة أعمال مفكرنا، لاستعرض تلك النماذج منها، وإن كنت أرى في ذلك إهدارا للوقت، وأتفهم إن عده البعض سخفا، فتتبع أفكار مهوشة وكلام فارغ من أي معنى لإثبات أنه كذلك، أمر سخيف.
لكني أسجل بهذه الورقة عدم تفهمي للحالة التي خلّفها الدكتور القمني بوفاته، فكتاباته لا يمكن أن تحرض أحدهم على توجيه نقد لها؛ فضلا أن يدعي آخر حملها معنى، حيث لا ترقى لغة الرجل ـ بحسب المناطقة الوضعيين ـ إلى أن نعرضها على مقياس الصدق والكذب مثلا، لأن ذلك يتضمن إمكانية تصور العقل لمعانيها، وأظن أنه لا سبيل لتصورها إلا كما نتصور معاني حملتها مرافعة عبد الفتاح القصري الشهيرة، فـ”يأيها وأيتها القُرّاء والقارئات لكم الحكم أولا وأخيرا”.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.